الأحد 18 تموز 2021

 الأحد 18 تموز 2021

15 تموز 2021
 الأحد 18 تموز 2021
العدد 29

أحد آباء المجمع المسكوني الرابع
اللحن الثالث الإيوثينا الرابعة

*  الشَّهيد إميليانوس، البارّ بمفو، * 19: البارَّة مكرينا أخت القدّيس باسيلييوس الكبير، البارّ ذِيُّس، * 20: النبيّ إيلياس التسبيتيّ، * 21: البارّان سمعان المتباله ويوحنّا رفيقه في النُّسك، * 22: مريم المجدليَّة المعادلة الرُّسل، الشَّهيدة في العذارى مركِلّا، * 23: نقل عظام الشَّهيد في الكهنة فوقا أسقُف سينوبي، النَّبيّ حزقيال،
* 24: الشَّهيدة خريستينا. *



صرخة رجاء 

ماذا أقول عن بلدي؟ بلدِ الأرز، والإيمان، الحريّةِ والجمال، "سويسرا الشرق" !! بلدِ الخيرات والعلم…

بلدي ماذا فعَلنا بك؟ ماذا اقترفَت أيدينا؟ لماذا الحُلم انكسر؟ وكأنَّ الزمانَ توقّفَ… 

لماذا، وفي بلدِ الرسالة، عِوضَ المعرفةِ يسودُ الجهل، وعوضَ التآخي يسودُ البغضُ والكراهية، الاِنقساماتُ والتحزّب….! 

ماذا أقول وبلدي أضحى جُثّةً يتآكلُها النّسور، وأضحت أشلاؤها مبعثرةً على مساحةِ وطنٍ بأكملهِ…. 

يا بلدي ماذا أقول عنك؟ هل يئستَ مِنّا أم نحن يئِسنا منك؟ يا بلدي حُكّامُكَ نهبوكَ لأنّنا نحن مَن أوصلَهم لكي يَسرقونا ويَسرقوك! يا بلدي العدلُ فيك نائم، الضّميرُ تخدّر، الظالمُ هو القدّيس، شعُبك جلّادٌ يلتهمُ بعضَه البعض، لقد قلّ فينا الإيمان، ولا أحد يقفُ وقفةً بطوليّةً ليقول كفى… مَن مِنّا مستعدٌّ ليقول لا! 

أيّها الشّعبُ النّائم الذي أسكرَتهُ الطائفيّةُ والتحزُّب، 


بُورِكَتْ أيديكُم وأيدي من انتخبتُم. كمسيحيّ أرثوذكسيٍّ لن أقبلَ بالهزيمة، نحنُ أبناء الرجاءِ لن نستسلمَ لهذا الموت السريريّ والبطيء. نحن أبناءَ الإيمان، وجعُ الوطن بأكملهِ هو وجعُنا، وحِملُ الناس الثقيلِ، علينا أن نتشاركهُ معاً على أكتافِنا!!

أدعو شعبي لكي يرفعَ ذبيحةَ صلاةٍ في وسطِ هذه الجلجلةِ لكي يُخفّف عنّا أوجاعَنا ويُضمِّد جراحنا المُثخنة والمتقيّحة.

أدعو شعبي وكنيستي أن ننفُضَ عنّا هذا الذُلَّ والعارَ، ونحملَ صليبَ رجائِنا لكي نُكملَ هذه المسيرةِ بثباتٍ وعزمٍ لا يتقلقل!!….

ربّي اصفَحْ وتغاضَ عن مآثمِنا. ربّي وإلهي أَعِنْ عدمَ إيمانِنا. ماذا نقولُ والحلق قد بُحَّ وأعضاؤنا قد يبست وليس من مُعين!! أطفالنا جياعٌ، أُمّهاتُنا ثَكالى من الّلوعةِ والحسرة. نصرخُ وليس من يستجيب، فأَمِلْ أُذُنَيْ رحمتِك علينا وتعطّف على شبابِنا، وكهولِنا، ترأف على الكنيسةِ التي اقتنيتَها بدمك الكريمِ وارحمنا… آمين.

