الأحد 10 تشرين الأول 2021  

الأحد 10 تشرين الأول 2021  

07 تشرين الأول 2021
الأحد 10 تشرين الأول 2021  
العدد 41
الأحد 16 بعد العنصرة 

اللحن السابع الإيوثينا الخامسة


* 10: الشّهيدان أفلمبيوس وأخته أفلمبية، * 11: الرّسول فيلِبُّس أحد الشّمامسة السّبعة، البارّ إسحق السريانيّ (28 أيلول شرقي) ثاوفانس الموسُوم، * 12: الشُّهداء بروفوس وأندرونيكس وطَرَاخُس، سمعان الحديث،
* 13: الشُّهداء كربُس وبابيلس ورفقتهما، * 14: الشُّهداء نازاريوس ورفقته، قزما المُنشئ أسقُف مايوما، 
* 15: الشّهيد في الكهنة لوكيانُس المعلّم الأنطاكيّ، * 16: الشّهيد لونجينوس قائد المئة ورفقته.  *

إقامة ابن أرملة نائين 
- لقد افتقد الله شعبه -


هذا الأحد هو الأحد الثالث من لوقا، والقراءةُ الإنجيليّةُ من لوقا الإصحاح السابع العدد 11 - 16. يتكلّمُ الإنجيليُّ عن معجزة إقامة ابن أرملةِ نائين (وهي مدينةٌ تقع نحو الجنوب الشرقيّ من مدينة الناصرة). 

لم تكن هذه المعجزة الوحيدة لإقامة ميت، ولكنْ ربّما هي المعجزة الأُولى تلتها معجزة إقامة ابنة يائيروس التي وردت في (لوقا 8: 40- 56)، وإقامة صديقه لعازار من الموت من بعد أربعة أيام (يوحنا 11: 17- 44).

ما يُميّز هذه المعجزة عن المعجزتَينِ الأُخرَيين أنّها تمّت بمبادرةٍ من الربّ يسوع نفسه لا بطلبٍ من أحد. يقول المقطع الإنجيليّ إنّه من بعد أن شفى يسوع عبدًا لقائدِ مئةٍ كان مريضًا ومُشرفًا على الموت في كفرناحوم، انطلق في اليوم التالي مع تلاميذه وجمعٍ كثيرٍ إلى مدينة تُدعى نائين، وفي تلك المدينة كانت هناك أرملة فَقَدَت وحيدها الذي قد مات في ظروف غير معروفة.

 لقد كانت هذه الأرملة في وضع إنسانيّ واجتماعيّ صعبٍ للغاية. لم يَكفِ أنّها كانت أرملةً فَقَدَتْ زوجَها، بل أيضًا خسِرت ابنَها الوحيد، وها هي الآن خارجةٌ لِتَدفنَ وحيدَها، وكان معها جمعٌ كثير من المدينة. لقد كانت مُحاطة بالأقارب والأصدقاء وأهل البلدة ورغم كلّ هذه التعزية البشريّة التي كانت مُحاطة بها لم تُعوِّضها عن ابنها ولم تمنحها لا السلام ولا التعزية بخسارة وحيدها. 

لقد انطلق موكب الجنازة (الموت) هذا والنعش في وسطه، ومن الجهة الأخرى اقترب موكب التلاميذ والربّ 
يسوع (الحياة) في وسطه. التقى الموكبان على باب المدينة، موكبُ الموت وموكبُ الحياة، فكانت الغَلبَة للحياة على الموت. " أين شوكتك يا موت؟  أين غلبتك يا جحيم؟". يقول الرسول بولس في (1 كورنثوس 15: 55).

لقد حرّك منظرُ هذه الأرملة قلبَ الربّ يسوع "فتحنّن عليها". لقد شعر بألمها وحزنها وهو الربّ الرؤوف والمُتحنِّن، الطويل الأناة والكثير الرحمة. 

"أبو الرأفات وإلهُ كُلِّ تعزية" (2 كورنثوس 1: 3). لم ينتظر منها أن تطلب إليه أن يُساعدها، وهي ربّما لم تلحظ وجوده كونها كانت تبكي ومُحاطة بالجموع. هو بادَرَ من تلقاء ذاته واقترب منها أوّلاً وقال لها مُعزّيًا "لا تبكي". 

