الأحد 11 آب 2019

الأحد 11 آب 2019

11 آب 2019
 
الأحد 11 آب 2019 
العدد 32
 
الأحد الثامن بعد العنصرة
 
اللَّحن السابع الإيوثينا الثامنة
 
* 11: الشهيد آفبلُس الشَّماس، نيفن بطريرك القسطنطينيَّة، * 12: الشهيدان فوتيوس وأنيكيتس، * 13: وداع التجلّي، نقل عظام مكسيموس المعترف، دوروثاوس أسقف غزّة وتلميذه دوسيثاوس، تيخن زادونسكي،
* 14: تقدمة عيد الرُّقاد، النبي ميخا، * 15: رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، نقل المنديل الشَّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس، * 17: الشَّهيد ميرن.
 
إشباع الخمسة آلآف
 
يتحدّث المقطع الإنجيليّ اليوم عن معجزة إشباع الخمسة آلاف، القراءة الإنجيليّة من متى (14: 14- 22 ).
 
إنّ رقم خمسة في الكتاب المقدّس هو عدد رمزيّ، الرقم 5 يرمز إلى نعمة الله، إلى الخير والبركة تُجاه البشر. إنّ كُتب موسى في العهد القديم كانت خمسة أيضاً. بسبب أهمّيّة هذه المعجزة فهي مذكورة في الأناجيل الأربعة عند مرقس (6: 30- 44) ولوقا ( 9: 10- 17) والإنجيليّ يوحنّا (6: 1- 14).
 
من بعد استشهاد القدّيس يوحنّا المعمدان أُخبر يسوع بذلك فانصرف بالسفينة إلى موضع خلاء منفرداً على شاطئ بحيرة طبريّة من الجهة الشماليّة. لقد اعتاد الربّ يسوع الذهاب إلى موضع خلاء "للصلاة".
 
يظهر في إنجيل متّى أنّ يسوع انفرد ليُصلِّي قبل وبعد معجزة إشباع الخمسة آلاف (متىّ 14: 13 و 14: 23). لقد أعطى الربّ درساً لتلاميذه في أهمّيّة الصلاة قبل وبعد إتمام أيّ عمل.
 
وعندما علمت الجموع بذلك "تبعوه مُشاةً من المدن".
 
لقد أحبّت الجموع تعاليم يسوع فقصدته عندما علمت بمكانه. لقد اجتمعوا حوله كما يجتمع القطيع حول "الراعي الصالح" ليقودهم في أرض خصبة. لقد قضى الشعب معظم يومه يستمع لكلام يسوع وتعاليمه الخلاصيّة. مضى النهار "وكان المساء".
 
لم يشعر الشعب والتلاميذ بمرور الوقت بسبب عذوبة كلام الربّ وحلاوة حضوره والمكوث بجانبه، " وكان الجميع يتعجبّون من كلمات النعمة الخارجة من فمه " (لوقا 4: 22).
 
يبدأ المقطع الإنجيليّ حينما يسوع : "أبصر جمعاً كثيراً فتحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم". هو الآب الرحوم
الشفوق "أبو الرأفة وإله كلّ تعزية "(2كور 1: 3). إنّ هذه الصورة هي صورة مسيانيّة للربّ يسوع إذ إنّه حسب أشعيا فإنّ المسيّا المُنتظر هو الذي يشفي ويُعزّي شعب الله "أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها" (أشعيا 53: 4).
 
لقد طلب التلاميذ من الربّ يسوع قائلين: "المكان قفر والساعة قد فاتت فاصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا طعاماً".
 
ربّما لم يخطر على بالهم أنّ الربّ يسوع سوف يهتمّ بحاجاتهم الجسديّة كما أنّه تحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم. ها هو يُظهر حنانه مُجدّداً ويهتمّ بحاجاتهم الجسديّة ليُشبع جوعهم فيقول للتلاميذ:
 
"أعطوهم أنتم ليأكلوا". فكان جواب التلاميذ: "ما عندنا ههنا إلاّ خمسة أرغفة وسمكتان". لقد أراد الربّ بهذا الطلب أن يسترعي انتباه تلاميذه إلى أنّ الطعام المتوافر لا يكفي لهذا العدد الكبير، فهو كان يُحضّرهم للمعجزة التي كان مُزمِعاً أن يُحقّقها. لقد تحنّن أوّلاً على الجمع وأبرأ مرضاهم ثمّ أشبعهم من الطعام، هو المُهتمّ بالخليقة وبحاجات الإنسان الروحيّة والماديّة.
 
