الأحد ٣ كانون الثّانـي ٢٠٢١      

الأحد ٣ كانون الثّانـي ٢٠٢١      

03 كانون الثاني 2021
العدد ١

الأحد قبل الظّهور الإلهيّ 


اللَّحن الخامس الإيوثينا الثامنة

* 3: النبيّ ملاخيا، الشَّهيد غورديوس، * 4: تذكار جامع للرُّسل السَّبعين، البارّ ثاوكتيستُس، * 5: بارامون الظُّهور، الشّهيدان ثيوبمبتوس وثيوناس، البارَّة سنكليتيكي، * 6: الظهور الإلهيّ المقدّس، * 7: تذكار جامع للنبيّ السابق يوحنَّا المعمدان، * 8 : البارّة دومنيكة، البارّ جرجس الخوزيبيّ، * 9: الشَّهيد بوليفكتوس، البارّ افستراتيوس. 
   

سرّ التوبة والاِعتراف


التوبة métanoia تعني تغييرَ الذهن وحالة الفكر "فليكن فيكم هذا الفكرُ الذي في المسيح يسوع" (فيلبي 2: 5).

القدّيسُ يوحنّا السلّميُّ يسمّيها تجديدَ المعموديّة، والقدّيسُ إسحقُ السريانيّ يسمّيها الولادةَ الثانية الجديدة، أمّا القدّيسُ يوحنّا الذهبيُّ الفم فيقولُ إنّها الاِنتقالُ مِن ظُلُماتِ الخطيئةِ إلى نُورِ الشركةِ مع الله، إذاً لا تنحصر التوبة بالاِعتراف بالخطايا وبالصفح عنها، بل تتخطّى ذلك إلى حدِّ اعتبارِها "عبورًا" (فصحًا) من الموت الى الحياة بتأثير قوّة قيامة المسيح. 

ويشدِّدُ القدّيسُ مرقسُ الناسكُ على أهمّيَّتِها، معتبرًا أنّها ضروريّةٌ حتّى الموت، بها لا نتجدَّدُ نحن فقط، بل يتجدَّدُ الكونُ كلُّه ويتماسك.

الاِعترافُ مُثُولٌ أمام الله "فاحصِ القلوبِ والكلى"، بَوحٌ بأعمالٍ مُنافيةٍ لوصايا الله دون التفتيش عن تبرير أنفسنا، البوح بكلّ شيء دون أن أخجل به مخافةً من تشويه صورتي.

هذا كلّه لكي ننال من الله الصفحَ والنعمة، لنعود ونعيش حياةً روحيّة جديدة. 

الاِعتراف الحقيقي فعلٌ نادرٌ عندما يتمّ يَشعرُ صاحبُه بفرح عظيم. أوّلاً لا بدّ للإنسان من أن يعود إلى ذاته، أن يدخل الى غرفة نفسه، "غرفةِ الختن" حيث يلتقي بالقاضي الّي يحاسبُهُ على كلّ أعماله.

يقول القدّيس إفاغريوس البنطيّ: "بَدءُ الخلاص هو في إدانة أنفسنا". "أيّها الديّان والفادي والعالِم بكلّ بشيء أشفق عليّ أنا الخاطئ ونجّني أنا عبدك"(1).

"الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُنشئ توبةً لخلاص بلا ندامة" (2 كورنثوس 7: 10)، يُنشئ رغبةً للعودة إلى البيت الأبويّ.

المعرّف هو أبٌ روحي يتمتّع بتربية حرّة، يسعى إلى تنمية شخصيّة أولادِه الرُّوحيّين، إلى وَخزِ ضميرهم، إلى تنمية حريّة مسؤولة لديهم.

"إنّه فنّ الفنون وعلم العلوم" بحسب القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ. 

لا يعلِّمُنا اقتناءَ الاتِّزانِ النّفسيِّ وحَسْب، بل يعلّمُنا أيضًا كيفيّةَ التخلُّصِ مِن عبوديّةِ الخطيئة، وكيفيّةَ الوصولِ إلى بُغضِ الخطايا الّتي اقترفناها، بدلًا مِن تبريرِها.

وهُنا يأتي دَورُ الإرشادات الروحيّةِ الّتي يُقدِّمُها المُعَرِّفُ، والّتي تتمحورُ حولَ الصلاةِ والصومِ والسَّجداتِ وقراءةِ المزامير، بالإضافةِ إلى الإحسان الّذي هو "علاجٌ للخطايا"، على حَدِّ تعبيرِ القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم.

