الأحد 13 كانون الأول 2020

الأحد 13 كانون الأول 2020

13 كانون الأول 2020
العدد 50
أحد الأجداد القديسين
اللَّحن الثاني   الإيوثينا الخامسة
* 13: الشُّهداء الخمسة إفستراتيوس ورفقته، الشّهيدة لوكيّا البتول، * 14: الشُّهداء ثيرسُس ورفقته، * 15: الشّهيد في الكهنة آلافثاريوس وأمه أنثيّا، * 16: النبي حجّي، والقديسة ثيوفاني الملكة العجائبيّة، * 17:النبيّ دانيال والفتية الثّلاثة، ديونيسيوس أسقف آيينا، * 18: الشّهيد سابستيانوس ورفقته، موذستُس أسقُف أورشليم، * 19: الشّهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الروميّة.  
الهـدوئيّة
مرّةً سألتُ شيخاً: لماذا تهرب إلى الصحراء (désert)؟
لماذا لا تبقى في وسط العالم حيث تُفيد وتستفيد؟
أجاب الشيخ قائلاً: "إن لم يصبح الإنسان كالملاك لن يكتسبَ شيئاً من العالم. أمّا أنا الحقير إبن آدم، فعندما أرى ثمرَ الخطيئة أشتهيه، آكله فأموت".
ماذا فعل الربّ يسوع؟
"بعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفرداً ليصلّي" (متى 14: 23). هذا ليعلّمنا أنّنا إذا أردنا التوجّه إلى الله بقلبٍ نقيّ علينا أن نبتعد قليلاً عن ضوضاء الجموع.
الوحدة تساعدنا على الاِتّحاد المتواصل مع الله. تجعل المصلّي يتّحد أكثر مع العالم الخفيّ في نفسه intime فيجاهد ضدّ الأفكار المتنوعّة والتجارب الداخليّة، متشبّهًا بالمسيح في مواجهتة التجارب الخلاصيّة.
من الصعب على الإنسان المعاصر أن يصل إلى مثل هذه الخبرة الداخليّة في نفسه طالما هو مأخوذٌ باهتماماتٍ خارجيّةٍ متنوّعة تمنعه من أن يؤمّن هذا الهدوءَ الخارجيّ، مقدمّة للحصول على الهدوء الداخليّ عن طريق الصلاة بدون تشتّت.
الاِنتباه إلى الداخل يُثمر يقظةً داخليّةً حيث الروحُ القدس يُضحي مبدأ كلّ الأعمال "ويجعل حواسَّ الإنسان مدربّة على التمييز بين الخير والشّر" (عب 5: 14).
الأب الروحيّ يمتلكُ فضيلة التمييز بين الأرواح.
هذه الموهبة تجعل الإنسان لا يعود يعتبر نفسه Le moi مركزَ العالم، بل يتطلّع إلى الآخر، فيصبح إنساناً علائقيّاً Être de Communion.
القدّيس مكاريوس المصريّ يصف الجحيمَ (enfer) كما يلي: "أن لا يعود باستطاعة الإنسان أن يرى وجهَ الآخر".
إنّ عملَ الإنسان الهدوئيّ في صلاته، هو أن يوحّد الجسدَ مع النفس تحت المنظار الإلهيّ. نقاوة القلب في الجهاد النسكيّ والصلاة الهدوئيّة لا تهدف الى إماتة الحسّ ومحو الإرادة، بل على العكس تجعل الحيوانيّةَ الإنسانيّة أليفة Apprivoisée.
هكذا تصبح الحيوانات الفريسة أليفةً وتجعل الصلاةُ أهواءَ الإنسان تتحوّل إلى طاقة حبٍ لله وللآخرين.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة    باللّحن الثاني
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.
طروباريّة الأجداد    باللّحن الثاني
لقد زكَّيتَ بالإيمان الآباءَ القدماءَ، وبهم سبقتَ فخطبتَ البِيعة التي من الأمم. فلْيفتخر القدّيسون بالمجد، لأن مِن زَرْعهم أينع ثمر حسيب، وهو التي ولدَتْك بغير زرعٍ. فبتوسُّلاتهم أيّها المسيح الإله ارحمنا.