ثم دنا ولمس النعش فوق الحاملون، لم يكتف بتعزيتها بالكلام فقط بل بالفعل أيضاً فأوقف النعش وقال للشابّ الميت، "لكَ أقول قُم"، فاستوى الميت وبدأ يتكلّم فسلّمه إلى أمّه. 

لو أنّ أيَّ إنسانٍ آخَر قد فعل هذا العمل وتكلّم مع الميّت بما قاله الربّ يسوع لكان عُرضة للهزء والسخرية من الجموع، ولكنّ كلمة الربّ يسوع كما يقول بولس الرسول "كلمة الله حيّةٌ وفعّالةٌ وأمضى من كُلِّ سَيفٍ ذي حدَّين". 

هذه الكلمة ليست مجرّد ذبذباتٍ صوتيّةٍ، بل هي كلمةٌ تحمل قوّةَ الحياة. يَشهَدُ النبيُّ إشَعيا في العهد القديم عن كلمة الربّ أنّه "هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سُررت به وتنجح فيما أرسلتُه لها" (أشعياء 55: 11).

يذكر الكتاب المقدّس كيف أنّ الربّ يسوع أظهر تحننّه على الجموع مراراً وشفى أمراضهم وعزّاهم. كما أظهر اهتمامه بحاجاتهم الجسديّة "فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً فتحنّن عليهم إذْ كانوا كخرافٍ بلا راعٍ" (مرقس 6: 34) و(متى 9: 35).

لم يَظهر الربّ يسوع أمام هذه الحادثة بمظهر المتفرّج اللامبالي وغير المُكترث بالألم والحزن البشريّ، لقد تدخّل في حياة هذه الأرملة وأقرن القول بالفعل، لقد عزّاها أوّلاً قائلاً "لا تبكي"، ومِن ثَمّ "أقام وحيدها من الموت"، ومِن ثَمّ "دفعه إلى أُمّه".

لا يوجد أصعب من حزن الموت، لأنّ كلَّ موتٍ فيه فُقدانٌ وخسارةٌ، بِغَضِّ النظرِ عن الظروف والمكان والزمان. لا يستطيع الإنسان المسيحيُّ أن يقف موقف اللامبالي أمام حزن وألم أخيه الإنسان، بل ينبغي له أن يُسرِع ويُقدّم التعزية البشرية بالقول وبالفعل، أي بالمساعدة حسبما تتطلّب الحالة والظروف. 

ولكنْ، تبقى كُلُّ تعزيةٍ بشريّةٍ ناقصةً وعاجزةً عن تعزية القلبِ وبَلْسَمَةِ الجُرحِ ومَنحِ التعزيةِ الحقيقيّةِ والسلامِ الداخليّ، إن لم يكن مصدرُ هذه التعزية إلهيّاً، والتي يحصل عليها الإنسان المحزون والمتألّم من خلال الصلاة، الصبر، الرجاء ومطالعة الكلمة الإلهيّة، كلمة الله المُحيية.

لقد كان وَقعُ هذه المعجزة على الناس عظيماً، "فأخذَ الجميعَ خوفٌ ومجّدوا اللهَ قائلين: لقد قامَ فينا نبيٌّ عظيمٌ". لقد ذكّرَتْهم هذه المعجزةُ بِنَبِيَّينِ عظيمَينِ مِنَ العهدِ القديم: إيليا وأليشع. فإيليا أقامَ ابنَ أرملةٍ مِن صَرْفَةِ صَيدا (ملوك 17: 8- 24) وأليشعُ أقامَ ابنَ المرأةِ الشَّونَميّةِ الأرملة. (2 ملوك4: 8- 37)

 ولكنّ الفرق بين الربّ يسوع والنّبيَّين، أنّهما تضرّعا وصلّيا إلى الربّ، و"سمِع الربُّ لَهُما". أمّا الربُّ يسوعُ فهو"القيامة والحياة" (يوحنا 11: 25). هو يَأمُرْ فيُطاعْ.  لقد أعاد الحياةَ إلى الشابّ الميتِ بِقُوّةِ سُلطانه. "لأنّه أخضع كُلَّ شيءٍ تحت قدمَيه". لقد رأت الجموعُ المُحيطةُ بهذا العمل "افتقاداً من الله لشعبه".