على المعرّف مع كلّ ذلك أن يعي أنّه ليس هو الذي يكمّل الشفاءَ الحقيقي. 

يبقى هو خادماً لسرّ التوبة والاِعتراف. يكتفي بأن يقدّم يده كما في القداس الإلهيّ من أجل تتميم السرّ.

(1) راجع القانون الكبير قانون التوبة الأودية الرابعة الطروباريّة الخامسة.

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 

طروباريّة القيامة باللّحن الخامس


لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الابتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامِته المجيدة.


طروباريّة تقدمة الظّهور باللّحن الرابع


إنّ نهر الأردن قد انكفأ راجعًا قديماً، بوشاح أليشع عند صعود إيليا، وانشقَّ الماء إلى هذه الجهة وإلى تلك، فحصلت لهُ المادّة الرطبة طريقاً يابسة، فكان ذلك رسماً للمعموديّة حقّاً، التي بها نجوز سبيل العمر الزائل. المسيح ظهرَ في الأردن ليقدِسّ المياه. 
 

قنداق تقدمة الظّهور باللّحن الرّابع


اليوم حضر الربّ في مجاري الأردن، هاتفاً نحو يوحنّا وقائلاً: لا تجزع من تعميدي، لأنّي أتيتُ لأخلص آدم المجبول أوّلاً.


الرِّسَالة

2 تيمو 4: 5-8 

خلّص يا ربُّ شعبك وبارك ميراثك 
إليك يا ربُّ أصرخ إلهي
 
يا ولدي تيموثاوُس، تيقَّظْ في كلِّ شيءٍ، واحتمِلِ المشقَّاتِ، واعمَلْ عملَ المبشِّرِ، وأوفِ خدمَتَك. أمّا أنا فقد أُريقَ السَّكيبُ عليَّ، ووقتُ انحلالي قَدِ اقتَرب. وقد جاهدتُ الجِهادَ الحسَن، وأتممتُ شَوطي، وحفَظتُ الإيمان. وإنمَّا يبقى محفوظاً لي إكليلُ العدلِ الذي يَجزيني بهِ في ذلكَ اليومِ الربُّ الديَّانُ العادل، لا إيّايَ فقط بل جميعَ الذينَ يُحبّونَ ظهورَه أيضاً.


الإنجيل

مر 1: 1-8

بدءُ إنجيلِ يسوعَ المسيح ابنِ الله. كما هو مكتوبٌ في الأنبياءِ: هاءَنذا مُرسِلٌ ملاكي أمام وجهِك يُهيّئُ طريقَك قدَّامك صوتُ صارخٍ في البريَّة أعِدُّوا طريقَ الرب واجعَلوا سُبلهُ قويمةً. كان يوحنا يُعَمِّد في البريَّة ويكرِز بمعموديَّةِ التوبةِ لغفران الخطايا، وكان يخرجُ إليه جميعُ أهلِ بلد اليهودية وأوُرشليمَ فيعتمدون جميعُهم منهُ في نهرِ الأردُنِ معترفين بخطاياهم وكان يوحنّا يَلبس وَبرَ الإبلِ، وعلى حَقَوَيْهِ مِنطقةٌ من جلدٍ، ويأكلُ جراداً وعسلاً برّياً. وكان يكرِز قائلاً إنَّهُ يأتي بعدي من هو أقوى منّي وأنا لا أستحقُّ أن أنحنيَ وأحلَّ سَيْرَ حِذائِه. أنا عمَّدتُكم بالماءِ وأمَّا هو فيُعِّدُكم بالروح القدُس.


في الإنجيل 


بدأ إنجيل البشير مرقس بمسيرة مجيء يسوع وعمادته من يوحنّا المعمدان سابقه وآخر الأنبياء. 
وهذا المقطع الإنجيليّ مخصَّصٌ للأحد الذي قبل عيد الظهور الإلهيّ. لقد آثرَ مرقسُ الإنجيليُّ أن يبدأ مِن الأحداث التي تؤثّر ببشرى الخلاص بيسوع المسيح ابن الله؛ فيوحنّا المعمدان، نهاية العهد القديم وبداية العهد الجديد، كان المُمَهِّدَ للرّبِّ يسوع. 

في هذا السِّياقِ يستشهد البشير مرقس بنبوءتين، الأولى من ملاخي "هاءنذا مُرسِلٌ ملاكي أمام وجهك في طريقك قدّامك"، والثانية من إشَعيا: "صوتُ صارخٍ في البرّيّةِ أَعِدُّوا طريق الربّ واجعلوا سبله قويمة". 