طروبارية القيامة باللّحن الثالث

لتفرح السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعدِه، ووطِئَ الموتَ بالموتِ، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذَنا مِن جوفِ الجحيم، ومنح العالم الرحمةَ العُظمى.

طروباريّة الآباء باللّحن الثامن

أنتَ أيّها المسيحُ إلهُنا الفائقُ التسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرضِ كواكبَ لامعة، وَبِهم هدَيتَنا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرحمةِ المجدُ لك.

القنداق باللّحن الرَّابع 

يا شفيعة المَسيحيّين غَيرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِقِ غيرَ المردودةِ، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ نحوَكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعة، وأسرِعي في الطلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرِّسَالة 
تيطس 3: 8-15

مباركٌ أنت يا ربُّ إله أبائنا، 
لأنَّك عدلٌ في كُلِّ ما صنعتَ بنا 


يا ولدي تيطُس، صادقةٌ هي الكَلِمةُ وإيّاها أُريدُ أن تقرِّرَ، حتَّى يهتمَّ الذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنافعة. أمّا المُباحَثاتُ الهذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمماحكاتُ الناموسيَّة فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلة. وَرَجُلُ البِدعَةِ، بَعدَ الإنذارِ مرَّةً وأُخرى أَعرِضْ عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسِهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أو تِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيني إلى نيكوبولِس، لأنّي قد عزمتُ أن أُشَتّيَ هناك. أمّا زِيناسُ مُعَلِّمُ الناموسِ وَأَبُلُّوسُ، فاجتَهِدْ في تَشيِيعِهما مُتَأَهِّبَينِ لئلا يُعوِزَهما شيء. وَلْيَتَعَلَّمْ ذَوُونا أن يَقُوموا بالأعمالِ الصالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريّة، حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمرين. يُسلِّمُ عليكَ جميعُ الذين معي، سَلِّمْ على الذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعينَ. آمِين.

الإنجيل
متى 5 : 14-19


قال الربُّ لتلاميذه: أنتم نورُ العالَم. لا يمكنُ أن تَخفْى مدينةٌ واقعةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَد سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المكيال لكِنْ على المنارة ليُضيءَ لجميع الذين في البيت. هكذا فليُضئ نورُكم قدَّام الناس ليَروا أعمالكم الصالحةَ ويُمَجدوا أباكم الذي في السماوات. لا تَظُنوا أني أتيتُ لأحُلَّ الناموسَ والأنبياءَ، إني لم آتِ لأحُلَّ لكن لأُتممّ. الحقَّ أقول لكم إنَّهُ إلى أن تَزولَ السماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ من الناموس حتى يَتمَّ الكلّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحدةً من هذه الوصايا الصغار ويُعَلّمُ الناسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيرًا في ملكوتِ السماوات. وأمَّا الذي يعمَلُ ويُعلِّم، فهذا يُدعى عظيمًا في مَلَكُوتِ السَّماوات.

