الأحد 6 آب 2023

الأحد 6 آب 2023

02 آب 2023
الأحد 6 آب 2023
العدد 32
تجلّي ربّنا وإلهنا يسوع المسيح


أعياد الأسبوع:

7: الشّهيد في الأبرار دوماتيوس، * 8: إميليانوس المعترف أسقُف كيزيكوس، * 9: الرّسول متّياس، البارّ بسوبي، * 10: الشّهيد لفرنديوس رئيس الشّمامسة، * 11: الشَّهيد آفبلُس الشمَّاس، نيفن بطريرك القسطنطينيّة، * 12: الشّهيدين فوتيوس وأنيكيتوس.

التجـــــــــــلّي

طبيعة المسيح الإنسانيّة تجلّت بنار الألوهة الساكنة فيه.

وأعين الرسل القلبيّة قد انفتحت عن طريق الروح القدس. هذا لكي يروا ألوهة المسيح على وجهه البشريّ.

اليوم يمكن لنا نحن أيضًا أن نرى وجهَ المسيح مشعًّا من خلال الأسرار الكنسيّة، الأفخارستيّة مثلًا وحتّى من خلال وجه قريبنا. هذا لأنّ قريبنا هو أيضًا عضوٌ في جسد المسيح أي الكنيسة.

طبعًا هناك أيضًا الكتاب المقدّس. لنا أن نكتشف من خلاله وجهَ المسيح، هذا إذا قرأنا الكتاب بمنظار الروح القدس.

في الكتاب المقدّس هناك أنوارٌ في رسائل بولس وفي المزامير مثلًا. فيه نكتشف الوجهَ المنير وأيضًا في أعماق قلبنا. هكذا ورد في رسالة بطرس الرسول (2 بطرس 1: 19).

"عندنا الكلمة النبويّة وهي أُثبتت، التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجرَ النهار ويطلع كوكبُ الصبح في قلوبكم".

الموضع المظلم هو هذا العالم الذي نعيش فيه والكتاب ما هو إلّا هذا السراج المنيرlampe lumineuse الذي هو وجه المسيح. كوكب الصبح هو المسيح نفسه، شمسُ العدل المتجلّي فينا.

يقول القدّيس سلوان: التواضع Humilité هو النور الذي من خلاله يمكننا أن نرى النورَ الحقيقيّ.

يقول أيضًا القدّيس إيريناوس القرن الثاني "رؤية الله ومجده هي حياة الإنسان كاملةً" لقد خلقنا لله لكي نرى وجهه، هذه هي غاية الخلق، غاية تدبير الخلاص أن نرى وجه الله الأزليّ.

لقد شاهد الرسل على جبل ثابور نورَ الألوهة على وجه المسيح ممّا جعلهم يدركون سرَّ الصليب، يدركون أنّ الصليب هو درب القيامة للمسيح ولنا. 

ممّا يعني إنّه باستطاعتنا حتّى منذ الحياة الحاضرة أن نذوق مسبقًا رؤية وجه الربّ الأزليّ. 

الفرح الكبير كامنٌ في رؤية الله النور غير المخلوق.
                                                                                     
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما


طروباريّة التجلّي باللحن السابع

لما تجلّيت أيّها المسيح الإله في الجبل أظهرتَ مجدك للتلاميذ حسبما استطاعوا. فأطلع لنا نحنُ الخطأة نورك الأزليّ، بشفاعات والدة الإله يا مانحًا النور المجدُ لك.

قنداق التجلّي باللحن السابع

تجلّيت أيّها المسيحُ الإله في الجبل، وحسبما وسعَ تلاميذك شاهدوا مجدَك. حتّى، عندما يعاينونك مصلوبًا، يفطنوا أن آلامك طوعًا باختيارك، ويكرزوا للعالم أنّك أنتَ بالحقيقةِ شعاعُ الآب.