قنداق تقدمة الميلاد  باللّحن الثالث
اليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور ولادة لا تفسَّر ولا ينطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعت، ومجِّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
الرِّسَالة
كول 3: 4-11
ما أعظم أعمالَكَ يا ربّ، كلَّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسي الربَّ
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الذي هو حياتُنا فأنتم ايضاً تَظَهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم التي على الأرضِ، الزنى والنجاسةَ والهوى والشهوةَ الرديئَةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثن، لأنَّهُ لأجل هذه يأتي غَضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضاً سلَكتُم حيناً إذ كُنتم عائشينَ فيها. أمَّا الآنَ فأنتم أيضاً اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُخْطَ والخُبثَ والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم. ولا يكذِبَنَّ بعضُكم بعضاً، بل اخلَعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه والبَسُوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورة خالِقِه، حيثُ ليس يونانيٌ ولا يهوديٌ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بربريٌّ ولا اسكِيثيٌ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحٌ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.
الإنجيل
لو 14: 16- 24 (لوقا 11)
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ صنع عشاءً عظيماً ودعا كثيرين، فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعوّين تعالوا، فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ، فطفِق كلُّهم واحداً فواحداً يستَعفون. فقال لهُ الأوّلُ قد اشتريتُ حقلاً ولا بدَّ لي أن أخرجَ وأنظرَهُ، فأسألك أن تُعفِيَني، وقال الآخرَ قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادينِ بقرٍ وأنا ماضٍ لأجَرِّبَها، فاسألُكَ أن تُعفِيَني. وقال الآخَر قد تزوَّجتُ امرأةً فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبدُ وأخبر سيّدَهُ بذلك، فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: أخرُجْ سريعاً إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها، وأدخِلِ المساكينَ والجُدْع والعميان والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ يا سيّدُ قد قُضي ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضاً محلٌّ. فقال السيّد للعبد اخرُجْ إلى الطُّرق والأسيْجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدخول حتّى يمتلئَ بيتي، فإنّي أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئك الرجال المدعوّين، لأنَّ المدعُوّين كثيرون والمختارين قليلون.
في الإنجيل
الله يدعونا جميعًا إلى مائدته المقدسة، إلى ملكوته السماويّ، وقد دعانا بابنه الوحيد، فما هو جوابنا؟
كلٌّ مِنّا له قرارُه، وربّما كلُّنا نبغي "أن نسكن في بيت الرّب مدى الأيّام"، لكنّ الترجمة العمليّة يمكن أن تكون معاكسة لمشيئتنا، كما يوضحُ بولسُ الرسول بقولِه:
"فَإنّي أَعلَمُ أنّه لا يَسكنُ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيءٌ صَالِح. لأنَّ الإرادةَ حاضِرَةٌ لي، وَأَمّا فِعلُ الخيرِ فلا أَجِدُه. 19لأَنِّي ما أُريدُه مِنَ الخيرِ لا أعمَلُه، بَل ما لا أُريدُه مِنَ الشَّرِّ إِيّاهُ أَعمَل." (رو18:7-19) كما قال الرسول بولس عن الضعف البشريّ فينا.
الضعف مُبَرَّر أمّا الرفض فلا. دعوةُ اللهِ الآبِ لنا نابعةٌ مِن محبّتِه المطلقة لنا، لأنّه يريدُ الكلَّ أن يَخلُصوا وإلى معرفة الحقّ يُقبِلُوا. فالإنسانُ، بِرَفضِهِ هذه الدّعوة، يَخسرُ نفسَهُ، لا بل يَرمي نفسَه خارجَ الملكوت. الضعف البشريّ صِفةٌ تتغيّرُ إنْ سمَحْنا لِقُوّةِ المسيحِ أن تفعلَ فِعلَها فينا.
في المثَل الذي سرده الرّب يُظهر أنّ مَن رفضَ الدعوةَ هُم أولئك الذين يَعتبرون أنفسَهم حكماءَ العالم في الدين والدُّنيا، أو الذين انغلقوا على غِناهم ومَلَذّاتِهم وظنُّوا أنّ فرح الحياة يقتصر على الدنيويّات ومُتعتها ههنا، متناسين أنّهم مدعوّون لا إلى شبهِ فرحٍ بل إلى غبطةٍ أبديَّةٍ لا تزول.