يسمّي يوحنا بالملاك لأنّه من خلال حياته بشّر وكرز ومهّد طريق المسيح. وقد اعتادت الكنيسة أن تصوّر القدّيس يوحنّا بجناحين كملاك الربّ.

القدّيس والبشير مرقس هو الإنجيليّ الوحيد الذي أعطى لسِفْرِه عنوان "إنجيل" ناسبًا إيّاه ليسوع المسيح ابن الله، وكأنّ ما يقدّمه في هذا السفر ليس مجرّد عرض لأحداثٍ قد تمّت، إنّما هو بشارة مفرحة لكلّ نفسٍ تلتقي بيسوع بكونه "المخلّص"، وهو المسيح، إذ مسحه الآب بروحه القدّوس لتتميم عمل الفداء وإعلان محبّة الثالوث القدّوس العمليّة خلال الصليب. 

والعجيب أنّ السفر يبدأ بإعلان بنوّة المسيح للآب في افتتاحيّته. 

ويختتم بدعوة المسيح لتلاميذه أن يكرزوا للأمم ويعمّدوهم، وفيما هو يحدّثهم يرتفع إلى السماوات، كما إلى حضن أبيه. بمعنى آخر يفتتح السفر ببنوّة السيّد للآب، ويختتمه بدعوتنا للبنوّة للآب من خلال الايمان به ومياه المعموديّة المقدّسة.

وهنا يميّز لنا القدّيس كيرلّس الكبير بين السيّد المسيح الكلمة وبين سابقه يوحنّا الصوت، فيرى الأوّل كالشمس الساطعة التي يسبقها كوكب الصبح المنير، إذ يقول: كان إشعياء على علمٍ بعمل يوحنّا التبشيريّ، فبينما يسمّي إشعيا المسيح إلهًا وربًّا (إش 6:9) يشير إلى يوحنّا بأنّه رسول خادم ومصباح يضيء قبل ظهور النور الحقيقيّ. هو كوكب الصبح الذي يعلن بزوغ الشمس من وراء الأفق. كان يوحنّا صوتًا لا كلمة، يتقدّم المسيح، كما يتقدّم الصوت الكلمة.

أمّا القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم فيقول: "كان يوحنّا يكرز بمعموديّة التوبة (أع 24:13) لم يقل بولس لهم إنّ معموديّة يوحنّا ليست بشيء بل قال إنّها لا تكفي وليست كاملة، فقال: معموديّة يوحنّا هي معموديّة التوبة وليست معموديّة غفران الخطايا، مرشدًا اِيّاهم إلى مقام أسمى، وموضحًا أنّ معموديّة يوحنّا لم تكن تمنح غفران الخطايا لأنّ الغفران الكامل يأتي من المعموديّة باسم الربّ يسوع والروح القدس.

كان هذا الصوت الذي يقودنا إلى المسيح والتمتّع بإنجيله هو صوت التّوبة المعلن لا بكلمات يوحنّا المعمدان فحسب وإنّما حتّى بلباسه وطعامه، فكانت حياته كلّها صوتًا صارخًا يقود النّفوس نحو المسيح، لذلك يقول الإنجيليّ "كان يوحنّا يعمّد في البريّة، ويكرز بمعموديّة التوبة لمغفرة الخطايا ... وكان يكرز قائلاً: يأتي بعدي من هو أقوى منّي، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سير حذائه. أنا عمّدتكم بالماء وأمّا هو فسيعمّدكم بالرّوح القدس".

يأتي المسيح بدايةً لعمله الخلاصيّ، يأتي المسيح ليهيِّئ لنا ذواتنا بقوّة الرّوح القدس المعزّي، يأتي المسيح لينير الطرق المظلمة، يأتي المسيح ليطهّرنا ويجدّد نفوسنا، يأتي المسيح في الوقت المناسب حيث يرى من خلاله البشر خلاصهم. المسيح هو بالتالي، نعمة لنا نحن البشر، ومن خلاله لدينا شهادة للبشريّة. هو مصدر الضوء ومغذّينا بالرّوح.

وفي غضون ذلك نحتفل بعيد الظهور الإلهي والذي هو بداية ظهور الثالوث الأقدس في حياتنا، هو طريقنا لنسلك كأعضاء في جسم الكنيسة الواحد.  

إذًا في الظهور الإلهيّ يتجلّى الله لنا آبًا وابنًا وروحًا قُدُسًا بعد أن ظهر طفلاً في بيت لحم. إنّ الذي وُلد من أحشاء البتول ظهر لنا مخلّصًا، محورًا للكون، بل كان الكون فيه خليقة جديدة، مسكن الله مع النّاس.


