الأحد 7 أيلول 2025
03 أيلول 2025
الأحد 7 أيلول 2025
العدد 36
الأحد قبل رفع الصليب
اللحن الرابع، الإيوثينا الثانية
أعياد الأسبوع:
7: تقدمة ميلاد السيِّدة، الشَّهيد صوزن، البارَّة كاسياني، 8: ميلاد سيِّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، 9: تذكار جامع لجدَّي الإله يواكيم وحنَّة، الشَّهيد سفريانوس، 10: الشَّهيدات مينوذورة وميترذورة ونيمفوذورة، 11: البارَّة ثاوذورة الإسكندريَّة، آفروسينوس الطبَّاخ، 12: وداع ميلاد السيِّدة، الشَّهيد في الكهنة أفطونومس، تقدمة ميلاد السيِّدة، الشَّهيد كورنيليوس قائد المئة ورفقته، تجديد هيكل القيامة.
ماذا نتعلّم من يواكيم وحنّة
ماذا نتعلّم من حياة القدّيسين جدّي المسيح، يواكيم وحنّة، وكيف نستفيد من تجربتهما في تشديد حياتنا الروحيّة؟
كان العقر زمن جدّي المسيح يُحسَب على أنّه إشارة غضب إلهيّ على الزوجين، وكان المجتمع اليهوديّ ينظر إليهما نظرة احتقار. هذا الأمر واضح من كلام القدّيسة أليصابات والدة المعمدان حين حبلت في شيخوختها فقالت: "هكذا فعل بي الربّ في الأيّام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس" (لوقا ١: ٢٥).
يشهد الكتاب المقدّس على أنّ زخريّا وأليصابات": كانا كلاهما بارّين أمام الله سالكين في جميع وصايا الربّ وأحكامه بلا لوم (لوقا ١: 6)، وكذلك يشهد التقليد الآبائيّ الكنسيّ على أنّ يواكيم وحنّة كانا يحملان الصفات نفسها.
الإنسان البارّ ينظر إلى الأمور نظرة إيجابيّة حسنة وليس من الممكن أن يكون لديه أعداء، بل ينظر إلى مخاصميه نظرة شفقة، ويرى أنّهم بحاجة إلى مساعدة. الإنسان البارّ يعلم أن العدوّ الحقيقيّ هو من الداخل، ويجب علينا محاسبته والتغلُّب عليه وطرده فورًا في حال محاولته الاعتداء على أفكارنا ونفوسنا.
للأبرار عدوّ واحد وهو الشيطان وأرواحه النجسة. نحن كبشر لا يمكننا أن نشيطن الإنسان. ليس هناك من إنسان سيّء أو ساقط بالكلّيّة، بل هناك بالحريّ داخل كلّ إنسان، شرارات من نور وصلاح، تضيء ولو باليسير هذا الداخل، وبطريقة ما قد يسمح الله أن يجعلها نارًا متوقّدة.
من هنا ليس لنا مصلحة في مخاصمة الناس وقتالهم، حتّى ولو كانوا يوجّهون باستمرار الإهانات والضربات كما كانوا يعملون مع يواكيم وحنّة وكلّ العواقر في ذلك الزمان. أن تخاصم وتقاتل الناس يعني أنّك في الوضعيّة الخاطئة على الجبهة، وأنّك لست في مواجهة مع العدوّ الحقيقيّ. حتّى ولو نجحت في هزم العدوّ المنظور، لا تكون قد ربحت شيئًا من هذا القتال، بل تكون غريبًا عن النجاح والغلبة الحقيقيّين.
الشجرة تُعرَف من ثمارها والإنسان من أعماله. الأعمال الصالحة لا نخسرها البتّة. الذي يزرع المجاملات يحصد الصداقات والذي يبذر بذور اللطف يجمع أغمار الحبّ. هذه وصيّة القدّيسين: أن لا نغاضب بعضنا بعضًا (غلاطية ٥ : ٢٦.)