الرسالة: 2 بط 1: 10-19

ما أعظمَ أعمالَك يا ربُّ! كلَّها بحكمةٍ صنعْتَ باركي يا نفسي الربّ
يا إخوة، اجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم وانتخابكم ثابتَيْن، فإنّكم إذا فعلتم ذلك، لا تزلّون أبدًا وهكذا تُمْنَحون بسخاءٍ أن تدخلوا ملكوت ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح الأبديّ. لذلك لا أهمل تذكيركم دائمًا بهذه الأمور وإن كنتم عالمين بها وراسخين في الحقّ الحاضر. وأرى من الحقّ أنّي ما دمت في هذا المسكن أنهضُكُمْ بالتذكير، فإنّي أعلم أنّ خلع مسكني قريبٌ كما أَعْلَنَ لي ربُّنا يسوع المسيح. وسأجتهد أن يكونَ لكم بعد خروجي تذكُّرُ هذه الأمور كلَّ حين، لأنّا لم نتّبع خرافاتٍ مصنَّعةً إذ أعلمناكم قوَّةَ ربِّنا يسوع المسيح ومجيئَهُ، بل كنّا معاينين جلالَهُ، لأنّه أخذ من الله الآب الكرامةَ والمجدَ، إذ جاءَهُ من المجدِ الفخيمِ صوتٌ يقول هذا هو ابني الحبيبُ الذي بِهِ سُرِرْت. وقد سمعنا نحن هذا الصوت آتيًا من السماءِ حين كنّا معَهُ في الجبل المقدّس. وعندنا أثبتُ من ذلك وهو كلام الأنبياء الذي تُحسِنون إذا أصغيتم إليهِ كأنَّه مصباحٌ يُضيءُ في مكانٍ مُظلمٍ، إلى أن ينفجرَ النهارُ ويُشرقَ كوكب الصبح في قلوبكم.

الإنجيل: متّى 17: 1-9

في ذلك الزمان أخذ يسوعُ بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا أخاه، فأصْعَدَهم الى جبل عالٍ على انفراد، وتجلّى قدَّامَهم، وأضاءَ وجهُه كالشمس وصارت ثيابُهُ بيضاءَ كالنور، وإذا موسى وإيليّا تراءَيا لهم يُخاطبانه. فخاطب بُطرسُ يسوعَ وقال له: يا ربُّ حسنٌ أن نكونَ ههنا. وإن شئتَ فلنصنع ههنا ثلاثَ مظالّ: واحدةً لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليّا. وفيما هو يتكلّم إذا سحابة نيّرة قد ظلّلتهم وصوتٌ من السحابة يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ فلهُ اسمعوا. فلمَّا سمع التلاميذ سقطوا على أوْجهِهم وخافوا جدًّا فدنا يسوعُ إليهم ولمسهم قائلًا: قوموا، لا تخافوا فرفعوا أعينهم فلم يروا إلّا يسوعَ وحده. وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوعُ قائلًا: لا تُعلِموا أحدًا بالرؤيا حتّى يقوم ابنُ البشر من بين الأموات.

في الإنجيل

في حدث التجلّي اليوم، يكشف الربّ يسوع حقيقتَه، أنّه "نور من نور"، ويعلن ذاته أمام تلاميذه الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا الذين عاينوا عظمتَه "بحسب ما استطاعوا"، وسمعوا صوت الآب مقبِلًا من السماء معلنًا الكرامة والمجد لـ "ابنه الحبيب الذي سُرَّ به".

التلاميذ الثلاثة الشهود على حادثة التجلّي والذين يعاينون مجده الآن، سيعاينون في بستان الجسمانيّة آلامه، وسيفطنون عندئذ "أنّ آلامه طوعًا باختياره".

 فرؤية الرُّسلِ الثلاثة لِنُورِ الألوهة في جسد يسوع مرتبطة بسرّ الصليب، لأنّ الصليب هو الطريق إلى القيامة للمسيح ولكلّ مؤمن.

وكما في معموديّة الربّ في الأردنّ، كذلك يظهر الله اليوم ثالوثًا، يسوع الابن المتجسّد، الآب في الصوت الإلهيّ، والروح القدس في النور غير المخلوق.

إنّه ليس الظهور النورانيّ الأوّل لله، فقد ظهر قديمًا لموسى في العلّيقة الملتهبة، ولإيليّا في النار، ولكن لم يقدرا أن يعاينا وجه الله، "لأنّهما موتًا سيموتان". (خروج 3: 6 وخروج 33: 20 والملوك الأوّل 19: 13). 

