الأحد 25 نيسان 2021           

الأحد 25 نيسان 2021           

22 نيسان 2021

الأحد 25 نيسان 2021           
العدد 17
أحد الشَّعَانِين


* 25: الرّسول مرقس الإنجيليّ، * 26: الإثنين العظيم، الشّهيد فاسيلافس أسقف أماسِيّا، * 27: الثلاثاء العظيم، الشّهيد في الكهنة سمعان نسيب الربّ، * 28: الأربعاء العظيم، التسعة المستشهدون في كيزيكوس،* 29: الخميس العظيم، الرّسولان ياسُن وسُوسِيباترُس ورفقتهما، * 30: الجمعة العظيم، الرّسول يعقوب أخو يوحنّا الثاولوغوس، * 1: سبت النور، النبي إرميا، البارّة إيسيذورة. ***

 
أحد الشعانين
(Dimanche des Rameaux)
دخل يسوع إلى أورشليم دخولَ المتواضعين، فصرخَ له الأولادُ مع الجموع: أوصنا لاِبنِ داود، هُوشَعنا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسم الربّ، وهم يحملون سعفَ النخل وأغصانَ الزيتون.
 
في صلاة غروب العيد نقرأ في سفر التكوين ما يلي: "لا يزول رئيسٌ من يهوذا حتّى يأتي الذي سوف تطيعه الشعوب" (تكوين 49: 10). في هذا الكلامِ إشارةٌ إلى المسيح. وثمّةَ إشارةٌ أُخرى: "غسلَ بالخمرِ لباسَه وبدمِ العنبِ ثوبَه" (49: 11)، إشارةً إلى الموت على الصليب وسفكِ دمه.
 
وأيضًا في صلاة الغروب يُقرأ ما يلي من نبوءة زخريا (زخ 9: 9) "إفرحي جِدّاً يا بنتَ صهيون، واهتفي يا بنتَ أورشليم، هُوَذا ملكُكِ يأتي صِدّيقاً مُخلّصاً وديعاً راكباً على حمار وجحشٍ حَدَث".

في صلاة السحر نصلّي هكذا:

"هلمَّ بِسَعَفِ النَّخْلِ وأغصانِ الزيتونِ نسبّح المسيحَ سيّدَنا كالأطفال، ونصرُخْ إليهِ بِصَوتٍ عظيم: مبارَكٌ أنتَ يا مُخَلِّصُ، يا مَن وافَيتَ إلى العالَمِ وَصِرْتَ إنساناً جديداً روحانيّاً لِتُخَلِّصَ الإنسانَ مِن الخطيئةِ الأُولى".
 
أمّا إنجيلُ السَّحَرِ فيَصِفُ دُخولَ المسيحِ الظافِرَ إلى أورشليم.

يَذكُرُ يوحنّا أنّ الجمعَ الكثيرَ "أَخَذُوا سُعُوفَ النخيلِ وخرجوا للقائِه وكانوا يصرخون: هوشعنا مباركٌ الآتي باسم الربِّ ملكُ إسرائيل" (12: 13).

أمّا متّى فيقول "إنّ الجَمْعَ فرَشُوا ثيابَهم في الطريق" (21: 8)، كما يَفرُشُ المُسْلِمُ رِداءَه على الأرض ليصلّي.
 
وآخَرُون كانوا يصرخون "هوشعنا لاِبن داود، مبارَكٌ الآتي باسم الربّ، هوشعنا في الأعالي" (21: 9) هُتافُ "هوشَعنا" باللغةِ العبريّة (أو أوصَنا باللفظِ اليونانيّ) يعني: يا ربّ خلّص!


بعد أن دخل يسوع إلى الهيكل "وقلب موائدَ الصيارفةِ وكراسيَّ باعةِ الحَمام" (21: 12)، رأى رؤساءُ الكهنةِ والكهنةُ وَمَن معَهُمُ الأولادَ يصرخون هوشعنا لاِبن داود فغضبوا... فقال لهم يسوع: أما قرأتُم قَطُّ أنّ مِن أفواه الأطفال والرضّع هيّأت تسبيحاً (متى 21: 15-16).