نتعلّم أيضًا من القدّيسين يواكيم وحنّة، أنّه عندما نسأل الله أمرًا ما، يجب أن لا نتوقّع تحقيقه في الوقت والزمان اللذين نراهما مناسبين لنا. نحن المسيحيّين نؤمن بأنّ الله يستمع إلى كلّ طلباتنا، ولكنّ الحكمة الإلهيّة التي تفوق كلّ حكمة أرضيّة، تعلم الزمن المناسب لتحقيق ذلك، وفي حال عدم الاستجابة، فاعلم حينها أنّ طلبتك هذه لم تُستَجَب لأنّها ليست لمصلحة خلاص النفوس. لقد تعلّمت العذراء مريم من والديها أن تكون متوكّلة على الله، وأن تضع كلّ رجائها بين يديه وهكذا نحن أيضا يجب أن نتعلّم ونقول دائما قول البتول" ها أنا أمة للربّ، ليكن لي حسب قولك"(لوقا ١: ٣٨).
تعلّمت العذراء أيضًا من والديها أن تحتمل الآلام وذلك السيف الذي جاز في نفسها بحسب نبوءة سمعان الشيخ. من هنا نرى أنّ الآلام لا بدّ منها وأنّه يجب تحمّلها واعتبارها عطيّة تسمح بتقديسنا كما يقول بولس الرسول: "لأنّه قد وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألّموا لأجله" (فيليبي ١: ٢٩). نعم هذه الكأس لا بدّ من أن نشربها بعد أن اصطبغنا بالمعموديّة لنكون كاملين كما أنّ أبانا الذي في السماوات هو كامل.
يا أحبّاء "إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضا بحسب الروح" (غلاطية ٥: ٢٥). لأنّ الإنسان الذي يعيش بحسب الجسد هو إنسان ضعيف ويحاول دائمًا أن يهرب من شرب تلك الكأس المرّة، أمّا الذي يعيش بحسب الروح فهو يقبل الآلام صابرًا لينال الغبطة في النور الذي لا يعروه مساء.
طروباريّة القيامة باللحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنحَ العالمَ الرحمةَ العُظمى.
طروباريّة تقدمة ميلاد السيّدة باللحن الرابع
اليوم من أصل يسَّى ومن صُلب داود، تُولد لنا مريم الفتاة الإلهيّة، لذلك كلّ البرية تبتهج وتتجدّد، وتفرح السماءُ والأرض معًا، فيا قبائل الأمم سبّحيها، فإنّ يواكيم يبتهج، وحنّة تعيّد صارخةً: العاقر تلد والدة الإله المغذيّة حياتنا.
قنداق تقدمة ميلاد السيّدة باللحن الرابع
إنّ المسكونة بمولدكِ الموقَّر، تتزَّين عقليًّا بزينة الروح غير الهيولي، فتهتف نحوكِ بسرورٍ قائلةً: افرحي أيّتها العذراءُ يا فخر المسيحيّين.
الرسالة: غلا6: 11-18
خلّص يا ربُّ شعبَك وبارك ميراثَك
إليكَ يا ربُّ أصرخ: إلهي
يا إخوة، انظروا ما أعظمَ الكتابات التي كتبتُها إليكم بيدي، إنَّ كُلَّ الذينَ يُريدون أن يُرضوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزمونكم أن تختتِنوا، وإنَّما ذلكَ لئلّا يُضطهَدوا من أجل صليبِ المسيح، لأنَّ الذينَ يَختتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون الناموسَ، بل إنَّما يُريدون أن تَختتِنوا ليفتخروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشا لي أن أفتَخِرَ إلّا بصليبِ ربّنا يسوعَ المسيح الذي به صُلبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيء ولا القَلَف بل الخليقَةُ الجديدة. وكلُّ الذين يسلُكُون بحَسبِ هذا القانون فعليهم سَلامٌ ورَحمةٌ وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبنَّ عليَّ أحدٌ أتعابًا فيما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سماتِ الربِّ يسوع. نعمةُ ربّنا يسوعَ المسيح مع روحِكم أيُّها الإخوة. آمين.
