الأحد 12 كانون الثاني 2025

الأحد 12 كانون الثاني 2025

08 كانون الثاني 2025

الأحد 12 كانون الثاني 2025
العدد 2
الأحد بعد الظهور
اللحن الرابع، الإيوثينا السابعة
 

أعياد الأسبوع:

12: الشّهيدتان تتياني وآفستاسيَّاـ فيلوثاوس الإنطاكيّ، 13: الشّهيدان أرميلس وأستراتونيكس، مكسيموس (كَفْسُوكاليفيا)، 14: وداع عيد الظهور، الآباء المقتولون في سيناء وريثو، 15: البارَّان بولس الثيبيّ ويوحنَّا الكوخيّ، 16: السُّجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشَّهيد دمسكينوس، 17: القدِّيس أنطونيوس الكبير معلّم البرّيَّة، الشَّهيد حاورجيوس الجديد (إيوانينا)، 18: أثناسيوس وكيرلّلس رئيسا أساقفة الإسكندريَّة.

 
الطّفلُ في داخِلِنا

مَن هو هذا الطفل الذي حَلَّ بيننا، آخِذًا صورَةَ عبدٍ، مولودًا من إمرأةٍ؟ أتى مُتنازِلًا ليُخلّصَنا من سَقطَتنا، ليُصعِدَنا إلى مُلكِهِ، ويَملأ قُلوبَنا من روحِه القُدّوس فنصرُخ: "يا أبَّا الآب"، وننالَ التبنّي (غلاطية 4: 4-7).

طفلٌ يَنمو بالنِعمة والقامَة، "عُريانًا خَرج من بطن أمّه، وعُريانًا يَرجع ذاهِبًا كَما جاء" (الجامعة 5: 15)، مُعَلّقًا على خَشبة، تارِكًا ما في العالم للعالم، غالِبًا الخطيئة بتواضعه، دائسًا الموت بموته. العُري لا يُخجِلُ الحقيقة لأنّها لا تَلتَحِف إلّا بلِباس النِّعمَة (تكوين 3: 10)؛ من الآب خرجَ كلمَةَ حقٍّ، وإلى الآب يَعود مع الذين يَسمعون صَوته فيَتبَعونه.

الطفل يولَد بريئًا من العيب، خاليًا من الدنَس؛ يُسكِنُ اللهَ في قلبِهِ فيُسَكِّن اللهُ ضُعفاتِه وجنوحَه نحو الخطيئة. بَساطة الطفل لا تطلُب سوى المحبّة، يَقبَلها بفرح ويُعطيها مجّانًا من دون تمييزٍ أو مُحاباةٍ للوجوه (رومية 2: 11). وجهُه واحدٌ، يُشِعّ إذ ارتَسَم عليه نور المسيح (مزمور 4: 6). هو على مَسافة واحدة من الجميع، يَحيا صِلَة قُربى مَع أترابه، يَتَحرّك بسهولَة نحو الذين يُشبهونه: إخوة الربّ، هؤلاء الصغار (متّى 25: 40).

يَكبُر الإنسانُ والطفل في قلبه يَنبُض، يدخل بحرَ الحياة فتتكبّده الأمواج والعواصف، يخافُ فيُدخِل الطفلَ إلى عمقِ قلبه، ويُخفيه كي لا يَظَهر بسيطًا أمام أنداده؛ كبرياؤه تصبح بابًا للخطيئة، والكذب وسيلَةً للحفاظ على صورة هيبة، فيندثِر الطفلُ أكثر ويُقمَّط بلفائف الظلمة والموت. يخفُت الروح تدريجيًّا وينطَفئ.

وفجأةً، من حيث لا يدري، يَسمع هذا الطفل صَوت الربّ الكليّ الحلاوة: "هَلُمَّ خارجًا" (يوحنا 11: 43)، ويَنتفِض بنسمَةِ حياةٍ مشابهة للّتي سَمِعَها إيليّا النبيّ في المغارة (1 ملوك 19: 14).