فلا عجبَ إذاً أنّنا نرى في أحد الشعانينِ الأولادَ والأطفالَ والجَمْعَ يصرخون، فيتهلّلون ويتنبّأون لِمثل هذا الحَدَثِ الغريب. الفرحُ والألمُ معاً، لأنّ الربّ يسوعَ يأتي ظافراً فرحاً ليشترك بموكبِ آلامِه، موتِه وقيامتِه، متمّماً تدبيرَه الخلاصيّ.


+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طر وبارية الشَّعانين باللّحن الأوّل
 
أيُّها المسيحُ الإله، لـمَّا أقَمْتَ لعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِكَ حَقَّقْتَ القِيامَةَ العامَّة. لذلِكَ، وَنحْنُ كالأطفالِ نحمِلُ علاماتِ الغَلبَةِ والظَّفَرِ صارِخِينَ نحوكَ، يا غالِبَ الموت: أوصَنّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.
 
قنداق أحد الشَّعانِين باللّحن السادس
 
يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله، مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِيَةً.
 
الرِّسَالة
فيليبي 4: 4-9
 
مُبَارَكٌ الآتِي باسْمِ الرَّبّ
اِعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالِحٌ وإنَّ إِلى الأبَدِ رَحْمَتَهُ

 
يا إخوةُ، افرَحُوا في الرَّبِّ كلَّ حينٍ وأَقولُ أيضاً افرَحُوا، وليَظْهَرْ حِلْمُكُم لجميعِ النَّاسِ فإنَّ الرَّبَّ قَرِيبٌ. لا تَهتَمُّوا البَتَّةَ بَلْ في كلِّ شيءٍ فلتَكُنْ طَلِبَاتِكُم مَعلُومَةً لدى اللهِ بالصَّلاةِ والتَّضَرُّعِ مع الشُّكرِ. وليَحفَظْ سلامُ اللهِ الَّذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ قلوبَكُم وبصائِـرَكُم في يسوعَ المسيح. وبَعدُ أَيُّها الإخوةُ، مهما يَكُنْ مِنْ حَقٍّ ومهما يَكُنْ من عَفَافٍ، ومهما يَكُنْ من عدلٍ، ومهما يَكُنْ من طهارَةٍ، ومهما يَكُنْ من صِفَةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يَكُنْ من حُسْنِ صيتٍ، إِنْ تَكُنْ فَضِيلَةٌ، وإِنْ يَكُنْ مَدْحٌ، ففي هذه افتَكِرُوا. وما تَعَلَّمتُمُوهُ وتَسَلَّمتُمُوهُ وسَمِعتُمُوهُ ورَأَيتُمُوهُ فِيَّ فَبِهَذا اعمَلُوا. وإلهُ السَّلامِ يكونُ معكُم.
 
الإنجيل
يو 12: 1-18
 

قبلَ الفصحِ بستَّةِ أيَّامٍ، أَتَى يسوعُ إلى بيتَ عنيا حيثُ كانَ لَعَازَرُ الَّذي ماتَ فأَقَامَهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصَنَعُوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدِمُ وكان لَعَازَرُ أَحَدَ الـمُتَّكِئِينَ معه. أَمَّا مريمُ فَأَخَذَتْ رَطْلَ طيبٍ من نارِدِينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ ودَهنَتْ قَدَمَيْ يسوعَ ومَسَحَتْ قدمَيْهِ بشعرِها، فامْتَلأَ البيتُ من رائِحَةِ الطِّيب. فقالَ أَحَدُ تلاميذِه وهو يهوذا بن سمعان الأسخريوطيُّ الَّذي كانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطِّيبُ بثلاثِمئةِ دينارٍ ويُعطَ للمَساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتمامًا منهُ بالمساكينِ بل لأنَّهُ كانَ سارِقاً وكانَ الصُّندُوقُ عِندَهُ وكانَ يحمِلُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دَعْهَا، إنَّما حَفِظَتْهُ ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندَكُم في كلِّ حين وأمّا أنا فلستُ عندَكُم في كلِّ حين.
وعَلِمَ جمعٌ كثيرٌ من اليَهُودِ أنَّ يسوعَ هناكَ فجاؤوا، لا مِنْ أَجْلِ يسوعَ فقط، بل لينظُرُوا أيضًا لَعَازَرَ الَّذي أقامَهُ من بينِ الأموات. فَائْتَمَرَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ أنْ يقتُلُوا لَعَازَرَ أيضًا، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمِنُونَ بيسوع.
وفي الغَدِ لـمّا سَمِعَ الجَمْعُ الكثيرُ الَّذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أَخَذُوا سَعَفَ النَّخْلِ وخرَجُوا للقائِهِ وهم يصرُخُونَ قائِلِينَ: هُوشَعنا، مُبَارَكٌ الآتي باسمِ الرِّبِّ ملكُ إسرائيل. وإِنَّ يسوعَ وَجَدَ جَحشًا فَرَكِبَهُ كما هوَ مَكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صِهيَون، ها إِنَّ مَلِكَكِ يأتيكِ راكِبًا على جحشٍ ابنِ أَتان. وهذه الأشياءُ لم يَفهَمْها تلاميذُهُ أوَّلاً، ولكن، لـمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُم عَمِلُوها لهُ. وكانَ الجمعُ الَّذينَ كانوا معهُ حين نادَى لَعَازَرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يَشهَدُونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبَلَهُ الجَمْعُ لأنَّهُم سَمِعُوا بأنَّهُ قد صَنَعَ هذهِ الآيَة.
 
