الأحد 3 نيسان 2022

الأحد 3 نيسان 2022

01 نيسان 2022

الأحد 3 نيسان 2022
العدد 14
الأحد الرابع من الصوم
اللحن الثامن، الإيوثينا الثامنة
 

أعياد الأسبوع:
3: (البارّ يوحنّا السلّميّ)، البارّ نيقيطا، يوسف ناظم التَّسابيح، 4: البارّ جرجس (مالاون)، البارّ زوسيماس، 5: الشُّهداء كلاوديوس وديودورس ورفقتهما، ثاوذورة التسالونيكيّة، 1: آفتيشيوس بطريرك القسطنطينيّة، غريغوريوس السّينائي، 7: خميس القانون الكبير، الشَّهيد كليوبيوس، جرجس أسقُف ميتيلين، 8: الرَّسول هيروديون ورفقته وهم من السبعين، المديح الكبير، 9: الشَّهيد آفبسيثسيوس، رفائيل ونيقولاوس وإيريني (ميتيليني).
 
السلّم الى الله
(للقدّيس يوحنّا السلّميّ)
"هذا الجنسُ لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم"،
 

ذهب القدّيس يوحنّا السلّمي في سنّ ١٨سنة الى جبل سيناء وتتلمذ على يد أب روحيّ مدّة ١٩سنة. عند وفاة هذا الأب ذهب الى أحد مناسك جبل سيناء. كان هذا الجبل يتضمّن ديراً شيّده الإمبراطور يوستينيانوس في القرن السادس. أمضى القدّيس يوحنّا السلّميّ في مثل هذه المغارة مدّة ٤٠ سنة. اكتسب في حياته النسكيّة خبرة طويلة أفاد بها النسّاكَ العائشين في المنطقة حوله. لخّص تعليمه في كتاب السلّم إلى الله الذي يُطالع في فترة الصوم الأربعينيّ المقدّس.
 
لقد سلّم النبيّ موسى قديماً شريعةً عند هذا الجبل سيناء، وقد ارتأى الله بعدها أن يُلهم أنبياءَه اللاحقين عهداً alliance جديداً غير مكتوب على صخرة حجريّة بل على القلب، هبةَ الروح القدس الذي سوف يُغدقه المسيحُ القائم على رسله في يوم العنصرة، هذا الروح الذي نأخذه في قلوبنا يوم المعموديّة.
 
لقد لخّص القدّيس يوحنّا السلّميّ في القرن السابع، قرن دخول الإسلام إلى بلادنا، لخّص تعليمَ الآباء القدّيسين القدماء في كتاب السلّم إلى الله الذي يتضمّن بامتياز الحياةَ الروحيّة المسيحيّة كلّها.
 
لقد ساهم القدّيس يوحنّا السلّميّ عن طريق كتابة السلّم إلى الله في ضبط الأولويّات التي تجعلنا نتحرّر من أهوائنا المعيبة من أجل أن يفعل فينا الروح القدس الكامن في أعماق قلبنا منذ المعموديّة كقوّة كامنة énergie potentielle فيصبح هكذا فاعلاً في حياتنا كقوّة فاعلة énergie cinétique
 
لا يُطلب من الراهب فقط أن يكون إنساناً من العالم وغيرَ متعلّق بهذا العالم وبما يشدّه فيه إلى الخطيئة
Détaché de tout mal.  هذا كلّه مطلوب من كلّ إنسان مسيحيّ يعيش في هذا العالم. (1).
 
في درجات السلّم إلى الله مثلاً تأتي أوّلاً فضيلة الطاعة obéissance  الطاعة ليست فقط تجاه رئيسنا بل أمام كلّ إنسان. هذا يصبح موقفَ تواضع humilité   "من أراد أن يخاصمَك ويأخذ ثوبَك فاترك له الرداءَ أيضًا ومن سخّرك ميلاً واحداً فاذهبْ معه اثنين.." (متى 5: 40).
 