لقد أراد بهذا الطلب أن يُريَهم صعوبة تحقيق هذا الأمر بالطريقة البشريّة، وليُريهم أنّه هو ابن الله. لقد أراد الربّ يسوع أن يُظهر لتلاميذه أمرَين: الأوّل، أهمّيّة المُشاركة ومُساعدة مَن هم في عَوَز وحاجة، والتي هي ههنا في هذه الحالة إطعام الجموع. وفي هذا يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم:
 
"في هذه المعجزة كان يسوع يعلّمُهم التواضعَ والقناعةَ والإحسان، وأن يُفكّرَ بعضُهم بالبعضِ الآخَر، وأن يتشاركوا في كلّ الأمور". والأمرُ الثّاني، أراد أن يُريَهم أنّ سبب تحقيق هذه المعجزة هو الحاجة والضرورة، لا المجد الباطل.
 
عندما أدرك التلاميذ صعوبة واستحالة إشباع هذه الجموع من الخمسة أرغفة والسمكتين، تدخَّل يسوع قائلاً لهم:"هلمّ بها إليَّ إلى هنا". ثمّ "أخذ الخمسة الأرغفة والسمكتين ونظر إلى السماء، وبارك وكسر وأعطى الأرغفةَ لتلاميذِه، والتلاميذُ للجموع". لقد رأت الكنيسة المقدّسة في هذه الأفعال التي صنعها الربّ يسوع: "أخذ، نظر، بارك وكسر وأعطى" صورةً مُسبَقةً لسرّ الشكر الإلهيّ أو "الأفخارستيا".
 
لقد نظر يسوع إلى السماء كما يقول الذهبيّ الفم " لكي يُظهرَ لنا أنّه مُرسَلٌ من الله الآب وأنّه أيضاً مساوٍ له ".
 
لقد كان هذا الفعل من أجل تعليمنا أن لا نتناول الطعام حتّى نعطي الشكر لله الذي أعطانا هذا الطعام". أمّا القدّيس كيرلّس الأسكندريّ فيقول:
 
"حتّى يُعرَف السيّد بأنّه هو الله بالطبيعة، هو كثَّر ما كان قليلاً، لقد نظر نحو السماء كما لو كان يطلب البركة من العلوّ. لقد صنع هذا بفعل التدبير الإلهيّ مِن أجلنا، لأنّه هو نفسه الذي يملأ كلّ الأشياء ويُباركها. هو البركة الحقيقيّة النازلة من فوق من عند الآب. ولكنّه فعل هذا حتّى نتعلّم منه عندما نُحضّر مائدة الطعام ونُحضّر الخبزات ونستعدّ لكسر الخبز أن نُحضرَها نحو الله بأيدٍ مرفوعة وننظر إلى السماء مستحضرين عليها البركة التي هي من فوق. لقد كان الربّ يسوع البداية، النموذج والطريق".
 
لقد كان واضحاً أنّ الجموع قد رأت في هذه المعجزة صورةً مسيانيّةً للمسيح، إذ قالوا في إنجيل يوحنّا "هذا هو بالحقيقة النبيّ الآتي إلى العالم" (يوحنا 6: 14). لقد تذكّر الشعب العبرانيّ آباؤهم الذين أكلوا المنّ في البرّيّة (خروج 16: 4- 16) ورأوا في المسيح صورة المسيّا الذي يُطعم شعبه. هذه الحركات الأفخارستيّة "أخذ – بارك – كسر وأعطى " كررّها الربّ يسوع ذاتها في العشاء الأخير قبل صلبه وآلامه.
 