الإنجيل: يو 3: 13-17
قال الربُّ: لم يصعد أحدٌ إلى السماءِ إلّا الذي نزلَ من السماءِ ابن البشر الذي هو في السماءِ. وكما رفع موسى الحيَّة في البرّيَّة، هكذا ينبغي أن يُرفعَ ابنُ البشر لكي لا يهلِكَ كلُّ مَن يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياة الأبديَّة. فإنَّهُ لم يرسِل الله ابنَهُ الوحيدَ إلى العالم ليدينَ العالم بل ليُخلِّصَ بهِ العالم. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
في الإنجيل
نبلغ بنعمة الله هذا الأحد المبارك، الأحد الذي يسبق عيد رفع الصليب الكريم المحيي، وقد رتّبت الكنيسة المقدّسة مقطعين مباركين من الرسائل والإنجيل يضعانِنا أمام عدد من الأحداث المترابطة والتي غايتها الوصول إلى مفهوم الصليب الذي سُمّر عليه مخلّصنا لكي يُعطينا الحياة الأبديّة.
يُذكّرنا النصّ الإنجيليّ بحدثٍ جرى في العهد القديم عند عبور الشعب العبريّ ووُجوده في منطقة مليئة بالحيّات التي تلدغ هذا الشعب الخاطئ. طلب موسى من الله الرحمة، ورفع حيّة نحاسيّةً لكي يخلّص الشعب من لدغات الأفاعي.
"وكما رفع موسى الحيّة في البرّيّة هكذا ينبغي أن يُرفع ابن البشر لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة": هذا الحدث هو رمزٌ لمجيء المسيح الذي سيُرفع على خشبة الصّليب لكي يرفعنا من خطايانا وسقطاتنا ويغفر لنا زلّاتنا ويجعلنا في توبة دائمة.
يا له من حبٍّ عظيم أحبّنا الله به حتّى إنّه بذل نفسه عنّا لكي يعلّمنا أن نحبّ. وهذا الحبّ يجب أن يكون مليئًا بالبذل والعطاء والتضحية. كلّ هذا يجعلنا نتأمّل في هذا السرّ العظيم، سرّ المحبّة القصوى فنقول مع الرسول بولس: "وأمّا أنا فحاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب ربّنا يسوع المسيح الذي به صُلب العالم لي وأنا صُلبت للعالم"؛
وهذا هو موضع افتخارنا الذي يأتي من حبّنا ومن بذلنا وتضحياتنا؛ يأتي من إحساسنا بالآخر، ومن شركتنا بعضنا مع بعض، ومن توبتنا الدائمة. فيكون الصليب دربنا إلى القيامة المباركة، ونكون خليقةً جديدة، ونصل إلى ملء قامة المسيح. آمين.
الحرب الروحيّة
القدّيس بولس الرسول يوضح لأهل أفسس نوعيّة الصراعات أو المواجهات التي يخوضها المؤمن المسيحيّ في العالم، المسيحيّ المدعو إلى أن يحبَّ البشر كلّهم بمن فيهم من يضمر له العداء، بمعرفة أو بغير معرفة، معرّض لمواجهة، ولحرب داخليّة أشرس "ليست مع لحم ودم، بل مع الرؤساء والسلاطين، مع ولاة هذا العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحيّة في السماويات" (أف 12:6).
الشرّير الذي لا يستسلم على حسب تعبير القدّيس أفرام السوريّ، يُجدِّد كلّ ساعة خداعه، يتفنّن ويتحيّن الفرص لمهاجمة ليس المؤمن الراغب في خلاص نفسه فحسب، بل كلّ البشر لئلّا يعودوا إلى الأحضان الأبويّة. إنّه يلوّن الحقائق بألوان زائفة، فعوض أن يتجلّى بنور ربّه تراه يبحث عن تجلّيه كمثل الشرّير الذي اشتهى أن يكون مكان الله نفسه ومستغنيًا عنه.
هكذا الانسان يلوّث ذاته بشهوانيّة الخطيئة، ورغم كونه قد أحصي كابنٍ لله فقد جعل نفسه على شبه الوحوش غير العاقلة، وأصبح مشلولًا، بائسًا، متعلّقًا بشغفٍ حبّه السابق للخطيئة.
