الأحد 27 تشرين الأوّل 2019

الأحد 27 تشرين الأوّل 2019

27 تشرين الأول 2019
 

الأحد 27 تشرين الأوّل 2019
العدد 43
 
الأحد 19 بعد العنصرة
 
اللَّحن الثاني الإيوثينا الثامنة
 
* 27: الشهيد نسطر، بروكلا إمرأة بيلاطس، * 28: الشُّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السابويّ، * 29: الشّهيدة أنستاسيا الروميَّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه، * 30: الشَّهيدان زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرَّسول كلاوبا، * 31: الرَّسول سطاشيس ورفقته، * 1: قزما ودميانوس الماقتا الفضَّة، البارّ داوود (آفيا)، * 2: الشُّهداء أكينذينوس ورفقته. **
 
الأطفال
 
"دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله" (مرقس 10: 14).
 
لا تمنعوا الأطفال أن يقتربوا من الربّ يسوع، أن يأتوا إلى الكنيسة. لقد رأى بعض المفسّرين في هذه الأقوال صدىً لعمليّة معموديّة الأطفال في الكنيسة الأولى. موقف يسوع تجاه الأطفال لا يقتصر على مهمّة عاطفيّة تجاه العائلة والأولاد.
 
كانت حقوق الأولاد مهضومةً في ذلك العصر. الولد كونه ضعيفاً لا يتّكل على قدراته الخاصّة بل يثق ثقة كاملةً بمن هو أكبر منه. لذلك هو قابل أكثر من غيره للاستسلام لمشيئة الله. لذلك يقول الربّ يسوع: "الحقّ أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا كالأولاد لن تدخوا ملكوت السموات" (متى 18: 3).
 
هنا أيضًا لا يكتفي الربّ بنظرة عاطفيّة، لكنّه إلى جانب براءة الطفل يرى فيه موقفاً ينطبق على كلّ واحد منّا مهما كان عمره، موقف تسليم لمشيئة الله تعبيراً عن الثقة والأمان في صلته مع الآخرين، مع والديه وبخاصّة مع الله. الطفل وروح الطفولة تواكب حياة الإنسان الذي يفتّش عن ملكوت الله، ليس فقط بقدرته الخاصّة أو ببرّه كما يقول الرسول بولس، بل أيضًا وخصوصاً عن طريق نعمة الله التي تمنحنا الثقة، الأمان، البراءة، التواضع. هذه كلّها المتوفرة لدى الأولاد بالطبيعة.
عند متّى يطرح التلاميذ السؤال على يسوع قائلين: "من هو أعظم في ملكوت السموات؟" (متى 18: 1).
 
أي الأقرب إلى الله. ترى هل هم العلماء في الكتاب والناموس؟! أم الكبار في هذه الدنيا؟!
 
يجيب السيّد كلاّ! بل الصغار "مثل هذا الولد" مثل هذا الإنسان البسيط، المتواضع، المسكين، الفقير المتّكل على الله وحده. عندما يقول لهم "إن لم ترجعوا وتصيروا كالأولاد"... (متى 18: 3) يقصد عمليّة التحوّل الدائم، عمليّة التوبة، الرجوع المستمرّ إلى الله والتسليم لمشيئته. لقد قال يسوع لنيقوديموس مرّة:
 
"الحقّ الحقّ أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3: 3) هنا أيضًا اشارة إلى سرّ المعموديّة، إلى التوبة الدائمة.
 
ويشير أيضًا إلى التواضع بقوله "فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السموات" (متى 18: 4) أي الذي يشعر نفسه صغيراً مثل هذا الولد، صغيراً أمام الله وأمام الآخرين. Petit et humble.
 
بسيطاً، مسكيناً "طوبى للمساكين لأنّ لهم ملكوت السموات" هذا هو سبيل الطفولة يكتسبه الواحد عن طريق النعمة الإلهيّة، سبيل الولادة الجديدة بالروح، سبيل الخلاص مع الربّ.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني
 
عندما انحدرت إلى الموت، أيّها الحياة الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيم ببرق لاهوتك، وعندما أقمت الأموات من تحت الثرى، صرخ نحوك جميع القوات السماويّين: أيّها المسيح الإله معطي الحياة المجد لك.
 