هناك أيضًا درجة الصلاة التي أكثر من غيرها تحرّرنا من شبكة الشيطان، صلاة يسوع وصلاة القلب. "هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم". نغصب أنفسنا على الصلاة حتّى ولو لم نرغب في ذلك.
 
لا بدّ أن نتبع درجات هذا السلّم من الفضائل حتّى نصل الى القمّة: فضيلتَي التمييز والمحبّة. هكذا نمجّد الله على الدوام في حياتنا.
 
(1)       "منفصل عن الكل ومتّحد مع الكلّ في آن واحد" (إفغريوس Evagre)
 
                                                                                                  + أفرام
                                                                                    مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

طروباريّة القيامة باللحن الثامن
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك.
 
طروباريّة القدّيس يوحنّا السلّميّ باللحن الثامن
للبرَّية غَير المُثمرة بمجاري دُموعِك أمْرعتَ، وبالتنهُّداتِ التي منَ الأعماق أثمرْتَ بأتعابك إلى مئةِ ضِعفٍ، فَصِرتَ كَوكَباً للمَسْكونةِ مُتلألئاً بالعجائِب يا أبانا البارَّ يوحنا. فتشفَّعْ إلى المسيح الإله في خلاصِ نفوسِنا.
 
القنداق باللحن الثامن
إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُندِيَّة محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقذةٍ مِنَ الشدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارب أعتقيني من صُنوفِ الشَّدائدِ، حتّى أصرُخ اليكِ: إفرحي يا عروساً لا عروسَ لها.
 
الرسالة:
عب 6: 13-20
الربُّ يُعطي قوةً لشَعبْه
قدّموا للرّب يا ابناءَ الله


يا إخوة، إنَّ الله لما وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن أن يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنفسِهِ قائلاً: لأباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيراً. وذاك إذ تَأنّى نالَ الموعد. وإنّما الناسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقَضِي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينُهم بالقَسَم للتَثْبيتِ. فَلِذلك، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثَةَ الموعِد بَيَاناً لعدَمِ تَحوُّلِ عزْمِهِ، توسَّط بالقسَم حتَّى نَحصُلَ، بأمْرَيْنِ لا يتحوَّلان ولا يُمكِنُ أن يُخِلِفَ اللهُ فيهما، على تعزيَةٍ قوَّية نحنُ الذين التجأنَا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوعِ أمامَنا، الذي هو لنا كَمِرساةٍ للنَفْسِ أمينةٍ راسِخة تَدْخُلُ إلى داخِلِ الحِجاب حيث دَخَل يسوعُ كسابقٍ لنا، وقَدْ صارَ على رُتبةِ مليكصادَق، رئيس َكهنةٍ إلى الأبَدِ.
 
الإنجيل:
مر 9: 17-31


في ذلك الزمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ وسَجدَ له قائلاً: يا مُعَلِّمُ قد أتيْتُك بابْني بِه روحٌ أبْكَم، وحيثما أخذهُ يصرَعُهُ فيُزبْدُ ويصرْفُ بأسنانِه وَييبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أن يُخرجوهُ فلم يَقدِروا. فأجابَهُ قائلاً: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم، حتّى متى أحتْمِلُكُم؟ هَلمَّ بهِ إليَّ. فأتوهُ بهِ. فلما رآهُ للوَقتِ صَرَعَهُ الروحُ فسَقَطَ على الأرض يَتَمَرَّغُ ويُزبدُ. فسأل أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزمان أصابَهُ هذا؟ فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيراً ما ألقاهُ في النار وفي المياهِ ليُهلِكَهُ، لكنْ إنِ استَطَعْتَ شيئاً فَتَحَنَّنْ علينا وأغِثنا. فقال لَهُ يسوعُ: إن استَطَعْتَ ان تُؤمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُستطاعٌ للمؤمِن. فصاحَ أبو الصبيّ مِنْ ساعَتِه بدموع وقالَ: إنّي أُومِنُ يا سيِّد، فأغِث عَدَم إيماني.
فلمّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يتبادَرون إليهِ انتهَرَ الروحَ النجِسَ قائلاً لَهُ: أُّيُّها الروحُ الأبْكمُ الأصَمُّ، أنا آمُرُكَ أن أخرُج مِنهُ ولا تعُدْ تَدخُلُ فيه، فصرَخَ وخبَطهُ كثيراً وخرجَ مِنهُ فصارَ كالمَيْت، حتّى قال كثيرون إنَّه قدْ ماتَ. فأخذَ يسوعُ بيدِه وأنهضه فقام. ولما دخلَ بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نخرجَه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنسَ لا يُمكِنُ أن يخرجُ بشيء إلا بالصَّلاة والصَّوم. ولما خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أن يدريَ أحَدٌ، فإنّه كان يُعَلِّمُ تلاميذَه ويقولُ لهم: إنّ إبنَ البشرِ يُسَلَّمُ إلى أيدي النَّاس فيقتُلُونَهُ وبعد أن يُقتَلَ يقومُ في اليوم الثّالِث.

