الأحد 15 حزيران 2025 

الأحد 15 حزيران 2025 

11 حزيران 2025

الأحد 15 حزيران 2025 
العدد 24
أحد جميع القدّيسين
اللحن الثامن، الإيوثينا الأولى


أعياد الأسبوع:

15: النبيّ عاموص، البارّ إيرونيمس،16: تيخن أسقُف أماثوس، بدء صوم الرسل، 17: الشُّهداء إيسفروس ورفقته، الشُّهداء مانوئيل وصابل واسمعيل، 18: الشُّهداء لاونديوس ورفقته، 19: الرَّسول يهوذا نسيب الرَّب، باييسيوس الكبير، 20: مثوديوس أسقُف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس، 21: الشَّهيد يوليانوس الطرسوسي.


أحد جميع القدّيسين

الروح القدس في عيد العنصرة هو المقدِّس الأوّل، لأنّه يمنح الناسَ الحياةَ الإلهيّة، هذه الحياة الكائنة في الثالوث طيلة الأبديّة. لقد شاء الآبُ أن نشاركَ بعمل ابنه، بسرّ موته وقيامته.
اليوم هو عيد القدّيسين كلّهم. فيه ينقل اللهُ إلينا ملءَ الحياة الإلهيّة Plénitude de la vie divine. 

القدّيسون هم الذين عاشوا واستثمروا نعمة المعموديّة. يشكلّون بالنسبة إلينا مثالًا Exemple وشفاعة أمام الله.
هكذا لقد شاءَ الربّ أن يقدّسَنا بمشاركتنا إيّاه الخلاصَ، في استثمار العطايا المُرسلة لنا من الله عن طريق الروح القدس في المعموديّة، في عيد العنصرة وفي كلّ قدّاس إلهيّ حين نقول مثلًا "القدّسات للقدّيسين" القداسة حقيقة إلهيّة غير مخلوقة، يشترك فيها الإنسانُ.

صورة عنها عند الآباء: إنّها على غرار حديد محمّر مشتعل بالنار. إنّ القدّيسين اشتعلوا بهذه النار الإلهيّة، غير المخلوقة الآتية من المسيح إلى الأرض، charbon ou fer Rouge, Feu non créé محبّة القدّيسين لله وللعالم مرافقة بالتواضع. هم مثالٌ لنا، اشتراك في حياة الله غير المخلوقة.
لقد أصبحوا لنا بمثابة فحم مشتعل Charbon ardent  على مثال العلّيقة الملتهبة غير المخلوقة.

 +أفرام
 مطران طرابلس والكورة وتوابعهما


طروباريَّة القيامة باللحن الثامِن
*إِنْحَدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعْتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنَا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ، المجدُ لك.

طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وامْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمة العُظْمَى.

قنداق أحد جميع القدِّيسين باللَّحن الرَّابِع
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكير الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللاَّبِسِي اللاَّهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامَةٍ تَامَّة لأَجْلِ والِدَةِ الإله، أيُّها الجَزِيل الرَّحْمَة.

الرِّسَالَة (عب 11: 33-40، 12: 1-2)
عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
في المجامِعِ بَارِكُوا الله


يا إخوةُ، إنَّ القدِّيسينَ أَجمَعِين بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونَالُوا المواعِدَ وسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُود، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ ونَجَوْا من حَدِّ السَّيْفِ وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحربِ وكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نساءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرْبِ، ولم يَقْبَلُوا بالنَّجَاةِ ليَحْصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيُودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وامْتُحِنُوا وماتُوا بِحَدِّ السَّيْف. وسَاحُوا في جُلُودِ غَنَمٍ ومَعْزٍ وهُمْ مُعْوَزُون مُضَايَقَونَ مجَهُودُون. ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم. فكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاء كلُّهُم، مَشْهُودًا لهم بالإيمانِ، لم يَنَالُوا الموعِد. لأنَّ اللهَ سبَقَ فنظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ، أنْ لا يُكْمَلُوا بدونِنَا. فنحن أيضًا، إذا يُحْدِقُ بنا مثلُ هذه السَّحابَةِ من الشُّهُودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كُلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطَةَ بسهولةٍ بنا. ولْنُسَابِقْ بالصَّبْرِ في الجِهادِ الَّذي أمامَنَا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمِّلِهِ يسوع.

