الأحد 21 أيار 2023

الأحد 21 أيار 2023

19 أيار 2023

الأحد 21 أيار 2023
العدد 21
أحد الأعمى 
اللحن الخامس، الإيوثينا الثامنة


 أعياد الأسبوع:

 21: تذكار القدّيسَين قسطنطين وهيلانة مُعادِلَيِ الرسل، 22: تذكار الشّهيد باسيليوس، 23: تذكار القدّيس ميخائيل المعترف، القدّيسة مريم زوجة كلاوبّا حاملة الطيب، وسوسنّا والشّهيدة ماركياني، 24: وداع الفصح، تذكار البارّ سمعان الذي في الجيل العجيب، 25: خميس الصعود، تذكار وجود هامة السابق ثالثاً، 26: تذكار الرسول كَرْبُس أحد السبعين، 27: تذكار الشّهيد في الكهنة إلاّذيوس، القدّيس يوحنّا الروسيّ. 

أحد الأعمى

 المقطعُ الإنجيليُّ اليوم (لوقا ١٨: ٣٥- ٤٣)  لا يتحدّث فقط عن أعجوبةٍ صنعَها يسوع، بل جاء ليؤكّدَ لنا، ويعلن من خلالها أنّ يسوعَ المسيح هو "النور الحقيقيّ" الذي يُعطي النور؛ وليعلّمَنا أنّ عدمَ الاعتراف بالمسيح يسوع هو العمى؛ وأنّ العمى الحقيقيَّ هو العمى الداخليّ، أي عدم رؤية الحقيقيّة. 

الأعمى في المقطع الإنجيليّ، بالرغم من فُقدانِهِ النظرَ بعينَيه إلّا أنه يُبصر بقلبه وعقله وفكره، وما قَولُه ليسوع "يا ابن الله" في وسط الجموع، إلّا تأكيدًا واضحًا على أنّ قلبه وفكره كانا مُستـنيــرَين ومُبصرَين.

إنّ الأعمى ههنا بحاجة إلى يسوع، لذلك راح يصرخ مناجيًا اِيّاه، في حين انتهره الجمعُ يريدون إسكاتَه. 

ولكنّ إصراره وإيمانه جعلا صوته مُدَوِّيًا لا يقف بوجهه ضجيج الألوف، لأنّ صوتَه كان أعلى من صراخ العالم وجماهير المسيرة. 

دُهِش يسوع من إيمانه فسأله "ماذا تريد أن أصنع لك؟" 

والسؤال هنا، ليس من عدم معرفة يسوع لطلبه، إنّما ليعلنَ إيمانه أمام الجميع، وليؤكّدَ أنّه يُعطي مَنْ يسألونه؛ 

وكان جواب الأعمى "أن أُبصرَ"، وقد أَبصر للحال، لأنّ الربَّ يسوع هو نورُ الأنوار، هو النور الوحيد الذي يُعطي الأنوارَ ضياءَها. 

إذًا، طلب أن يُبصرَ الطريق، ليسيرَ مع الطريق وفي الطريق وبالطريق إلى نهاية الطريق، طريق الحقّ والحياة، لأنّ يسوع وحده هو الطريق والحقّ والحياة. 
 
نعم! يسوع يسألنا نحن أيضًا "ماذا تريدون أن أفعل لكم؟" يسوع يمرُّ بستمرار في حياتنا، لكنّه يبقى غيرَ مَرئيٍّ لِمَن لا يَرَونَ فيه معنًى لِوُجودِهم وحياتِهم، إنّه يدعونا باستمرارٍ إلى الخروج من الظلمة والعالم الفاسد لنسيرَ معه، فما علينا إلاّ أن نراه بعين الإيمان فنقبلَه ونُقبِلَ إليه.

 أخي المؤمن، مهما كنتَ مُثقًلًا بالخطايا وخطواتك متعثّرة، تشجّع وأسرع إلى يسوع لأنّه الوحيد الذي يحرّرُك، إنّه الوحيد الذي يَغسِلُ أَدرانَكَ وَيُوضِحُ لك رؤيا الحياة الجديدةِ بمعموديّةٍ متجدّدة. 

إنّه الوحيد الذي يُنيرُ عينَكَ لِتَرى وجهَ قيامتِه وتُبصرَ جمالَ رحمتِه ورأفتِه وتهتديَ بأنوارِ محبّتِه.    