في الإنجيل

نبلغ بنعمة الله الأحد الرابع من الصوم الأربعينيّ المقدّس والذي نعيّد فيه للقدّيس البارّ يوحنّا السلّميّ، كاتب "السلّم إلى الله" والذي توصينا الكنيسة المقدّسة بقراءته وخصوصاً في زمن الصوم المبارك نظراً لأهمّيّته في حياتنا الروحيّة المسيحيّة.
 
يُعتبر هنا القدّيس العظيم نموذجاً هامّاً للصوم والصلاة والتوبة والتي نحتاجها في كلّ أيّام حياتنا وخصوصاً في صومنا ومسيرتنا نحو الآلام الخلاصيّة والقيامة المجيدة.

القراءة الإنجيليّة المخصّصة لهذا الأحد تتحدّث عن إنسانٍ أتى الى يسوع ساجداً وطالباً منه أن يشفي ابنه الذي به "روح أبكم".
من يتأمّل عوارض الاِبن المسكون من الشيطان، يعتقد للوهلة الأولى أنّه مصابٌ بمرضٍ عقلي كالجنون مثلاً، ولكنْ مِمّا لا شكّ فيه أنّ هذا الصبيّ كان مسكوناً بروحٍ نجسٍ كما يسمّيه الربّ يسوع. هذا الروح "الأبكم الأصم" كان يؤذي الصبيّ فكان كثيراً ما يلقيه في النار وفي المياه ليهلكه.
 
تُثبت هذه الحادثة بشكلٍ أساسيّ حقيقة وجود الشيطان عدوّ الله وعدوّ كلّ خير، كما تُثبت سلطان الربّ يسوع على الأرواح الشريرة، هذا السلطان الذي كان أحد علامات اقتراب ملكوت السموات.
 
لقد أدرك الشيطان أنّه يقف أمام ربّ القوّات والمجد فأخذ يتخبّط كوحشٍ مفترسٍ مصاباً إصابةً مميتةً. حيث يكون المسيح يسقط الشيطان ويزول وحيث يكون الإيمان تسقط التجارب والشرور.
 
مِمّا لا شكّ فيه أنّ ضعف الإيمان كان السبب في عدم قدرة التلاميذ على طرد هذا الروح النجس، لهذا سأل الربّ يسوع أبا الصبي قائلاً له: "إنِ استطعت أن تؤمن فكلّ شيءٍ مستطاع للمؤمن".
 
ويأتي جواب الوالد "إنّي أؤمن يا ربّ فأَعِنْ عدم إيماني" ليؤكّد بمحبّةٍ وتواضع أنّ الربّ سينقذنا ويكون معنا ويشفينا من سلطة إبليس بالرغم من طبيعتنا البشرية الضعيفة والمعرّضة للسقوط. بيت القصيد في إنجيل اليوم هو سؤال التلاميذ لمعلّمهم بعد أن شفى الصبيّ: "لماذا لم نستطع نحن أن نخرجه؟ وجواب الرب:
 
"إنّ هذا الجنس (الشيطان) لا يمكن أن يخرج بشيء إلّا بالصلاة والصوم". هذان السلاحان هما الشرطان الضروريّان لكلّ مسيحي في حربه ضدّ الشيطان، وهما أساسيّان في الحياة الروحيّة والإيمان المسيحيّ كما يذكر أيضًا القدّيس يوحنّا السلّميّ. وهنا لا بدّ أن نذكّر أن المسيح نفسه صام أربعين يوماً قبل أن يُجرّب من الشيطان (وهو ليس بحاجةٍ الى الصوم) كما أنّه كان دائماً ينفرد عن التلاميذ والجموع للصلاة.
 