نَخزُ القلب componction ما هو سوى رغبة هذا الطفل بكَسر حَبس الظلمة والخروج إلى النور الذي لا يَعروه مساء، إرادته بخَلعِ الإنسان المتحوّل بفعل الخطيئة. يَهُزّ الكيان بالإيمان ليُدحرج الحجر، ويُعيد بالتوبة هيكَلَة القلب restructuration فيُمسي خاشعًا كما كان في البدء: مَسكِنًا للعَليّ، لأنّ التواضُعَ يَتربّعُ على عَرشِ القَلب، حينها يسمَع "هذا هو ابني الحَبيب الذي بِه سُرِرت" (متّى 3: 17).

 
طروباريّة القيامة باللحن الرابع

إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.


طروبارية الظهور باللحن الأوّل

باعتمادك يا ربّ في نهرِ الأردن ظهرت السجدةُ للثالوث، لأنّ صوتَ الآب تقدّمَ لكَ بالشهادة، مسميًّا إيّاكَ ابنًا محبوبًا، والروح بهيئة حمامة يؤيّدُ حقيقةَ الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيّها المسيح الإله المجد لك.


قنداق الظهور باللحن الرابع

اليومَ ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونورُكَ قد ارتسمَ علينا نحن الذين نسبِّحُكَ بمعرفةٍ قائلين: لقد أتيت وظهرتَ أيُّها النورُ الذي لا يُدنى منه.


الرسالة: أف 4: 7-13
لِتَكُن يا ربُّ رحمَتُكَ عَلَينا                        
ابتهِجوا أيُّها الصدّيقونَ بالربّ


يا إخوة، لكلِّ واحدٍ منّا أُعطيَتِ النعمةُ على مقدارِ موهبةِ المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العُلى سبى سبيًا وأعطى الناسَ عطايا. فكونُهُ صعد هل هو إلّا أنّه نزل أوّلًا إلى أسافل الأرض. فذاك الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق السماوات كلِّها ليملأ كلّ شيء. وهو قد أعطى أن يكونَ البعضُ رُسُلًا والبعضُ أنبياءَ والبعضُ مبشِّرين والبعضُ رُعاةً ومعلِّمين. لأجلِ تكميل القدّيسين ولعَمَلِ الخدمة وبُنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعُنا إلى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى مقدار قامةِ مِلءِ المسيح.

 
الإنجيل: متّى 4: 12-17

في ذلك الزمان، لما سمع يسوع أنّ يوحنّا قد أُسلم انصرف إلى الجليل، وترك الناصرة، وجاء فسكن في كفرناحوم التي على شاطئ البحر في تخوم زبولون ونفتاليم، ليتمّ ما قيل بإشعياء النبيّ القائل: أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عِبرُ الأردن، جليلُ الأمم. الشعبُ الجالسُ في الظلمة أبصر- نورًا عظيمًا، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. ومنذئذ ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات.
 
 
حول الرسالة
النعمة بحسب قياس هِبَة المسيح

بعد سقوط آدم تغيَّرَ كُلُّ شيء، انفصل المخلوق عن خالقه وصار عبدًا للمادّة بعد أن كان سيّدًا عليها، فعَرَفَ الموت الجسديّ والروحيّ. لكنّ ربّ المجد أبى أن تبقى نفوس البشر بِيَدِ إبليس، ومن فرط محبّته للبشر تجسّدَ ولبس بِشرتنا، واحتمل كُلّ إهانة وتعذيبٍ حتّى موت الجسد على الصليب. وبموته سبى الموت وانتشل مِن الجحيم نفوس الصدّيقين الّذين آمنوا به على الرجاء.

المسيح جاء ليُعيدَ لنا ما أفسده آدم الأوّل فأنقذنا من حالة الموت واضِعًا إيّانا على طريق الحياة، ووهبنا نعمة الروح التي بها نعمل لبُنيانِ جسد المسيح مِن خلال معرفة ابن الله.

