الأحد 16 أيلول 2018

الأحد 16 أيلول 2018

16 أيلول 2018

 

الأحد 16 أيلول 2018 
العدد 37

الأحد بعد رفع الصَّليب

اللَّحن السابع الإيوثينا الخامسة

 

*16: العظيمة في الشّهيدات آفيميَّة، مرتينوس أسقف رومية، * 17: الشّهيدات صوفيّا وبناتها بيستي وإلبيذي وأغابي، * 18: أفمانيوس العجائبيّ أسقف غورتيني، * 19: الشّهداء طروفيمس وسبَّاتيوس ودوريماذُن،* 20: الشُّهداء أفسطاثيوس وزوجته ثاوبيستي وولداهما أغابيوس وثاوبيستوس، * 21: وداع عيد الصليب، الرّسول كُدْراتُس، النبيّ يونان، * 22: الشّهيد في الكهنة فُوقا أسقف سينوبي. 

 

عيد رفع الصّليب الكريم

في الرابع عشر من شهر أيلول تُعيّد الكنيسة الأرثوذكسيّة لتذكار رفع الصليب الكريم المحيي. يتعلّق هذا العيد بمجموعة من الأحداث التاريخيّة المرتبطة بالعثور على خشبة الصليب الكريم في أورشليم في القرن الرّابع الميلاديّ من قِبَل المَلِكين قسطنطين وهيلانة، ورفعِه مِن قِبَل البطريرك مكاريوس مُبارِكاً به الشعب.

 

للصّليب أهمّيّة كبرى ومركزيّة في الحياة الرّوحيّة واللّيتورجيّة المسيحيّة؛

 

وبسبب أهمّيّة هذا العيد فقد خصّصت الكنيسة الأرثوذكسيّة كلًّا من الأحد الذي يقع قبل يوم العيد والأحد الذي يقع بعد العيد (أي الرّابع عشر من أيلول) لتذكار الصّليب.

 

فأصبح لدينا الأحد الذي قبل رفع الصليب والأحد الذي بعد رفع الصليب الكريم. وبسبب أهمّيّة هذا العيد ليتورجيًّا، إذا وقع يوم أحد لا يُرتّل شيء للقيامة بل الخدمة بأكملها تكون للصليب!

 

توجد في العهد القديم صور ورموز كثيرة لإشارة الصليب: يشوع بن نون في العهد القديم بسط يديه بشكل صليب جهاراً فوقفت الشمس وانتصر على الأعداء المقاومين لله؛

 

وموسى رسم بالعصا إشارة الصليب فشقّ البحر الأحمر وعبر الشعب العبرانيّ وخلُصَ من عبوديّة فرعون واستبداده وعَبَر إلى أرض الموعد.

أمّا يونان فلمّا كان في جوف الحوت بسط يديه بشكل صليب أيضاً مصوِّرا الآلام الخلاصيّة للمسيح، ولمّا خرج في اليوم الثالث صوّر أيضاً القيامة الثلاثيّة الأيّام.

 

موسى أيضاً رفع الحيّة على العصا أفقيًّا بشكل صليب وكلّ من نظر إلى هذه العصا شُفي من سمّ الأفعى المُميت.

 

والآن، إذ نرفع أنظارنا إلى المسيح المرفوع على الصّليب، نُشفى من سمّ الخطيئة المميت.

 

في قراءات العيد هناك مقارنة بين العود في العهد القديم والعود الجديد أي خشبة الصّليب. في العهد القديم، إنّ الأكل من العود، أي من شجرة معرفة الخير والشرّ، قد عرّى آدم وحواء وأخرجهما من الفردوس، أمّا عود الصّليب الحامل الحياة فقد فتح لنا أبواب الفردوس. لقد خُدع آدم بالأكل من الشجرة، أمّا نحن فخلُصنا بعود الصّليب المحيي. نقرأ في صلاة العيد:

 

"إن الموت الذي نتج لجنس البشر بسبب الأكل من العود (أي شجرة معرفة الخير والشرّ) قد أُبطل اليوم بالصليب".

 

لقد سبق المسيح فأنبأ تلاميذه أنّه سوف يُرفع على خشبة الصليب وأنّه سوف يحتمل الآلآم طوعيًّا. نرتّل:

 

"يا من ارتفعت على الصليب مختاراً لأجلنا أيّها المسيح الإله، امنح رأفاتك لشعبك الجديد المُسمّى بك وفرِّح بقوة صليبك جميع المختصّين بك".

للصّليب مكان مركزيّ في الكنيسة والعبادة المسيحيّة. لقد كان الصليب الرّمزَ المسيحيّ الأوّل الذي نُقش على قبور الشّهداء في الدياميس.

