الأحد 14 كانون الثاني 2018

الأحد 14 كانون الثاني 2018

14 كانون الثاني 2018

الأحد 14 كانون الثاني 2018    
العدد 2

وداع عيد الظهور

اللّحن السابع            الإيوثينا العاشرة


* 14: وداع عيد الظهور، الآباء المقتولون في سيناء وريثو، * 15: البارَّان بولس الثيبيّ ويوحنَّا الكوخيّ،* 16: السجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشّهيد دمسكينوس، * 17 : القدّيس أنطونيوس الكبير معلّم البرّيّة، الشّهيد جاورجيوس الجديد (إيوانينا)، * 18 : أثناسيوس وكيرلّلس رئيسا أساقفةالإسكندريّة، *19 : البارّ مكاريوس المصريّ، مرقس مطران أفسس، * 20 : البارّ أفثيميوس الكبير، الشّهيد إفسابيوس.          

الظهور الإلهيّ ظهور الثالوث القدّوس

قلنا إنّ يوحنّا السابق قد هيّأ شعبَ الله لاقتبال المسيح عن طريق الاِنسحاق والتواضع: "يأتي بعدي مَن هو أقوى منّي الذي لست مستحقًّا أن أنحني وأحلَّ سيرَ حذائه. أنا عمّدتكم بالماء وأمّا هو فسيعمّدكم بالرّوح القدس" (مرقس 1: 7-8).

المسيح إنسانٌ كامل وإله كاملٌ جاء إلى المعموديّة كإنسان بشريّ لكن بدون خطيئة. دخل في الماء  وأظهر فيه أنّه سوف يموت، فكانت معموديّته إشارة إلى أنّه سيذوق الموت بالجسد. لكن، بعد هذه المعموديّة، سُمع صوت الآب يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ".

ويشهد يوحنّا المعمدان قائلاً: "قد رأيتُ الرّوحَ نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقرّ عليه" "(يوحنّا 1: 32).

إذاً الثالوث القدّوس هو الذي يعمّد المؤمنين بيسوع: الآب قد تكلّم والاِبن شوهد متجسّداً والرّوح القدس رآه السابقَ فأعلن، بصورة علَنيّة للمرّة الأولى في تاريخ البشر، عن الثالوث. هذا ما أعلنه جهاراً المسيح لتلاميذه بعد قيامته:_x0007_

"إذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم وعمّدوهم باسم الآب والاِبن والرّوح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متّى 28: 19-20).

هكذا ظهر الله ثالوثًا قدّوسًا على ضفاف نهر الأردنّ عند معموديّة يسوع: الله الآب هو المصدر، الله الاِبن هو مولود أزليّ من الآب، كما يصدر النور من الشمس، أمّا الرّوح القدّوس فهو المنبثق من الآب: "روح الحقّ الذي من الآب ينبثق" (يوحنّا 15: 26).

الكلمة يرافقها روحٌ من الإنسان. الرّوح القدس نسمة الحياة التي في المسيح والتي فينا في المعموديّة.

الظهور الإلهيّ حَدَث مرّة على نهر الأردنّ لكنّه يَحدث أيضًا فينا كلّ حين، في كلّ جوانب حياتنا: في أفكارنا، في أقوالنا، في كلّ تصرّفاتنا.

+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما



طروباريّة القيامة  باللّحن السابع

حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرتَ رسلَك أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيح الإله، مانحاً العالَمَ الرّحمةَ العظمى.

طروباريّة الظهور  باللحن الأوّل

باعتمادك يا ربُّ في نهرِ الأردنّ ظهرتِ السّجدةُ للثالوث. لأنَّ صوتَ الآبِ تقدَّمَ لكَ بالشهادة، مسمِّيًا إيّاكَ ابناً محبوبًا. والروح، بهيئة حمامة، يؤيّدُ حقيقةَ الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيّها المسيح الإله المجد لك.  

قنداق الظهور باللحن الرابع

اليومَ ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونورُكَ قد ارتسمَ علينا نحن الذين نسبِّحُكَ بمعرفةٍ قائلين: لقد أتيتَ وظهرتَ أيُّها النورُ الذي لا يُدنى منه.  

الرِّسَالة
   أف 4: 7-13
 

لِتَكُن يا ربُّ رحمَتُكَ عَلَينا كمِثلِ اتّكالنا عليك
ابتهِجوا أيُّها الصدّيقونَ بالربّ


يا إخوة، لكلِّ واحدٍ منّا أُعطيَتِ النعمةُ على مقدارِ موهبةِ المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العُلى سبى سبيًا وأعطى الناسَ عطايا. فكونُهُ صعِد هل هو إلّا أنّه نزَل أوّلاً إلى أسافل الأرض؟ فذاك الذي نزَل هو الذي صعِد أيضًا فوق السماوات كُلِّها ليملأَ كلَّ شيء. وهو قد أعطى أن يكونَ البعضُ رُسُلاً والبعضُ أنبياءَ والبعضُ مبشِّرين والبعضُ رُعاةً ومعلِّمين، لأجلِ تكميل القدّيسين ولعَمَلِ الخدمة وبُنيان جسدِ المسيح. إلى أن ننتهيَ جميعُنا إلى وَحدةِ الإيمانِ ومعرفة ابنِ الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى مقدار قامةِ مِلءِ المسيح.