الإنجيل: متى 9: 36 - 38 و10: 1 - 8

في ذلك الزَّمان لَمَّا رَأَى يسوع جَمْعًا كثيرًا تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، لأنَّهم كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ مثلَ خِرافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:"إنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ وَأمَّا الْعَمَلَةَ فَقَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا إلى رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ عَمَلَةً إِلَى حَصَادِهِ". ثُمَّ دَعَا يسوعُ تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْوَاحِ النَجِسَةٍ لكي يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. وَهذه أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ المدعُوُّ بُطْرُسَ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. ويَعْقُوبُ بْنُ زَبْدَى، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. وفِيلُبُّسُ، وَبَرْثُلَمَاوُسُ وتُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ ويَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ وسِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: "إِلَى طَرِيقٍ للأُمَمِ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ انطلِقُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى الخِرَافِ الضَّالَّةِ من بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَفِي انطِلاقِكُم اكْرِزُوا قَائِلِينَ: قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. اِشْفُوا المَرْضَى. طَهِّرُوا البُرْصَ. أَقِيمُوا المَوْتَى. أَخْرِجُوا الشَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. 

في الإنجيل

لولا حلول الروح القدس لا يوجد لدينا في الكنيسة قدّيسون، لذلك من الطبيعيّ بعد أحد العنصرة أن نعيّد لجميع القدّيسين لأنّهم بالعنصرة تقدّسوا، كذلك يوجد قدّيسون لا نعرفهم وليس لهم أعياد خلال السنة فنعيّد لهم في هذا العيد الجامع كلّ القدّيسين المعلومين وغير المعلومين.

كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ الناسِ أعترفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الذي في السماوات : أنت تؤمن بالربّ في قلبك، لذلك يكون الايمان مرافقًا للاعتراف، والاعتراف يكون بالمجاهرة بهذا الايمان أمام الناس قولًا وعملًا، ولكن هذا لا يكفي لأنّ الايمان من دون أعمال ميت، كما يقول القدّيس يعقوب، أمّا الذي يعمل ويعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات، وفي كلّ وقت كما يقول الرسول بولس بشّر في وقت مناسب وغير مناسب، والشهادة هذه يجب أن تكون نابعة من قلب مؤمن جرحته المحبّة الإلهيّة فتحوّل بدوره إلى محبّ للآخرين كما أحبّنا المسيح، وبهذا يعرف الجميع بأنّنا تلاميذه: أحبّوا بعضكم بعضًا لكي يعرف الجميع أنّكم تلاميذي، وإلّا فلن يصدقكم الناس وتصبحوا شهود زور لي: فأنكركم حينئذ أمام أبي الذي في السماوات.

مَن أحبَّ أبًا أو أمًّا أو ابنًا أو بنتًا أكثرَ منّي فلا يستحقُّني، المحبّة العائليّة هي حبّ طبيعيّ بين الأهل والأصدقاء، لا يخلو أحيانًا كثيرة من الأنانيّة والعاطفة الزائدة التي تكون عائقًا أمام انطلاقة الإنسان، لذلك لا يستطيع الإنسان أن يحبّ عائلته حبًّا حقيقيًّا خاليا من حبّ الذات إن لم يحبّ الله حبًّا حقيقيًّا أوّلًا، فالمطلوب أن يحبّ الربّ الإله من كلّ قلبه ومن كلّ نفسه ومن كلّ قدرته، وقريبه كنفسه، عندئذ يكون حبّه للآخرين حبًّا صادقًا حقيقيًّا فيبذل ذاته لأجلهم، كما فعل المسيح معنا عندما مات لأجل خلاصنا، ما من حبّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه، فيتحوّل الحبّ في العائلة إلى خدمة وبذل الذات، وهذا يتطلّب أن يحمل صليبه كلّ يوم وكلّ ساعة، أن يصلب الأنانيّة التي تمنع المحبّة، أن يصلب الأهواء التي تستغلّ الآخر وتسخّره لخدمة رغباته...، مَن لا يأخذْ صليبهُ ويتبعْني فلا يستحقَّني.

أنتمُ الذين تبعتموني في جيل التجديد، نحن جيل جرن المعموديّة الذين تعمّدنا على اسم الثالوث وأخذنا الروح القدس، فصرنا أبناء الله بالتبنّي، فلم نعد ننتمي إلى هذا العالم، بل ننتمي إلى ملكوت السماوات، أنتم في العالم ولكنّكم لستم من العالم، هذا هو  القدّيس: هو الذي علم أن غاية الحياة هي اقتناء الروح القدس فاقتنى روح الله ساكنًا فيه ومحرِّكًا له ومترئِّسًا عليه، ومن فيه روح الله سيدين العالم وحتّى الملائكة.