+ الأسقف قسطنطين
رئيس دير مار الياس شويا البطريركي 

طروباريّة القيامة باللّحن الخَامِس

 لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة الـمُساوي للآبِ والرُّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراء لخلاصِنا، لأنّه سُرّ بالجسد أن يَعْلُوَ على الصّليبِ ويحتَمِلَ الموت، ويُنْهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة. 

طروباريّة القدّيسَين قسطنطين وهيلانة باللحن الثامن

 يا ربُّ إنَّ قسطنطينَ الذي هو رسولُكَ في المُلوك، لمّا شاهدَ رسمَ صليبِكَ في السماءِ عِيانًا، وَبِمنزلةِ بُولُس قَبِلَ الدعوةَ لا مِن إنسانٍ، أَودَعَ بِيَدِكَ المدينةَ المُتَمَلِّكة. فأنقِذْها بالسلامةِ كلَّ حِينٍ بشفاعاتِ والدةِ الإله، يا مُحبَّ البشرِ وحدَك. 

قنداق الفصح باللّحن الثّامِن

 وَلَئِنْ كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلّا أَنّكَ دَرَسْتَ قوّةَ الججيم، وقُمْتَ غالِبًا أيُّها المسيحُ الإله. وللنِّسوةِ حاملاتِ الطِّيب قُلتَ ٱفْرَحْنَ، ووهبتَ رُسُلَكَ السّلام، يا مانِحَ الواقِعين القِيام.
 
الرسالة:
(أع 26: 1، 12-20) 

إلى كُلِّ الأرضِ خرجَ صوتُه    
السَّماواتُ تُذيعُ مجدَ الله 


في تلك الأيّام، قالَ الملكُ أَغْريبا لِبُولُس: مأذُونٌ لكَ أن تتكلَّمَ عن نفسِك. فحينئذٍ بَسَطَ بولُسُ يدَهُ وطَفِقَ يَحتَجُّ: لمّا انطلَقْتُ وأنا عل ذلكَ إلى دِمَشقَ بِسُلطانٍ وتوكيلٍ مِن رؤَساءِ الكهنة، رأيتُ في نِصفِ النَّهارِ على الطريقِ أيُّها الملكُ نُورًا من السَّماءِ يَفُوقُ لَمَعانَ الشَّمس، قد أَبْرَقَ حَولي وَحَولَ السائرِينَ معي، فسقَطْنا جميعُنا على الأرض. وَسَمِعْتُ صوتًا يُكلِّمُني ويقولُ باللُّغَةِ العبرانيّةِ شاولُ شاولُ لِمَ تَضطَهِدُني؟ إنّه لَصَعبٌ عليكَ أن تَرفِسَ مَناخِس. فَقُلْتُ مَن أنتَ يا رَبُّ؟ فقالَ الربُّ أنا يَسُوعُ الذي أنتَ تَضطَهِدُه، ولكنْ قُمْ وَقِفْ على قَدَمَيك، فإنّي لهذا تراءَيتُ لكَ، لأَنتخِبَكَ خادِمًا وَشاهِدًا بِما رأيتَ وَبِما سأتراءى لكَ فيه. وأنا أُنجِّيكَ مِنَ الشعبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أنا مُرسِلُكَ الآنَ إليهم، لِتَفتحَ عُيُونَهم فَيَرجِعوا من الظُّلمةِ إلى النور، وَمِن سُلطانِ الشَّيطانِ إلى الله، حتّى يَنالوا مغفِرةَ الخطايا وَحَظًّا بينَ المقدَّسِينَ بالإيمانِ الذي بي. فَمِن ثَمَّ أيّها الملكُ أَغْرِيبا لَم أَكُنّْ مُعاصِيًا لِلرُّؤيا السَّماوِيَّة، بل بَشَّرْتُ أَوَّلًا الَّذِينَ في دِمَشقَ وَأُورَشليمَ وأَرضِ اليَهُودِيَّةِ كُلِّها، ثُمَّ الأُمَمَ أيضًا، بِأنْ يَتُوبوا وَيَرجِعوا إلى الله، عامِلِينَ أعمالًا تَليقُ بالتوبة. 

الإنجيل: يو 9: 1-38

 في ذلك الزّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنّه يُشْبِهُهُ. وأمّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيّ طينًا ثمّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنّه لا يحفَظُ السّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنّه كان أعمَى فأبصَرَ حتّى دَعَوْا أَبَوَيِ الّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الّذي تقولان إنّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنّ هذا وَلَدُنا وأنّه وُلِدَ أعمَى، وأمّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ فهو يتكلّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود لأنّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنّا نعلَمُ أنّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمَى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإِنّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنّ اللهَ قد كلّمَ موسى. فأمّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرّجلُ وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أَنّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيّ، ونحن نعلمُ أنّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدّهرِ لم يُسْمَعْ أَنّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعَ: قد رَأَيْتَهُ، والّذي يتكلّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.  