أما الآن فبعد تجسّد المسيح وموته وقيامته، بات باستطاعة الإنسان أن يعاين قوّة الله ومجدَه بالنعمة الإلهيّة غير المخلوقة، ولكن يبقى جوهر الله غير مدرك للإنسان. 

ظهور موسى وإيليّا عن يمينه ويساره اليوم في التَّجلّي دون أن يموتا، يدلّ بوضوح على أنّ المسيح كان محور رسالتهما، فالنبيّ موسى يمثل الناموس، والنبيّ إيليّا يمثل الأنبياء، وقد سبقوا وبشّروا بمجيء المسيح "المسيّا المنتظر". 

هذا النور الإلهيّ قد أعاد النعمة الإلهيّة لتستقرَّ مجدَّدًا في الطبيعة البشريّة، وألّه طبيعتنا المظلمة: 

"أيّها المسيح لمّا لبست آدم بجملته، غيّرت الطبيعة التي أُظلمت قديمًا، وجعلتها لامعةً، وألّهتها بتغيير صورتك" (من سحر عيد التّجلّي). 

إنّ تجلّي الرَّبّ أمام تلاميذه هو إعلانه عن إعادة الوحدة بين الإنسان وذاته والله والخليقة في شخص ابن الله المتجسِّد، وإنارة كيان الإنسان من جديد. 

ما كشفه الربّ يسوع لتلاميذه الثلاثة ليس سوى حقيقة الإنسان الآتية أي طبيعته المتجلّية في ملكوت السماوات، وسر الدهر الآتي. 

في هذا اليوم يأتي ملكوت الله "بقوّة": 

"الحقَّ أقول لكم إنَّ قومًا من القيام ههنا لا يذوقون الموت حتّى يروا ابن البشر آتيًا في مُلْكِهِ " (متّى 16: 28).

هل تريد أن تعاين النور الإلهيّ؟ 

"التواضع هو النور الذي من خلاله نعاين النورَ الحقيقيّ" (القدّيس سلوان الأثوسيّ). 

وعيش الحياة الروحيّةِ، أي التَطهُّر والاستنارة والتألّه، هو الطريق التي تَقودُنا إلى المشاركة في خبرة الرسل على جبل ثابور. من بينها: 

الاعتدالُ واليقظةُ وحفظ القلب، وعدم إدانة القريب وإشباع أنانيتنا، متسلّحين بالصلاة الدائمة والتوبة المستمّرة. 

نصل إلى هذه الحقيقة الإيمانيّة الّتي عاشها وما زال يعيشها آباء الكنيسة، فنقول ليسوع مع بطرس "يا ربّ جيّدٌ أن نكون ههنا" (متّى 17: 4).

التجلّي وخبرة معاينة الله
يأخذُ حدثُ التجلّي مكانةً عظيمة في لاهوت الكنيسة. 

إن الابن الوحيد المولود من الآب أزليًّا، ومن مريم العذراء في الزمن، يتجلّى بالروح القدس، يكشف مجده الأزليّ في طبيعتنا البشريّة التي لبسها في التجسّد. 

وهذا يكشف عن الاتّحاد الكامل لطبيعته الإلهيّة مع الطبيعة البشريّة في أقنومه الإلهيّ. 

بظهور موسى وإيليّا معه، واشتراكهما في هذا المجد، كشف الربّ يسوع المسيح نفسه أنّه الأزليّ سيّد الموت والحياة، سيّد الماضي والحاضر وما سيأتي. 

ظهور موسى وإيليّا، اللذين كانا رمزين للغيرة على الإيمان بالإله الواحد، وعلى تطبيق وصاياه وخلاص الشعب، أظهر أن المسيح هو حقًّا غاية كلّ ما تحدّث عنه الناموس والأنبياء، إنّه كمال الشريعة والأنبياء. 

تكلّم آباء الكنيسة عن خبرة التجلّي أنّها ليست سوى خبرة معاينة الله، في نور الله غير المخلوق. 

إنّ الله يكشف ذاته للبشر كنور، لا في الجروحات ولا في الدماء ولا في خبرات البدع والمشعوذين. 

