الأحد 9 نيسان 2023

الأحد 9 نيسان 2023

04 نيسان 2023
الأحد 9 نيسان 2023
العدد 15
أحد الشعانين المقدّس


أعياد الأسبوع:

9: تذكار الشَّهيد آفبسيثسيوس، القدّيسين رفائيل ونيقولاوس وإيريني (ميتيليني)، 10: الإثنين العظيم، تذكار يوسف المغبوط الكلّيّ الحسن، 11: الثلاثاء العظيم، تذكار مَثَل عشر العذارى، تذكار الشَّهيد أنتيباس أسقُف برغامس، 12: الأربعاء العظيم، تذكار المرأة الزانية، القدّيس باسيليوس المعترف أسقُف بارية، البارّ أكاكيوس الآثوسيّ، 13: الخميس العظيم، تذكار الغسل الشريف والعشاء السريّ، تذكار البارّ مرتينوس المعترف بابا رومية. 14: الجمعة العظيم، تذكار آلام ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الرسل أريسترخس وبوذوس وتروفيمس، وهم من السبعين، 15: سبت النور، تذكار دفن الجسم الإلهيّ، الرسول الشَّهيد كريسكس.

ملك المجد وأورشليم الجاحدة

"اِرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهريّة فيدخل ملك المجد.

مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ رَبُّ الْقُوَّاتِ هَذَا هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ" (مزمور 23 (24): 9 و10)

اليوم يدخل الرّبّ يسوع المسيح أورشليم الأرضيَّة راكبًا على جحش ابن أتان. ملك المجد والملك الظافر يجب أن يكون على صهوة حصان شامخ، لكنّه يأتي بالاتِّضاع والمسالمة وليس بدم أعدائه، لأنّه مزمع أن يقدّم دمه من أجل خلاص العالم...

يستقبل اليهود يسوع الناصريّ استقبال الفاتحين، لأنّهم عاينوا سلطانه الإلهيّ إذْ أقام لعازر من بين الأموات، لكنّهم مع ذلك لم يفهموا ولم يفقهوا أنّ سيّد الحياة وغالب الموت وليس آتيًا أورشليم لمجدٍ عالميّ بل ليمجِّد الله وليتمجَّد الله فيه على الصّليب.

حتّى اليوم، ما زلنا، بسبب خطايانا وضعفنا، ننتظر مسيحًا أرضيًّا يريحنا من الظالمين والفاسدين والمحتلّين والمُستعبِدين والمتسلِّطين. لم نتعلّم بعد، نحن المسيحيّين، أنّنا شهود لذاك الَّذي دفع ثمن خطايانا إذ حملها في جسده ليحرِّرنا منها عبر إيماننا به ربًّا ومخلِّصًا. 

هذا يعني أنّه يجب علينا أن نمدَّ خلاص الله في العالم من خلال مقاومتنا للشّرّ وتغيُّرِنا لنصير على صورة الَّذي افتدانا بدمه الكريم. لا يصير العالم مكانًا أفضل بانسحابنا من مسؤوليّتنا بتغييره. لكنّ التغيير يبدأ فينا أوَّلًا إذ نستقبل المسيح ملكًا على قلوبنا وحياتنا. حين يصير هو ملك حياتنا تصير كلمتُه طريقَنا ومنهجَنا وعملَنا ورسالتَنا وشهادتَنا.

ما معنى أن نستقبل اليوم يسوع في حياتنا؟ وكيف نفعل ذلك؟ أن نستقبل يسوع في حياتنا وأن يدخل علينا ملكًا ظافرًا بالسلام من خلال ذبيحة حبّه، يعني أنّنا نطلب الانعتاق من كلّ عبوديَّة للذات أو للبشر أو للحاجة أو للشهوة أو لأيّ شيء آخر، هذا يعني أنّنا اتّخذنا قرارًا بأن يكون هو الكلّ في الكلّ في حياتنا. 

ونحقِّق هذا الخيار حين نسلك درب التوبة الصادقة ونعرف خطايانا وضعفاتنا ونشكر على العطايا والنّعم، وأن نطيع المسيح في كلّ شيء وليس أنفسنا أو أيّ روح آخَر غير روح الرّبّ. 

نتيجة هذا الخيار أن يصير هاجسي في حياتي أن أتّحد بالرّبّ وتاليًا أن أخدمه في خلقه حبًّا به وليس جبرًا، وأن أعمل ليصير العالم مكانًا أفضل عبر الكرازة بحبّه وسلامه من خلال القدوة والعمل والقول.

"أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ" (1 يوحنا 4: 4). ملك المجد، اليوم، يدخل أورشليم الأرضيّة ليطرد الباعة واللصوص من الهيكل، والَّذين للمسيح لا يمكنهم إلّا أن يكونوا من الأنقياء أي التائبين الطالبين الحقّ. 

على الإنسان أن يقتبل يسوع في أورشليم قلبه ليطرد منها أفكار التجارة بوصيّة الله وعيشها بحسب أهواء النّفس، وأن يحارب روح الكذب والخداع والخيانة بإزاء الأمانة لكلمة الرّبّ.

أورشليم الأرضيّة قاتلة الأنبياء والمُرْسَلِين، مَن قَبِلَ يسوع ملكًا على حياته هو مشروع شهيد للحقّ لأنّه لن يهادن أورشليم أهواء العالم التي هي قلبه بل يحاربها ليحرّرها من المحتلّين، أي أفكار الشّرّ والأهواء، باستقباله ليسوع ملكًا للسّلام على حياته.

كم نحتاج ليسوع في هذه الأيام ليأتي إلينا على جحش السلام والغلبة على موت العبودية للخطيئة ولسلاطين هذا العالم وأرواح الشّرّ. فلنفتح له كياننا وقلوبنا ليأتي إلينا ويطهّرنا بالكلّيّة فيُجدِّد بنا العالم ويجعله مكانًا أفضل. المسيح هو النور والحقّ وهو الخلاص للخليقة من مآسيها وشرورها وهو محرّرها من كلّ عبوديَّة. 

من لم يتحرَّر بالمسيح هو عبد ويأخذ الخليقة معه إلى العبوديّة، ومن تحرَّر بالمسيح هو حرّ وفيه يحرّرُ الربُّ خليقتَه والعالم...

تَعَالَ يا ملك السّلام واملكْ على خليقتك... "وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: 'تَعَالَ!" (رؤيا 22: 17)

 + أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة الشعانين باللحن الأوّل
أيُّها المسيحُ الإله، لمّا أقَمْتَ لعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِكَ حَقَّقْتَ القِيامَة العامَّة، لذلِكَ وَنحْنُ كالأطفالِ نحمِلُ علاماتِ الغَلبَة والظفرِ صارخينَ نحوك، يا غالِبَ الموت: أوْصَنَّا في الأعالي: مُبارَكٌ الآتي باسمِ الربّ.

قنداق أحد الشعانين باللحن السادس
يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العرشِ في السماء، وراكِبٌ جحشاً على الأرض، تقبَّلْ تسابيحَ الملائكةِ وتماجيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليك أيُّها المسيحُ الإله، مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعيدَ آدَمَ ثانِيَة.

الرسالة: فيليبي 4: 4-9
مُبارك الآتي باسْمِ الرب
اعتَرِفوا للربِ فإنَّه صالِحٌ إلى الأبدِ رَحْمَتهُ


يا إخوة، افرحوا في الربِّ كلَّ حينٍ وأقولُ أيضاً افرحوا، وليظهر حِلْمُكم لجميع الناسِ فإنَّ الربَّ قريب. لا تهتمّوا البتّةَ، بل في كلِّ شيءٍ فَلْتَكُنْ طلباتُكم معلومةً لدى اللهِ بالصلاة والتضرُّع مع الشكر. وليَحْفَظ سلامُ اللهِ الذي يفوقُ كلَّ عقلٍ قلوبكم وبصائركم في يسوع المسيح. وبعد أيُّها الأخوة، مهما يكن من حقٍّ ومهما يكن من عفافٍ، ومهما يكن من عدلٍ، ومهما يكن من طهارةٍ، ومهما يكن من صفةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يكن من حُسْنِ صيتٍ، إن تكن فضيلةٌ، وإن يكن مدحٌ، ففي هذه افتكروا. وما تعلَّمتموه وتسلَّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيَّ فبهذا اعملوا. وإلهُ السلامِ يكونُ معكم.

