الأحد 18 حزيران 2017

الأحد 18 حزيران 2017

18 حزيران 2017
 
 
 
الأحد 18 حزيران 2017            
العدد 25
 
الأحد الثاني بعد العنصرة 
 
اللَّحن الأوّل        الإيوثينا الثانية
 
 
* 18: الشّهداء لاونديوس ورفقته، تذكار جامع للآباء الآثوسيّين، * 19: الرّسول يهوذا نسيب الرّبّ، بايسيوس الكبير، * 20: ميثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس، * 21: الشّهيد يوليانوس الطرسوسيّ، * 22: الشّهيد أفسابيوس أسقف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء. * 23: الشّهيدة أغريپيني ورفقتها، * 24: مولد يوحنّا المعمدان، تذكار لزخريّا وأليصابات.
 
الأب الروحيّ
إنّ المعموديّة لا تحوّل الإنسان تحويلاً آليّاً، لذلك وجب تفعيلها في حياتنا عن طريق التوبة والإعتراف. يقول القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث: "إن لم يعتمد الإنسان بدموعه (أي بتوبته) يكون قد اغتسل بماء فقط". وكما أنّ المناولة الإلهيّة (communion) تنال أحياناً دينونة أو موتاً، كذلك إن لم تلحق المعموديّةَ أعمالٌ صالحة تكون شجرة يابسة. يقول الرّسول بولس: "مَن أكل هذا الخبز أو شرب كأس الربّ بدون استحقاق (أي بدون تهيئة مثلاً) يكون مجرماً إلى جسد الربّ ودمه" راجع المقطع بكامله (1 كورنثوس 11: 23-30). يُقرأ هذا المقطع نهار الخميس العظيم. لكن، مع كلّ ذلك، إذا جاء من ينعشك بالرّوح ثانية صرت خليقة جديدة.

 
العمليّة الروحيّة ليست وَظيفيّة. الكاهن لا يصير، بحكم وظيفته، أباً روحيّاً. إذا لاحظ الأسقف فيه موهبة روحيّة حلّت فيه وعليه، يعلنه أباً روحيًّا. هناك أفشين خاصّ بذلك في كتاب الأفخولوجي. عندها يؤهَّل للإرشاد الروحيّ. عندها بفهم (بروح الفهم) كلمة الربّ بعمق ويعرف، إذ ذاك، كيف يواجه الخطايا ويعالجها ويداويها. الأب الروحيّ هو
 من وَلَد المسيحَ في أبنائه. لذلك، عندنا في الكنيسة الأرثوذكسيّة رهبان وراهبات ليسوا بكهنة لكنّهم يقومون بالأبوّة الروحيّة والإرشاد. أبرز الأمثال اليوم هو الأب بايسيوس الآثوسيّ، المعلَنَةُ قداسته حديثاً: هو لم يكن كاهناً، وكان أمّيّاً (راجع كتاباته الغزيرة وحياته).
 
تذكرون ما قاله الرّسول بولس إلى أهل كورنثوس: "ليس لكي أخجلكم أكتب بهذا بل كأولادي الأحبّاء أنذركم لأنّه، وإن كان لكم ربوات من المرشدين (كهنة) في المسيح، لكن ليس آباءٌ كثيرون لأنّي أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل (engendrer)، فأطلب إليكم أن تكونوا متمثّلين بي" (1كورنثوس 4: 14-15-16).

 
طبعاً تبقى الأسرار الإلهيّة ينبوع قداسة وكذلك كلمة الإنجيل، مع ذلك يعطي الرّوح القدس مواهبه مجّاناً، خارج الأسرار، باقياً داخل شركة الكنيسة. باستخدامِه أقنيةً أو بِدونِ أقنية. المهمّ أنّ الرّوح القدس موجود ونؤمن بأنّه فاعل وفاعل بحرّيّة.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الأوّل 
 
إنّ الحجرَ لمّا خُتم من اليهود، وجسدَك الطاهر حُفظ من الجند، قمتَ في اليوم الثالثِ أيّها المخلّص مانحاً العالَم الحياة. لذلك، قوّاتُ السماوات هتفوا إليك يا واهبَ الحياة: المجدُ لقيامتك أيّها المسيح، المجدُ لمُلكِكَ، المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدَك.
 
طروباريّة القدّيس لايونديوس باللَّحن الثالث 
 
لايونديوس مجاهدَ المُخَلّص، في أتعابك قد انتصرتَ، إذ أعطاكَ الله القوّةَ في الجسد، فمثلَ ليثٍ أقدمْتَ على الجهاد، لكي تُحطّمَ عِزَّة المحارِبين. فيا أيّها الشّهيدُ المجيد، تشفّع إلى المسيحِ الإله، أن يمنحَنا الرحمةَ العُظمى.
 