في النور والنار كشف الله في العهد القديم عن مجده الأزليّ. 

وجه موسى شعّ بالنور في جبل سيناء، وعاين هذا المجد أيضًا كنارٍ في العلّيقة غير المحترقة (خر2:3). إيليّا النبيّ أيضًا عاينه بشكلِ مركبةٍ ناريّةٍ (2مل11:2). 

وفي العهد الجديد نرى قوّة هذه الخبرة في وجه استفانوس، أوّل الشهداء، وفي رؤيا بولس الرسول على طريق دمشق. 

هذا النور ليس سوى خبرة تألُّه الإنسان، وخبرة اتّحاده بالله.

معاينة نور ثابور الإلهيّ، كانت نبوءة اسخاتولوجيّة؛ خبرة الحياة الأبديّة، التي تُعطى في خبرة هذا الدهر الحاضر. 

التقليد الآبائيّ كلّه يصف هذا النور أنّه غير مخلوق؛ وأنّ اختبار هذا النور ليس سوى اختبار لملكوت الله. 

إنّه "حقًّا نور الدهر الآتي"، ومعاينة لمجد الله، مجد الثالوث نفسه. 

فالمجد الّذي وهبه الآب للابن، وهبه هو أيضًا لمن آمنوا وأطاعوا. 

يُعرّف القدّيس غريغوريوس بالاماس طبيعة هذا النور هكذا: 

"هذا النور السرّيّ، غير المدنو إليه، غير المخلوق، والمؤلِّه، والأبديّ، بهاءُ الطبيعةِ الإلهيّة، ومجدُ الألوهة، وجمالُ الملكوت السماويّ، تُدركه الحواسّ، مع تجاوزه للحواسّ". 

ويُشدّد قدّيسنا "أنّ المسيح نفسه الّذي شعّ بالنور سمّى هذا النور ملكوت السماوات". 

إنَّ خبرة اتّحاد الإنسان بالله، تعني أنّ هذا النور هو "الحياة الأبديّة قد حلّت في الإنسان المؤلَّه دون أن تنفصل عن الله".

في الأرثوذكسيّة، لم تتوقّف معاينة هذا النور واختباره في الكاملين في الإيمان والتوبة. 

إنّه يُنير منذ الآن الذهن الّذي يُصلّي ويتنقّى بدون توقّف. 

فمعاينة هذا النور لا يستحقّها الإنسان إلّا بعد جهادٍ طويلٍ في النسك وغلبة الأهواء الشرّيرة، والشياطين التي تُثيرها؛ والتحرّر من كل تعليم كاذب وفكر هرطوقيّ يُحطّم قوّة الإيمان المقدّس في النفس. 

إنّ تحرّر النفس من الأهواء يتطلّب التركيز الكلّيّ في الصلاة النقيّة، أو الخالية من التخيّلات. 

وتبقى الصلاة مكان اختبار كلّ العطايا الروحيّة، لهذا يقول الإنجيليّ، إنّ التجلّي حصل "حين صعد ليصلّي". 

لهذا فإنّ الصلاة ليست واجبًا إنّما حاجة للنفس التي فقدت بصرها بالخطيئة، لتستنير بهذا النور الإلهيّ؛ النور الّذي وحده يرفع هذا البرقع الّذي وضعته حالة السقوط على عيني النفس. 

التجليّ يعيشه المؤمنون بتجديد أذهانهم، في تسليم مشيئتهم لمشيئة الله عبر طاعة الإيمان والوصايا. 

هكذا يبلغون إلى اتّحاد ذهنهم بذهن المسيح (رو2:12).
 
ويشرح القدّيس غريغوريوس بالاماس حالة النفس التي غلبت الأهواء واستحقّت النعمة، فيقول: 

"حين تقتني السلام وهدوء الأفكار والراحة والفرح الروحيّ وازدراءَ المجد البشريّ والاتّضاع المَقرون بابتهاجٍ خفيّ، وبغض العالم وعشق السماويّات بل عُشق الله السماويّ وحده". 