لقد هزم السيّد المسيح الموت بموته المُحيي على الصليب، لقد وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. لقد وعد الربُّ يسوعُ المؤمنين به أنّه في الحياة الأبديّة "سيَمسحُ اللهُ كُلَّ دمعةٍ مِن عيونِهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزنٌ ولا صراخٌ ولا وجع، لأنّ الأمورَ الأُولى قد مضت". آمين.

+ باسيليوس
متروبوليت أُستراليا ونيوزيلنده والفيلبينّ


طروبارية القيامة باللّحن السابع

حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.

القنداق باللّحن الرابع

يا شَفيعةَ المَسيحيّينَ غَيرَ الخازِية، الوَسِيطةَ لدى الخالِقِ غَيرَ المَردُودة، لا تُعرِضي عن أصواتِ طلباتِنا نَحنُ الخَطأة، بل تَدارَكِينا بالمَعُونةِ بِما أنَّكِ صالِحة، نَحنُ الصارخِينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعة، وأَسرِعي في الطلْبة، يا والدةَ الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.

الرِّسَالة 
2 كو 6: 1-10
الربُّ يُعطي قوّةً لشعبه    قدِّموا للربِّ يا أبناءَ الله


يا إخوةُ، بِما أنّا معاوِنُونَ نَطلُبُ اليكم أن لا تَقَبَلُوا نِعمَةَ اللهِ في الباطِل، لأنّهُ يقولُ: إنّي في وقتٍ مقبولٍ استجبتُ لكَ وفي يومِ خَلاصٍ أَعَنتُك. فَهُوذا الآنَ وقتٌ مقبول. هوذا الآنَ يومُ خَلاص، ولسنا نَأتي بِمَعثَرةٍ في شيءٍ لئلاّ يَلحَقَ الخدمَةَ عَيبٌ، بل نُظهِرُ في كلِّ شيءٍ أنفسَنا كخدّامِ اللهِ، في صَبرٍ كثيرٍ، في شدائدَ، في ضَروراتٍ، في ضِيقاتٍ، في جَلدَاتٍ، في سُجونٍ، في اضطراباتٍ، في أتعابٍ، في أسهارٍ، في أصوامٍ، في طَهارةٍ، في معرفةٍ، في طُول أناةٍ، في رفقٍ في الروح القُدُس، في محبةٍ بِلا رِياءٍ، في كلمةِ الحقِّ، في قُوّةِ الله، بأسلحَةِ البِرِّ عن اليَمينِ وعَن اليَسار. بمجدٍ وهَوانٍ، بِسُوءِ صِيتٍ وحُسنهِ. كأنّا مُضِلُّون ونَحنُ صادِقون، كأنّا مَجهولونَ ونحنُ مَعروفون، كأنّا مائِتونَ وها نحنُ أحياءُ، كأنّا مؤدّبونَ ولا نُقتَل، كأنّا حِزانٌ ونحنُ دائماً فَرِحون، كأنّا فُقراء ونحنُ نُغني كثيرين، كأنّا لا شَيء لنا ونحنُ نملِكُ كُلّ شيءٍ.

الإنجيل
لو 7: 11-16 (لوقا 3) 


في ذلك الزمان، كان يسوع منطلقاً الى مدينة اسمها نايين، وكان كثيرون من تلاميذه وجمعٌ غفير منطلقين معه، فلمّا قرب من باب المدينة، إذا ميتٌ محمولٌ، وهو ابنٌ وحيدٌ لأمّه، وكانت أرملةً، وكان معها جمعٌ كثيرٌ من المدينة. فلمّا رآها الربُّ تحنّن عليها، وقال لها: لا تبكي، ودنا ولمس النعش فوقف الحاملون. فقال: أيّها الشابُّ، لك أقول قُم. فاستوى الميْتُ وبدأ يتكلّم، فسلّمه إلى أمّه. فأخذ الجميعَ خوفٌ، ومجّدوا الله قائلين: لقد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقدَ اللهُ شعبَه.