قدّيسونا الذين لهم نعيّد اليوم قد تعرّضوا للوحوش والنّار والسّيف وتقطيع الأعضاء والضرب والرجم والجَلد والهزء والسجن، واحتملوها لأجل اسم يسوع المسيح، الذين لم يَثْنِهم عن محبّة المسيح أيّة محبّة أخرى، لا بيوت أو إخوة أو أخواتٍ أو أب أو أمّ أو امرأة أو أولاد أو حقول.

القدّيسون كانوا أبطالًا في المحبّة وبذل الذات، فهل نحن على هذه الطريق سائرون؟ نحن نتعرّض كلّ يوم لحروب إعلاميّة ووحوش إعلانيّة تحاول إقناعنا بثقافة الاستهلاك وشراء ما لا نحتاجه والتمتّع بما لا يفيدنا، وبالتسلية وإضاعة الوقت الثمين على التلفزيونات والإنترنت وغيرها الكثير... فنسينا أهلنا وعائلتنا وأحبّائنا وحتّى ذواتنا، فبات مثال شبابنا الأعلى هذا الممثل أو تلك المغنية وليس هذا القدّيس أو تلك الشهيدة... 

هل نحن أبطال لنقول كفى بجرأة ونعود إلى من أحبّنا أوّلًا، إلى محبّتنا الأولى، نسخّر التكنولوجيّا لخدمتنا وخدمة الإنسان بدلًا من أن نكون عبيدًا لها وأسرى لألعابها (ألاعيبها)، نقهر الممالك التكنولوجيّة ونعمل البرّ مع الآخر ونسدّ أفواه الأسود الإعلانيّة ونطفئ حدّة النار، أهواءنا الأنانيّة،  فننجو من حدّ السيف نار جهنم... 
إغلب يا بطل، فالغالب سأعطيه منّاً خفيًّا وحصاة بيضاء منقوشة فيها اسم جديد لا يعرفه إلّا الذي يناله، كن قدّيسًا وانتصر، كن أمينًا حتّى الموت فأعطيك إكليل الحياة. 


أحبب الربّ وابذل نفسك، فما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه، عندئذ لن تكون من الآخرين بل سأجعلك من الأوّلين.


هل من حياة روحيّة وقداسة اليوم؟

جوابي الفوريّ عن هذا السؤال هو "نعم" شديدة. الله لا يتغيّر. يسوع المسيح هو نفسه، أمس واليوم وإلى الأبد. وطبيعة البشر لم تتغيّر هي أيضًا. منذ آدم، البشر مشرَّفون بالسلطة على مصيرهم، حتّى إنّهم قادرون، إلى حدّ كبير، على أن يديروا ظهورهم إلى الله، إلى الحياة الروحيّة، إلى السعي نحو القداسة. ولكن إلى نهاية العالم، سوف يكون هناك دائمًا أناس، حتّى ولو أقليّة، يستدعون نعمة الله على الأرض وعلى إخوتهم البشر. إنّ استمرار العالم هو دليل على وجود القداسة اليوم. يقول القدّيس سلوان: "أقول لكم إنّه عندما لا يعود هناك رجال صلاة على الأرض، يأتي العالم إلى نهايته".

بعبارة أخرى، الحياة الروحيّة والقداسة التي هي ثمرتها ليست حصرًا في الماضي. يمكننا أن نرى القداسة في أسلافنا ونتعلّم منهم، ولكنّنا لا ندرس الحياة الروحيّة كما في معرض أو في متحف تاريخيّ. إنّها واقع حيٌّ ونحن مدعوّون إليها جميعًا. لكلّ إنسان بعدٌ روحيٌّ. الله ليس منحازًا: إنّه يدعو كلّ واحد إلى حيّز الوجود بمحبّة شخصيّة، ويمنح كلّ إنسان إمكانيّة مشاركة حياته الخاصّة. قال الرسول بطرس مستخدمًا مصطلحات زمانه إنّنا مدعوّون إلى أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية " [2بطرس 1: 4]. وهذه هي القداسة: "كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس، وأنا أوصي بأن يكون عندكم كلّ ما لي، من دون تحفّظ". هذه هي دعوة الله لنا جميعًا، أيًّا كان مكاننا في المجتمع، أو رتبتنا في الكنيسة: علمانيّين أو كهنة. يكتب القدّيس سلوان: "كلّ شخص في هذا العالم لديه مهمّة عليه القيام بها، سواء أكان ملكًا أم بطريركًا، أم طبّاخًا، أم حدّادًا أم معلّمًا، ولكنّ الربّ الذي تمتدّ محبّته إلى كل واحد منّا سيعطي أكبر مكافأة لمَن محبّته لله هي الأكبر". ومرّة أخرى: "لا يمكن لأيّ شخص أن يكون إمبراطورًا أو أميرًا، ولا يمكن لأيّ شخص أن يكون بطريركًا أو رئيس دير، أو زعيمًا. ولكن في كلّ مناحي الحياة نستطيع أن نحبّ الله ونكون مرضين له، وهذا فقط هو المهمّ".