في الإنجيل 

"لا تظنّوا أنّي جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأتمّم". قول الربّ يسوع هذا ينبغي أن يُفهم ضمن السياق الذي ورد فيه. فهو يأتي ضمن مقدّمةِ الموعظة على الجبل، مباشرةً بعدَ التطويبات. و"الموعظة على الجبل" هي تجديدٌ لِعَطيّةِ الناموس (أو الشريعة) على جبل سيناء. إنّها روح الشريعة الجديدة في بُعدِها السلوكيّ.
هذا القول التقديميّ نراه يتحقّق في أمثلةٍ سِتّةٍ أعطاها يسوعُ كنماذجَ عن روحيّةِ الشريعةِ الجديدةِ وَكُنْهِها، هذه الروحيّةِ التي ترتفع بها تقوى الإنسان إلى ذُروَتِها. 1. فوصيّة "لا تقتل" (خر 13:20) وهي إحدى الوصايا العشر، أكملَها يسوعُ إذْ نَهى تلميذَهُ عَنِ الغضبِ على أخيـه أو إهانتِه بِالقَول: "يا أحـمق" أو "يا جـاهل". 2. ووصيّة "لا تزنِ" (خر 14:20) وهي أيضًا إحدى الوصايا العشر، أكملَها يسوعُ إذْ نَهى عن النظرِ بِقَصْدِ الشَّهوة. 3. وتساهُلُ الشريعةِ المُوسَوِيّةِ وَسَماحُها بالطلاق (تث 1:24) أصلحَهُ يسوعُ بأنْ نَهى عن تَرْكِ الزوجةِ وطَلاقِها، إلّا لِسَبَبِ الزنا. فإعطاءُ الزوجةِ كتابَ طَلاقٍ لا يكفي، ولا يَحُلُّ مشكلةَ التنكُّرِ لِقَصْدِ الله الأوّل "ويكونان جسدًا واحدًا". وأضاف يسوع مانعًا الزواج مِن مطلَّقة، وكذلك من الزواج ثانيةً في حالِ كَونِ المرأةِ الأُولى على قيد الحياة (متّى 9:19). 4. ووصيّة الإيفاء بالقَسَم وتنفيذ الأمر الذي حلف الإنسان أن يعمله (خر 7:20 و عد 3:30) أكملَها يسوعُ بأنّ الإنسان ينبغي أن يكون حائزًا على ثقة الآخرين به، وبأنّه سينفّذُ الـ "نعم" حين يقولها، وسيٌنفّذ الـ "لا" حين ينطق بها. أن تكونَ رَجُلَ ثِقَةٍ عندَ الآخَرِين، هذا ما ينبغي أن تكونه، ولا حاجةَ لكَ حينَها لأن تَحلِفَ وتُقْسِمَ لِيَتَبيَّنَ الناسُ صِدْقَك. 5. وَأَخْذُ الشريعةِ المُوسَوِيّةِ بالمبدأ الحضاريّ "العين بالعين والسنّ بالسنّ" (خر 24:21)، وهو المبدأ الوارد أيضًا في شريعة حمورابي، أكمله يسوع بالمبدأ الإلهيّ مبدأ البذل والغفران. 6. وأخيرًا فوصيّة الكاتب الكهنوتيّ "أَحْبِبْ صديقَكَ وأَبغِضْ عَدُوَّك" (لاويّين 18:19) التي أوردها على لسان موسى كوصيّة إلهيّة، استبدلَها يسوعُ بأن أوصى بمحبّة الأعداء، وأن تكون محبّتُنا شاملةً بحسبِ قَلْبِ الله، وبذا نكون كاملين كما أنّ أبانا السماويّ كامل (48:5).
    هكذا أكمل يسوعُ الشريعةَ المُوسَوِيّةَ القديمة. فما أحلّ ممنوعًا، إلاّ في سبيل المحبّة؛ وقيّدَ تساهلاتٍ لا تبني، ونقض أقوالًا جَعَلُوها بقساوةِ قُلوبِهم ليست بحسب قلب الله. 

فما نهت عنه الشريعة من سلوك يبقى ساري المفعول إلى المنتهى، ومحبّة الله (تث 5:6) ومحبّة القريب (لا 18:19) هما الوصيّتان العُظمَيانِ الدائمتان. نعم لك، بل وعليك أن تبغض عدوّك، ولكن شرط أن تفهم أنّ عدوّك الوحيد هو الشرّ والموت. حينها يبقى حرف الوصيّة قائمًا، ولكنّ تفسيرَهُ يكونُ بِرُوحِيّةٍ جديدة.

    قُلنا إنّ قَولَ يسوعَ "لا تظنّوا أنّي جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأتمّم" جاء كمقدّمة نصّ يُعالج الجانب السُّلوكيّ، لا الطقسيّ، من الشريعة الموسويّة. وبالتالي فهو يتعلّق بهذا الجانب السلوكيّ فقط، أمّا الجانب الطقسيّ فموضوع آخر.