أن نُدعى "مسيحيّين" ليس سوى إقرارٍ بأنّنا ملتصقون بالمسيح ولابسوه، وبالتالي نقتدي بالسيّد له المجد بطاعته وباتّضاعه، بخدمته، بعطفه وبمحبّته للبشر أجمعين، وكذلك نقتدي بتلاميذه وقدّيسيه.
الرّبُّ يسوع أعطى ذاته فداءً عن أحبائه لا ليدين وإنّما ليخلّص، وإنْ سَلَكْنا خلافَ هذا النهج حينئذِ ينطبق علينا القول "وأبناء الملكوت يُطردون خارجًا".
المساكين والمعوَزُون والعُرْجُ هم نحن إن أردنا أن نقبل أنَّ مسكنتنا تكون بالروح وعوزنا هو إلى نعمة الله وأنَّ ضعفنا نُقرُّ به أمام عظمة المحبّة الإلهيّة ونطلب بتواضعٍ من الرّب أن يُنعم علينا بسُكنى روحه القدّوس فينا، وبهذه فقط نلجُ إلى خدر مجده.
الرّب يسوع كعبدٍ لله، أطاع حتّى الموت، كشف لنا أنَّ مائدته معدّة من أجلنا لا بسبب استحقاقنا ولا بسبب أفعالنا، فالمائدة ملوكيّة بامتياز، ونحن إنما عبيدٌ بطّالون. ما من صلاح نعمله إلّا بفيضٍ مِن محبّة الله ولطفه، وهذا اللطف، إن قبلناه، هو ما يقتادنا إلى التوبه ويُلزمنا أن نعود إلى أحضان الله، أبناءً وارثين لملكوته ومشاركين فرح لقمةِ الحياة على مائدته السماويّة.
الأجهزة الالكترونيّة وأولادنا
لقد غزت الأجهزة الالكترونيّة الجديدة المجتمعات على اختلافها. نجد التلفونات الذكيّة منتشرة في العالم كلّه، حتى في البلدان الفقيرة التي ينقصها الحدّ الادنى من ضروريات الحياة.
هناك جوّ اجتماعيٌّ جارف يروّج لهذه الأجهزة وتطبيقاتها التي تتجدّد باستمرار. والكلّ يسعى لاقتنائها، وإلّا لشعروا بأن شيئًا ما جوهريًّا وأساسيًا ينقصهم في حياتهم المدنيّة والاجتماعيّة.
شجّع على هذا الانتشار فكرُ الحداثة الذي رأى أن تطوّر التكنولوجيا يساهم حتمًا بتحسين ظروف الحياة البشريّة بدون تأثيرات جانبيّة خطرة على الانسان.
ويروّج لهذا الفكر تُجّار هذه الأجهزة والبرامج الالكترونيّة المهتمّون بأن يجدّد المستهلكون أجهزتهم باستمرار.
لا شكّ بأنّ لكلّ هذه الاجهزة فوائد جمّة وممدوحة، ومنها التواصل بسهولة مع الآخرين، والوصول السريع إلى معلومات وإرشادات تساعد في الحياة اليوميّة والعلميّة، وحتّى في البشارة الكنسيّة.
من جهة أخرى، تستعمل هذه الأجهزة إغراءات قد تُفقد الانسان حرّيته. إنّ الانسان الأوّل وقع في تجربةٍ إغرائيّةٍ عندما أعلمه المجرّب بأنَّ عينيه ستنفتحان، وأنّه سيكون كالله، يعرف الخير والشرّ (تكوين 3: 5).
سقط الانسان لا بسبب لهفته إلى المعرفة التي وضعها الله فيه، بل لأنّه وجّه معرفته بعيدًا عن معرفة الله. فإنّه خُلق لهذه المعرفة الإلهيّة دون سواها، إذ هي وحدها تُشبع جوعَه.