يوضع الصّليب في أعلى مبنى الكنيسة كمنارة تُرشد المؤمنين إلى ميناء الخلاص، وينتصب الصليب فوق أعلى الأيقونسطانس أو الجدار حامل الأيقونات، فهو "أيقونة الأيقونات".

 

يُبارك الكاهن الشعب بإشارة الصّليب. تُقدَّس كلّ الأدوات الكنسيّة برسم إشارة الصّليب عليها. تُقدَّس البيوت وأماكن العبادة بإشارة الصّليب.

إشارة الصّليب ترافق حياتنا من بَداءَتها إلى نهايتها.

 

نرسم إشارة الصّليب قبل النوم وبعد النهوض منه، قبل الأكل وبعده، قبل السَّفر وأثناء المرض وقبل أيّ عمل جراحيّ.

 

وباختصار، الإنسان المسيحيّ يُبارِك كلّ أفعال حياته بإشارة الصّليب الكريم.

 

في الكنيسة نُقدِّم السّجود التكريميّ للصّليب الكريم كما هو الحال لجميع الأيقونات المقدّسة. نحن نُكرِّم الصّليب ونسجد للمصلوب عليه.

لقد أصبح الصّليب رمز انتصارنا على سلطة العدوّ (الشيطان).

 

الصّليب حافِظ كلّ المسكونة، الصّليب جمال الكنيسة، الصّليب عزّة الملوك، الصّليب ثبات المؤمنين، الصّليب مجدُ الملائكة وجرح الشياطين.

لقد كان الصّليب في القديم أداة للتعذيب والموت فأصبح بالمسيح أداة للخلاص وجسراً للعبور من الموت إلى الحياة.

 

هو إشارة افتخارنا وعزّتنا. إنّ الرّسول بولس قد كتب إلى أهل غلاطية قائلاً: حاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب الرّبّ فقط الذي، لمّا تألّم عليه، قتل الآلآم. لقد أصبح الصّليب رمزاً للحبّ الإلهيّ وإشارة للفرح وقاهرًا للأعداء.

 

هو عصا القوّة التي، لمّا نرسمها، نُنقَذ بها من الشدائد والمصائب. آمين.

 

+ باسيليوس
متروبوليت أستراليا، نيوزيلّندا والفيلبّين

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السّابع

حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوَّلتَ نَوحَ حاملاتِ الطّيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله مانحاً العالَمَ الرّحمةَ العظمى.

 

طروباريَّة عيد رفع الصّليب باللَّحن الأوّل

خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثك، وامنح عبيدَكَ المؤمنين الغلبةَ على الشّرّير. واحفظ بقوّة صليبك جميعَ المختصّين بك.

 

قنداق عيد رفع الصّليب باللحن الرّابع

يا مَنِ ارتفعتَ على الصليبِ مختاراً أيّها المسيحُ الإله، إمنح رأفتَكَ لشعبك الجديدِ المسمّى بك. وفرِّحْ بقوّتك عبيدَك المؤمنين، مانحاً إيّاهُمُ الغلبةَ على مُحارِبيهم. ولتكن لهم معونتُكَ سِلاحاً للسّلامة وظفَراً غيرَ مقهور.

 

 

الرِّسالَة
غلا 2: 16-20

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صنَعتَ
باركي يا نَفسيَ الربّ

 

يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال النّاموس بل إنّما بالإيمان بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحن أيضاً بيسوعَ لكي نُبَّرر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس، إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإنْ كنّا، ونحن طالبون التبريرَ بالمسيح، وُجدنا نحن أيضاً خطأةً، أفيَكون المسيح إذاً خادماً للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هَدمتُ أجعلُ نفسي متعدِّياً، لأنّي بالنّاموس متُّ للنّاموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه بابن اللهِ الذي أحبّني وبذل نفسَه عنّي.

 

الإنجيل
مر 8: 34-38، 1:9

 

قال الرّبُّ: مَن أراد أن يتبعَني فليكفُرْ بنفسِه ويحمِلْ صليبَهُ ويتبَعْني. لأنَّ من أراد أن يخلِّصَ نفسَه يُهلكُها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلِّصُها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسانُ لو ربح العالمَ كلَّه وخسر نفسه؟ أم ماذا يعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟ لأنّ من يَستَحيِي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يَستَحيِي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين. وقال لهم: الحقَّ أقول لكم إنّ قوماً من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتّى يرَوا ملكوتَ الله قد أتى بقوَّة.

