الأحد 17 حزيران 2018

الأحد 17 حزيران 2018

17 حزيران 2018
 
الأحد 17 حزيران 2018
العدد 24
 
الأحد الثالث بعد العنصرة 
 
اللَّحن الثاني        الإيوثينا الثالثة
 
 
 
* 17: الشّهداء إيسفروس ورفقته، الشّهداء مانوئيل وصابل وإسماعيل، * 18: الشّهداء لاونديوس ورفقته،
* 19: الرّسول يهوذا نسيب الرّبّ، بايسيوس الكبير، * 20: ميثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس،
* 21: الشّهيد يوليانوس الطرسوسيّ، * 22: الشّهيد أفسابيوس أسقف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء، * 23: الشّهيدة أغريپيني ورفقتها.
 
الفرح
 
المعجم يفيدنا أنّ الفرح هو الشعور بالصحّة والرّاحة الداخليّة، بالتوفيق والنجاح. لكن، من جهة ثانية، يحدّد بولس الرّسول الفرح، في رسالته إلى أهل غلاطية، بأنّه من ثمار الرّوح القدس. هو شعور بالمشاركة السماويّة منذ الآن. هذا هو الفرح الرّوحيّ: مشاركة بحياة الله نفسه، بحياة المسيح، بآلامه وقيامته، بانتصاره على الموت، على الخطيئة وعلى الشرّ: فرح داخليّ، عطيّة مجّانيّة من الله، هديّة ثمينة لا مادّيّة.
 
الفرح المسيحيّ هو  نمط العيش الذي هو نمط حياة المسيح نفسه. قيل لنا ونحن شباب: الحياة (المسيحيّة) على الأرض نزهة هي "مشوار"، فلا بدّ من أن تكون نزهةً حلوة مع الرّبّ يسوع.
 
***
 
مع مرور السنين الحياة علّمتني أن أعي مدى الحزن والكآبة المنتشرَين في العالم الذي حواليّ. ترى لماذا يضع الناس ثقتهم بأنفسهم فقط ويعزفون عن الله؟! هنا يفقدون الرّجاء، يفقدون الفرح. يقول الرّسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي "رسالة الفرح" يقول: "اِفرحوا في الرّبّ كلّ حين وأقول أيضًا اِفرحوا... الرّبّ قريب" (فيلبّي 4: 4-5).
 
أنا أعلم جيّداً أنّ فرح المسيح، غلبته على الحزن، على الألم والموت لا يُغنياننا عن الحزن، عن الألم وعن الموت. نعم أشعر أنّني بعدُ ضعيف، أنّني بعدُ مريض،أنّني بعد خاطئ، لكن، في الوقت نفسه، ما يزال الرّبّ معي، نعم الرّبّ قريب! الرّبّ لم يزل فرحي.
 
القدّيس سيرافيم ساروف كان يحيّي كلّ إنسان يلتقي به، يحييّه بالسّلام يا فرحي!.
 
***
 
يعلم كلّ انسان في هذا العالَم أنّه يذوق الفرح في أوان زفافه، عندها يُحيط حفلته بكلّ أنواع الزهور. لكنّ الزهور تستخدم أيضًا في أوان العبادة إلى الله كما تستخدم في أوان الدفن. فأين تذهب كلّ هذه الزهور؟!.
 
في الكنيسة العرس السرّيّ هو الإتّحاد الحميميّ بالمسيح، بكلمته (الإنجيل) وبحياته. لذلك نغبّط العذراء مريم قائلين "افرحي يا عروساً لا عروس لها!" لذلك أيضًا تبقى الخمرة الجيّدة مع العريس إلى الآخر في زفافه بحضور المسيح.
 
***
 
قلنا إنّ فرح المسيح، فرح الحياة في المسيح، لا يُغنينا عن الحزن والكآبة، لكنّنا نثق دوماً بكلام السيّد: "في العالَم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالَم" (يوحنّا 16: 33).
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني 
 
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.
 
 
القنداق   باللَّحن الثاني 
 
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
 
 
الرِّسالَة
رو 5: 1-10
 
قوَّتي وتسبحتي الرَّبُّ أدبًا أَدَّبني الرَّبُّ
وإلى الموتِ لم يُسلِمْني 
 
يا إخوةُ، إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيحِ، الذي بهِ حصلَ أيضاً لنا الدُّخولُ بالإيمان إلى هذه النعمةِ التي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط بل، أيضاً، نفتَخِرُ بالشّدائدِ عالِمينَ أنّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصّبرَ والصّبرَ يُنشئ الاِمتحانَ والاِمتحانَ الرجاءَ والرجاءَ لا يُخزي.
لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالرّوحِ القدسِ الذي أُعطيَ لنا. لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقين ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ؛ فلعلَّ أحداً يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ. أمّا الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه، إذ كنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا.
فبالأحرى كثيراً، إذ قد بُرّرنا بدمِه نخلُصُ بهِ من الغَضَب، لأنَّا، إذا كنَّا قد صُولـِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيراً نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.
 