وهنا أيضًا تستعمل الأجهزة الالكترونيّة حرّية الانسان وحبّه للمعرفة والتواصل، فتجذبه من خلال إغراء الصورة وسطحيّة الكلمة.
والإنسان يُغَشّ سريعًا بالحواسّ، أبواب النفس البشريّة، وبالأخصّ بواسطة حاسّتَي النّظَرِ والسَّمْع. فعلى سبيل المثال، إنّ صورة فوتوغرافيّة ينشرها أحدُهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ تصل إلى الآلاف، ممّا يجعل صاحب الصورة مشهورًا، ولكنّه يُجرّب بالمجد الباطل.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكلام الغاشّ والمعرفة الباطلة التي تُلهي الانسان بعيدًا عن العمل الحق، فيضيع عمرُه المقدّس في اللهو، بدل أن يتجدّد بالتوبة، وأن يفرح بمواهبه وانتاجيّته.
إنّ أسلوب عمل هذه الوسائل التكنولوجيّة يؤثّر بعمق في الإنسان في حال لم يضبط تعامله معها، فتستبدّ بطريقة عيشه، ويصبح أسيرًا لها ومدمنًا عليها.
ويشير بعض الباحثين المهتمّين بالناحية النفسيّة، إلى تأثيرِ هذه الأجهزة على عمل الدماغ وقدرته على التواصل الإنسانيّ السليم، وإلى التسبّب بإرهاق نفسيّ وتعب جسديّ وانغلاق على الذات، ودخول الانسان في عالم افتراضيّ يتوهّم فيه أنّه في عالم حقيقيٍّ مع أصدقاء فعليّين.
لعلّ أوّل من يتأثّر بهذه الأجهزة هم الأولاد. من العوارض الملاحظة عندهم بعد البدء باستعمال هذه الأجهزة:
ضعف التركيز وضعف الذاكرة ومهارات التحليل، وقلّة الإنتاجيّة والفاعليّة في الدراسة، والتأثّر بأخبار وصور تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعيّ، ممّا يسبّب كثيرًا فقدانهم للاستقلاليّة في اتّخاذ القرار، واقتناء نوع من نرجسيّة وتمحور حول الذات، إضافة إلى تدنّي مهاراتهم الثقافيّة والأداء الدراسيّ، ومعرفتهم للّغات والكتابة.
لعلّ الناس لا يدركون أنّ مخترع التلفون الذكيّ (الأيفون) ستيف جوبز لم يسمح لأولاده الصغار باستعمال الجهاز لِيَقِيَهم من تأثيره عليهم!
وفي ما يلي بعضُ الاقتراحات لحُسن استعمال هذه الأجهزة بالوقاية منها وحماية اولادنا
أوّلًا: إنّ أولادنا يتمثّلون بنا. تصرّف الأهل أمام أولادهم وكيفيّة استعمال الأجهزة الالكترونيّة من قبل الأب والأم لها التأثير الأكبر على تعليم الأولاد.
الحلّ يبدأ بنا كأهل، بفهمنا لخطورة الموضوع أمامنا، والتنبّه إلى عدم الوقوع في الفخّ.
كيف ستعلّم الولد، وبالأخصّ المراهق، عدم الغرور والنرجسيّة، في وقت يرى أنّ أمّه، مثلًا، تضع صورًا لها في تطبيق إنستاغرام لتُظهر مفاتنها، متحدّية صديقتها التي تحسدها؟
أو تُعايد الأمّ ابنها بعيد ميلاده على الفايسبوك لتظهر كم تحبّه وتهتمّ به. وهل أصبحنا نعيش في عالم افتراضيّ كي تطلب المعايدة استعمال هذه الوسيلة؟
إنّ وقوع الأهل بفخّ وسائل التواصل هذا، وبدون قصد أو إدراك، يطبع بأولادهم حبّ الظهور والسعي نحو الشهرة كأمر طبيعيّ، وهكذا يصعب على الأولاد متى نشأوا أن يتخلّصوا من هذه الشهوة إلّا بجهاد روحيّ كبير.
لا بدّ بالتذكير بالكلمات الذهبيّة للقديس بورفيريوس الرائي: "حياة الوالدَين داخل البيت وحدها تحمي وتُنشئ أولاداً صالحين... قداسة الأهل تحرِّر الأولاد من المشاكل".
