الأحد 22 تشرين الأوّل 2017

الأحد 22 تشرين الأوّل 2017

22 تشرين الأول 2017

الأحد 22 تشرين الأوّل 2017 
العدد 43
الأحد 20 بعد العنصرة
اللَّحن الثالث الإيوثينا التاسعة
 
* 22: أفيركيوس المعادل الرُّسل، الفتية السَّبعة الذين في أفسس ، * 23: يعقوب الرَّسول أخو الربّ وأوّل أساقفة أورشليم، * 24: الشّهيد أريثا (الحارث) ورفقته، * 25: الشّهيدان مركيانوس ومرتيريوس، تابيثا الرَّحيمة التي أقامها بطرس، * 26: العظيم في الشّهداء ديمتريوس المفيض الطيب، الزلزلة العظيمة، * 27: الشّهيد نسطر، بروكلّا إمرأة بيلاطس، * 28: الشّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السابَويّ.
 
الأهواء
الأهواء Passions الرّئيسة ثلاثة: المال، السّلطة واللّذة. السّلطة مشروعة أمّا التسلّط فغير مشروع.
 
يقول القدّيس يوحنّا السلّميّ في كتابه "السلّم إلى الله": "لم يبدع الله الشرّ، وقد ضلّ الذين زعموا أنّ في النفس أهواء شرّيرة وخفي عليهم أنّنا نحن حوّلنا خواصّ طبيعتنا إلى أهواء" (المقالة 26: 156). فإنّ القدرة على إنجاب الأولاد مثلاً هي فينا ولكنّنا حوّلناها إلى الزنى، فينا شهوة الطعام فحوّلناها إلى الشّراهة؛ فينا القوّة الغضبيّة لكي نغضب على الشرّ فوجّهناها إلى أذيّة القريب...
 
نحارب الأهواء باكتساب الفضيلة المعاكسة وممارستها. نحارب الشراهة بالصوم، الكبرياء والأنانيّة بالتواضع وانكسار النفس. إنّ محبّة الخطيئة تُستبدَل بمحبّة المسيح: "عشق المسيح أخمد عشقَ الخطيئة".
 
يقول الرّسول بولس: "كلّ من يجاهد في سبيل الملكوت يضبط نفسه في كلّ شيء" (1كورنثوس 9: 25)؛ ويقول القدّيس مكاريوس المصريّ في موضوع الجهاد الرّوحيّ في كتابه المواعظ الرّوحيّة (الموعظة رقم 19):
 
"عندما يقترب الإنسان من الربّ عليه أن يغصب نفسه من أجل الخير حتّى ولو لا يريد قلبه ذلك، أن يغصب نفسه ليُحبّ دون أن تكون له محبّة، أن يغصب نفسه ليكون وديعاً دون أن تكون له وداعة، أن يغصب نفسه على الصلاة دون أن تكون له رغبة فيها... عندما يرى الله جهادهُ عندها سوف يعطيه الصلاة الروحيّة، النقيّة، سوف يملأه من نعمة الرّوح القدس".
 
"منذ شبابي آلامٌ (أي أهواء) كثيرة تحاربني". أيّها الأحبّاء! الخطايا هي أعمال الأهواء وهي تولّد ألماً وكآبة depression في النفس.
الخطيئة هي فقدان النعمة.
 
لا يكتمل الإنسان بدون الله، "هذا العالم لا يكفي". التجديف على الرّوح القدس هو إنكار النعمة، هو الوقوع في فساد الطبيعة (القدّيس أثناسيوس الكبير).
النعمة عطيّة مجّانيّة ثمنها دم المسيح، هي عطيّة محبّة خالصة.
 
"لنا هذا الكنز في آنية خزفيّة" (2 كو 4: 7). لكي يضبط الإنسان أهواءه عليه أن يغصب نفسه، كما ذكرنا سابقاً، أن يتدرّب نسكيًّا على الإمساك (engrateia)، أن يجاهد فيتطهّر: هذه هي الأرثوذكسيّة العمليّة (Praxis)؛ تبدأ بالتوبة، بالتطّهر من الأهواء الرّديئة، عندها تفعل النعمة فينا ونستنير بنور الله.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّالث
لتفرحِ السماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الربَّ صنعَ عِزًّا بساعِده، ووطِئ الموتَ بالموتِ، وصار بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوفِ الجحيم، ومنح العالـمَ الرحمةَ العُظمى.
 
القنداق باللحن الرّابع
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالقِ غيْرَ المرْدودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطِّلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.
 