في الرسالة 

إنّ الرسول بولس يحدّد خدمته الرسوليّة التي كلّفه بها الله بكونها إعلان إنجيل الله وتبليغه لبني البشر. وقوام هذا الإنجيل، هذه البُشرى، "أنّ الله، في المسيح يسوع، قد صالح العالمَ لنفسه غيرَ حاسبٍ لهم خطاياهم".

لذا هو يدعوكم على فم رسوله ويطلب إليكم أن "تصالحوا مع الله" وادخلوا في نطاق" برّ الله في المسيح يسوع" (2 كو 6: 18-21)، وهو المقطع الذي يسبق تلاوة هذا اليوم.

وإذ يتمّم الرسولُ بولسُ خدمتَه الرسوليّةَ تجاهَ أهلِ كورنثوس، يتابعُ كلامَه إليهم ويقول: "بما أنّنا (نحن الرسل) معاونون (لله)" في إعلانِ الإنجيلِ لَكُم وتبشيركِمُ به، "نطلبُ إليكم أن لا تَقبلوا نعمةَ اللهِ في الباطل". 

نعمةُ الله التي يتكلّم عليها الرسول هنا هي، فيما يخصّ الذين آمنوا من أهلِ كورنثوس، سماعُهم الإنجيلَ وقبولُهم إيّاه، الأمر الذي أدخلهم في نطاق "برّ الله". 

ويحذّرهم الرسول، ألا يجعلوا من هذه النعمة فرصةً ضائعة، جاعلين قبولَكم لإنجيل الله سُدًى بِلا ثَمر، "في الباطل"، وكأنّكم لم تَقبلوه ورفضتُموه؛ بل انتهِزوا الفرصة إذ "اليوم يوم خلاص"، وسَيَلِيهِ يومُ حسابٍ ودِين (أي دينونة)؛ و "تمّموا خلاصكم بخوف ورعدة" (فيليبي 2: 12).

وينتقل الرسول بعد ذلك إلى الكلام على سعيه كرسول في إتمام خلاصه بمخافة الله، من خلال إتمام خدمتِه الرسوليّةِ الإتمامَ الأفضل، واضعًا نُصْبَ عينَيه "إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الّذِي لاَ يَبْلَى"، الذي سيمنحه الربُّ يسوع الذي هو "رئيس الرعاة" لمن يتمّم خدمته إتمامًا حسنًا (1بطرس 5: 4). 

ويوضح الرسولُ أنّ القاعدة الأساسيّة التي اعتمدها في خدمته الرسوليّة هي اتّقاءُ الإتيان بِمَعثِرَةٍ تُبعِدُ الناسَ عن قبولِ الإنجيل: "لسنا نأتي بمعثرةٍ في شيءٍ لئلاّ يَلْحَقَ الخدمةَ عَيبٌ". أَفَما حذّرَنا الربُّ يسوع: " وَيلٌ لِذلِكَ الإِنسَانِ الّذِي بِهِ تَأتِي العَثرَةُ! " (متّى 18: 7).

ويعدّد الرسول الجهودَ المضنية التي بذلها والأتعاب الهائلة والآلام المبرّحة التي تحمّلها في سبيل حمل البشارة وإتمام خدمته: " في صَبرٍ كثيرٍ، في شدائدَ، في ضَروراتٍ، في ضِيقاتٍ، في جَلدَاتٍ، في سُجونٍ، في اضطراباتٍ، في أتعابٍ...". 

إنّه لأمر مذهل! أيستطيع إنسانٌ حقًّا أن يتحمّل ما تحمّله الرسول بولس؟ أيّة قوّة أمدّها الله بها حتّى استطاع الثبات والتحمّل؟ 

وإذا كان الرسول قد قدر بمعونة الله أن يتحمّل الآلام الساحقة التي أنزلها به مقاومو الإنجيل من يهود ووثنيّين، فكيف استطاع أن يتحمّل الآلام المروّعة التي سبّبها له "الإخوة الكذبة" الذين قاوموا، على الدوام وطيلة عمله البشاريّ، الإنجيلَ الحقّ الذي بشّر به محاولين استبداله بإنجيلٍ آخرَ قائمٍ على أساسِ قَبولِ الختانِ والخضوع لشريعة موسى (أنظر خاصّة الرسالة إلى غلاطية وأعمال 15). 