الإنجيل
متّى 4: 12-17


في ذلك الزمان، لمّا سمع يسوعُ أنّ يوحنّا قد أُسلمَ انصرف إلى الجليل، وترك الناصرة، وجاء فسكن في كفرناحومَ التي على شاطئ البحر في تُخومِ زبولونَ ونفتاليم، ليتمَّ ما قيل بإشعياءَ النبيِّ القائل: أرضُ زبولونَ وأرضُ نفتاليم، طريقُ البحرِ، عِبرُ الأردنّ، جليلُ الأمم. الشعبُ الجالسُ في الظلمةِ أبَصر نوراً عظيماً، والجالسون في بقعةِ الموتِ وظلالِه أَشرقَ عليهم نور. ومُنذئذ ابتدأ يسوعُ يكرِزُ ويقول: تُوبوا فقد اقترب ملكوتُ السَّموات.

في الإنجيل


"توبوا فقد اقترب ملكوت السَّموات" هذا ما قاله الربّ يسوع، وكذلك النبيّ يوحنّا المعمدان دعا الناس إلى التوبة لأنّ ملكوت السَّموات قد اقترب بمجيء الربّ يسوع المسيح.

هل نفهم أنَّ الملكوت هو شخص الربّ يسوع؟ أم هو مكانٌ لسكنى الله؟ فعبارة "ليأتِ ملكوتك" في الصّلاة الربّيّة توحي بهذا. فملكوت الله هو ملكوت سماويّ، لذا ندعوه أيضًا بملكوت السَّموات، بما معناه أنّي أترجّى أن يصير حاصلاً على الأرض لتصبح الأرض سماءً.

في مكان آخر يقول لنا الرّبّ يسوع: "ملكوت الله في داخلكم". كيف يكون هذا الملكوت السماويّ في داخلنا؟ ألا يدعو هذا للعجب والتأمّل؟

الجواب: إنَّ سُكنى الرّبّ يسوع المسيح فينا، وسُكنى روحه القدّوس ونوره فينا، هو الملكوت السماويّ الذي يبدأ هنا على الأرض ويكتمل في الحياة الأبديّة. فمن استطاع أن يقتني هذا الملكوت على الأرض، أن يحقّقه فعلاً في حياته الأرضيّة، حتمًا سيكتمل معه في الحياة الأبديّة.

أَلَم نرتّل في عيد الظهور الإلهيّ: "اليومَ ظهرتَ للمسكونة يا ربّ ونورك قد ارتسم علينا"؟  نعم، لقد ارتَسم علينا وفينا نور المسيح، أي انطبع، والطَّبعة تصير كالنسخة الأصليّة التي نُسخ عنها.

ألا أعطانا الرّبّ يسوع أن نكون في حياتنا انعكاسًا حقيقيًّا وفعّالاً لنوره الإلهيّ. آمين.

اللّه صار إنساناً كاملاً

في غمرة عيدَي التجسّد الإلهيّ: الميلاد والظهور الإلهيّ، لا بدّ من أن نذكر أنّ عقيدة التجسّد الإلهيّ قد شكّلت، ولا تزال حتّى يومنا، مجالاً واسعاً لجدلٍ لاهوتيٍّ وشرّعتْ أبواباً لبدعٍ مختلفة لا تزال كنيستُنا تعاني منها. إذ شكّلتْ هذه البِدع حجر عثرةٍ للفكر البشريّ وتحدّياً له، هو الذي يصرّ على عدم إمكان تلاقي الإلهيّ بالمادّيّ. كيف يمكن لله أن يقترن بالإنسان في شخص واحد؟ كيف لله غير المحدود وغير المحسوس أن يحلّ في طبيعة البشر المحدودة والمحسوسة؟ منطلق البدع التي ناهضت عقيدة التجسّد هو معادلة فلسفيّة أراد الفكر البشريّ أن يُخضع لها العقيدة المسيحيّة، مفادها أنّ طبيعتَين كاملتين (إلهيّة وإنسانيّة) لا يمكنهما أن يشكِّلا شخصاً واحداً (يسوع المسيح). لحلّ هذه الأزمة الفكريّة لجأ البعضُ إلى شطر شخص المسيح الواحد إلى شخصين إلهيّ وإنسانيّ (نسطوريوس)؛ وبهذه الطريقة حفظ كمال الطبيعتين، لا في شخص واحدٍ بل في شخصين، على حساب الاتّحاد بين الطبيعتين. ورأى البعض الآخر الحلّ في  الاِنتقاص من الطبيعة الإلهيّة (آريوس وإفنوميوس) أو من الطبيعة الإنسانيّة (أبوليناريوس) واعتبار إحداهما غير كاملة، فحافظ بذلك على وحدة شخص المسيح على حساب إحدى طبيعتيْه. والبعض الآخر أقرّ بوجود الطبيعتَين كاملتين ولكنّه اعتبر أنّ الطبيعة الإلهيّة طغت على الطبيعة الإنسانيّة "وارتشفتها" فغدتْ الأخيرة شبه غائبة (أوطيخا).