الرِّسالَة
غلا 1: 11-19
رتِّلوا لإلهنا رتِّلوا 
يا جميعَ الأُممِ صفِّقوا بالأيادي
 
يا إخوةُ، أُعْلِمُكم أنَّ الإنجيلَ الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْهُ ولم أتعلَّمْه من إنسانٍ بل بإعلانِ يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بسِيرتي قديماً في مِلَّةِ اليهودِ أنّي كنتُ أضطهِدُ كنيسةَ اللهِ بإفراطٍ وأُدَمِّرُها، وأزيدُ تَقَدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرينَ من أترابي في جِنسي بكوني أوفرَ منهم غَيْرَةً على تَقليداتِ آبائي. فلمَّا ارتضَى الله، الذي أفرَزَني من جوفِ أمِّي ودعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ لأُبشِّرَ بهِ بينَ الأُممِ، لساعتي لم أُصغِ إلى لحمٍ ودمٍ، ولا صَعِدْتُ إلى أورَشليمَ إلى الرسلِ الذينَ قبلي، بلِ انطلقتُ إلى ديار العربِ، وبعدَ ذلكَ رَجَعتُ إلى دِمشق. ثمَّ إنّي، بعدَ ثلاثِ سنينَ، صَعِدتُ إلى أورَشليمَ لأزورَ بطرسَ، فأقمتُ عندَهُ خمسةَ عشَرَ يوماً، ولم أرَ غيرَهُ من الرسلِ سوى يعقوبَ أخي الربّ.
 
الإنجيل
لو 8: 27-39 (لوقا 6)
 
في ذلك الزمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، ولم يكن يلبَسُ ثوباً ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العليّ، أطلُبُ إليكَ ألاّ تُعَذبَني. فَإنَّهُ أمَرَ الروحَ النَجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبطَ وتسوقه الشياطين إلى البراري. فسألَهُ يسوعُ قائلاً: ما اسمُك؟ فقالَ: لجيَون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذهابِ إلى الهاوية.
 
وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدخولِ فيها فأذِن لهم؛ فخَرَج الشياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرج النّاس ليَرَوا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الذي خَرَجَت مِنهُ الشياطينُ جَالِساً عندَ قدَمَي يسوعَ لابِساً صحيحَ العقل، فَخافوا. وأخبَرَهُمُ الناظِرونَ أيضاً كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهُم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السفينةَ ورَجَعَ، فسَألَهُ الرجُلُ الذي خرَجَت مِنه الشياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلاً: ارجِع إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ الله إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.
 
في الإنجيل
 
الحادثة التي يرويها إنجيلُ اليوم ترد أيضاً في إنجيلَي متّى ومرقس، وقد سبق أن تُليت في الأحد الخامس بعد العنصرة.
 
وهي ترد في الأناجيل الثلاثة بعد ذكر تهدئة يسوع للعاصفة التي هبّت في بحيرة طبريّة معيقة وصول التلاميذ إلى أرض الأمم في ناحية الجدريّين (حيث مدينة جدرا).
 
والمعنى الرمزيّ لهذه الحوادث واضح. فأرض الأمم، حيث الله غير معروف وكلمته لم يُسمع بها، هي عمليًّا تحت سيادة الشيطان "رئيس هذا العالم".
 
وإذ أراد الربّ أن يستعيد تلك الأرض إلى سلطانه توجّه اليها مع تلاميذه. وإذ نام يسوع في السفينة حاول الشيطان أن يعيق تقدّمهم مسخّراً العاصفة والبحر في محاولته إغراقَ السفينة (التي ترمز إلى الكنيسة)، ولكنّ يسوع نهض وأخمد العاصفة.
 
وإذ وصل إلى أرض الأمم صادف إنساناً يخضع لسيادة الشياطين المتعدّدة (الآباء في كتاباتهم الروحيةّ سمَّوا شيطان الشراهة وشيطان الزنى وشيطان الكبرياء..) وهذه صورة عن خضوع الأمميّين لسلطان الشياطين.
 
ولكنّ الربّ يسوع، الذي أُعطي له كلُّ سلطان في السماء وعلى الأرض، أخرج هذه الشياطين فأضحى الإنسان "سليم العقل" عارفاً الله خالقه ومخلّصه.
 
وقد أراد الربّ أيضاً أن يخلّصهم من خنازيرهم، هادماً كلّ الحواجز العمليّة (من نوعيّة الأطعمة وما شابه، إذ أنّ اليهود لا يأكلون لحم الخنزير) التي قد تمنع مشاركة الأمم شعبَ الله في المائدة الواحدة التي توحدّهم.
 
وهكذا فالربّ سمح للشياطين بأن تدخل في قطيع الخنازير وتهلكه ليبيّن لنا الأذى الذي تريدهُ الشياطين وتعمل على إلحاقه بخليقة الله. ولكنّ الربّ يحوّل نتيجة أذاهم إلى خير، ليقول لنا إنّ الوقت حان ليتخلّص الأمميّون، ليس من الشياطين التي تسودهم وحسب، بل وأيضاً من خنازيرهم.
 
ونحن الذين انتقلنا بالمعموديّة من سيادة الشيطان إلى سيادة يسوع، ورفضنا الشيطان وأباطيله وقبلنا يسوع ربًّا وسيّداً، يدعونا يسوع اليوم كما دعا الرجل الذي شفاه بقوله: "عُدْ إلى بيتك وحدّث بما صنع الله إليك".
 
نحن الذين نرتّل في آخر كلّ قدّاس "فلنسجد للثالوث غير المنفصل لأنّه خلصنا"، هَلّا خرجنا من القدّاس لنشهد في العالم للخلاص الذي أتمه الله فينا، ليؤمن العالم بأنّ يسوع هو الربّ والمخلّص، له المجد إلى الأبد، آمين.
 