أما المسيحيّ، الذي يحاول أن يهيّء نفسه للمعركة مع الأهواء حين تُغير عليه، يرى نفسه مكبّل اليدَين تجاه الأهواء غير المنظورة التي تجرّه بعيدًا عن ربّه كأسير حرب. ويصبح غريبًا عن الفضائل وتنقلب المحبّة بغضًا مستترًا بمحبّة الأنا، والرحمة قساوة قلبٍ وسبب حزن لكثيرين، والوداعة والتواضع تمسيان غضبًا وغرورًا وتعجرفًا، متعلّقًا بالأشياء المادّيّة ومثقلًا بمحبّة المقتنيات وإن كان لا يبدو أنّه مولع بها. العجرفة والمجد الباطل لا يسمحان له بالتفكير في القروح التي تأكل روحه.
أمام هذه الحرب الضروس على النفس البشريّة، كان الآباء القدّيسون يرفعون أنظارهم، بعيون التوبة، وببراءة الطفولة إلى السماء حيث يرَون أبًا طيّب القلب محبًّا أولاده، عارفًا كلّ ضعفات المؤمن وسقطاته الخفيّة، والمدى الكامل لخطاياه.
وعلى غرارهم، نحن الخطأة نرفع أعيننا إلى السماء كمثل عيون العبيد إلى مواليهم، رافعين أيدينا إلى الربّ كبطرس حين غرقه وصارخين مع القدّيسين "سارع في إرسال نعمتك، أيّها السيّد، لتقصي عن عبدك الثعبان العظيم وكلّ نجاساته وأفكاره الشرّيرة، وحيل الأبالسة، بشفاعة والدة الإله الدائمة الطوبى وجميع قدّيسيك. آمين
هل أستطيع أن أفهم الكتاب المقدّس بمجرّد أن أقرأه؟
الجواب: لا، لأنّ الأمر ليس مجرّد قراءة للنصوص، بل هو فهم لها بالروح القدس، الروح نفسه الذي كُتبت به هذه النصوص. واقتناء الروح القدس يحتاج إلى تواضع ومواظبة على الصلاة، وجهاد متواصل، وسعي دائم نحو التوبة الصادقة، وتجرّد من كلّ ما يتعارض مع الإنجيل.
نجد في سفر أعمال الرسل حادثة تقدّم الجواب القاطع عن ذلك، حينما كلّم ملاك الربّ الشمّاس فيلبّس، الممتلىء من الروح القدس، وطلب منه أن يسير في الطريق النازلة من أورشليم إلى غزّة. وهناك التقى رجلًا حبشيًّا، وزيرًا للملكة كنداكة، كان جالسًا في مركبته يقرأ في سفر النبيّ إشعياء. فطلب الروح من فيلبّس أن يقترب من المركبة، فسمع الوزير يقرأ: «مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ، هكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ». فسأله فيلبّس: «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟». فأجاب الوزير: «كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟». وطلب إلى فيلبّس أن يصعد ويجلس معه. فبدأ فيلبّس يشرح له، وبشّره بيسوع المسيح. وبعد ذلك طلب الوزير أن يُعمَّد، وهكذا صار.
فالوزير، مع كونه متعلّمًا جدًّا، لم يدرك المعنى الحقيقيّ للكتاب المقدّس من ذاته.
لذلك، نحن نتمسّك بشروحات الآباء القدّيسين، الذين كانوا رجال صلاة بكلّ ما للكلمة من معنًى. وعظاتهم وشروحاتهم لم تكن سفْسطات كلاميّة ولا تحاليل شخصيّة، بل ثمرة حياة روحيّة عميقة. ولهذا يضمّ التسليم الشريف المقدّس: الكتاب المقدّس، والليتورجيّا، والعقيدة، والمجامع المسكونيّة، وتعاليم الآباء القدّيسين، والفنّ الكنسيّ، والأيقونات. وهذا التسليم ممتدّ منذ بداية المسيحيّة، أي مما تسلّمه الرسل القدّيسون من الربّ يسوع المسيح، وسلّموه إلى الآباء، وما زال مستمرًّا في الكنيسة بالروح القدس.
فامنحنا يا ربّ أن نمتلئ من روحك القدّوس، وأن نتواضع ونسأل عندما لا نفهم، ولا نكتفي بتحليلاتنا الشخصيّة.
إلى الربّ نطلب.