الإنجيل: يو 12: 1-18

قبل الفصح بستَّةِ أيّام أتى يسوع إلى بيتَ عنيا حيثُ كانَ لعازرُ الذي ماتَ فأقامهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصنعوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدمُ وكان لعازرُ أحدَ المتَّكئينَ معه. أمّا مريمُ فأخذتْ رطلَ طيبٍ من ناردين خالصٍ كثيرِ الثمنِ ودهنَتْ قدمَيْ يَسوعَ ومسحَتْ قدمَيهِ بشعرِها، فامتَلأَ البيتُ من رائحةِ الطيب. فقالَ أحدُ تلاميذِه وهو يهوذا بن سمعان الأسخريوطيُّ الذي كانَ مُزمِعاً أن يسلِّمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطيبُ بثلاثِ مئةِ دينار ويُعْطَ للمساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتماماً منهُ بالمساكينِ بل لأنَّهُ كانَ سارقاً وكانَ الصندوقُ عِندَهُ وكانَ يحملُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دعها، إنَّما حفظَتْه ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندكُمْ في كلِّ حين وأمّا أنا فلستُ عندَكم في كلِّ حين.
وعلمَ جمعٌ كثيرٌ من اليهودِ أنَّ يسوعَ هناكَ فجاؤوا، لا من أجلِ يسوع فقط، بل لينظروا أيضاً لعازرَ الذي أقامَه من بينِ الأموات. فأتمرَ رؤساءُ الكهنةِ أن يقتلوا لعازرَ أيضاً، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمنونَ بيسوع.
وفي الغدِ لما سمعَ الجمعُ الكثيرُ الذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أخذوا سعفَ النخلِ وخرجوا للقائِهِ وهم يصرخونَ قائلينَ: هوشعنا، مباركٌ الآتي باسمِ الربِّ ملك إسرائيل. وإنَّ يسوع وجدَ جحشاً فركبَهُ كما هوَ مكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صهيون، ها إنَّ ملككِ يأتيكِ راكباً على جحشٍ ابنِ أتان. وهذه الأشياءُ لم يفهمْها تلاميذُهُ أوَّلاً، ولكن، لمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينئذٍ تذكَّروا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُمْ عملوها لهُ. كانَ الجمعُ الذينَ كانوا معهُ حين نادى لعازرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يشهدونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبلَهُ الجمعُ لأنَّهُم سمعوا بأنَّهُ قد صنعَ هذهِ الآية.

في الإنجيل

تتعدَّد الأحداث في هذه الرواية الإنجيليّة مِن بشارةِ يوحنّا. في الفصل الحادي عشر نرى المسيح يقيم لعازر. في مطلع الفصل الثاني عشر يسوع يتكئ في مأدبةِ عشاءٍ مقامة على شرفه في بيت لعازر، وهذا الأخير كان متكئًا معه. 

مرثا تخدم ومريم، أخت لعازر، تدهن رجلي يسوع بطيب باهظ الثمن. يرسم يوحنّا لوحةً تتداخل فيها الأفعال. كان لعازر واحداً من المتّكئين في العشاء. وهذا يعني أنّ آخَرين كانوا معه يعاينون ارتباك مرثا في الخدمة ومريم تدهن بالطيب الرجلَين الإلهيّتَين. ربّما هذه اللوحة تختصر أحداثاً كثيرة ستحدث لاحقاً. فالمأدبة تنبئ بالآلام والطيب بالموت، وأمّا وجود لعازر القائم من الموت فهو رسمٌ مسبق لقيامة المسيح. 

الشخصيّة المركزيّة في هذه اللوحة هي يسوع. من هنا تبدأ مسيرة آلامه حتّى الجلجلة، حتّى الصليب والموت ثمّ القيامة. يتهافت اليهود إلى البيت ليروا يسوع ولعازر. حركة متسارعة ومتفاقمة، وكأنّما يوحنا يصف عيداً وسجوداً يقوم به أناسٌ أَتَوا ليؤمنوا. وها نراهم مؤمنين بعدما رأوا لعازر متحقّقين من قيامته بواسطة الربّ يسوع المسيح.

نرى في هذه اللوحة فعل الإيمان المتفاقم مع تهافت من يدعوهم الإنجيليّ يوحنّا باليهود. ربّما هنا يُذكرون بفعل إيجابيّ، إذ في الكتاب المقدّس نادراً ما يقترن اسم "اليهود" بشيءٍ حسنٍ.