هنا يأتي دور كلّ واحد منّا، سائلًا نفسه:
هل أنا مؤمن بما قام به المسيح مِن أجلي؟
هل أسعى بِنعمة الروح لتغيير ما قام به آدم الأوّل، بالسير على خُطى آدم الثاني؟
هل أنا أسعى فعلًا لمعرفة ابن الله؟

نحن أعطينا النعمة مجّانًا بحسب قياسِ محبّةِ المسيح وتوزيعه العادل، وليس حسب رغباتنا وإيماننا، فمِنّا: النبيّ، الرسول، المُبَشّر، المُعلّم، النّاسك والمجاهد في هذه الحياة... علينا دائمًا أن نَشكُر الربّ سالكين سُبُلَهُ مُستغلِّين هذه المواهب، مجاهدين ومتمسّكين بإيماننا الصحيح، محافظين على ما تسلّمناه مِن المجامع المقدّسة غيورين على كنيستنا ووحدة الإيمان، ملتزمين بالأسرار المقدّسة: المعموديّة، المناولة، الزواج... سالكين في هذه الحياة بعيدًا عن حبِّ السلطة والأنانيّة والحسد، رافضين كُلَّ روح شرٍّ وانقسامٍ، فنكون واحدًا في المسيح، عندها نصل إلى أن نكون إنسانًا كاملًا، إلى قياس قامة ملء المسيح.

نحن أبناء النعمة، مدعوّون دومًا إلى أن نكون أطفالًا في الشرّ وليس في الإيمان، وعلينا مقاومة الشرّ بالصلاة والشكر والتسبيح. فنسلك غير مُتهاونين بما نلناه مِن مواهب، ونحفظ الوزنة ونطوّرها، فالرحيل قريبٌ ويَحضُرُ بغتةً، فطوبى للذي يكون مُستعدًّا ساهرًا على خدمة بُنيان جسد المسيح فيستحقّ أن يُكون ابنًا وارِثًا ملكوت أبيه السماويّ، له وحده المجد الى أبد الدهور
 

سرّ التسبيح والترتيل

كتب القدّيس ذيونيسيوس الأريوباغي عدّة كتابات، بينها كتاب "التراتبيّة الكنسيّة hiérarchie écclésiale " وفي هذا الكتاب يشرح كيف أنّ النعمة الإلهيّة تعمل في الأسرار، وعلى المسيحيّ بحسب تعبيره "أن يتآزرsynergie   مع نعمة الله غير المخلوقة، عبر عمليّة تنقية ثمّ استنارة تقوده إلى الاتّحاد بالله".

من بين هذه الأسرار يشرح "سرّ الاجتماعsynaxis "، ألا وهو سرّ الشكر، الإفخارستيّا. يشددّ القدّيس على أنّه "في الاحتفال الأسراريّ، الطقوس المرئيّة هي أيقونة للحقائق الروحيّة".

في سياق شرحه عن سرّ الاجتماع يتطرّق إلى الترتيل والتسابيح. وبحسب القدّيس ذيونيسيوس، إنّ غاية الترتيل في الكنيسة هي تحضير المؤمن للاشتراك في الأسرار عبر جذبهم نحو التأمّل في الإلهيّات وبأعمال الله والقدّيسين، التي هي تمامًا مواضيع التسابيح، والغاية منها الاتّحاد بالله.

بحسب القدّيس ذيونيسيوس "الترتيل الذي نسبّح به ونحتفل منشدين كلمات أعمال الله وقدّيسيه، تحضّر الذين يتمّمونه (أي المرتّلين) بشكل منتظم لكي يشتركوا في السرّ، وينقلوه إلى الآخرين". إذًا بالنسبة إلى القدّيس ذيونيسيوس، الترتيل هو سرّmystère ، وبه تتآزرsynergie   طاقة المرتّل (صوته، أداؤه اللحن، وضعيّة جسده، عقله، ذهنه...) مع قوّة الله غير المخلوقة énergie non crée أي نعمته الإلهيّة المقدّسة. لذلك فالمرتّل بحاجة إلى تنقية من أهوائه، لكي يستطيع أن يستنير هو وينقل نور الله غير المخلوق إلى الشعب المصلّي. فالمرتّل يتلقّى، كما أشار القدّيس، النعمة التي تعمل فيه ويرسلها بواسطة اللحن والأداء والكلمات المرتَّلة إلى "الجماعة"  synaxis المصلّية.