 
القنداق باللَّحن الثّاني
 
يا شفيعَةَ المسيحيّين غيرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيرَ المردودة، لا تُعرضي عن أصواتِ طلباتِنا نحن الخطأة، بل تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نحن الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعة، وأسرعي في الطّلبة، يا والدةَ الإلهِ المُتشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
 
 
الرِّسالَة
2 كو 11: 31-23، 12: 1- 9
 
قُوَّتي وتَسْبِحَتي الرّبُّ أدباً أَدَّبَني الرّبُّ،
 
يا إخوةُ، قد عَلِم الله أبو رِبنا يسوع المسيحِ المبارَكُ إلى الأبدِ أني لا أكذب. كانَ بدِمشقَ الحاكِمُ تحتَ إمرةِ الملكِ الحارثِ يحرس مدينةَ الدمشقيّينَ ليَقبِضَ عليَّ. فدُلّيتُ من كُوَّةٍ في زنبيلِ من السور ونَجَوْتُ من يَدَيهِ. إنَّهُ لا يُوافقُني أن أفتَخِرَ فآتي إلى رُؤى الربِ وإعلاناتِه. إنّي أعرِفُ إنساناً في المسيحِ منذُ أربَعَ عَشَرَةَ سنةً (أفي الجَسدِ لستُ أعلم أم خارجَ الجَسَدِ لستُ أعلم. اللهُ يعلم). اختُطِف إلى السماءِ الثالثَة، وأعرِفُ أنَّ هذا الإنسانَ (أفي الجَسَد أم خارِجَ الجَسَدِ لست أعلم. الله يعلم). اختُطفَ إلى الفِردَوسِ وسَمِعَ كلماتٍ سِرّيَّةً لا يَحِلُّ لإنسانٍ أن يَنطِقَ بها. فَمِن جِهَةِ هذا أفتَخِر، وأمَّا من جِهَةِ نَفسي فلا أفتخِرُ إلاّ بأوهاني. فإنّي لو أردتُ الافتخار لم أكُن جاهلاً لأنّي أقولُ الحقَّ، لكنّي أتحاشى لئلا يَظُنَّ بي أحدٌ فوقَ ما يراني عليه أو يسمَعُهُ منّي. ولئلّا أستكبِرَ بفَرطِ الإعلاناتِ أُعطِيتُ شوكَةً في الجَسَدِ، مَلاكَ الشيطانِ ليلطِمَني لئلاَّ استَكبر، ولهذا طَلَبتُ إلى الربِّ ثلاثَ مرَّاتٍ أن تفارقَني فقالَ لي تَكفيك نِعمتي لأنَّ قوَّتي في الضَّعْفِ تُكْمَل. فَبِكلّ سرورٍ أفتَخرُ بالحريّ بأوهاني لتستَقِرَّ فيَّ قوَّةُ المسيح.
 
 
الإنجيل
لو 8: 41-56 (لوقا 7)
 
في ذلك الزمان، دنا إلى يسوع إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخرّ عند قدمي يسوع وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنة وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأة بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ أن يشفيَها، دنت من خلفه ومسّت هُدبَ ثوبه وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "مَن لمسني؟" وإذ أنكر جميعهم قال بطرس والذين معه: يا معلّم إنّ الجموع يضايقونك ويزحمونك وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ لأنّي علمت أنّ قوّة قد خرجت مني". فلمّا رأت المرأة أنّها لم تخفَ جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشعب لأيّة علّةٍ لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، ايمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعب المعلّم. فسمع يسوع فأجابه قائلاً: لا تخف، آمن فقط فتبرأ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحداً يدخل إلّا بطرس ويعقوب ويوحنّا وأبا الصبيّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها فقال لهم: لا تبكوا إنّها لم تمت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلاً: يا صبيّة قومي. فرجعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
 
 
في الإنجيل
 
حادثتان متداخلتان: شفاء امرأة تنزف دماً منذ اثنتي عشرة سنة، وإحياء فتاة في الثانية عشرة من عمرها، الرقم 12 مشترك بين حادثتي الشّفاء، وهو رقم يعبّر رمزيّاً عن إدارة الله وترتيبه الكامل لعمله في خليقته.
 