اليوم اليهود لا حجّّة لهم. الشعب المؤمن يعاين ما يعاين ويؤمن بالمسيح. البرهان هو امتعاض رؤساء الكهنة من هذا الحدث. لقد طفح الكيل! ففي الفصل التاسع يسوع يشفي الأعمى ويعيد له خلق البصر، فيُعلنُ المسيحَ أكثر من نبيّ. في هذه اللحظة رؤساء الكهنة والكتبة يحنقون ويعلنون الأعمى من الخارجين عن الدين، إذ اعترف بالمسيح يسوع. 

في الفصل الحادي عشر يسوع يقيم لعازر من بين الأموات. ها لعازر أيضاً خليقةٌ جديدة، كالأعمى. والآن يأتي اليهود لعاينوا ويؤمنوا؟ فهذا كثير بالنسبة للرؤساء، الذين يرون يسوع يهدّد مصالحهم الدينيّة والسياسيّة. 

وكيف لا، وقد جعل الشعبُ منه ملكاً؟ لا يستطيع رؤساء الكهنة في هذه اللحظة أن يحرموا كلّ اليهود المؤمنين بيسوع من الاشتراك في المجامع اليهوديّة لأنّ عددهم صار كثيراً. فما لهم إلّا أن يتآمروا على يسوع ويقتلوه، ويبرهنوا للشعب أنّ من يتبعونه إنّما هو شخص عاديّ، بل مجرم.

يسوع في هذه اللحظة يعتلي جحشاً كملكٍ، محقّقاً بذلك النبوءات القديمة. نعم إنّه ملك ولكنّه اختار التواضع سبيلاً، إذ إنّ مملكته ليست من هذا العالم، وبهذا يريد أن يعلّم اليهود أوّلًا وكلّ المؤمنين به ألّا ننتظر مُلكاً أرضيّاً للمسيح بل سماويّا، يكلّله الصليب والآلام ثمّ القيامة.

وبكى يسوع

ترتبط إقامةُ لعازر بدخولِ المسيحِ الغالِب إلى أورشليم. فإقامةُ لعازر هي مثالٌ لقيامةِ المسيح في اليوم الثالث وللقيامة العامَّة للجنس البشريّ. غصَّت أورشليم بالناس الآتين من كلِّ مكانٍ ليحتفلوا بعيد الفصح. 

تحدَّثت المدينةُ كلُّها على النبيِّ العظيم والصانعِ العجائب الذي من الناصرة، والذي كان قد صنع لتوِّه إحدى أعظم عجائبه، بإقامته لعازر من الموت بعد أن مكث أربعةَ أيَّامٍ ميتًا في القبر. تمّ الاستقبالُ الانتصاريُّ للمسيح لأنَّ اليهود تعجَّبوا من هذا الحدثِ المذهِل.  

فلننظر المسيحَ في تلك اللَّحظة. الحقيقة أنَّنا سنتفاجأ إذ سنعاين أنَّه لم يكن فرحًا في هذا الاستقبال الاحتفاليّ. إنَّما بالأحرى حنى رأسه وبكى. يا ربّ! لماذا تبكي الآن، فيما الناس يبتهجون؟ 

هو وحده العالِمُ بكلِّ شي. لم يكن يبكي على نفسه بل على شعبه لأنَّه لم يؤمن بالمسيح المسيَّا الذي جاء لأجله. لقد قتل شعبُ اليهود الأنبياءَ الذين أرسلهم، وبعد خمسة أيَّامٍ من استقباله له كملك، سيسأل بيلاطس أن يصلبه! 

هل تعتقدون أنَّ الله ملكَ الكون، يحتاج إلى هذا الحُكمِ ويحتاج أن يصير ملكًا على الشعب الإسرائيليّ  القاسي القلب، الذي لم يعرف المسيّا ويقبله، والآن يجهِّز نفسه ليسلمه إلى التعذيب الرهيب والموتِ على الصليب؟ 

لو عَلِمت القوَّاتُ السماويَّة العادمةُ الأجساد أنَّه، بعد هذا الدخول الاحتفاليّ،  يتمّ التحضير للصلبِ الرهيب لناحَتْ وانتحبت. 

هل بكى يسوع على اليهود معاصريه فقط؟ بالتأكيد لا! العالِم بكلِّ شيء رأى أنَّه عبر العصور سينساه الجنسُ البشريّ بالكلِّيَّة، وسيجدِّف ويهزأ باسمه القدّوس. لقد عرف ذلك، لذلك قال إنَّ ابن الإنسان في مجيئه الثاني لن يجد الإيمان على الأرض. 