الإنجيل
متّى 6: 22-33 (متّى 3)
 
قال الربُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلماً. وإذا كان النورُ الذي فيك ظلاماً فالظلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النفسُ أفضلَ مِنَ الطعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللّباس؟ أنظروا إلى طيور السماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السماويُّ يَقُوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعاً واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللِّباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السَّماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.
 
 
في الإنجيل
 
هذا المقطع هو جزءٌ من الموعظة على الجبل التي هي بمثابة ناموسٍ روحيٍّ أراد المسيح أن يُعطيه، وهو الذي تكلّم على نفسه أنّه مكمِّلٌ للنّاموس. لقد أعطى هذا الناموس الرّوحيّ لا على جبل حوريب، كما حصل مع موسى قديمًا، إنّما على جبل التطويبات وأمام الشعب. أمسِ كانت الوصايا تُعطى بعد بروقٍ ودخانٍ مع رعود؛ اليوم المسيح نفسه هو المعطي الشرائع، لكنّ الشرائع هي الآن روحيّة.
 
نسمعُ أنّ سراج الجسد هو العين، التي تشير الآن إلى العين الرّوحيّة للنّفس البشريّة. هذه الاِستنارة الداخليّة يرسُمها الآن المسيح ويكمّلها الرّوح القدس.
 
فعندما تُظلم النفس يُظلم الإنسان برمّته؛ لذلك، في الناموس الجديد، مطلوبٌ من الإنسان أن يُجاهد روحيًّا ضدّ أهوائه، لكي لا تُسيّره وتؤدّي به إلى الهلاك، لأنّ الإنسان، عندما يبتعد عن الله مصدر النّور، مصيره سيكون حتمًا في الظُّلمات.
 
ثم تأتي الاِحتياجات المادّيّة التي تدخل في صلب حياة الإنسان وتكبّله، تمامًا كما يحصل في كثيرٍ من الأحيان في أيّامنا هذه. 
 
والمسيح، من على جبل التطويبات، يعترض على ذلك، وهو العارف تمامًا أنّ آلهة هذاالعصر لم تعد الوثنيّة، بل هناك إلهٌ أكثر شراسة وأشدّ إغراء، يوقع بالكبير قبل الصغير، وهو المال. 
 
يدوّي صوت المسيح في أعماقِنا من خلالِ كلمات الإنجيل: أنّه لا يمكن للمرء أن يخدم سيّدَين، فإمّا أن يبغضَ الواحدَ ويحبَّ الآخرَ، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال! 
 
هذا هو الجواب القاطع لنا وللإنسانيّة برمّتها: لا يمكن للإنسان أن يكون عبدًا لسيّدَين. أنتَ عبدٌ لله وابنٌ له، فكيف لكَ، في الوقت ذاته، أن تكون عبدًا للدنيويّات كلّها ومُستعبَدًا لها؟! هذا سؤالٌ صعبٌ لأنّ المحبّة لا تنقسم.
 
المال صنمٌ، فأنتَ لا يمكنك أن تعبد الله وتقدّم ذبائح لآلهةٍ أخرى، وأعني بها كلّ الشهوات والمال والاِهتمامات الدنيويّة. المسيح هنا يعيد خلق الإنسان ويصوّب مسارهُ على أنّه مخلوقٌ روحيّ. 
 
ومع أنّه يعيش على الأرض، إلّا أنّه مخلوقٌ مشدودٌ إلى فوق لا إلى أسفل. لذلك يقول في الآية 25 من الإصحاح 6 لا تهتمّوا لحياتِكم بما تأكلون وتشربون ولا لأجسادِكم بما تلبسون. 
 
وهذه الآية تُشير إلى الجانب الأساسيّ لحياة الإنسان الأرضيّة، لأنّه لا يمكن للإنسان أن يعيش أرضيًّا ولا يهتمّ بكلّ ما ذُكر ويكافح من أجله لكي يعيش. ويأتي المسيح ويقول لا تهتمّوا بذلك، مع أنّه عالمٌ باحتياجات الإنسان.
 