أهمّيّةُ العقيدةِ في الحياةِ الروحيّة 

العقيدة هي ما يتعلّقُ بدراسةِ حقائقِ الإيمان المسيحيّ، بِهَدَفِ عَرْضِ المسيحيّةِ عَرْضًا عِلْمِيًّا. والعقيدةُ، مِنَ الناحيةِ الكَنَسِيّة، لا تُوجَدُ مُنفصلةً عَنِ الكنيسة؛ فالكنيسةُ هي التي تَشرحُ وتُفَسِّرُ العقيدةَ الأرثوذكسيّة، والعقيدةُ الأرثوذكسيّةُ هي عقيدةٌ للحياة، والعِشرةِ معَ الرّبِّ يَسوعَ وملائكتِهِ وقدّيسِيه. 

لهذا، عندما نَسعى إلى حياةٍ روحيّةٍ سليمة، يجبُ أن تكون هناك عقيدةٌ أرثوذكسيّة. 

فالأرثوذكسيّةُ في عقائدِها لها الأثَرُ الكبيرُ في توجيه حياةِ المؤمن. فعقيدةُ تحوُّلِ الخبزِ والخمرِ إلى جسدِ الرّبِّ ودمِه في سِرِّ الإفخارستيا، مثلًا، تؤثّرُ مباشرةً في حياتِنا، نحنُ الذينَ نتّحدُ بِالربّ عبرَ جسدِه ودمِه، وبذلكَ يَثبُتُ فينا ونحن نَثبُتُ فيه. فكيفَ لا يكونُ لهذه العقيدةِ، إذْ نُمارسُها حياتيًّا، كُلُّ الأثرِ فى توجيه حياتِنا الروحية؟!

هناك دعواتٌ طائشةٌ فى هذه الأيّام تنادي بالإقلالِ من أهمّيّةِ العقيدة، وتتصوّرُ إمكانَ قِيامِ حياةٍ روحيّةٍ مسيحيّة، دونَ الاِهتمامِ بالعقيدة، زعمًا بأنّ الحياةَ المسيحيّةَ هي علاقةٌ روحيّةٌ وتَقَوِيّةٌ وعاطفيّةٌ مع الله، دونَ الاِنشغالِ بالعقيدة. ويضعونَ هذا التوجُّهَ تحت عنوان "اللاطائفية". ولكن فى الحقيقة يُخطئُ كُلُّ مَن يَظُنُّ أنّ المسيحيّةَ هي تقوى وعاطفة فقط، أمّا العقيدةُ فلا أهمّيّةَ لها. 

الحقيقةُ هي أنّ أرثوذكسيّةَ الحياةِ الروحيّةِ لا تنفصلُ عن أرثوذكسيّةِ العقيدة، لا بل هي مرتبطةٌ بها ارتباطًا وثيقًا. فالعقيدة الأرثوذكسيّةُ مرتبطةٌ بحياةِ الكنيسةِ كارتباطِ المجرى بالنهر، فلا يمكن أن تكونَ كنيسةٌ بدون عقيدة، ولا يمكن أن تُفهَمَ العقيدةُ بعيدةً عن الكنيسة. ونرى ذلك من خلال :

أوّلًا: أرثوذكسيّة العقيدة المسيحيّة:

كلمة أرثوذكسيّة تعني التعليم الحقّ أو المستقيم أو الأصيل أو السليم. والعقيدة الأرثوذكسيّة مَبنيّةٌ على التعليم الكتابيّ والتسليم الرسوليّ، كما حَفِظَها وشَرحَها الآباءُ الأوّلون. لذلك عاشت الكنيسةُ الأُولى محافظةً على أرثوذكسيّةِ العقيدة، لأنّها تَراها أساسًا للحياةِ الروحيّةِ المسيحيّةِ السليمة.

أ-    أرثوذكسيّةُ العقيدة فى الكتاب المقدّس:

الكتاب المقدّس الذي يكلّمُنا عن الفضائل الروحيّة، هو نفسه الذي شرح ويؤكِّدُ لنا العقائد التي نؤمنُ بها. ولم يفصل بين التقوى والعقيدة. ولا توجدُ عقيدةٌ أرثوذكسيّةٌ بدون سَنَدٍ من الكتاب المقدّس، فعلى سبيل المثال:

†سِرّ الشُّكر: نجدُ في الكتاب المقدّسِ أنّ الربَّ هو الذي أسّس السرَّ وأَمرَ تلاميذَه باستمراريّتِه. وكذلك سائر الأسرار.