الحل يبدأ من حياة الأهل وتصرفاتهم.
ثانيًا: الحاجة الماسّة اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، إلى أن يخصّص الأهل أوقاتًا أكثر مع أولادهم ليتناقشوا بأمور الحياة وينقلوا خبراتهم المتراكمة، محاولين توعية أولادهم حول كيفية الاستعمال السليم لوسائل التواصل الجديدة، خصوصًا في ظلّ الانجراف الجماعيّ وراءها.
لكلّ جهاز نشتريه ورقة تصف طريقة الاستعمال والمحاذير. أمّا الأجهزة الالكترونية، فيأتي معها دليل لا يذكر المخاطر النفسيّة والتربويّة والأخلاقيّة الطويلة الأمد على شخصيّة الولد.
الحوار بين الأهل والأولاد أمر لا بُدَّ منه ضمن عمليّة التنشئة، وواجب الأهل الإحاطة بأولادهم وإرشادهم بحسب ما تقتضيه الحاجة. فيظهر الأهل كيفية الاستفادة الفعليّة من هذا التطوّر الالكترونيّ والعلميّ، وحِفْظِ النفس من أخطاره المحتملة.
ثالثًا: بدراسته للقديس باسيليوس الكبير الذي مدح التكنولوجيا والتطوّر العلميّ، يستخلص الأب آميليانوس رئيس دير سيمونوبترا أنّ على الانسان التعاطي مع التكنولوجيا بوعي روحي، أي باستعمال موهبة التمييز والنباهة أو اليقظة الروحيّة، وبالأخصّ أنّ المعلومات والصور التي تنهال على الانسان اليوم بحاجة إلى فَلْتَرة.
تنمو هذه الموهبة بواسطة الصلاة وقراءة الكتب المقدّس والاسترشاد. موهبة التمييز تساعدنا ألا نقع في فخ آدم الأوّل، بل أن نعرف الفصل بين ما هو حقّ وما هو باطل.
نجد أن تفعيل موهبة التمييز اليوم عند أولادنا ومنذ الصغر أمر أساسي وضروريّ لنموّهم واستقرار حياتهم، لأنّ هذه الأجهزة الحديثة تضعهم من نعومة أظافرهم أمام تحدّي معرفة الخير والشرّ.
هنا أيضًا يتدرّب الأهل والأولاد على هذه الموهبة بواسطة الأب الروحيّ، وبالقراءات الروحيّة. لعلّ الكنز الحقيقيّ الذي يستطيع الأهل أن يقدّموه لأولادهم هو تنمية موهبة التمييز التي ترافقهم في حياتهم وتُعطي أن يكون مسارهم على طرقات هذه الحياة المتعرّجة والخطرة نحو ملكوت الله، حيث المعرفة الحقّة ومعاينة الجمال الذي لا يوصف، جمال مجد وجه الله.
رابعًا: يشجّع القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في عظاته للعائلة على سرّ مهمّ جدًّا يساعد في سلام حياة العائلة واستعادة هدوئها.
إنّ القدّيس ينصح الأهل بشدّة، والأب بالأخص، على ترتيب إيقاع الحياة داخل المنزل، ممّا يساعد على إضفاء جوّ من النظام في الحياة العائليّة.
فهناك وقت لكلّ شيء، وقت للصلاة، ووقت آخر للعمل والدراسة والترفيه والرياضة والمساعدة بأمور البيت والاهتمام بالآخرين.
ويضيف هنا القدّيس باسيليوس الكبير أنّ على الإنسان استعمال التكنولوجيا عند الحاجة والضرورة، وفقط بطريقة بسيطة، بدون التعلّق بها وجعلها مادة أساسيّة في حياته.
لذا يساعد تنظيم الوقت بضبط النفس وعدم الانجرار وراء إغراءات الأجهزة الالكترونيّة، ممّا يجعل الإنسان ينظر الى استعمال الأجهزة كأمر يمكن تأجيله وتنظيم استعماله، فلا يستبدّ بعد فينا وبوقتنا وحياتنا.