الربّ في طريقه لإنقاذ حياة الصبيّة تلبيةً لتوسُّلات رئيس المجمع يايرس، ومعنى اسمه: الله ينير، ولكنّ حادثة شفاء طارئة تؤخّر ذهابه بعض الوقت. إنّها المرأة النازفة الدم، منذ اثنتي عشرة سنة، والتي "أنفقت معيشتَها كلّها على الأطبّاء ولم يستطع أحد أن يشفيها" أتت إليه بإيمانٍ عظيم.
 
لم تكن تجرؤ على مواجهته لأنّها تعلم أنها غير طاهرة كما يقول الناموس (سفر اللاويين 12 : 1، 15 : 9 و25...)، فخافت وقرّرت أن تلمس هدب ثوبه بأصابعها، فشُفِيَت للحال بعد أن خرجت قوّةٌ من يسوع الطبيب الحقيقيّ للجسد والنفس. ظنّت للوهلة الأولى أنّ أمرها لم يُكشف، وأنّها تستطيع الهرب دون أن يعرف أحد شيئاً عنها، هذه كانت خطّتَها، ولكنّ خطّة الربّ يسوع كانت مختلفة. فما هي هذه الخطّة؟
 
أرادَ الربُّ أوّلًا أن يكشفَ إيمانها العظيم لكي يقتدي بها الآخرون؛ وثانيًا ألّا تحصلَ على الشِّفاءِ وتمضيَ خلسةً فترزحَ تحتَ ثقلِ عذابِ الضّمير والقَلَق، وكأنّها سرقت النعمة الالهيّة؛ وثالثًا أن يُخرجها من ضلالها في الاعتقاد أنّها عبرت بلا ملاحظة يسوع.
 
أضفْ إلى ذلك، أنّهُ أرادَ أن يعلِّمَها أنّ تعامُلَها لم يَكُنْ مع قُوَّةٍ شفائيّةٍ فحسب، بل مع شخصٍ.
 
يريدُنا الربُّ يسوع أن نتعامل معه وجهاً لوجه، في علاقة شخصيّة، نسمعه ويسمعنا، نتكلّم معه ويتكلّم معنا، لا أن نأتي من خلفه، كما نفعل نحن المسيحيّين في هذا الزمن الرديء، حيث نعتبر أنّ الله هو فقط لتلبية حاجاتنا وشفائنا ورغباتنا، وننسى أنّ الله يريد قلوبنا وصداقتنا وأن نعمل معه في تجديد هذا الكون. لذلك أصرّ يسوع على مواجهة المرأة، وعندما اعترفت حصلت على نعمة تفوق الشفاء الجسديّ، أَلا وهي السلام والشفاء النفسيّ.
 
وبينما هو يتحدّث مع المرأة التي شفاها، أتى من يعلن موت الصبيّة فلا داعي لإتعاب المعلّم. تجربة قاسية جدّاً وقعت على رأس يايرس، وربما تملّكه اليأس والإحباط من وقع الخبر، لأنّ الموت قد قال كلمته الأخيرة، لذلك سارع يسوع ليقول له: "لا تخف، آمن فقط، فتبرأ هي".
 
إنّه الإيمان من جديد، الذي لم يكن بالقدر الكافي كما كان عند المرأة النازفة الدم، ولكنّه شرط أساسيّ لعمل النعمة الالهيّة. لا يخبرنا الانجيليّ عن موقف الأب بعد معرفته بموتها، ولكن الواضح أنّه قد وضع كلّ ثقته بالربّ يسوع، فهو رجاؤه الوحيد، أمّا يسوع فكان يريد أن يقول بأن لا نخاف الموت، لأنّه حيث يكون الربّ يصبح الموت نوماً، "وأنّه القيامة والحياة"، وإنّما أتى إلى الأرض ليبطل الموت بموته وليهبنا القيامة بقيامته، فنقلنا من عبوديّة الموت إلى فرح القيامة.
 