ألا أعطنا يا رب، إذ نحن نجوز هذه المسيرة الصياميّة المباركة أن نعرف كيف نصلّي ونصوم ونرتقي في سلّم فضائلك لنغلب الشيطان وكلّ ضعفاتنا الكثيرة ونصرخ مع السلّميّ يوحنّا وكلّ قدّيسيك:"قم يا الله واحكم في الأرض لأنّك أنت ترث جميع الأمم". آمين.
 
الغضب وكيفيّة علاجه حسب جان كلود لارشيه
أ‌-          تعريف
ينتج هوى الغضب من القدرة الجامحة للنفس ويتضمّن جميع الوجوه المَرَضِيّة للعنف. أُعطيت القدرة الجامحة للإنسان من قبل الله خلال الخلق، وهي جزء من طبيعته نفسها، وهدفها حسب هدف الخالق أن تسمح للإنسان بمحاربة المجرِّب والتجارب وأن تمنع كلّ خطيئة أي الشّر، الاّ أنّ الإنسان بالخطيئة غيّر هدفها واستعملها ضدّ قريبه محوّلاً إياها ضدّ الطبيعة وصائرة اذ ذاك مرضًا من أمراض النفس. 
 
يظهر العنف كهوى في كلّ مرّة يوَّجه تجاه القريب فإنّه يجب ان يكون موَّجهًا ضدّ الشرير وليس ضدَّ الضحيّة، إذ إنّ الرسول بولس يقول "فليس صراعنا مع اللحم والدّم، بل مع أصحاب الرئاسة والسلاطين وولاة هذا العالم، عالم الظّلمات، والأرواح الخبيثة في السموات" (أفسس 6: 12). وكما يقول القديس سنكليتيك: "إكره المرض وليس المريض".
 
ب‌-        علاج الغضب بالوداعة والصبر والصدقة والصلاة
إذا أردنا أن نُعالج هوى الغضب يجب أن نزيل السبب ألا وهو حُبُّ اللذّة، أي إماتة الرغبة الملحّة والأهواء الناتجة عنها كشهوة البطن وشهوة الجسد والرفاهية.
 
يشدّد الآباء على ضرورة ممارسة الفضائل المضادّة لهذه الشهوات، مظهرين ضرورة الصدقة والتبرّع للفقراء كدواء فعّال في هذه الحالة. يقولُ القدّيس إيفاغريوس البُنطيّ بضرورة التقرّب من طبيب النفوس الذي يُداوي هذه الحالة العدائيّة بالصَّدَقة. فإنّ الصدقة هي فعل للمحبّة، الشيء الذي هو مضادّ للعدائيّة في الغضب، فإنّ الغضب يحتوي في طيّاته كره للقريب، بينما الصدقة هي ناتجة عن محبّة للقريب التي تدلّ على فعل رأفة، رحمة، وحسن النيّة.
 
وينصح القدّيس يوحنّا السلّميّ بِجَمعِ الرحمة إلى الوداعة والصبر، فيؤكّد فاعليّة دواء كهذا. ويكتب القدّيس مكسيموس في هذا المضمار: إذا امتلكتَ الرحمة والإحسان للقريب، فإنّكَ تُزيل من نفسك كلّ رواسب الأهواء. وينصح بشكل عامّ قائلاً: إنتصر على الكره بالرحمة.
ويأتي الغضب أيضًا من الكبرياء، لذلك يجب أن يكتسب الغضوب الوداعة كعلاج مضادّ. ويقول القدّيس السُّلّميّ في هذا الشأن إنّ الوداعة تستطيع أن تُزيل من النفس كلّ تحركات النفس التي تؤدّي الى الغضب.
 