 

في الإنجيل
 

الموضوع الأساس لإنجيل هذا الأحد ليس حملَ الصَّليب بحدِّ ذاتِهِ، حتَّى وإن كنّا نعيش زمن عيد الصَّليب ليتورجيًّا. الموضوع الأساس هو اتِّباع يسوع وماذا على المؤمن أن يفعل لكي يحقِّق بنجاحٍ هذا الاتِّباع.
 

كما نرى، فيسوعُ هنا يتوجّه بالكلام، ليس فقط إلى تلاميذه بل إلى كلّ الجموع الحاضرة، ويعطيهم الخيار: "مَن أرادَ أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مر 8: 34).
 

فهناك ثلاثة شروطٍ لكي يصير المرءُ من أتباع يسوع: أوَّلُها إنكار الذَات، ثانيها حمل الصَّليب وثالثها الاتِّباع. في شأنِ إنكار الذّات لا يقصد يسوع أنْ نخوض حياةَ بؤسٍ وكآبةٍ، بل، بالعكس، يريدُنا أن نكونَ سُعداء. فهو يُخرِجُنا من هَمِّ التَّفتيش الشَّخصيّ عن حلولٍ لمشاكلنا.
 

هو خالقُنا ويعرِفُ حاجتنا. فقط ينتظر مِنّا إيمانًا فاعِلًا بالمحبّة، أي أن نسَلِّمهُ ذواتنا وحياتنا ونهتمَّ بتطبيقِ وصاياه. أن يحمِلَ الإنسانُ صليبه له عِدّة معانٍ. لا يعني هنا أنَّه علينا أن نحمل صليب المسيح. فالمسيحُ قد سبق وحمل صليبه.
 

ولكنَّهُ يقصِدُ أنَّه علينا أن نحمِلَ صليبنا الشَّخصيّ بالإيمان، أن نُصلَبَ معه ونموتَ معه وننال القيامة. ثمَّ إنَّ كثيرين في هذه الدُّنيا يحملون الصَّليب دون الإيمان بالمسيح؛ فالوثنيّون والملحِدون والفاترون كلُّهم عندهم صليبٌ يحمِلونه.
 

علينا ألّا ننسى أنَّ المسيح يتكلَّم مع أناسٍ يعيشون تحت نيرِ الرّومان الذين كانوا يجعلون مساجينهم يحملون صلبانهم على أكتافهم إشارةً إلى أنّهم خاضعون لسلطةِ الرّومانيّين. وهنا المقصود أنَّنا، إذا حملنا الصَّليب، نصيرُ تلاميذَ للمسيح رازحين تحت سلطته. وما أجمل ما قاله القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ الحامِلُ الإله:
 

"الآن أبتدئُ أن أصير تلميذًا، وليس شيءٌ من الأشياء المرئيّة ولا حتّى اللّامرئيّة قادِرًا على أن يكسب غَيرتي ... يكفيني أن أربح المسيح" (الرسالة إلى أهلِ روما 5. 3. 19-24).
 

في الآيةِ التّاليةِ (35) يُواجِهُنا يسوعُ بجملةٍ شرطيّة، وترجمتها الحرفيّةُ تكون كالتّالي: "لأنَّه إذا أرادَ أحدٌ (ὃςγὰρἂνθέλῃ) أن يخلِّصَ نفسه يهلكها، وإذا أهلك (هذا) (ὃςδ᾿ἂνἀπολέσῃ) نفسَه من أجلي ... يخلِّصُها".
 

إذن نحن أمام جملتين شرطيَّتين. لا يكفي أن نريدَ أن نتبع المسيحَ ولكنَّ الشَّرط هو إهلاك النَّفس؛ والمقصود أن نرذُل حياة الخطيئةِ وإرضاءِ الذّات؛ يطلب منّا الخضوع، وليس بغض النَّفس، لكي يستطيع هو أن يوجِّه حياتنا. في الآيتين 36 و37 يطرحُ سؤالين يستخدمُ فيهما مصطلحاتٍ تجاريّةً كالرِّبحِ والخسارةِ.
 

المقصود من عبارة "العالم كلّه" هو العالم المادّيّ. فإنَّنا كثيراً ما نقضي حياتنا سعيًا وراءَ المتعةِ والممتلكاتِ والمالِ والمركزِ والسُّلطةِ ونعيشُ في فراغِ البعدِ عن الله. فالهدف أن يكون سعينا وراء الله. إذن علينا أن نخسر العالم المادّيّ لكي نربح يسوع المسيح، لا محالة. وهذا هو الاِختيار الصَّعب الذي يضعه أمامنا يسوع في النِّهاية:
 