عندما دخل إلى غرفة الراقدة أخذ معه ثلاثة من تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنّا، الذين سيرافقونه في تجلّيه على ثابور، وفي بستان الزيتون قبيل آلامه، لكي يكونوا شهوداً لعمله الخلاصيّ وليعلموا محبّته التي تفوق كلّ تصوّر، وأمسك بيدها ونادى:"يا صبيّة قومي" فرجعت روحها وقامت في الحال. عاد الفرح إلى المنزل من جديد، و"مسح الله كلّ دمعة"... ولكن نرى يسوع يطلب طلباً غريباً بعض الشيء "أمر أن تُعطى لتأكل" أليس بديهياً أن يطعم الأهل أولادهم، فلماذا يطلب يسوع ما هو أمر طبيعيّ؟
 
لأنّه لا يقصد فقط الطعام المادّيّ الذي للجسد، بل أيضاً الطعام الروحيّ أي التربية الصالحة لأبنائهم. التربية في الكنيسة، تعليم الكتاب المقدّس، عمل المحبّة، كلّ ذلك طعام، علينا أن نطعمه لأبنائنا وبناتنا، "إنّ لي طعاماً لا تعرفونه ... طعامي أن أعمل مشيئة أبي الذي في السماوات".
 
المرأة النازفة الدم هي الإنسانيّة كلّها في العهد القديم، مع الأسباط الإثني عشر، الذين لم تستطع كلّ أدوية الناموس والشريعة القديمة أن تنقذهم من المرض والموت، رغم ما قدّموه من ذبائح الدم على مذبح الرب "نزف دمها"، الذي سيبطله الربّ يسوع بتجسُّدِه وتلامسهم معه "لمست هدب ثوبه"، والذين كانوا بإيمان عظيم ينتظرون هذه اللحظة، "حان الوقت"، لحظة سكناه بيننا بتجسُّدِه، لقد أبطل ذبيحة الدم واستعاض عنها بالروح المنسحق والقلب المتخشع والمتواضع الذي لا يرذله.
 
ولكن لم يتوقّف الربّ هنا، بل أكمل مسيرته نحو بيت الموت ليمسكنا بيده "أمسك الصبيّةَ بِيَدِها" ويُنهضَنا مِن مَوتِنا، فدشَّنَ عهداً جديداً مبنيّاً "على قيامته من بين الأموات"، وإرساله لرسله الإثني عشر للتبشير. إنّه عهد القيامة، "فيا صبيّة قومي" لم يعد هناك موت بل نوم. "إنّها لم تمت ولكنّها نائمة". فلنتمسَّكْ بالإيمان والرجاء كما للنازفة الدم ويايرس، ونُطعم قريبَنا وأولادَنا طعامَ المحبّة، بانتظار أن ينهضنا الربُّ يسوع من الموت في اليوم الأخير.
 
 
أهميّة "الإصلاح" الليتورجيّ
 
لقد تزايدَ في السنين الأخيرة اهتمام الشعب بالعبادةِ الإلهيّة. وما الليتورجيا إلّا عمل شعبِ اللّهِ، كهنةً وعلمانيّين. أهميّةُ الليتورجيا تكمن في الحياةِ العباديّة والأسراريّة التي ينقلها المؤمنون من الكنيسةِ إلى خارجها، حتّى إنّه في بعض الحالات تتماهى هذه الحياة العباديّة مع الحياة الشخصيّة لتصير الكنيسة حاضِرةً في الحياةِ العاديّةِ لأفرادها. هذا هو التعامُلُ الصَّحيحُ مع وجود الكنيسةِ في هذا العالم؛ فقد أُسِّسَت لا لتخدم البشر بضع ساعاتٍ في أيامٍ معيَّنة، بل لتصير هي نفسها حياةً يوميّةً مُعاشةً.
 