وكما أنّ الظلام يضمحلّ عندما يظهر الضوء، هكذا تفوح رائحة الوداعة وتُزيل كلّ آثار الحقد والغضب. يقول القدّيس غريغوريوس إنّ الوداعة هي أمّ التواضع. وإذا أغلقت الباب على التكبّر، لا يجد الغضب طريقًا له. تتقوّى مفاعيل الوداعة عند الغضوب عندما تُقرن بالتوبة والندم، فإنّ الدموع التي تكسب ندمًا وتألمًّا على الخطايا قادرةٌ أن تُطفئ لهيب الغضب والحنق.
 
بالإضافة إلى كلّ هذه الأدوية، يجي أن نُضيف الصلاة، إذ يقول القدّيس كاسيان في هذا المضمار إنّ الغضب ككلّ الأهواء يُمكن أن يُشفى بتأمّل القلب وخاصّةً الترتيل، فإنّ الترتيل يجعل النفوس هادئة، يُعطي السلام، ويُهدّئ ثورة الأفكار، مزيلًا توتّرات النفس ومقوّمًا كلّ خلل.
 
يجب أن لا نغضب إلاّ عندما نكون على حقّ، فإنّ المسيح يقول من غضب على أخيه يستوجب المحاكمة (متّى 5: 22). والتدريب على ذلك يكون بالتمالك ضدّ هذه القدرة العنيفة. يقول القدّيس باسيليوس: عندما تُحسّون بأوّل علامات الاِنفعال، الْجُمُوا أنفسكم وحكّموا العقل.
 
كما يُروَّضُ الحصانُ بالرَّسَن، هكذا يجب على الغضوب أن يلجم لسانه وأفعاله ويصمت أمام أيّ انفعال في بادىء الأمر، ويتدرّب على السيطرة على مشاعره. يقول السُّلّميّ: "إنّ بداية النَّصر على الغضب هو صمت الشفاه.
 
ومن ثمّ يجب أن تروّض الأفكار والقلب، فإنّه من القلب تنبعث المقاصد السيّئة، القتل، والزنى، والفحش، والسرقة، وشهادة الزور، والشتائم، التي تُنجّس الإنسان (متّى 15: 18- 19، مرقس 2: 21). ويُشدّد القدّيس كاسيان على أنّ الغضب لا يُشفى الاّ باليقظة المستمّرة.
 
ويقول أيضًا أنّه لا يجب أن ننزع الغضب من أفعالنا فقط بل وأيضًا من صميم نفوسنا.
 
وترويض الأفكار هو شكل أساسيّ في العلاج، خصوصًا عندما يأخذ الغضب شكلًا مبطَّنًا خفيًّا وداخليًّا، إذ يتفاقم الحقد والكره. والأهمّ في هذه الحالة هي المسامحة كدواء لهذه الحالة.
 
والمصالحة مع القريب كما يقول الربّ: "فإذا كنتَ تُقرّب قربانَك إلى المذبح وتذكّرتَ أنّ لأخيكَ عليك شيئًا، فدَعْ قربانَك هناك عند المذبح، وإذهب أوّلاً وصالح أخاك، ثمّ عُدّ وقرّب قربانك. سارع إلى إرضاء خصمك ما دمتَ معه في الطريق، لئلّا يُسلّمك الخصم إلى القاضي والقاضي إلى الشرطيّ فتُطرح في السجن" (متّى 5: 23- 25).
 
لذلك يجب أن نأخذ على عاتقنا أن نتصالح مع القريب عندما نعرف أنّه مزعوج بسببنا ويجب أن نلوم نفسنا أوّلاً ونطلب السماح منه. الصلاة من أجل العدوّ لها مفاعيل كثيرة، فإذا أحسستَ بالحقد تجاه أحد الإخوة، صلِّ من أجله لكي تكسر حميّة هذا الهوى في داخلك، وأيضًا صلِّ من أجل الذين يُسيئون إليك فتتحرّر.
 