في الإنجيل

 يروي لنا إنجيل اليوم عجيبةٌ حصلت قبل موت السيّد وقيامته. 
كلُّ الأناجيل التي تلي القيامة هدفُها إظهار ألوهيّة السيّد وهو على الأرض. 
هذه الألوهيّة واضحةٌ ولا لُبْسَ فيها، إلّا عند اليهود، وجوابُهم دائمًا: "أنّهم لا يؤمنون به، أيْ بيسوع، لأنّه لا يحترم يوم السبت. لهذا هو ليس من عند الله.
 يسوع دائمًا لديه الجواب، أنَّ السبت جُعلَ للإنسان وليس والعكس، وأنَّ هذا الشخص المعذّب هو ابن إبراهيم، وأهمّ من السبت. 
وقد سألَهُم ذاتَ مرّةٍ إنْ كان لأحدٍ حمارٌ ووقع في الحفرة ألا يخلّصه يوم السبت؟ 
مبيِّنًا بهذا أنَّ الإنسان أعظم من السبت، لا بل هو أعظم خلائق الله. 
وعن حادثة أعمى اليوم، نرى أنَّ الأعمى أجاب اليهود بمنطق رجلٍ عرف الكتاب المقدّس معرفةً عميقةً وبشكلٍ صحيح وسليم. 
لقد طلبوا من الأعمى أكثر من مرّة أن يرويَ لهم كيف انفتحت عيناه، وفي كلِّ مرّة كان جوابه:
"وضع طينًا على عينيّ وطلب منّي أن أذهب إلى بركة سلوام وأغتسل، فذهبت واغتسلت، وها أنا الآن أرى". 
وفي المرّة الرابعة وقد ضاق ذرعًا منهم، أجابهم:
"لماذا تريدون أن تعرفوا؟ ألعلكم أنتم أيضًا تريدون ان تصيروا تلاميذ له"؟ فشتموه وضربوه. 
هذا هو موقف الضعيف أمام القويّ. وقالوا له:
"نحن نعلم أنَّ هذا الإنسان ليس من الله، وهو خاطئ" أجابهم: 
"كيف فتح عينيَّ إن لم يكن قد أتى من عند الله؟ ونحن نعرف أنَّ الله لا يسمع من الخطأة، بل إن كان أحدٌ يُحبّ الله ويعمل مشيئته فلهذا يستمع". 
ومن جديد شتموه وطردوه خارج المجمع.. 
وهذا الطردُ مُكْلِفٌ جدًّا، إذ يُحرِّم على الجميع التعاطي معه. ويُحرَم من أملاكه...
 فعلاً لقد فتح الرّبُّ يسوعُ عينَيْ قلبِ الأعمى، فرأى ما لم يستطع اليهودُ أن يَرَوه. 
لهذا حين وجده الرّب يسوع وسأله هل تؤمن بابن الله كان جوابه:
"مَن هو يا سيّد لأؤمن به"؟ 
أي أنا أصدِّقٌك أنت وليس مَن طردني، ولم يستمع إلى كلامي المملوء بالحجج والبراهين المنطقيّة والإيمانيّة. 
وحين عَلِمَ أنَّ ابن الله هو نفسه مَن فتح له عينَيه، للحين سجد له وصار من أتباعه. 
كم نحن بحاجة كُلّنا في هذه الأيام لأن نفتح أعين قلوبنا ونراه هو ونتبعه. فيصير محور حياتنا بالكليّة، وبهذا نربح الحياة الأبديّة ونكون معه دائمًا.   

لا بدّ من صرخة رجاء      

في خضمِّ ظلمةِ هذه الأيام التي نعيشُها، وسهولةِ الوقوع بين براثنِ الشيطان وحبائله التي كثُرت للأسف وتعصفُ بنا مِن كُلِّ جانب، من قلبٍ متألّمٍ لما يحصل، ومن عمق النّفس، آن الأوان لكي نستغيث ونطلب من الله المعونة، لأنّه لا بدّ من بريقٍ للأمل والرجاء في عصرٍ قُلبت فيه الموازين كلّها.      

إذًا، من رحمِ الأوجاع نطلق صرخةً لكي نعود إلى الجهاد. 