ذبيحة العفّة 


كثيرونَ يُشَيِّعُونَ اليومَ أنَّ الاِحتفاظَ بالعفّةِ أمرٌ مستحيل، وأنّ الّذين يَدّعونَ العِفّةَ هُم كاذِبُون. نسمعَ هذا يوميًّا على وسائلِ الإعلام، بِنَوعٍ من التّعميمِ الّذي يؤدّي إلى تثبيتِ الفكرةِ كقاعدةٍ حقيقيّةٍ لا مَفَرَّ مِنها. وكثيرونَ أيضًا يلتفّونَ على الفِكرةِ بِنَوعٍ مِنَ التكتيكِ السياسيّ، فَيُنَظِّرونَ أنّ العلاقاتِ الجنسيّة أمرٌ طبيعيّ، لا علاقةَ لَهُ بالخطيئة، لا سيّما إذا كان "الحُبُّ" يَجمعُ الطَّرفَين. وما أدْراكَ ما "الحُبُّ" الّذي يتحدّثُونَ عنه. لَعَمري، ما هُوَ إلّا الشّهوةُ الدّنيئةُ الّتي يَخضَعُ الإنسانُ لَها لكي يُعفِيَ نفسَهُ مِن الجِهادِ الرّوحيّ.

    لقد علَّمَنا آباؤُنا الأبرارُ المتبتِّلُون عن أهمّيّةِ عِفّةِ الجَسَدِ للإنسانِ المسيحيّ. يقول القدّيسُ يوسفُ الهدوئيُّ في إحدى رسائلِه: "ليس ثمّةَ ذبيحةٌ لله أزكى مِن عفّةِ الجسدِ المُقتَناةِ بالجِهادِ الدَّمَوِيّ المُرَوِّع". 

نعم، إنَّ المسيحيَّ الّذي يُحِبُّ اللهَ عليهِ أن يَسلُكَ في طريقِ العِفّة، عالِمًا أنّ اقتناءَها لا يكونُ إلّا بالصَّبرِ والسَّهَرِ على النّفْس.

    لقد علّمَنا آباؤُنا أنّها تتطلّبُ غَصبًا للنَّفْس. فكيفَ يبدأ الإنسانُ مسيرةَ الجهادِ هذه؟
    تكونُ البداية بِرفضِ الأفكارِ القَذِرة، أي عدم مُسايَرَتِها، عدمِ الاِحتفاظِ بها. الكَسَلُ والتراخي لا يَنفعان في هذا المجال، بل يؤدّيانِ إلى خسارةٍ روحيّةٍ فادحة. وهذه هي اليقظةُ الّتي تعلّمُنا إيّاها الكنيسة. إنّها السَّهَرُ على النَّفْس وعدم إعطائها كلَّ ما تشتهي.

    والصلاةُ مُعِينٌ قويٌّ لهذا السَّهَر، تَشحَنُ النَّفْسَ بِطاقةٍ مبارَكةٍ، وتجعلُها قادرةً على الاِنتصارِ والنُّهُوض. يستطيعُ الإنسانُ أن يَكسِرَ الأفكارَ القَذِرةَ بالصّلاة.

    وما يُعِينُنا أيضًا في هذا الجِهادِ عدمُ مراقبةِ أخطاءِ الآخَرِين، وعدمُ الحِقدِ على المُسيئِينَ إلينا.

    ونحتمُ الكلامَ بِقَولٍ آخَرَ للقدّيس يوسف الهدوئيّ: "حِينَ يَزني المَرْءُ بِأفكارِهِ تفوحُ منه رائحةٌ كريهة، أمّا إذا جاهدَ ليحفظَ جسدَهُ نقيًّا وذِهنَهُ عفيفًا مِنَ الأفكارِ القَذِرة، فإنَّ حياتَهُ وصلاتَهُ ستصعدانِ إلى السّماواتِ كَبَخُورٍ عَطِر.


أخبارنا

عيد الظهور الإلهيّ 
لمناسبة عيد الظهور الإلهي يترأس راعي الأبرشية المتروبوليت أفرام (كرياكوس) خدمة قدّاس العيد وصلاة تقديس الماء يوم الأربعاء الواقع فيه 6/1/2021 في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في طرابلس. تبدأ صلاةُ السَّحَرِ في تمامِ الساعة الثامنة صباحًا، يليها القدّاسُ الإلهيّ، ثُـمَّ تقديسُ الماء.