علينا أن نبكي أيضًا، نحن الذين غالبًا ما ننسى صليب المسيح، خاصَّةً أولئك الذين ينطبق عليهم قول بولس الرسول: " كَمْ تَظُنُّونَ يَسْتَوجِبُ عِقَابًا أَشَدَّ مَن دَاسَ ابنَ اللهِ وَعَدَّ دَمَ العهدِ الَّذِي قُدِّسَ به نَجِسًا وازدَرى رُوحَ النِّعمَة؟ (عب 10: 29) وللأسف الشديد، نجد بينهم العديد من إخوتِنا العائشينَ بيننا.             
        
الإحسان والرحمة

"إنّ الأوان أوان التوبة، وجهاد الصيام يسبب لنا حياة أبديّة إنْ بَسَطْنا أيادينا إلى الإحسان، لأنّ ليس شيء ينقذ النفس كمؤاساة المحتاجين والرحمة إذا امتزجت بالصيام تنقذ الإنسان من الموت..." 

"من صلوات التريودي"

إنّ الصلاة هذه مأخوذة من كتاب "التريودي" وهو الكتاب الذي نستخدمه في هذه الفترة المقدّسة في الكنيسة، في فترة الاِستعداد للصوم الأربعينيّ المقدّس، وفي فترة الصيام، وفي الأسبوع المقدّس من سبت ألعازر حتّى عشية الفصح.

وها نحن اليوم قد قطعنا شوطاً من هذا الزمن الذي ندعوه: "أوان التوبة"، وبلغنا إلى الأسبوع العظيم المقدّس وما كان صيامنا إلّا استعداداً للبلوغ إلى هذه الأيام الخلاصية فنشترك مع المسيح في آلامه وموته وقيامته، ونصبح كائنات جديدة لابسة الربّ يسوع، الناهض من القبر، وهو الإنسان الجديد: "آدم الجديد"، بكر الخليقة الجديدة.

لن نعرف هذا التجدّد الروحيّ لمجرّد انقطاعنا عن بعض المآكل لا بدّ لنا من أن نذوق الموت لنحيا مع المسيح. ونذوق الموت بالتوبة، بأن نميت فينا الإنسان العتيق، إنسان الخطيئة.

 "إنّ الصوم الحقيقيّ هو سجن الرذائل، أعني ضبط اللسان، وإمساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة". يقول القدّيس باسيليوس ويكتب أيضاً القديس إسحق السرياني: "الذي يصوم عن الغذاء، ولا يصوم قلبه عن الحنق والحقد، ولسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل، لأنّ صوم اللسان أفضل من صوم النفس، وصوم القلب أفضل من الإثنين".

ويعبّر عن التوبة وصدقها الأعمال، إنها "ثمار التوبة" وأهمّ ما يعكس توبتنا هو الإحسان الذي تذكّرُنا به صلواتُنا ومنها القصّة المدوّنة أعلاه.

الصوم لا يسبّب لنا الحياة الأبديّة، الحياة مع الله، إلا إذا رافقه الإحسان. الرحمة إذا امتزجت بالصيام تؤمن له الغاية التي من أجلها كان ألا وهي أن ننجو من الموت فنذوق القيامة.

إذا تذكّرْنا هذه الحقيقة ونحن على أبواب الفصح، وعملنا على عيشها نشترك اشتراكاً حقيقيّاً مع الربّ يسوع في موته وقيامته.

ترنيمة "إفرحي يا بيت عنيا"

إفرحي يا بيت عنيا                    نحوك وافى الإله
من به الأموات تحيا                    كيف لا وهو الحياة(2)
إن مرتا استقبلته                    ببكاء وعويل
وشكت لما رأته                     شدّة الحزن الطويل(2)
قال كُفّي عن بُكاكِ                    ودعي هذا النحيب
واعلمي أنّ أخاك                    سوف يحيا عن قريب (2)
ثمّ نحو اللحد بادر                    ذلك الفادي الأمين
حيثما نادى لعازر                    إنهضن يا ذا الدفين (2)
أيها الأختان هيّا                    وأنظرا الأمر العجيب
قام من في اللحد حيّا                    فاشكرا الفادي الحبيب (2)
لك يا ربّ البرايا                    نحن نجثو بخشوع
إنّنا موتى الخطايا                    بك نحيا يا يسوع(2)