نحن بحاجةٍ إلى دموع الزانية وصرخةِ بطرس وتنهّدِ العشّار، هاتفين بكلّ تواضع وطالبين الرحمة وتوبة لأنّهما المنقذان الوحيدان اللذان جعلا من أكبر الخطأة أبرارًا وصدّيقين. 

لا نديننّ أخًا لنا أخطأ، بل لنرحمه ولنحمله في صلاتنا لكي تُرفع التجربة عنه وعنّا. 

لنركضنّ بلهفةٍ نحو الاعتراف متنهّدين وطالبين الرحمة والمغفرة! 

"كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ" يقول النبيّ إشعياء (٦:٥٣)،  لكنّ أبواب الرحمة ما زالت مفتوحة. 

رجاءً لا نحملنّ الضّغينة والحقد بعضنا على بعض، بل لنشابه الرّب في الرّحمة والرّأفة. 

لا نسمعنَّ لوسوساتِ  الشيطان لأنّه يحاول جاهدًا أن يفسد ما فعله الله من أجلنا. 

هذه الحياة هي للتوبة، لا نضيعنّها بأباطيل هذه الدّنيا وشرورِها. 

لا كلام يُزاد عمّا قيل لأنّه الآن هو وقت الصلاة، لنحملنَّ مسبحة الصلاة مُردّدين دون انقطاع أينما وُجدنا، في المنزل، على الطريق، في السيارة، أو في العمل: 

”ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ“، هذه هي الوصيّة الأولى والأخيرة لهذا العصر الرًديء الذي نعيش فيه!      

"الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ"، يقول الرسول يوحنّا في رسالته الأولى (١٧:٢). 

لذا، لا نكوننَّ ضحيّةً وعبيدًا للمالِ والسلطةِ والشهوةِ والجنسِ وجميع هذه الوسائل التي تُغرقنا، بل لنملكنّ حميّة النسوة الحاملات الطيب اللواتي كسَرن الضّعف بالشّجاعة وغلبنَ الخوف، فصادفنَ ملائكة وتلقّفنَ خبر القيامة الذي أزاحَ عن صدورهنَّ الاضطراب، وامتلكنَ فرحًا لا يوصف شاركنَ فيه العالم منذ ذلك الحين حتّى اليوم الأخير!  

    "وَأَمَّا نَحْنُ الَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ"، يقول لنا الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي: (٨:٥)، ولنغلبنَّ العدوّ برجاء المسيح القائم فينا لأنّ قوّة القيامة قادرةٌ على هدم حصون، مُتمنطقيَن بالإيمان لكي نغلب بقوّة القائم فينا أشراك العدوّ المدهونة عسَلاً، والسلام.  

القدّيسان العظيمان في الملوك ومُعادِلا الرُّسُلِ قسطنطين وهيلانة إنّ قسطنطين الكبير هو أوّلُ الأباطرةِ المسيحيّين. 

والدُه قسطنطين خلوروس قيصر القسم الغربيّ من الإمبراطورية الرومانيّة، ووالدتُه هيلانة ابنةُ كويلُس ملك يورك في بريطانيا. وُلدَ في بلغاريا سنة 272. 

تُوُفِّيَ والدُهُ سنة 306، فصارَ هو قيصرَ الغرب مكانَ أبيه، يتقاسَمُ المُلكَ مع مكسنديوس ومكسيمينس. 

وسنة 312، إذْ عَلِمَ قسطنطينُ أنّ مكسنديوس ومكسيمنس اتّحدا ضدَّه وعزما على مقاتلتِه، تأهّبَ لهما وزحفَ بجيشِه إلى إيطاليا للقائهما، وكان يقودُ الجيشَ بنفسِه، موجودًا في مقدّمته. 

وقد ذكرَ المؤرّخ أوسابيوس، وصرّح قسطنطين نفسه أنّه كان يصلّي ذاتَ يومٍ بُعَيدِ الظَّهيرة، فرأى صليبًا متوهِّجًا في السماء ومعه هذه الكلمات "بهذه العلامةِ تَنتصر". 

وفي الليلة التالية ظهر له الربُّ يسوع المسيح في الحُلم وأوصاه أن يستعمل ذلك الرسم واضعًا اِيّاه على الأَلْوِيَةِ والرايات، فلمّا استيقظَ صباحاً أمر في الحال أن يُوضعَ رسمُ الصليبِ على كُلِّ رايةٍ، مع الحرفَينِ الأَوَّلَينِ من اسم يسوع المسيح، وهما باليونانيّة Ι Χ. 