مع إعادةِ إعمارِ الأديارِ وإنشاءِ الرَّهبنات وإعادة الاعتبار للتقليد الرُّهبانيّ الذي انقطع لفترةٍ ما، أعيدَت الحياة إلى عبادتنا الإلهيّة، وأصبح كلُّ مَن يؤمُّها يلحظُ ويختبر الغِنى الأسراريّ والطقوسيّ للعبادة.
 
ومن ضمن هذا الغنى نصوص الصَّلوات التي طالما الكنيسةُ النّاطقةُ بالضّادِ تتمخّض وتجاهِدُ لتضع بين أيدي مؤمنيها أفضل ما عندها لِتُقدِّمَهُ. ولكن، بالاضافةِ إلى النَّهضة الليتورجيّة التي أتت بها الأديار هناك أيضاً جهودٌ فرديّةً قد سبقت تلك المرحلة. نجد مثلاً في أعمال متري المرّ، بروتوبسالتي الكرسيّ الأنطاكيّ، محاولةً قيِّمةً في تصحيح ترجمات النّصوص الليتورجيّة وإعادةِ وزن كمٍّ لا بأسَ به منها شعريّاً ليتناسب ووزن النص اليونانيّ.
 
لقد عبَّر نعمة الله صرّوف، مُعرِّبَ كتبنا الطقسيّة، ومتري المرّ، عن أهميّة هذه النُّصوص، وعن ضرورة العمل عليها وتصحيحها ووزنها وزناً شعريّاً يتوافق مع النَّص الأصليّ. وأمّا محاولة هذا الأخير فلاقت ترحيباً من جهةٍ وانتقاداتٍ من جهةٍ أخرى.
 
ولقد سار على هذه الطَّريق أيضاً الأب نقولا مالك، ذو المواهب الموسيقيّة والشّعريّة المُميَّزة، ونشر كتاب الأفتوملات أو أصليّات الوزن، ليتدرّب الموسيقيّون على ترتيل النصوص موزونةً.
 
زد على ذلك أنّه قامَ بِضبطِ الكثير من النصوص الليتورجيّة على الأوزان، ومنها القوانين كقانون الباراكليسي الصغير والباركليسي الكبير لسيّدتنا والدة الإله، وبعض باراكليسيات القدّيسين، وقانون المديح مؤخّراً.
 
وقد لاقت كلّها نجاحاً. ولكن للأسف هناك بعض الذين لم يرحّبوا بها إذ يجدونها غير مناسبةٍ لما قد تعوَّدوا عليه. ويجدر التذكير أنَّ في بلادنا، وقبل الشروع بترجمة الكتب الليتورجيّة، كانت العبادةُ تُقامُ باللغةِ اليونانيّةِ، وبسبب حاجةِ الشعب نُقِلَت بعض النُّصوص إلى اللغةِ العربيّة، وقد تمت الترجمةُ بشكلٍ سريعٍ لتلبيةِ الحاجةِ، ولكنّ العمل كان ناقصاً. وقد مضت على هذه الترجماتِ قرنٌ أو أكثر بقليل، وأمّا صرخةُ الذين يعرفون أهميّة تطوير وتحسين وتكميل هذه النصوص فقد بدأت منذ أكثر من نصفِ قرنٍ وتدوم إلى الآن.
 
نعي تماماً أنّ نصوصَنا الليتورجيّةَ تُعاني من النقص، وأن بعض الأشخاص يحاولون سدَّه بالتعاون مع بعض الأديار. نتج عن ذلك ظهور الكثير من الأعمالِ مبعثرة. زد إلى ذلك أنّه هناك أقسامٌ كثيرة في كتبنا الطقسيّة غير مترجمة وأخرى لا تزال تحتاج إلى تصحيحٍ ووزنٍ إلخ.
 
ولذلك، آخذين بعين الاعتبار حاجة شعب الله إلى هذه كلّها واقتناعهم بها، إذ نعلم من خلال احتكاكنا بالشعب مدى أهميّة الإصلاحِ واستعمال الأوزان ضمناً والتي تسهِّل اشتراك الكلِّ في الترتيل المضبوط، نرجو أن يصل الصوت وأن يصير العمل بهذا على صعيدٍ أنطاكيٍّ واسع.