أحد القدّيس يوحنّا السلّمي

في كلّ أحد من آحاد الصوم الكبير المقدّس، تقيم الكنيسة ذكرى أخرى إلى جانب ذكرى القيامة. تُحدّثُنا الكنيسة في الأحد الرابع من الصوم الكبير المقدّس عن القدّيس يوحنّا السلّميّ، أحد أعظم النسّاك، الذي تدعوه الكنيسة "ملاكًا أرضيًّا وإنسانًا سماويًّا".
 
تضعنا الكنيسةُ أمام واعظ التوبة العظيم، المجاهد النّاسك العظيم والمقدّس، الذي علّمنا كيف نعيش، وأين نطلب مساعدة الله، وكيف نستخدمها لبلوغ دعوتنا العليا.
 
أُطلق عليه لقب "السلّميّ" لأنّه كتب عملًا خالدًا "السلّم إلى الله".
 
نرى في هذا العمل كيف يرتقي المسيحيّ، من خلال ثلاثين درجةً، تدريجيًّا من الأسفل إلى ذروة الكمال الروحيّ الفائق. نرى كيف أنَّ فضيلةً تقود إلى فضيلةٍ أخرى، حيث يرتقي الإنسان إلى أن يبلغَ ذروة الفضائل، أي "المحبّة المسيحيّة".
 
عندما نقرأ هذا الكتاب القيّم والمفعم بالمحبّة الإلهيّة، نتعلّم أكثر فأكثر مُنغمسين في صُلب الحياة الرّوحيّة. لنأخذ هذا المثال، عندما نرمي حجرًا إلى الأعلى، فإنّه يصعد حتى اللحظة التي تتوقّف فيها قوّة الدفع. وكلّما كانت قوّة الدفع أكبر، كلّما ارتفع الحجر إلى الأعلى أكثر، متغلّبًا على قوّة الجاذبيّة الأرضيّة. لكن حين انتهاء مفعول هذه القوّة الدافعة، فلا يبقى الحجر معلّقًا في الهواء. سيسقط إلى الأرض على الفور، وستزداد سرعة سقوطه كلّما كانت المسافة التي قطعها علوًّا أكبر، وفقًا للقوانين الفيزيائيّة للجاذبيّة الأرضيّة.
 
هكذا هو الحال أيضًا في الحياة الروحيّة؛ مع صعود المسيحيّ تدريجيًّا، ترفعه قوّة العمل الروحي والنسك والصلاة، وعندما يضلّ، يسقط في خطيئته، ولن تبقى روحه في حالتها السابقة، بل يسقط كالحجر إلى الأرض. قال ربّنا يسوع المسيح: "اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ" (لو 13: 24).
 
إنّ طريق الخلاص الذي يصفه القدّيس يوحنّا لا ينطبق فقط على الرهبان والراهبات؛ بل كلّ مسيحيّ مُعمَّد مدعوٌّ لصعود السلم، خطوة بعد خطوة، ليكون ناسكًا في حياته. عليه أن يوجّه روحه وحياته نحو المسيح، فيتطهّر من أهوائه ويتقدّس.
 
ينسى الناس أنَّ الحياة المسيحية هي بالفعل عمل نسكيّ. سمعنا يوم الأحد الماضي كيف قال الربّ: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي" (لوقا 9: 23).
 
فالمسيحيّ هو مَنْ يحمل صليبه، ويتبع يسوع. حياة المسيحيّ أيضًا يجب أن تكون عملًا نسكيًّا لِحَمل هذا الصليب. مهما كانت الظروف المحيطة به، سواء أكان راهبًا أم علمانيًّا.
 
إنْ لم يجبر نفسه على الصعود إلى الله، فمن المؤكّد أنّه سينحدر ​​إلى الأسفل.
 
بصعوده درجات هذا السلّم، يصبح الإنسان كاملًا، كما ينبغي أن يكون، كما دعاه الله لأن يكون. فيمكنه أن يقول مع بولس الرسول: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غلاطية 2، 20).