في الإنجيل
 
في بدايات رسالة يسوع بحسب إنجيل يوحنّا، نجد شهاداتِ التلاميذِ الأوائلِ واعترافاتِ إيمانِهم. فأندراوسُ يَشهدُ أمام أخيه سمعان: "قد وجدنا ماشيحا" (41:1)، ويُضيف الإنجيليّ مترجمًا: "أي المسيح".
 
وهو الملك من نسل داود، الذي سيقيمه الله مخلّصًا ومقيمًا لملكوت الله. وقد أعلن الله عن ذلك على لسان موسى والأنبياء. ولذا يشهد فيلبُّسُ أمام نثنائيل:
 
"الذي كتب في شأنه موسى في الناموس، والأنبياء؛ قد وجدناه، وهو يسوع بن يوسف من الناصرة" (45:1). وجاء الاعتراف الأخير على لسان نثنائيل، حين توجّه إلى يسوع هاتفًا: "رابّي (أي يا معلّم)، أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل" (49:1).
 
وقد قَبِلَ يسوعُ هذا الإعلان، وإنْ أَلْمَحَ إلى عدمِ كفايتِه. وعبارة "أنت ابن الله" هنا، كانت لا تزال تعني "أنت المسيح الملك". فالله، بحسب المزمور الثاني، يُعلن المسيحَ الملكَ، إبّان مَسْحِهِ، ابنًا له: "أنتَ ابني وأنا اليوم ولدتُك".
 
وبالتالي فعبارة "أنت ابن الله" تتساوى في مدلولها مع العبارة الموازية لها: "أنت ملك إسرائيل".
 
وبعد معجزة إطعام الجمع الكثير، "عَلِمَ يسوعُ أنّهم يَهُمّون باختطافِه لِيُقِيمُوه ملكًا، فانصرف وعاد وحدَه إلى الجبل" (15:6).

فهو لن يكون ملكًا مِن ملوك هذا العالم كما يتوقّعه اليهود. وهذا ما تأكّدَ أثناء محاكمته على يد بيلاطس. فبيلاطس سأل يسوع: "أ أنت ملك اليهود؟" (33:18). فيسوع مع تأكيده: "إنّي ملك" (37)، كان من الضروري أن يوضح قبل ذلك: "مملكتي ليست من هذا العالم" (36). وما تبنّى أن يُقال عنه "ملك اليهود" مع ما يحمله هذا القول من فكر عالميّ أرضيّ.

من هنا حرص يسوع الآتي إلى أورشليم ليُقيمه الله ملكًا مرفوعًا على الصليب، أن يكون دخوله الأخير إلى أورشليم، دخولاً ملوكيًّا. وقد سبق لزكريّا النبيّ، (9:9)، أن وصف دخول المسيح إلى أورشليم بقوله:


"إبتهجي  جدًّا يا بنتَ صهيون، واهتفي يا بنت أورشليم؛
هوذا ملكُكِ آتٍ إليكِ بارًّا، مخلّصًا، متّضعًا،

راكبًا علـى حمـارٍ وعلى جحش ابن أتـان."
لذا عمد يسوع إلى دخول أورشليم راكبًا على حمار.