يقول الإنجيليّ متّى: "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلّكم " ( متى 26: 26).
 
لقد أعطى الربّ يسوع "الأرغفة لتلاميذه والتلاميذ للجموع". لقد أعطى الأرغفة لتلاميذه علّهم يتذكّرون دائماً هذه المعجزة وتبقى في ذاكرتهم ولا تتلاشى من أذهانهم رغم أنّهم قد نَسُوها حالاً. يرى الآباء القدّيسون في هذا الفعل منح النعمة والسلطة للتلاميذ لخدمة شعب الله. "أن يصيروا خدّام المسيح ووكلاء أسرار الله".( 1 كورنثوس 4: 1). الرسل القدّيسون هم الأساقفة الأوائل وقد منحهم الربّ يسوع هذا السلطان الذي انتقل منهم إلى تلاميذهم من بعدهم من خلال الشرطونيّة و"التسلسل الرسوليّ Apostolic Succession".
 
لقد أمر الربّ يسوع تلاميذه أن يجمعوا ما فَضَلَ من الكِسَر "اثنتي عشرةَ قُفّةً مملوءة"، و يضيف الإنجيليّ يوحنّا "لكي لا يضيع شيء" (يوحنا 6: 12). بحسب القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم لقد أراد الربّ يسوع من تلاميذه ضبط النفس والقناعة وأن يكونوا وكلاء صالحين ( (Good Stewards وأمينين على الخيرات التي منحنا إياها الربّ.
 
نحن نعيش في مجتمع الاِستهلاك حيث هناك تبذير كبير للموارد والخيرات البشريّة. لقد أقامنا الله أُمناء على الخليقة (لوقا 12: 41- 48) لنصونها ونُحسِن إدارتها. هذا ما أراد الربّ تعليمه لتلاميذه ولنا. نحن مسؤولون أمام الله عن هذه الخيرات وعن توزيعها العادل بين البشر. الهدر وإضاعة الخيرات هما خطيئة، أمّا القناعة والتدبير الحسن وشكر الله على خيراته ونعمه فهي فضيلة مسيحية.
 
لقد وضعت الكنيسة المقدّسة صلوات تبريك الطعام وصلاة شكر بعد الأكل لتعليمنا أهمّيّة شكر الله على نِعَمه وبركاته كما نصلي صلاة الشكر بعد تناول القرابين المقدّسة. كما تُقيم الكنيسة الأرثوذكسية خدمة " تبريك الخمس خبزات " في صلاة غروب الأعياد السيّديّة وأعياد القدّيسين والتي هي تذكار لمعجزة "الخمسة الأرغفة والسمكتين". ونرتّل في نهاية الصلاة: "الأغنياء افتقروا وجاعوا، أمّا الذين يبتغون الربّ فلا يُعوِزُهم أيُّ خير". آمين
 
+ باسيليوس
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبّين
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن السابع
 
حطمت بصليبك الموتَ وفتحتَ للّص الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله مانحاً العالم الرحمةَ العظمى.
 
طروبارية التجلّي باللَّحن السابع
 
لمّا تجلّيتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، أظهرتَ مجدَك للتلاميذ حسبَمَا استطاعُوا، فأشرق لنا نحنُ الخطأة نورَك الأزليَّ، بشفاعة والدة الإله، يا مانحَ النُّور المجدُ لك.
 
قنداق التجلّي باللَّحن السابع
 
تجلَّيتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَما وَسِعَ تلاميذَكَ شاهدُوا مجدَك، حتّى عندما يُعايِنُونَكَ مصلوباً، يَفطَنُوا أنَّ آلامَك طوعاً باختيارك، ويَكرزُوا للعالمِ أنَّكَ أنتَ بالحقيقةِ شُعاعُ الآب.
 