إمّا أن نستحيي بيسوع، أي أن نرفض الإيمان به ولا نطيع وصاياه ولا نعمل بها، وإمّا أن نسَلِّم له ذواتنا. لأنَّ المسيح يضيف نَفَسًا أُخرويّاً (إسخاتولوجيًّا) إلى حديثه. فهو يضع الإنسان أمام الموت والدّينونة. فمن لن يُخلِص للمسيحِ في الدُّنيا سيُنكِرُهُ المسيحُ في الآخِرةِ؛والرَّبُّ جادٌّ وصادِقٌ في كلمته ولا يمزح معنا. فلننتبه إذن ولنفعل بأمرِ القدّيس إغناطيوس:
 

"مَن يريدُ أن يكون لله، لا تَهِبوه العالَمَ ولا تخدَعوه بالمادّة". أمّا الآيةُ الأخيرةُ من القراءة الإنجيليّة فهي الأولى من الإصحاحِ التّاسع ويشهدُ فيها المسيحُ أنَّ قومًا من النّاسِ الذين على قيد الحياة سيُعاينون ملكوت الله قبل الموت.
 

هؤلاء هم القدّيسون الذين كفروا بأنفسهم وحملوا الصَّليب وتبعوا المسيح، فهم يَرَون نور المسيح القائمِ كما رأى التَّلاميذُ الثلاثةُ نورَ المسيحِ غيرَ المخلوق على ثابور في التَّجلّي (مر. 9: 2-13).

 

التّكرُّس
 

أن يتكرّس أحدهم معناه، في القاموس الوضعيّ، أن يعطي ذاته بكلّيّتها لأمر يحبّه، فتراه متبتّلاً له، منصرفاً لها بكلّيّته إلى أقصى درجات الانصراف.

على سبيل المثال: لاعبو كرة القدم أو سواهم من الرّياضيّين، لا سيّما المشاهير منهم، يمكن تصنيفهم في هذه الخانة.
 

كذلك هو أمر العلماء والباحثين (chercheurs)، الذين نراهم منصرفين إلى مختبراتهم ومراكزهم ومتبتّلين لأبحاثهم على نحوٍ يشبه، إلى حدّ كبير، تبتّل الرّهبان في أديارهم وانصرافهم إلى الصّلاة والتّجهُّد والعبادة.
 

في القاموس المسيحيّ يُفهَم التِّكرُّس على أنّه تتميمٌ للحياة المسيحيّة أو تتويجٌ لها باقتبال سرّ الكهنوت أو بالترهّب؛
 

وفي أذهان الكثيرين أنّ الحياة المسيحيّة تبقى ناقصة ما لم تَبلغ بالمسيحيّ إلى إحدى هاتين الخدمتَين.
 

طبعاً، حاشا لنا أن نُميِّع قيمة هاتين الخدمتين العظيمتين أو أن نُقلّل من خصوصيّة كلّ منهما، لا سيّما خصوصيّة الفعل التقديسيّ الذي للكهنوت.

غير أنّ ما يهمّنا تَبيينُه، في هذه العجالة، إنّما هو شموليّة التكرّس، لندرك معًا أنّ حياتنا كلّها مكرّسة لله واهبها، أي أنّها، كما يصفها بولس، "مستترة في الله مع يسوع المسيح" (كول 3: 3).
 

إنّ التكرّس، بالمفهوم المسيحيّ، هو الحياة المسيحيّة بعينها. يكفي أن أكون مسيحيًّا حتّى أعرف نفسي مكرَّساً ليسوع المسيح بطبيعة الحال. وهذا الرأي مؤسَّس على كلام هامّ جدًّا للرّسول بولس يقول فيه:
 

"لما سُرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمّي ودعاني بنعمته، لمّا سُرَّ أن يُعلن ابنه فيَّ... لساعتي لم أستشر لحمًا ولا دماً..." (غلاطية 1: 15، 16 و17).
 

إذاً، كلّ واحد منذا هو، في الرؤية البولسيّة، مفروز ليسوع المسيح منذ اللّحظة التي كُوِّن فيها جنينًا في رَحم أمّه. ثمّ، ومع نموّه في المسيح يسوع، يُفعّل هذه المفروزيّة، يومًا فيومًا، في ما يكون اختاره لعمله من حقول الخدمة المتنوّعة.
 

نريد من هذا أنّ التكرّس ليس اختصاص الرّهبان والإكليركيّين وحدهم، إذ إنّ كلّ واحد منّا، نحن الذين يدعونا الرّسول بطرس"كهنوتاً ملوكيًّا"، مدعوّ إلى أن يشهد ليسوع المسيح في العمل الذي اختاره. هذا أوّلاً.
 