إنّ الإتّكال الأكبر الذي واجهته الكنيسة في دفاعها عن عقيدة التجسّد هو في الإصرار على الاِنتقاص من طبيعة المسيح الإنسانيّة.

فمنهم من اعتبر أنّ الاِبن الإله الكلمة اتّخذ طبيعة بشريّة دون نفس بشريّة، أي أنّه حلّ مكان النفس البشريّة ليسوع. وآخرون اعتبروا أنّه حلّ محل العقل البشريّ، وآخرون أنّ ناسوت يسوع المسيح كان ذا إرادة إلهيّة دون إرادة بشريّة.

رفضت الكنيسة كلّ هذه المقاربات الفلسفيّة وأصرّت على أنّ الله صار إنساناً كاملاً وأخذ طبيعتنا البشريّة عينها دون نقصان. وأنّ الاِتّحاد بين الطبيعة البشريّة والطبيعة الإلهيّة هو اتّحاد كامل في شخص يسوع المسيح الواحد دون انفصام أو تعارض أو تشوّش أو اختلاط. وإنّ أيّ مسٍّ في وحدة شخص يسوع المسيح أو في كمال إحدى طبيعتَيه يهدم عمليّة خلاص الإنسان ودعوته إلى التألّه (ما لا يُؤخَذُ لا يخلُصُ).

يُخطئ من يظنّ أنّ هذه المسألة اللّاهوتيّة الخلاصيّة قد انتهت. إنّ الطبيعة البشريّة في شخص يسوع المسيح لا تزال تتعرّض للاِنتقاص. إنّ ما انتهت إليه الكنيسة، في هذا الشأن، هو صياغة عقائديّة واضحة، وما لم ينتهِ حتّى يومنا هو تردّدات البدع المذكورة وأصداؤها في حياة المؤمنين وممارساتهم وحتّى في كتاباتهم.

هل يقرّ الجميع بأنّ الاِبن الكلمة الإله قد أخذ الطبيعة البشريّة بمحدوديّتها وضعفها وأنّه شاء أن يضيف إلى لامحدوديّته الإلهيّة المحدوديّة الإنسانيّة وأن يعتبرها فعلاً؟ هل يقرّ الجميع بأنّ طبيعة المسيح البشريّة كانت معرّضة للخطيئة والسقوط كطبيعتنا وأنّ عدم سقوطها في الخطيئة لم يكن فعلاً سحريًّاً تلقائيًّا، بل جاء نتيجة جهادها وتآزرها الكامل مع الطبيعة الإلهيّة فيه؟ هل يقرّ كلّ إنسان بأنّ مداركه العقليّة، كإنسان حقيقيّ محدودة بمعطيات عصره العلميّة، وأنّ هذه المحدوديّة العقلانيّة لا تشكّل إهانةً لشخص المسيح الإلهيّ ولا عائقاً أمام إتمام تدبيره الخلاصيّ للبشر؟ لقد شاء يسوع المسيح بلا محدوديّته، أن لا يُحَدَّ وهو كان قادراً على أن لا يُحَدّ أيضًا بمحدوديّته المكتسبة نتيجة تجسّده، وأن يتخطّاها بالتآزر والتناغم والاِتّحاد مع طبيعته الإلهيّة، إذا اقتضى التدبير الخلاصيّ هذا التخطّي. هذا ما سمّاه آباؤنا تبادل المزايا بين الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة. المزايا الإلهيّة لا تبتلع المزايا الإنسانيّة ولا تلغيها بل تتخطّاها عند الضرورة لإتمام التدبير الخلاصيّ. هذا هو مفهوم الأعاجيب. المسيح- الإله كان إنساناً كاملاً جديداً صانعاً للعجائب، ولم يكن إنساناً خارقاً. الأعاجيب هادفة إلى تجدّد الطبيعة البشريّة لتطلقها في اللّامحدوديّة الإلهيّة. الخوارق لا هدف لها ولا تُبدّل شيئاً في الإنسان ولا تقدّسه.

ما نقوله ليس ترفاً فكريًّا ولا لغوًا بشريًّا بل هو امتداد لما قاله آباؤنا بغية المحافظة على خلاص شاءه الله لنا من خلال تجسّده وصَوْنٌ لسلوك مسيحيّ يترجم صحّة العقيدة وأبعادها الخلاصيّة في حياتنا ويبعدنا عن أصنام إلهيّة من صنع أيدي البشر. ما نقوله تذكير بمحبّة الله لنا، محبّة انكشفت منه لنا من خلال مشاركته لطبيعتنا البشريّة واختباره لألم محدوديّتنا وخيباتها بغية تحريرنا منها وإطلاقنا نحو مجد الله اللّامحدود.