وفي 28 من شهر تشرين الأوّل التقى جيش قسطنطين بجيش مكسنديوس وانتصرَ عليه انتصارًا ساحقًا، فحاولَ مكسنديوس الفرارَ عبر نهر التيبر، فوقعَ فيه وغرق. 

 وفي اليومِ التالي، دخل قسطنطينُ إلى رومية منتصرًا، فبايعَه مجلسُ الشيوخ بمملكة الغرب. 

وكان ليكينيوس ملكًا على الشرق، فلمّا رأى قسطنطين أنّ لكينيوس بدأ يأتمرُ عليه وينكّل بالمسيحيّين، نقمَ عليه وسارَ لِمُحاربتِه، والتحمَ الجيشانَ مرّتَين، فكان النصرُ لقسطنطين سنة 323، فصارَ إمبراطورًا علىى الغربِ والشرق، وخمدَتْ نارُ الحرب، وتوقّفَ اضطهادُ المسيحيّين، وانتشرت المسيحيّةُ وتراجعت عبادةُ الأصنام. 

ثم في سنة 325 انعقدَ المجمعُ المسكونيُّ الأوّل في مدينةِ نيقية، وحضرَه الإمبراطور قسطنطين بنفسه. وفي 29 من شهر تشرين الثاني سنة 328، وضعَ أساسات مدينة القسطنطينيّة ونقلَ إليها كرسيَّ الملك من رومية، فَسُمِّيَت رومية الجديدة.
 
ويخبرُنا المؤرّخون أوسابيوس وسقراط وسوزومينوس أنّ قسطنطين كان يومًا في نيقوميدية وأصابه مرض، فطلبَ أن يعتمد واعتمدَ حالًا، ونالَ التمتُّعَ بباقي الأسرار المقدّسة. 

ويوم العنصرة في 21 أو 22 من شهر أيّار سنة 337 تُوُفِّيَ وله من العمر 65 سنة، ملك منها 31 سنة.

أمّا جسدُه فنُقلَ إلى القسطنطينيّة ووُضعَ في كنيسة الرسل القدّيسين التي كان قد بناها. 

إنَّ للإمبراطور قسطنطين فضلًا كبيرًا على الكنيسة، إذ رفعَ عنها الاِضطهاد، وأكرمَها وقدّمَ لها كُلَّ مساعدةٍ ممكنة، وأعادَ إلى المسيحيّينَ أملاكَهم المُصادَرة، وأعتقَ المنفيّينَ العاملينَ في المناجم، وسمحَ لهم بالحصولِ على وظائفَ هامّة كانوا قد حُرموا منها في أزمنة الاِضطهاد، وجعلَ يومَ الأحد يومَ العطلةِ الرسميّ، وصكّ على العُملةِ شِعاراتٍ مسيحيّة. 

ويعودُ له ولأُمّه الملكة هيلانة الفضلُ في تشييد كنائسَ عديدةٍ رائعةٍ في القسطنطينيّةِ وفي سائرِ أرجاءِ الإمبراطوريّة. 

ولكنّ ما لا يعرفُه الكثيرونَ هو أنّه أَلْغى من القوانينِ العامّةِ كُلَّ عقوبةٍ وحشيّةٍ تتنافى مع الروحِ المسيحيّة، مثل الصَّلْبِ وتحطيمِ الأَرجُل وَسَمْلِ العيون...إلخ، وشدّدَ على الجرائمِ الأخلاقيّة مثل الخطفِ والاِغتصاب، وصعّبَ الطلاق، وحسّنَ المعاملةَ في السُّجون، ومنعَ الأسيادَ من الإساءةِ إلى عبيدِهم وسهّلَ إعتاقَ العبيد، وغير ذلك كثير.
 
وفي المقابل، لم يَقُم قسطنطينُ باضطهادِ الوثنيّين، إيمانًا منه بحرّيّةِ المعتقد، فلم يُجبِر رعاياه الوثنيّين على التخلّي عن وثنيّتِهم، ولم يهدم هياكلَهم، باستثناء الهياكل التي كان تقام فيها طقوسُ الفسق والدعارة ويمارَسُ فيها السِّحر، كهيكل أفقا في لبنان مثلًا. 

إنَّ كنيستَنا الأرثوذكسيّة تعترفُ بفضلِ الملك قسطنطين معتبرةً اِيّاهُ قدّيسًا مُعادِلًا لِلرُّسُل، وكذلك أمّه الملكة هيلانة. 

فبشفاعاتِهما أيّها المسيحُ الإله ارحمنا وخلِّصنا. آمين.