ثانياً: نحن مكرَّسون للرّبّ بالخلق، أي منذ اللّحظة التي أبرزَنا الله فيها من العدَم إلى الوجود. في رواية الخلق نقرأ التّالي:
 

"... وجبل الرّبّ الإله آدَمَ تُراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدمُ نفساً حيّة..." (تكوين 2: 6و 7).

ماذا يعني هذا الكلام التكوينيّ غير أنّنا مكرَّسون لله منذ الخلق، إذ نحن جبلة يديه؟ نسمة الحياة فينا روحٌ من روح الله، وهذا يكفي ليجعلنا مكرَّسين له منذ الخلق.
 

ثالثاً: نحن مكرَّسون بالمعموديّة. وإلّا فكيف نفهم ترتيلنا في طقس المعموديّة: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم"؟ إ
 

إنّ هذه الترنيمة- وهي مفصليّة في رتبة العماد- مأخوذة حرفيًّا من رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 27.

أجل، لقد لبسنا المسيح في المعموديّة لنكون، طيلة حياتنا، مكرَّسين له بالكامل.
 

رابعاً: نحن مكرّسون بالميرون المقدّس، أي بهذا السرّ الذي نلناه مع المعموديّة وبه حصلنا على ختم موهبة الرّوح القدس. إنّ راعي الخراف يختم خرافه بخاتم خاصّ ليميّزها به ويعرف أنّها خاصّته.

 

وهكذا نحن، فقد خُتِمنا، في سرّ الميرون المقدّس، بموهبة الرّوح القدس لنعرف أنّنا، بهذا الختم، بتنا خاصّة المسيح، أيّ مكرّسين له مدى العمر.
 

خامساً: وأخيراً، نحن مكرّسون بسرّ الشّكر. ففي كلّ مرّة نقدِّس فيها وفيها نتناول جسد الرّبّ ودمه الكريمين نجدّد تكرُّسنا ليسوع المسيح. وهذه حقيقة يؤكّدها يوحنّا الإنجيليّ حيث ينقل إعلان الرّبّ يسوع:
 

"مَن يأكلْ جسدي ويشربْ دمي يثبتْ فيَّ وأنا فيه" (يو 6: 56).يثبت فيّ وأنا فيه: أي يكون قد تكرّس لي وأكون أنا، بحركة مقابلة، قد تكرّستُ له.

ختاماً: لقد قدّمنا كلَّ ما تَقَدّم لنبيِّن به شموليّة التكرُّس أو التكريس وأنّه لا يقتصر على التكريس التقديسيّ الذي اعتدنا الإشارة إليه بهذا المصطلح، طبعاً من دون أن ننسى، لحظةً، أنّ التكريس التّقديسيّ يبقى التعبير الأسمى عن تخصيص الذّات للسيّد.

 

يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية:

إنّ الذي يهتمّ باليوم فللرّبّ يهتمّ، والذي لا يهتمّ باليوم فللرّبّ لا يهتمّ. والذي يأكل فللرّبّ يأكل لأنّه يشكر الله، والذي لا يأكل فللرّبّ لا يأكل ويشكر الله.

 

إذ ليس أحدٌ منّا يحيا لذاته ولا أحد يموت لذاته، لأنّنا إن حَيينا فللرّبّ نحيا وإن متنا فللرّبّ نموت. فإن حَيينا إذاً أو متنا فللرّبّ نحن" (رومية 14: 6-8).

 

نحن، إذاً، ومنذ اللّحظة التي وافَقْنا فيها المسيح، لم نعد لذواتنا لكنّنا بتنا، بكلّيّتنا، للمسيح. فبُورك المؤمن القادرُ على أن يخصّص ذاته بكلّيّتها للرّبّ، على أن يُفرغها بالكامل له، ليملأها هو بسُكناه فيها ويكون هو فيها الكلّ في الكلّ.

 

أخبارنا
 

عيد القدّيسة تقلا في رعيّة كفرصارون
 

تحتفل رعيّة كفرصارون بعيد شفيعتها عبر إقامة صلاة براكليسي القدّيسة تقلا يوم الجمعة 21 أيلول 2018 الساعة السادسة مساءً. وتقام، يوم الأحد في 23 أيلول 2018، صلاة غروب العيد مع كسر الخمس خبزات عند الساعة السادسة مساءً.
 

ويترأَّس سيادة راعي الأبرشيّة خدمة السَّحريّة وقدّاس العيد يوم الإثنين الواقع فيه 24 أيلول عند الساعة الثامنة والنصف صباحًا في كنيسة القدّيسة تقلا - كفرصارون.
 

رسامة جان نصر شماساً إنجيليًّا في الأبرشيّة
 

ترأّس سيادة راعي ال