الحياة الروحيّة هي الحياة التي تأخذ بعين الاعتبار البعد الروحيّ للإنسان. ليس العمل على علاقتنا مع الله هوايةً لفئة معيّنة من الأشخاص، كما يقول البعض "هو أو هي من النوع المتديّن". هذه العلاقة ليست خيارًا إضافيًّا. إنّها ما يجعل حياتنا إنسانيّة حقًّا. عندما يستبعد علم الأحياء وعلم النفس المساهمة الإلهيّة في تكوين الإنسان إنّما يعطيان صورة غير كاملة. الرجل الدهريّ هو مجرّد حيوان متفوّق، وفعليّا دون البشر. من دون جهد روحيّ لا ننمّي روحنا. لا يمكن طمسها، ولكن يمكن خنقها وطمرها، تجاهلها أو إنكارها. لا نكون ملء ذواتنا ولا أشخاصًا مكتملين إلّا إذا كنّا نعيش حياة روحيّة. تشمل الحياة الروحيّة الجوانب المادّيّة والنفسيّة فينا. ما أفكّر فيه وأعمله على كلّ مستوى من مستويات وجودي يؤثّر على نفسي. وعندما تلمس نعمةُ الله روحي وتفكيري وشعوري وجسدي أيضًا تتبارك جميعها.

عيد جميع القدّيسين

*هذا الأحد الواقع بعد أحد العنصرة، نقيمُ فيه تذكار جميع القدّيسين، الذين هُم سحابةُ الشُّهودِ التي تكلّم عليها كاتبُ رسالةِ اليوم. القدّيسون هُم إخوتنا البَشَرُ الذين تَجاوَبُوا معَ الرُّوح القُدُسِ المُعطى لَهُم، وَلَم يُحزِنُوه، فتذوّقوا الرّوح القُدُس المُعطى لَهُم، وَلَم يُحزِنُوه، فتذوّقوا فرحَ القيامة، وشَهِدُوا للسَّلام الإلهيّ المُنسكبِ عليهم، والمُشعِّ منهم على كلِّ مَن حولَهُم. وكما نقرأ في سنكسار اليوم: "نعيّد اليوم لجميع ما قدّسه الروح القدس... التسعة طغمات الأجداد، ورؤساء الآباء، والأنبياء، والرسل الأطهار، والشهداء ورؤساء الكهنة والشهداء الكهنة الأبرار، والأبرار، والصدّيقين وجميع مصافّ النساء القدّيسات، وجميع القدّيسين الآخرين.

موقعُ العيد أهمُّ مِن تسميته، إذْ يأتي مُباشرةً بعدَ عيدِ العنصرة، مشيرًا الى أنّ هدف الحياة بالمسيح هو القداسة، قداسة الإنسان وتجدُّده.

فالكنيسة، إذْ تُعَيِّدُ اليومَ للقدّيسين، تحتفلُ بِثمارِ عملِ الرّوحِ القُدُسِ فيها، أي القدّيسين.
وَرُبَّ سائل: ماذا فعل القدّيسون لينالوا كُلَّ هذا التكريم من الكنيسة؟ والجوابُ أنّهم اعترفوا بالمسيحِ ولم يُنكِروه رُغم الظروفِ الصعبة، ورُغم الاضطهادات القاسية.

ولكن، ليست القداسةُ حِكرًا على أشخاصٍ محدَّدين دُون سواهُم مِنَ البَشر، بَل هي دعوةٌ لِكُلِّ إنسان. كُلُّ واحدٍ مِنّا، مَتى أتقَنَ الحياةَ بالمسيح، وتَبنّاها والتزمها التزامًا صميميًّا، يدخُل في مشروعِ القداسة، متى قرّرَ الاشتراك في الحياة الإلهيّة. كُلُّ واحدٍ منّا يَنال التقديسَ إنْ عاشَ الإنجيل كما يليقُ ببساطة الإنجيل وصدقِه، وَشَهِدَ للحقِّ الذي يبشِّرُ به الإنجيل.

القَداسةُ أن نكونَ شُهودًا للمسيح، سواءٌ بالدَّمِ أم بالفضيلة. آمين.