هذه الآلام قد أشار إليها بقوله: "فِي كَلمةِ الحقِّ، ... بمجدٍ وهَوانٍ، بِسُوءِ صِيتٍ وحُسنهِ. كأنّا مُضِلُّون ونَحنُ صادِقون". فمُقاوِمُوهُ هؤلاءِ قد اتّهموه بأنّه، في سبيل تسهيل قبول الوثنيّين للإنجيل، قد نَبَذَ الخِتانَ الذي كان موضعَ استهزاءٍ مِنَ الوثنيّين، فلا يُحمِّلُهم بذلك وِزْرَ "عارِ الختان". ويتابعون بقولهم إنّ بولس بذلك إنّما يضلّلُ قابِلِي إنجيلِه، إذ لا يُقدِّمُ لهم "كلام الحقّ" لأنّه بدون الختان لا انتماء لهم إلى شعب الله.

وفي الختام لنتمعّن فيما تَحمِلُه لنا مِن تعزيةٍ في ظُروفِنا الصعبة اليوم، كلماتُ الرسول الأخيرة: " كأنّا مائِتونَ وها نحنُ أحياءُ، كأنّا مؤدّبونَ ولا نُقتَل، كأنّا حِزانٌ ونحنُ دائماً فَرِحون، كأنّا فُقراء ونحنُ نُغني كثيرين، كأنّا لا شَيء لنا ونحنُ نملِكُ كُلّ شيء".

العثرات

يقول السيّدُ في إنجيل متّى 18: 17 "وَيلٌ للعالَمِ مِنَ العَثَرات. فلا بدَّ أن تأتيَ العَثَراتُ، ولكنْ وَيلٌ لذلك الإنسانِ الذي به تأتي العَثَراتُ".

فَلْنَدَعِ العالَمَ جانبًا وَلْنَأتِ إلى داخلِ كنيسةِ المسيح. ولا أَقصدُ بالكنيسة هنا جسد المسيح الحي الذي صُلِبَ عنها ليحييها، لأنّها كما يقول الرسول بولس في (أف 5: 27). 

هو أرادها كذلك، إنّما نتكلّمُ على البشر الذين يُفتَرَضُ بهم أن يكونوا أُمَناءَ على الوديعةِ التي أُسْلِمَتْ إليهم، لكي يَأتُوا بها في اليوم الأخير أمام عرش الإله الديّان كنيسةً مجيدةً لا دنس فيها ولا غضن أو شيء مثل ذلك، بل تكون مقدّسة بلا عيب.

يؤلّفُ المجتمعون في الكنيسة جميعًا جسدًا واحدًا، هو جسد المسيح، كما نقرأ في الرسالة إلى أهل رومية 12: 5 "هكذا نحن الكثيرين جسدٌ واحدٌ في المسيح وأعضاءٌ بعض لِبَعضٍ كُلُّ واحدٍ للآخر".

إنّما هناك حقيقةٌ أُخرى بإزاءِ ما سَبَق، وهي أنّ هذا الجسدَ الواحِدَ مُكَوَّنٌ مِن أعضاءٍ عديدة، هم المؤمنون، كُلٌّ منهم شخصيّةٌ فريدةٌ تختلف عن غيرِها في سُلوكِها وتصرُّفاتِها والتزامِها بمبادئ الكنيسة وقواعدِ عَيشِها، وهذا هو الأهمّ.

لذلك نرى أمثلةً متباينةً فيما بينَها من ناحية الأخلاق والتعامل مع المحيط، وهكذا، ربّما نصطدم بشخص مشاكس يسير عكس مسيرة الكنيسة، مخالفًا تعاليمها بخضوعه لمغريات العالم رغم انتسابه لها بالاسم وربّما بمشاركته في طقوسها وخدماتها.