†التبرير والخلاص: نجدُها مشروحةً لنا فى رسالة القدّيس بولس إلى غلاطية.

†وسرّ الكهنوت يؤسِّسُه السيّدُ المسيحُ في (يو 21:20-23) ويشرح القدّيس بولس فى رسالته إلى العبرانيّين مؤكِّدًا سِرَّ الكهنوت المسيحيّ، وَسُمُوَّهُ عن كهنوتِ العهدِ القديم.
†وها هو القدّيسُ يعقوبُ في رسالتِه يَشرحُ لنا ارتباطَ الإيمانِ بالأعمال، وكيف أنّ الإيمان بدون أعمال ميت.

†كما نَجِدُ رسائلَ كُتبَتْ للرُّدودِ على البِدَعِ والهرطقات والاِنشقاقات. فنجد القدّيس بولس الرسول فى رسالة كورنثوس يحذر قائلاً: 

"ولكنى اطلب إليكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً ولا يكون بينكم انشقاقات، بل كونوا كاملين فى فكر واحد ورأيٍ واحد" (1كو 10:1)، وهذا يبيّن أهمّيّةَ العقيدة الواحدة السليمة فى حياة الكنيسة. 

وإنجيل القدّيس يوحنّا كُتب ليثبتَ لاهوت السيّد المسيح، خاصّةً الذين أرادوا أن يُشكِّكُوا المؤمنين فى ألوهيّة الربّ يسوع - ولهذا نجدُه فى بدء الإنجيل يؤكِّدُ أنّ السيّدَ المسيح هو كلمة الله الأزليّ "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمةُ الله" (يو 1:1). 

ومن خلال الإنجيل نجد أنّ كلّ إصحاح يثبت لاهوت السيّد المسيح من زاوية تختلف عن الأخرى. ويختم كلماته في (يو 30:20،31): 

"آيات أخرى كثيرة صنعها يسوع أمام تلاميذه لم تُكتَبْ في هذا الكتاب، وإنّما كُتبَتْ هذه لتؤمنـوا بأنّ يسوع هو المسيحُ ابنُ الله، ولكي تكونَ لَكُم إذا آمنتُم حياةٌ بِاسمِه".

وهكذا يبيّن أنّ الحياةَ مرتبطةٌ بشخصِه الإلهيّ، والإيمان به كإله ومخلّصٍ وفادٍ. يؤكّدُ الإنجيل على أنّ هذه عقيدة أساسيّة في حياة الإنسان الروحيّة.

والكتاب المقدّس يحذِّرُ من التعاليم الغريبة، والمعلِّمين الكذبة، والذين يعلّمون بتعاليم غير التي تسلّمَها آباؤنا، فيقول القدّيس بولس لتلميذه تيموثاوس: "إنْ كان أحدٌ يُعَلِّمُ تعليمًا آخَرَ ولا يوافقُ كلمات ربِّنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى.. تجنَّبْ مثل هؤلاء" (1تى 3:6).

ب-    أرثوذكسيّة العقيدة فى صياغة قانون الإيمان والليتورجيا:
ت-    
بجانب الكتاب المقدّس نجدُ عقيدة الإيمان بالله الواحد، الثالوث القدّوس، والتجسُّد، والفداء، وانبثاق الروح القدس من الآب، والقيامة العامّة، والحياة الأخرى، ونجد العقيدة مصاغة فى قانون الإيمان الذي نؤمن به ونحياه في حياتنا. 

وفى الليتورجيا الكنسيّة التي نحياها ونعيشُها فى كُلِّ وقت، نجد العقيدةَ كحياةٍ في القُدّاسِ الإلهيّ. نجـد قصّة تاريخ خلاص الإنسان، ومعها نجد الكنيسة تحيا هذا الخلاص أيضًا من خلال صلوات القدّاس والتناول من الجسد والدم الأقدسَين. فنجد صلوات القدّاس، تتحدّثُ عن لاهوت السيّد المسيح.. 