المسيح هنا يذكّرنا بأنّ المعتني الأوّل والأخير بالإنسان هو الله، لأنّ الإنسان محدودٌ وطريقة تفكيره محدودة، ومحدوديّة الإنسان تؤدّي به إلى القلق والخوف. 
 
إلّا أنّ المسيح يعيد ويذكّرنا، في كلّ مرّة نقرأ فيها الإنجيل، بأنّه، رغم كلّ التأمينات البشريّة التي يسعى إليها الإنسان، الضمانة الوحيدة والباقية منذ الدهر إلى منتهى الأيّام هي الله؛ فهو المغذّي الخليقة بأسرها والمعتني بها، تمامًا كما يعتني بزنابق الحقل التي تنمو، وبطيور السماء، وبكلّ الخليقة العاقلة منها وغير العاقلة.
 
فافهم، أيّها الإنسان، لماذا تضطرب وتخاف. فرغم أنّ كلّ ما ورد في الإنجيل هو حقٌّ لاستمراريّة العيش، تبقى غاية الإنسان المنشودة هي السُّكنى مع الله والاشتراك معه. 
 
لا تضطربوا، يقول الإنجيل، بل املكوا ثقةً بالله. هَمّ المسيحيّ هو أن يجاهد لكي يحقّق، منذ الآن، ملكوت الله، والله لن يحرم الإنسان متطلّبات العيش. لذلك يطلب منّا المُحافظة على الأعين الداخليّة، والاِلتصاق به، ونبذ كلّ الأصنام المحيطة بنا والقلق، واللّجوء إليه كونه المعتني بنا. ولتكن لنا الثقة بذلك، والثقة هي الإيمان بالله والتسليم بمشيئته وإرادته وعنايته.
 
 
مرتّلو المناسبات  
 
في مقال سابق، تناولنا ظاهرة  "كنسيّو المناسبات"، الذين يظهرون في الكنيسة في مناسبات معيّنة، على مدار السنة.
 
نأتي، الآن، إلى ظاهرة مماثلة، تحدث أيضًا في مناسبات كنسيّة معيّنة وأعياد محدَّدة في الكنيسة. صوتٌ غريبٌ منفردٌ نسمعه صادرًا من جهة المرتّلين، يوم الخميس العظيم، مثلًا "اليوم عُلِّق على خشبة..." يؤدّيها رجل أو سيّدة، لم نسمع لهما صوتًا في الكنيسة قبلًا.
 
وطبعًا، يأتي الأداء بتموّجات وإطالات يخترعها المرتّل الزائر لإبراز مواهبه وقدراته؛ وما إن تنتهي الخدمة حتّى يخرج متباهيًا بحضور سيحرم منه الكنيسة حتّى الموسم القادم.
 
وأمثلة أخرى كثيرة، فمنهم من يحضر ويتصدَّر المكان الأوّل في الجوقة، فيما أعضاؤها يقبلون بوجوده خجلًا، ويتناول كتاب الرسائل ليتلو الرسالة بصوته الذي يظنّه رخيمًا، ويستغرق في القراءة وقتًا يتطلّب صبرًا وتجلّدًا من الحاضرين الذين ربّما لا يفهمون شيئًا ممّا يقرأه بسبب شطحاته الموسيقيّة.
 
أللّهم لا تململًا ولا نميمة، ولكن توخِّيًا للّياقة والترتيب اللَّذين يتكلّم عليهما الرّسول بولس في (1كو 14: 40).
 
نتكلّم من جرح قلب يتألّم من رؤية خراف المسيح تتبعثر هنا وهناك يقتلها الظمأ وهي بعيدة عن نبع الحياة، مقيمة في الظلمة وهي نائية عن مصدر النّور.
 
"ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ" (مز 34: 9).
 
الكنيسة وطقوسها وأعيادها ليست مناسبات اختياريّة نحضر إليها متى شئنا، وحين يصادف وجود تراتيل مميّزة في الخدمة يبرز فيها المرتّل (ربّما يكون صوته جميلًا وأداؤه صحيحًا)، وهنا السؤال الصادق: 
 
لماذا يُحجِم هؤلاء المرتّلون عن تفعيل وزناتهم ومضاعفتها بوجودهم المتواتر في الخدمات ومشاركتهم في حياة الكنيسة التي هي بالفعل حياتهم الحقيقيّة المؤدّيّة إلى حياة الفردوس الأبديّة مع الرّبّ يسوع المسيح وأخصّائه القدّيسين؟
 
"يا ربّ إلى من نذهب؟ وكلام الحياة الأبديّة عندك؟" (يو 6: 68).