لذلك نفهم لماذا وضعت الكنيسة المقدّسة الأرثوذكسيّة قوانين قاسية للمرتّلين: صوم، سيرة حسنة، صوت حسن، عدم الصراخ، تواضع، صلاة، إلخ... والهدف هو تنقية المرتّل لأنّه هو أداة لنعمة الله. كلّما كان المرتّل نقيًّا، مصلّيًا، كلّما كانت النعمة التي تخرج منه فاعلة.
يشهد المتروبوليت نيوفيتس، مطران مورفو في قبرص، كيف كان يرتّل الأب المتوحّد المثلّث الرحمات اسحق عطالله، ذاكرًا كيف كان يجعل العيون تذرف الدموع خلال أدائه الترتيل وذلك من تدفّق النعمة منه إلى الحاضرين.

بالإضافة إلى عمل التنقية، يجب أن يتحلّى المرتّل بإيمان راسخٍ ومستقيم غير منحرف، وإلّا لا تعمل فيه نعمة الله غير المخلوقة. لذلك ترفض الكنيسة المقدّسة الأرثوذكسيّة الاشتراك في الصلوات والترتيل مع الهراطقة، لأنّ الهرطقة تنفي استقامة السرّ، الذي هو عمل قوّة الله غير المخلوقة في الإنسان. والكنيسة الأرثوذكسيّة هي الوحيدة التي تؤمن بذلك، كما عبّرت عنه في تقليدها وبخاصّة مع القدّيس غريغوريوس بالاماس.
بناء على ما ذكرناه، وكون الترتيل سرًّا، وهذا من فرادة إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة، نفهم لماذا لا تسمح الكنيسة باستعمال الآلات الموسيقيّة مترافقة مع التسبيح. فالتآزر هو بين قوّة المرتّل المخلوقة وبين قوّة الله غير المخلوقة.

وهكذا، يكون هدف الترتيل انسجام الجماعة المجتمعة حول المسيح، وهذا من عمل النعمة الإلهيّة، إيمانًا واحدًا، وصلاةً واحدة في تسبيح واحد.
يقول المرتّل الأوّل غريغوريوس ستاثيس عن الترتيل في الجبل المقدّس آثوس: "إنّ ترتيل رهبان الجبل المقدّس، إن كان الأداء بسيطًا وغير منمّق أو أداءً معقّدًا، أو أداءً فنيًّا للغاية، يأخذنا بجناحين نحو الله: الأوّل هو مخافة الله، والثاني هو الشوق إليه. من خلال الترتيل يترجّى الرهبان الاشتراك في العالم السماويّ والروحيّ، الذي يصبح قريبًا جدًّا منهم ومنّا (نحن الذين نشترك معهم)، وواقعًا حقيقيًّا في قبب كنائس آثوس المُزيّنة بالأيقونات. هذه التراتيل التي هي محور جمال العبادة الأرثوذكسيّة للثالوث القدّوس، هي كنز."
 
 
العَرّاب... كيف نختارُه؟!

                العَرّابُ هُوَ الكَفِيلُ الّذي يُقَدِّمُ المَعمُودَ إلى الكَنيسَةِ، وَيَتَعَهَّدُ أمامَها بِرِعايَتِهِ والإشرافِ على تَنشِئَتِهِ على الإيمانِ المستقيم.
- فالوالِدُ والوالِدَةُ هُما مَسؤُولانِ عَنِ الطِّفْلِ تَنشِئَةً ورِعايَةً، إِلّا أَنَّ الكَنِيسَةَ فَضَّلَتْ، مُنْذُ البِدايَةِ، أَلّا تَكْتَفِيَ بِهِما كَمَسْؤُولَينِ عَنْ إِيمانِهِ، رُغْمَ ثِقَتِها بِدَوْرِهِما الفاعِلِ والمُباشَر.