وعن تجسُّدِه، والصلب، والقيامة، والحياة الأبديّة، وتُبيّنُ لنا كيف نحياها من خلال ثباتِنا فى الله بالتناول من جسدِه ودمِه.

ثانياً: أرثوذكسيّة السلوك وارتباط العقيدة بالحياة:

الذي يؤمن بعقيدة سليمة، يحيا حياة روحيّةً سليمة، ويسلك فى حياته اليوميّة بهذه العقيدة، كسلوك حياتيّ يوميّ. وهناك بعض الأمثلة على ذلك:
أ-    لا توجد روحانيّةٌ بدون عقيدة سليمة: فنحن نؤمن أنّ الإيمان والأعمال مرتبطان معًا والإيمان هو الذي يقدّم الأعمال، فكثير من الديانات غير المسيحيّة مثل البوذية وغيرها يقدّمون أصوامًا ربّما أكثر من المسيحيّين، ولكن ما قيمتها بدون إيمان بالسيد المسيح. لقد كان كورنيليوس يصنع أعمالاً حسنة، لكنها كملت بعد قبوله الإيمان بالمسيح. فالعقيدة، والإيمان، والحياة الروحيّة، وكلُّ ما يقدّمه الأرثوذكسيّ من صلوات وأصوام وأعمال صالحة، مقدّسةٍ بالروح القدس. وما يقدم بدون مشاركة الروح القدس، يصبح عملًا أخلاقيًّا، ورياضة روحيّة، وعملاً اجتماعيًّا بحتًا.

ب-     الأرثوذكسيّةُ تؤمن بعَمَلِ نعمة الله "من خلال عطاياه في الأسرار المقدّسة"، كما تؤمن بأنّ أيَّ جهادٍ روحيٍّ لا فائدة منه بدون نعمة الله. كذلك أيضاً نعمه الله لا تعمل فى الإنسان بدون جهاد منه. فكما يقول القدّيس يوحنّا الذهبيُّ الفم: "النعمة لا تعمل فى المستلقين على ظهورهم".

ج- الأرثوذكسية تجعلنا نعيش الوحدة الكنسيّة من خلال الأسرار فمثلاً:
† سر التناول نتّحد فى شركة سرية مع الرب يسوع.
† وفى الصلوات نتّحد جميعًا بالروح والفكر والوجدان. فكلُّ مؤمن حسب رتبته فى الكنيسة له دور، الكاهن والشماس والشعب، في اتّحاد يقّدمون صلوات بوحدانيّة قلب وفكر. 

د– الأرثوذكسيّةُ تجعلنا نحبُّ كلّ العالم: نصلّي من أجل خصب ثمار الأرض. نصلّي من أجل اعتدال الأهوية والأمطار. من أجل المسافرين والمرضى والراقدين،.. من أجل الجميع.
هـ- الأرثوذكسيّةُ تجعلنا نسلك تجاه الإنسان والبيئة بسلوك مسيحيٍّ حقيقيّ.

ثالثًا: كيف أساعد من أخدمهم أن يحيوا الحياة الأرثوذكسيّة؟

كعقيدةٍ وحياةٍ بالروح: هناك ثلاثةُ أمورٍ أساسيّةٍ في ذلك:

1-توضيح أنّ العلاقة بشخص الربّ يسوع يجب أن تكون علاقةً كاملة، أي أن نعرف عن الربّ يسوع: شخصيّته، وتعاليمه، وما قدّمه لنا، وأن نتمسّك بِحُبٍّ بكُلِّ ما يطلبُه مِنّا، ونحيا حسب وصاياه.

2- التعليم المستمرّ: وذلك بشرح عقائد الكنيسة وطقوسِها وأسرارِها، وتوضيح كُلِّ ما جاء عنها في الكتاب المقدّس بطريقة معاشة.

3- المرجعيّة الكنسيّة: بجانب تعاليم الآباء الأوّلِين الذين سلّمونا الإيمان، يجب الرجوع إلى شروحاتهم وتفاسيرهم، والرجوع إلى فكر الكنيسة، ممثَّلًا في آبائها المعاصرين، ليقدّموا شرحًا وتفسيرًا للأمور التي يَصعُبُ فَهمُها.