    مثل هذا الشخص يشكِّل ما يسميه السيد "عثرة" لباقي المؤمنين أعضاء الكنيسة، ويقول فيه الويل لمن تأتي على يديه العثرات ومَن أَعثرَ هؤلاء الصغارِ المؤمنين بي فخير له أن يُعلّق في عنقه حجرُ الرّحى ويُغرَقَ في لجّة البحر.

ولكن، مَن هم المعثرون؟ هل هم فئة معينة من أعضاء الكنيسة تنحصر فيهم هذه الصفة أم أنّها تطال الجميع؟ 

إنّها كما القداسة، فكما أنّ كلَّ مؤمنٍ مَدعُوٌّ إلى الكمال والقداسة كما يقول ربُّنا ومخلّصُنا، كذلك فإنّ كُلَّ عضوٍ من أعضاء الكنيسة يمكن أن يكون سببًا للعثرة أيًّا تَكُنْ صِفَتُهُ وأيًّا يَكُنْ دَورُه. والعثراتُ كثيرةٌ لا حَصْرَ لها، كما هي سُبُلُ القداسة.
ربّما نَرْكُنُ أحيانًا إلى مَقُولَةِ: "ماذا نفعل؟ إنّنا بَشَرٌ!" أو "إنّهم بَشَرٌ". هذا التعبيرُ صحيحٌ بِحَدِّ ذاتِه، إلاّ أنّه يمكن أن يُرادَ به باطل، أو إنه يُشِيحُ بِنَظرةِ العينِ المراقِبَةِ عنِ الخَلَلِ الحاصلِ في أداء الأمانة، ورُبّما يَصِلُ إلى حَدِّ تبرير ارتكاب العثرات والاستمرار فيها.

إننا بهذا نتناسى حقيقة أن الكنيسة هي الميدان الذي نأتي إليه لكي نتخلّص فيه من سقطاتنا وضعفاتنا وأمراضنا، بالتالي لا يمكننا تبريرُ استمرارِنا بالخطايا والمعاصي بِحُجّةِ أنّنا بَشَرٌ. 

إنّ الهدفَ مِنَ العيش في الكنيسة هو الوصولُ إلى مِلْءِ قامةِ المسيح، في الفضائل، ومحاربة الأهواء، والتحرُّرِ من السقطات، ومن التسبُّبِ في العثراتِ التي تَزرَعُ زُؤانَ الشَّكِّ في النفوس، وتُزعزِعُ إيمانَها، مُودِيَةً بها إلى الهلاك الأبديّ.

نَجِّنا يا رَبُّ مِنْ عَثَراتِ نُفُوسِنا، وَمِنَ المُعْثِرِين، وَأَسْبِغْ علينا حَنانَكَ ورحمتَك، وَاغرِسْ محبَّتَكَ في قُلُوبِنا، ونَوِّرْ أَذهانَنا بِنُورِ لاهُوتِك. 

لك المجد إلى الأبد أيّها الثالوثُ القدّوس.

أخبارنا

المركز الرّعائيّ للتراث الآبائيّ، خريف 2021


يبدأ الفصل الدراسيّ الجديد في المركز الرّعائيّ للتراثِ الآبائيّ في 12 ت1 2021، ويمتدُّ على عشر حصص في كلّ مادّة، من السّاعة الخامسة حتّى السابعة مساءً، على الشّكل التالي:

- مادّة الليتورجيا (أناجيل الإيوثينا): كلّ ثلاثاء ابتداءً من 12 ت1، في ليسيه القديس بطرس الأرثوذكسيّة أميون، يقدّمها الأب نقولا مالك.
- مادّة Bioethics (مقاربة مسيحيّة علميّة للوباء والقلق): كلّ خميس ابتداءً من 14 ت1، في المركز الرعائيّ في المطرانيّة، يقدّمها د. ناظم باسيل.

- تسبق كلَّ حصّةٍ صلاةُ الغُروب عند الرابعة والنصف مساءً.
- رسم المادّة الواحدة هو 100 ألف ل.ل.
- يتمّ التسجيل لغاية نهار الاثنين 11 ت1 عبر هذا الرابط الإلكترونيّ: ttd.archtripoli.org