- وَأَفرادُ العائلةِ، وَسائِرُ الأَقارِبِ، هُم مَسؤُولُونَ عَنِ احتِضانِ الوَلَدِ، لِيَنْمُوَ في جَوٍّ إِيمانِيٍّ سَليم، إِلّا أَنَّ الكَنِيسَةَ لَم تَعتَمِدِ اعتِمادًا كُلِّيًّا علَيهِم، رُغْمَ إِيلائِها إِيّاهُم دَورًا في غايةِ الأَهَمِّيّة.

- وكذلكَ الرَّعِيَّةُ، بِأفرادِها، وَراعِيها، وَمُرَتِّلِيها، وَمُعَلِّمِيها، وَخُدّامِها، هِيَ مَسؤُولَةٌ أَيضًا عَنْ رِعايَةِ المَعْمُودِ، لأَنَّها البِيئَةُ الَّتي سَيَنْشَأُ فيها. ولكنْ، هَلْ هِيَ دائمًا مُلائِمَةٌ؟ وَمَنْ يَضْمَنُ ذلك؟!

                كُلُّ هذهِ العَناصِرِ، مُجْتَمِعَةً، نَعْتَمِدُ عَلَيها كَضَماناتٍ لِمَنْ نُعَمِّد. إِلاّ أَنَّ الكَنِيسة، وَمُنْذُ بِدايَتِها، كانَتْ تَتَطَلَّبُ شَخْصًا يَكونُ مَسؤُولًا عَنِ المعمّد بِشَكْلٍ مُباشر. وَهذا الشَّخْصُ يَحْمِلُ على عاتِقِهِ مَسؤولِيّاتِ أُولئِكَ جَمِيعًا، وَيَخْتَزِلُها في شَخْصِه. هذا الشَّخْصُ هُوَ العَرّاب.
                وليسَ صَحيحًا ما يَشيعُ في بَعْضِ أَوساطِنا اليَوم، أَنَّ العَرّابَ لَم يَعُدْ لَهُ ذلكَ الدَّور، وَأَنَّهُ صارَ شَكْلِيًّا. هذا التَّفكيرُ خَطيرٌ، خَلْفِيَّتُهُ الجَهْلُ، وَعَواقِبُهُ المُيوعَةُ وَالتَّسَيُّب.

                إِذا كانَ العَرّابُ شَكْلِيًّا، وَإِذا كُنْتُمْ تَختارُونَهُ عَلى أُسُسٍ اجتِماعِيَّةٍ بَحْتَة، بَغَضِّ النَّظَرِ عَن إِيمانِه، فَاسْتَغْنوا عَنْهُ نِهائِيًّا. خَيرٌ لَنا أَن نُجْرِيَ عِمادًا مِنْ دُونِ عَرّابِينَ في هذه الحال.

                إِذا كانَ فُلانٌ صَدِيقَكَ الحَميم، وَإِذا كُنتَ تُرِيدُ أَنْ تُقَوِّيَ أَواصِرَ الصَّداقَةِ بَينَ عائِلَتِكَ وَعائِلَتِه، أَلَم يَعُدْ أَمامَكَ مِنْ مَجالٍ لِذلِكَ سِوى تَكفِيلِهِ بِابْنِكَ المَعمّد؟! أَلَيسَ لَدَيكَ، في الأُطُرِ الاجتِماعِيَّةِ العَديدة، احتِمالات أُخرى؟! هذا اسْتِهْتارٌ بِالمُقَدَّسات، لا بَلْ إِنَّهُ اسْتِحْياءٌ بِالرَّبّ أَمامَ النّاس.

                قَدْ يَكُونُ لَدَيكَ صَدِيقٌ حَميمٌ مُخْلِصٌ لا مَثيلَ لَهُ في الدُّنيا، وَقد يَكون أَقْرَبَ النّاسِ إلى قَلْبِكَ، وَقَدْ يَكونُ غايَةً في اللُّطْفِ وَمِثالًا في الأُخُوَّةِ، وَقَدْ... وَقَدْ... وَقَدْ... إِلّا أَنَّهُ لا يَفْقَهُ مِنَ الدِّينِ شَيئًا، أَوْ لا يَعْرِفُ عَتَبَةَ الكَنِيسَةِ إِلّا في بَعضِ المُناسَباتِ القَليلة. وَمَنْ قالَ إِنَّ كُلَّ صَدِيقٍ مُخْلِصٍ هُوَ بالضَّرُورَةِ عَرّابٌ مُمتاز؟! هذا شيءٌ وَذاكَ شيء آخر.