الرِّسالَة
1 كو1: 10-17 
الربُّ يُعطي قوَّةً لشعبِه 
قدِّموا للربِّ يا أبناءَ الله
 
يا إخوة، أطلُبُ إليكم بِاسمِ ربِنّا يسوعَ المسيحِ أن تقولوا جميعُكم قولاً واحداً وأن لا يكونَ بينكم شِقاقات، بل تكونوا مكتمِلين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم يا أخوتي أهلُ خُلُوِي أنَّ بينَكم خصومات. أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول أنا لبولُسَ أو أنا لأبلُّوسَ أو أنا لصفا أو أنا للمسيح. ألعلَّ المسيحَ قد تجزَّأ. ألعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلكم أو بِاسمِ بولسَ اعتمدتم. أشكر الله أنّي لم أعمِّد منكُم أحداً سوى كرِسبُس وغايوس لئلا يقولَ أحدٌ إنّي عمَّدتُ بِاسمي. وعمَّدتُ أيضاً أهلَ بيتِ استفاناس. وما عدا ذلك فلا أعلَمُ هل عمَّدتُ أحداً غيْرَهم، لأنَّ المسيحَ لم يُرسلْني لأُعمِّدَ بل لأبشِّرَ لا بحكمةِ كلامٍ لئلا يُبطَلَ صليبُ المسيح.
 
الإنجيل
متّى 14: 14-22 (متّى 8)
 
في ذلك الزمان أبصر يسوع جَمعًا كثيراً فتحَّنن عليهم وأبرَأ مرضاهم. ولمَّا كان المساءُ دنا إليهِ تلاميذُهُ وقالوا إنَّ المكانَ قَفْرٌ والساعةُ قد فاتَتَ، فاصْرِفِ الجموعَ ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع لا حاجةَ لهم إلى الذهاب، أَعْطوهُم أنتم ليأكلوا. فقالوا لهُ ما عندنا ههنا. إلاَّ خمسةُ أرغفةٍ وسمكتانٍ. فقال لهم هلمَّ بها إليَّ إلى ههنا، وأمر بجلوسِ الجموع على العشب. ثمَّ أخذ الخمسَةَ الأرْغِفَةِ والسمكتَيْنِ ونظر إلى السماءِ وبارك وكسر وأعطى تلاميذه الأرغِفَة، والتلاميذُ أعطَوا الجموع، فأكلوا جميعُهم وشبعوا، ورفعوا ما فَضَلَ من الكِسَرِ اثنَتيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مملوءة. وكان الآكِلونَ خمسَةَ آلافِ رجلٍ سوى النساءِ والصِبيان. وللوقتِ اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السفينَةَ ويسبقوهُ إلى العَبْرِ حتى يصرِفَ الجموع.
 
في الإنجيل
 
تأتي هذه المعجزة بعد حادثة مقتل القدّيس يوحنّا المعمدان، إذ نقرأ في الأصحاح نفسه أنّ تلاميذ يوحنّا أتوا وأخبروا يسوع بذلك، ومِن ثَمَّ تبعوه. أمّا موقف الربّ يسوع من الخبر فقد كان بأن توارى عن الأنظار كعادته للصلاة، فما كان من الشعب إلّا أن تبعه إلى القفر، كما لو كانوا يردّدون مع بطرس الرسول: "أين نذهب يا ربّ وكلامُ الحياةِ عندَك؟!".
 
لقد كان هَمُّ النّاس، بعد الضجّة الّتي أثارَها قَتلُ يوحنّا المعمدان، أن يَرَوا يسوعَ ويسمعوا كلامَه، فكانَ لهم ما أرادوا. والربُّ يسوع الكثير الرحمة والجزيل التحنّن تحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم.
 
ومع الربّ يمضي الوقتُ بسرعة، والناس مشدودونَ بإصغاء إلى كلام الحياة النابع منه، والتلاميذ يفكّرون بشريًّا ويطلبون منه أن يصرف الجموع ليبتاعوا طعامًا. أمّا السيّد فيهتمّ بالأمر ويقوم بالمعجزة لأنّه يريد من التلاميذ أن يرتفعوا إلى ما فوق المادّة، إلى الطعام الروحيّ لا البشريّ.
 