أولئك الّذين غلبوا الخطيئة والفساد، ونجوا من الموت الروحيّ، يُعطيهم الروح هذه الحالة من اللاهوى والاستنارة الروحيّة، ليعاينوا ملكوت الله في النور الأزليّ. 

"ونحن جميعًا ناظرين مَجد الرّبّ بِوجهٍ مكشوفٍ، كما في مِرآةٍ، نَتغَيّر إِلى تلك الصّورة عينها، من مجدٍ إلى مجدٍ" (2كور18:3).

هذه الرغبة برؤية الله كانت دائمًا شوقًا ملتهبًا في الإنسان منذ القديم. 

لكنّها رغبة لم تتحقّق إلّا بشكل جزئيّ لرجال العهد القديم. هذا هو معنى قول المسيح لليهود: "أبوكُم إبراهيم تَهَلّل بأن يَرى يومي فرأى وفرِح" (يو56:8). 

فكلّ الّذين عاينوا هذا النور قبل موت المسيح وقيامته، عاينوه تدبيريًّا "من الخارج". 

كالرسل الّذين صعدوا مع يسوع إلى جبل ثابور. هذا يُفسّر لماذا "سقط التّلاميذ على وُجوهِهِم وخافوا جدًّا" (مت5:17-6)، غير قادرين على احتمال صوت الآب والسحابة. 

هؤلاء احتاجوا إلى نعمة خاصّة من الربّ ليستطيعوا أن يتقبّلوا هذه المعاينة. 

لهذا فإنّ غير المسيحيّين، مهما كانت درجة نسكهم الجسديّ، يستحيل عليهم من دون المعموديّة وتجديد قواهم الروحيّة معاينة هذا النور، إلا تدبيريًّا لأجل اهتدائهم إلى المسيح، كما حصل مع بولس. 

فإذا لم يهتدوا، كالصوفيّين غير المعمَّدين، الّذين يُعاينون أنوارًا، فإنّ ملاك شيطان سيتّخذ شكل ملاك نور ويُضلّهم. 

في المعمَّدين فقط، الّذين يشتركون في جسد المسيح ودمه بتوبة كاملة، تتجلّى الحياة الأبديّة، في هذا الزمن الحاضر؛ ويتحقّق ملكوت الله في داخلهم. 

هذه حالة القدّيسين في حياتهم على الأرض، الّذين انتظروه وينتظرونه في كلّ زمن، فعَّلوا نعمة المعموديّة في إنسانهم الداخليّ، فعاينوا مجد الله في نور إلهيّ غير مخلوق، ليس من هذا العالم. 

ويتحقّق فيهم وعد المسيح: 

"وأنا قد أعطيتُهُم المجد الّذي أعطيتَني" (يو22:17).

هذا الاشتراك في نور المسيح يسبقه اشتراك في صليبه. 

هكذا نفهم كيف تكلّم موسى وإيليّا على الآلام أمام هذا المجد الإلهيّ. الذهبيّ الفم يقول إنّ المسيح تجلّى ليظهر مجد الصليب. 

ارتباط الصليب بالقيامة هو ارتباط بملكوت الله. لن يتمجّد أحد إلّا عبر الصليب، أي الاشتراك بكلّ ما عمله المسيح لأجلنا. 

لقد أتت الكائنات البشريّة إلى الوجود لا للتمتّع الوقتيّ بخيرات هذا الدهر وأمجاده، إنّما لتظهر في أجسادهم علامات الصليب. 

علامات الصليب هي شرط مُسبق لأجل الاشتراك الأبديّ في حياة الله ذاته، وفرحه ومجده غير المخلوق. 

أجسادنا ذاتها، التي تطهّرت بأتعاب النسك والصلاة الروحيّة والأصوام، سترتسم عليها علامات الصليب كوشم وختم سماويّ، وستشارك في هذا المجد النورانيّ وتُصبح هي نفسها أجسادًا نورانيّة روحيّة. 

فجسد المسيح الماديّ صار روحيًّا في التجلّي حين اخترقته أشعّة نور لاهوته الإلهيّ. 

وهذه ستكون حالة الجسد الّذي سنقوم به بعد أن يكون قد تنقّى وتمجّد بنور الله. 

عن الشركة في هذا النور قال المسيح، "سيشعّ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت43:13).