                وَقد يَكُونُ صَدِيقُكَ المُفَضَّلُ هذا مَسِيحِيًّا مِنْ طائفةٍ أُخرى، وقد يَكُونُ مُؤمِنًا وَمُهَذَّبًا، وَمُمارِسًا طُقُوسَ كَنِيسَتِهِ، وَيَتَحَلّى بِالصِّفاتِ المَسيحِيَّةِ الحَمِيدة... إِلّا أَنَّهُ غَيرُ أُرْثُوذُكْسِيّ. وَمَنْ قالَ إِنَّ كُلَّ مَسِيحِيٍّ صالحٍ مِنْ طائِفَةٍ أُخرى هُوَ بِالضَّرُورَةِ عَرّابٌ مُناسِبٌ عِنْدَنا؟! هُوَ صالِحٌ في كَنِيسَتِه، وَبِحَسَبِ تَعالِيمِها وَطُقُوسِها. وَإِذا كانَ كَذلك، فَمِنْ واجِبِهِ أَنْ يُبَشِّرَ بِمَبادِئِها وَيُدافِعَ عَنْ تَعالِيمِها وَعاداتِها. هُوَ صالِحٌ لأَنْ يَكُونَ عَرّابًا في كَنِيسَتِهِ. وَإِذا كانَ كَذلك، فَمَنْ قالَ إِنَّهُ يَصْلُحُ بِالضَّرُورَةِ لأَنْ يَكُونَ عَرّابًا في الكَنِيسَةِ الأُرْثُوذُكْسِيَّة؟!

                مَنْ لَهُ أُذُنانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ هذا الكَلام، وَلْيَعِ أَبْعادَهُ، لأَنَّ كَنِيسَةَ المَسِيحِ اليَومَ لا تُعاني مِنَ التَّعَصُّبِ بِقَدْرِ ما تُعاني مِنَ الجَهْل؛ وَلا تُمَزِّقُها التَّفْرِقَةُ بِقَدْرِ ما تُشَوِّهُها المُيوعَة.

                إِذا كُنْتُمْ مُتَأَلِّمِينَ مِنِ انقِسامِكُمْ، فَواجِهُوهُ بِمَسؤُولِيَّةٍ وَصِدْق، لِكَي تَسْعَوا جاهِدِينَ بِكُلِّ الوَسائِلِ لِمُعالَجَةِ أَسبابِ هذا الانقِسام. لا تَخْجَلُوا مِنَ القَولِ "نَحْنُ" و"أَنتُمْ". نَعَمْ، نَحنُ اليَومَ مُنقَسِمُونَ وَهذا جُرْحٌ، لا بَلْ هُوَ عارٌ عَلَينا كَمَسِيحِيِّين. وَلكنْ لا نَهْرُبَنَّ مِنَ الإِقْرارِ بِهذا الجُرْحِ وَهذا العار، لأَنَّ التَّغاضِيَ عَنْ وُجُودِ المَرَضِ لا يَعْني عَدَمَ وُجُودِه، وَلا يُؤَدِّي إِلى البُرْءِ مِنْهُ، بَلِ الإِقرارُ بِوُجُودِ المَرَضِ، وَالتَّصرِيحُ بِآلامِهِ، وَالاعتِرافُ بِعَوارِضِه، هُوَ الَّذي يُؤَدِّي، بَعْدَ العِلاجاتِ المَطلوبة، إِلى الشِّفاءِ التّامّ.

                مَنْ لَهُ أُذُنانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ كَلامَ الحَقِّ، وَلْيَضَعْ فِي قَلْبِهِ أَنَّ إِرضاءَ اللهِ أَوْلى مِنْ إِرْضاءِ النّاس.