ولكنّه مع ذلك أجابهم على أساس طلبِهم: أعطُوهم أنتم ليأكلوا. فاحصُ القلوبِ والكلى يعلم أن التلاميذَ ليس عندهم طعامٌ يكفي لهذا العدد الهائل من الناس، ولكنّه أصرّ على إحضار الخمسة الأرغفة والسمكتين.
 
وكانت النتيجةُ أنْ رفعَ الربُّ رأسَهُ إلى السماءِ وباركَ وكسرَ وأعطى التلاميذ، وهم بدَورِهم أعطَوا الناس، فشبعَ الجميعُ وفَضلَ عنهم.
لم يكن هدف السيّد من هذه الأعجوبة أن يرى فيه تلاميذُه والنّاسُ ملكًا، ولهذا نراهُ يُلزِم تلاميذَه الدّخولَ إلى السفينة ليصرفَ الجموع.
 
كشف يسوعُ للجميع أنّه هو الإله الحيّ، إلهُ العهدَين، فهو في العهدِ القديم اقتادَ الشعبَ العبرانيَّ في البرّيّة وأعانَهم وأطعمهم طوال أربعينَ سنة، وهو في العهدِ الجديدِ الخبزُ النازلُ من السماء، الذي يأكلُ منه الإنسانُ فلا يموت.
 
في آيةِ إكثار الخبز والسمك، ومن الممكن أن ندعوها تكسير الخبز والسمك، نرى ما سيحدثُ في العشاء الأخير، حيث أخذ يسوعُ الخبزَ وباركَ وكسرَ وأعطى تلاميذَه، مذكّرًا ايّاهم بأنّهم صلةُ الوصلِ بينَ الناسِ وبينَه. وتأتي هذه الحادثةُ وكأنّها مقدّمةٌ لسرّ الشكر الإلهيّ. وما نتعلّمه اليوم هو أنّ الربّ لا يتركُ ولا يُهملُ الآتينَ من فيضِ الحبّ الإلهيّ، وبخاصّةٍ الذين يطلبون ملكوتَ الله وبِرَّه.
 
يسوعُ يَعلَمُ احتياجاتِنا كُلَّها، ودونَ أن نطلبَ منه. يكفي أن نثقَ به ونسلّمَه ذاواتِنا، ونصرخَ مع النبيّ: الربُّ يرعاني فلا شيءَ يُعوِزُني.
 
الموسيقى الدهريّة
 
إنّ ردودَ الفعلِ المتفاوِتة من الضجّة الناتجة عن حفلة "مشروع ليلى" تضعُ أبناءَ الكنيسةِ أمامَ مسؤوليّة اتّخاذ الموقفِ المناسب. والبعضُ مِن أبنائنا، بحجّةِ الدفاع عن حرّيّةِ التعبير، يُطالبُ الكنيسةَ بالسُّكوت. إلّا أنّ الكنيسةَ لا تَتركُ أبناءَها عُرضةً لكلّ الأذى الذي تسبّبهُ وسائلُ الإعلامِ والتواصلِ الاجتماعيّ في عصرِنا.
 
ليست القضيّة قضيّة موقف من الموسيقى بشكل عامّ، ولا هي، كما يحاول البعض تصويرها، قراءةٌ مجتزأةٌ لإحدى الأغنيات، أو موقفٌ مسبَقٌ من سلوكيّات المغنّين. إنّ استعمال التعابيرِ المسيحيّة، كالمعموديّة والصّليب والجلجلة وغيرها، شائعٌ في الفنونِ والآداب. وهي من ضمن الرّموزِ التي يستعينون بها لزيادةِ التحليقِ في الخيالِ التعبيريّ، حيث تعجز الرموزُ العاديّة عن التعبير. ولم تعترض الكنيسةُ على ذلك، لأنّ هدفَ الأُدباءِ والفنّانين كان أدبيًّا فنّيًّا تعبيريًّا، ولم تكن لديهم نيّةُ الإساءةِ إلى الفكرِ المسيحيّ، أو الترويجِ لأفكارٍ منحرفةٍ أو شرّيرة.
 