 
أقوال آبائيّة
 
الأب أغاثون
 
نزل الأب أغاثون إلى المدينة، ذات يوم، ليبيع عملَ يديه، فصادف على قارعة الطريق مُقعداً.
قال له المقعد: الى أين انت ذاهب؟ أجابه الشيخ: إلى المدينة لأبيع عمل يديّ.
 
قال له المقعد: اعمل لي معروفاً واحملني إلى هناك. فقام وحمله إلى المدينة.
 
ثمّ قال له المقعد ثانية: انقلني إلى حيث تبيع عمل يديك. ففعل كما قال له.
 
ولمّا باع السلال، قال له المقعد: بِكَم بعتها؟ قال له بهذا المقدار. ولما باع السلال قال له: اشترِ لي كعكة فاشترى له.
 
وكان، كلّما أراد ان يشتري للمقعد شيئاً، يبيع سلّة جديدة. وكان المقعد طول الوقت يسأله عن الثمن، والشيخ يجيبه عن سؤاله.
 
وبعد أن باع كلّ السلال، هَمّ بالعودة إلى قلّايته. فقال له المقعد: هل أنت ذاهب الآن.؟
 
قال له نعم. فقال له المقعد: اعمل لي معروفاً وانقلني الى حيث وجدتني.
 
فحمله ونقله إلى مكانه، فقال المقعد: مبارك أنت من الربّ يا أغاثون في السماء وعلى الأرض. ولمّا رفع أغاثون عينيه لم يجد أحداً لأنّ المقعد كان ملاكَ الربّ الذي أتى يجرّبه.
 
الأب مكاريوس:
 
قال الأب مكاريوس: كنت أسير في البرّيّة، فوجدت، ذات يوم، جمجمة إنسان ميت مرميّةً على الأرض فحرّكتها بعصًا لتكلّمني. قلت لها: ومَن أنتَ أيّها الإنسان؟ أجابتني الجمجمة: كنت رئيس كهنة عند الوثنيّين...
 
أمّا أنت فتدعى مكاريوس حامل الروح الذي في كلّ وقت وفي كلّ ساعة تشفق على الموجودين في الجحيم وتصلّي من أجلهم، فيتعزَّون قليلاً.
 
قال الشيخ: وما هما التعزية والعقوبة؟ أجابت الجمجمة: كما تبعد السماء عن الأرض هكذا هي النار تحتنا. فالنار تلفحنا من أخمص القدمين حتّى الرأس، ولا أحد منّا يقدر على أن يرى وجه الآخر، لأنّ وجه كلّ واحد ملتصق بظهر الآخر.
 
وعندما تصلّي من أجلنا، يتمكّن الواحد منّا أن يرى رفيقه بعض الشيء. هذه هي التعزية. فبكى الأب وقال: واحسرتاه على اليوم الذي فيه يولد الإنسان إذا كانت هذه تعزيةَ العقوبة. ثمّ قال: وهل هناك عذاب؟
 
القدّيس أنطونيوس الكبير:
 
سأل القدّيس أنطونيوس قائلاً: 
 
يا ربّ: كيف يموت البعض في سنّ مبكّرة، بينما يموت البعض الآخر في شيخوخة متناهية ؟ 
 
لماذا يفتقر البعض ويغتني البعض الآخر؟ 
 
كيف يغتني الظالمون ويفتقر الأبرار؟ 
 
فجاءه صوت يقول: أنطونيوس، انتبه أنت لنفسك، لأنّ هذه أحكام الله ولا توافقك معرفتها.
 
يوضَعُ إنسانُنا المعاصرُ اليومَ أمام خيارين:
 
إِمّا الانصياعُ لمغريات عصرِنا، أو السَّيرُ على خُطى الكنيسة. 
إنّها لَحقيقةٌ أنَّ الكنيسةَ لها فكر الله،
لا تقبلُ أن يُساومَ أبناؤُها بين اللهِ والعالَم.
 
أمّا العالَمُ الذي نعيشُ فيه فلا يأبَهُ لِضَياعِ الإنسانِ كُلِّيًّا، ولا يَمنعُ الإنسانَ من ممارسةِ حياتِهِ الدّينيّةِ وإِشْراكِها بالمُغرِياتِ.
 
هذه الأخيرةُ كثيرةٌ، تبدأ باستهلاكِ السِّلعِ التي تُرَوَّجُ بجُنونٍ وتنتهي باستهلاكِ الجسدِ بغايةِ إنهاءِ الرُّوح. يغدو الإنسانُ نفسانيّاً لا روحيّاً؛
ولا أقصدُ بالرّوحيّ ممارسة التُقى. المشكلةُ – إذا أردنا – هي مشكلة ممارسة الحرّيّات. إذَن، أليس للإنسانِ أن يعيَ كيف يميِّز بين الحرّيّةِ والقيود؟
 
قال القدّيس أنطونيوس:
 
رأيتُ كلّ فخاخ العدوّ ممدودةً على الأرض، فقلتُ متنهِّداً: تُرى من ينجو منها؟ فسمعت للحال صوتاً يقول: التواضع.