وإذ احتفّت به الجموع، الذين كانوا لا يزالون تحت وَقْعِ إقامةِ لَعازَرَ من الموت، استقبلوه كمسيح الله الآتي مردّدين الهتاف: "هوشعنا" (أي خلّصنا) و "مبارك الآتي باسم الربّ" وهما عبارتان من المزمور 118، وهو المزمور الأخير من التهليل الكبير الذي كان يُتلى في الأعياد الرئيسيّة ابتهاجًا بخلاص الله القديم وتوقّعًا واستعجالاً لخلاصه الجديد على يد مسيحه الآتي.


 ويُضيف الإنجيليّ يوحنّا إلى هتاف الجموع عبارة "ملك إسرائيل". إنّه ملك "إسرائيل الله" (غلا 16:6)؛ الذي يشتمل على كلّ "إسرائيليّ خالص لا غشّ فيه" (47:1)، على كلّ ابن حقيقيّ لإبراهيم "يعمل أعمال إبراهيم" (39:8) بأن يَقبلَ عملَ اللهِ مهما بَدَتْ لامعقوليّتُه، فيهتفَ عندَ أقدامِ الصليبِ بصرخةِ نثنائيل: "أنت ابنُ الله، أنتَ مَلِكُ إسرائيل"، إذ يرى في المصلوب المتوَّجِ بإكليلٍ مِن شوكٍ مسيحًا مَلِكًا، "حَمَلَ الله الرافعَ خطيئةَ العالم" (29:1).
 
المسيحُ الملك
 
"اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ"(زكريا٩:٩). هكذا تنبَّأ النبّي زكريا لحدث دخول المسيح الملوكيّ إلى مدينة أورشليم المقدَّسة، وذلك قبل ثمانية قرون.
 
يدخلُ المسيح المدينة المقدَّسة ليُذبَح؛ فهو المُقدَّم ذبيحةً من أجلِ خطايا العالم، والمُقدِّم لكي يُعيد إلى الحضن الأبويّ الإنسانَ العبدَ للخطيئة والمُكبَّل بالموت.
 
المسيح هو المعلِّم والنبيّ في آنٍ واحد. عندما كان يُعلِّم، التفَّ حولهُ جمعٌ كبيرٌ من الناس. هؤلاء لم يأتوا ليسمعوا تعاليمه فحسب، بل أيضًا كلماته النبويّة. فكان يشفي النفوس ويُحرّرها من قيودها ويُنير ما قد أظلم. لقد فتح آفاقًا جديدةً للنبوءة في إسرائيل.
 
المسيح هو الملك. إنّه يملكُ على حياتنا، ليس بالقوَّة فقط، بل بالحريّة المُعطاة للإنسان لكي يُملّكهُ على حياته. «أين هو المولود ملكُ اليهود؟» (مت٢:٢)، سأل المجوس هيرودوس الملك. وهو «ملك الملوك وربُّ الأرباب» (رؤيا يوحنا ١٤:١٧)، فكلُّ سلطانٍ وحُكمٍ على الأرض سيزول أمام عدل الملك الحقيقيّ والحاكم الحقيقيّ!!
 
هو مَن اعترف به بيلاطس البنطيّ سائلاً ايَّاه: «أفأنتَ إذاً ملكٌ» (يو٣٧:١٨). وفي مكانٍ آخر سألَ اليهودَ قائلاً: «أأصلبُ ملككم» (يو١٥:١٩). أمّا على الصليب فكتبَ عُنوانًا ووضعهُ فوق المصلوب: «يسوع الناصريّ ملكُ اليهود» (يو١٩:١٩). إلاّ أنَّ مُلكهُ ليس مُلكًا أرضيًّا، ملكهُ مُلكٌ أبديّ وليس لمُلكهِ انتهاء (لو٣٣:١).
 