ولكنْ، عندما لمستِ الكنيسةُ في العصور الأولى أثرَ الوثنيّةِ في استعمالِ الآلاتِ الموسيقيّة، اتّخذت موقفًا واضحًا ومنعت إدخالَ الآلاتِ إلى عباداتها. لهذا نجد عند ترتليان وإكلمندوس تعليماً بالانقطاع عن الموسيقى، وعند الذهبيّ الفم تحذيراتٍ جِدّيّةً منها. وينصح الأخيرُ الأهلَ بتربية الأولاد على الترتيل والمزامير بدلاً عنها.
 
ومن اللاهوتيّين البارزِين في القرنِ العشرين الأب سارافيم روز الذي يقول: "إنّ الولد الذي تربّى على الأدب والدراما والشعر الجيد، وأحسّ بفعلها على نفسه، لن يصير بسهولة مدمناً على الأفلام المعاصرة وبرامج التلفزيون والقصص الرخيصة التي تتلف النفس وتبعدها عن الطريق المسيحيّة. إنّ الولد الذي تعلّم أن يرى الجمال في الرسم الكلاسيكيّ والنحت لن يميل يسهولة إلى شذوذ الفن المعاصر ولن يكون مشدوداً إلى منتَجات الدعاية والإباحيّة المُبَهْرَجة.
 
إنّ الولد الذي يعرف شيئاً عن تاريخ العالم، خاصة الزمان المسيحيّ، وكيف عاش الناس وفكّروا وما هي الأخطاء والعثرات التي وقعوا بها في ابتعادهم عن الله ووصاياه، والحياة المجيدة النافِذة التي عاشوا في التزامهم به، سوف يكون قادراً على التمييز في حياة عصرنا وفلسفته، ولن يميل إلى اتّباع أوّل فلسفة أو طريقة حياة يلتقيها… في معركتنا ضدّ روح هذا العالم يمكننا أن نستعمل أفضل ما يقدّمه لنا العالم لنتخطّاه...".
 
وكما في كلّ العصورِ السابقة، تقفُ الكنيسةُ اليومَ موقفَ التوعيةِ والتحذيرِ ممّا يحاولُ ضدُّ المسيحِ أن يُوصِلَهُ إلى أذهانِ الناس. الكنيسةُ تدافعُ عن أبنائها وتحميهم. لا تضطهدُ أصحابَ المواهبِ الفّيّةَ والأدبيّة، بل ترفضُ عملَ الشّيطانِ الّذي يحاولُ باستمرارٍ تسميمَ أفكارِ الناسِ بإيحاءاتِه الخبيثة، عن طريق تسميم الفنون، لكي يُوصِلَ الناسَ إلى مبادئ تخالِف الإنجيلَ وتعليمَ الربّ، وإلى قبولِ الشذوذ في كلّ شيء.
 
على أبناءِ الكنيسة أن يقاطعوا كلّ النشاطاتِ المماثلة، مع إيمانِهم بحرّيّة التعبير؛ لأنّ هذه الحرّيّةَ تقفُ عند الإساءةِ لِلآخَرِينَ ومعتقداتِهم ومقدَّساتِهم.
 
ومَن لا يرى في ما نُشِر إساءةً للمسيحيّة، ومَن يتحذلقُ بالدعوة إلى قراءة العمل كَكُلّ ومن دون تجزئة، هو متعامٍ عن الحقيقة ومتعاونٌ مع الشرير ومُكابِرٌ في الخطيئة، لكنّه يبقى في الكنيسة مثلنا مدعوًّا إلى التوبة.
 
أخبـــارنــــا
 
عيد رقاد السيّدة العذراء
 
لمناسبة عيد رقاد السيّدة العذراء يترأّس راعي الأبرشيّة مساء الأربعاء الواقع فيه 14 آب 2019. صلاة الغروب في دير سيّدة بكفتين، وذلك عند الساعة الخامسة والنصف مساءً، وفي اليوم التالي سيترأّس سيادته القدّاس الإلهيّ في كنيسة السيّدة في رعيّة عاصون- الضنية. تبدأ صلاة السحر عند الساعة الثامنة صباحاً.