هو ملكُ الحريَّة، هو ملكٌ لأن ليس البشر مَن جعلوه ملكًا، هو ملكٌ من الأزل وسيبقى إلى دهر الدّاهرين. في دخولهِ إلى المدينة المقدّسة، والذي لم يكن كأيّ دخولٍ سابقٍ له، نرى صِبيةً جعلوا منه ملكًا نزعوا ثيابهم، وحملوا سَعَفًا، جعلوا المدينة ترتجّ وكأنَّ جيشًا بكلِّ عتادهِ يدخلُ عُنوَةً. وإذْ بِنا نرى النبوءةَ تتحقَّق: المسيح «ماسيّا» يأتي راكبًا على جحشٍ ابن أتان، أي لم يركبْه أحدٌ غيرُ هذا الملك. أما الصِّبيةُ فحملوا علاماتِ النصرِ والظفر على الخطيئة والموت، نازعينَ ثيابهم أي إنسانهم العتيق، لكي يدوسها ويُدخلنا معه إلى المدينة المقدَّسة، محرَّرين حتَّى من لباس الخطيئة!
 
الدخول إلى أورشليم هو تدشينٌ جديدٌ لحقيقة حياتنا الأرضيَّة، ومنها ولو كانت صُوَريًّا، إلى الحياة الأُخرى. ليس من مَلكٍ على حياتنا سِواه. وإن أردنا مماثلته، علينا أن ندوس على إنسان الضّعف، وندخلُ أورشليم الجديدة في المستقبل مُعتَقين من ثِقل هذه الحياة، مائتين عن كلّ ما هو أرضيّ لكي نحيا بالموت، ومن خلاله (أي الموت) نذوق طعم الخلود.
 
هذا صعب بشريًّا، إنما هو صورةٌ إسخاتولوجيةٌ عمَّا ستؤول إليه حياتنا مع المسيح. وحده الموت يُحدّد مصيرنا، وحده الموت يضع حدًّا لكلّ شيء. بالموت يتكشَّف ما قمنا به في حياتنا وما وعدنا به في يوم معموديّتنا. خبرة الصوم الكبير تُشبه إلى حدٍّ كبير مسيرة حياتنا، فينتهي الصوم وكلّ جهادنا عند أبواب أورشليم، فندخل مع أليعازر الناهض من القبر منذ برهة، لكي بجهاد الأسبوع العظيم المقدس تنكشف لنا صورة القيامة الحقيقيَّة التي لا يعروها مساءٌ.
 
الدّخول إلى أورشليم اليوم دعوةٌ لنا لكي نَكونَ يَقظين. إنّ أعياد الكنيسة، وبخاصّةٍ السيديّة منها، ليست تذكارًا نقومُ به، ونفرح بالموسم الحاليّ فرحًا مؤقّتًا. كلّا، علينا أن نُحرّر فِكرَنا الضيّق، ونُقرِن الأحداث الخلاصيَّة التي حصلَتْ في التاريخ مرّةً، ولكنّ استمراريّتها في الكنيسة دائمة، لأنّ إلهنا حاضرٌ، ومن خلال الكنيسة يوصل دعوتهُ إلى الشعب الحسني العبادة، من خلال الروح القدس الحالّ فينا. عسى أن يُحرّكنا الشوق والحميّة إلى الجهاد المستمرّ حتى آخرِ رمقٍ من حياتنا، وأن نُجاهد مع المسيح في جبل الزيتون (لو٤٤:٢٢)، مُتقبّلين بكلّ رضىً ما سيتّأتى علينا في حياتنا من صعابٍ وألمٍ مُستفيدينَ من فترة الصوم الذي عبرَ، لكي نهزمَ رؤوس التنانين المُعشعِشة فينا...
 
هذه هي الأرثوذكسيَّة، تُعطينا من خبرتِها زُبدة الحياة وخُلاصَتها. ليس هناك من غصبٍ. مَن أراد أن يغرفَ منها، فالمائدة أمامَنا. لا نُشابهنَّ التينةَ العديمةَ الثمر، ولا جهلَ العذارى الخمس، بل فلنشابهِ الزانيةَ التي أدفقَت الطيبَ، أي كل حياتها السابقة على أقدام المسيح كطيبٍ. لقد أتى المسيح لكي يُحرِّرنا نحن العبيد قديمًا، فلا نَستعبد حياتنا من جديد لنزواتٍ فانية. لقد أتى المسيح لكي يكرزَ بالحريَّة بين الناس، إذ «ليسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. ليسَ عبدٌ وَلا حُرٌّ. ليسَ ذَكَرٌ وَأُنثى، لأَنَّكُم جَمِيعًا وَاحِدٌ في المسيحِ يَسُوعَ» (غلا٢٨:٣).