القنداق  باللَّحن الثاني 
 
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطّلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
 
الرِّسالَة
رو 2: 10-16
 
لتكُن يا ربُّ رحمتُكَ علينا
ابتهِجوا أيُّها الصدّيقون بالربّ 
 
يا إخوة، المجدُ والكرامَةُ والسلامُ لكلِّ مَن يفعَلُ الخيرَ من اليهودِ أوّلاً ثمَّ من اليونانيّين، لأنْ ليسَ عندَ اللهِ محاباةٌ للوجوه. فكلُّ الذين أخطأُوا بدونِ الناموسِ فبدون الناموس يهلِكُون وكلُّ الذين أخطأُوا في الناموسِ فبالناموسِ يُدانون، لأنَّهُ ليسَ السامِعونَ للناموسِ هم أبراراً عندَ اللهِ بل العامِلونَ بالناموسِ هم يُبرَّرون. فإنَّ الأممَ الذينَ ليسَ عندهُمُ الناموس، إذا عملوا بالطبيعة بما هو في الناموس، فهؤلاء، وإن لم يكن عندهم الناموس، هم ناموسٌ لأنفسهم، الذين يُظهِرونَ عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم وضميرُهم شاهدٌ وأفكارُهم تشكو أو تحتَجُّ فيما بينها، يومَ يَدينُ الله سرائرَ الناسِ بحسَبِ إنجيلي بيسوعَ المسيح.
 
الإنجيل
متّى 4: 18-23(متّى 2)
 
في ذلك الزمان، فيما كان يسوع ماشياً على شاطئ بحرِ الجليل رأى أخَوَين وهما سمعانُ المدعوُّ بطرسَ وأندَراوسُ أخوهُ يُلقيانِ شبكةً في البحر (لأنَّهما كانا صيَّادَين). فقال لهما هلمَّ ورائي فأجعلَكما صيَّادَي الناس. فللوقتِ تركا الشباكَ وتبعاهُ. وجاز من هناك فرأى أخَوَينِ آخرَينِ وهما يعقوبُ بنُ زبَدَى ويوحنَّا أخوهُ في سفينةٍ معَ أبيهما زبَدَى يُصلِحانِ شباكَهما، فدعاهما. وللوقتِ تركا السفينَةَ وأباهُما وتبعاهُ. وكانَ يسوعُ يطوفُ الجليلَ كلَّه يعلّمُ في مجامعهم ويكرزُ ببشارةِ الملكوتِ ويَشفي كلَّ مرضٍ وكلَّ ضُعفٍ في الشعب.
 
في الإنجيل
 
بعدما عشنا أفراح القيامة المجيدة، وامتلأنا من نعمة الرّوح القدس في عيد العنصرة العظيم، نشعر اليوم وكأنّنا نبدأ دورة جديدة في مسيرة ربّنا يسوع المسيح على الأرض، لأنّه، في إنجيل اليوم، شرع يختار تلاميذه للبدء في البشارة وليشاركوه العمل البشاريّ بقوله: "توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السماوات (متّى 3: 13 إلى 4: 17).
 
فها هو يختار تلاميذه من عامّة الناس، الذين يأكلون خبزهم بعرق جبينهم، وهم صيّادو أسماك، ليجعلهم صيّادِي الناس. وبهم  اقتنص المسكونة بأسرها، وهذا ما رتّلناه في العيد الماضي،  عيد العنصرة العظيم: "مبارك أنت أيّها المسيح إلهنا، يا من أظهرت الصيّادين غزيريِ  الحكمة، إذ سكبت  عليهم الرّوح القدس، وبهم  اصطدتَ المسكونة،  يا محبّ البشر المجد لك".

 
فها هو يدعو أوّلاً الأخوين سمعان المدعوّ بطرس،  وأندراوس، ثم الأخوين الآخَرَين يعقوب بن زبدى ويوحنّا. هؤلاء لم يكونوا من الفلاسفة والمتعلّمين بل كانوا بسطاء من الشعب الكادح، وببساطة متناهية قد لبَّوا نداء الربّ عندما دعاهم: "هلمّوا ورائي"، فللوقت تركوا كلّ شيء، السفينة،  والشباك وأباهم وتبعوه.

 
صار هذا الحدت بمثابة إعلان إلهيّ لهؤلاء الصيّادين، للتوقُّف ليس عند العجيبة، التي فيها أحرز بطرس السمك الوفير بكلمة الربّ يسوع سابقاً، واتّضح أن من أعطى السمك الوفير الآن هو نفسه الذي كان  يعطي دوماً،  وإن كان  قبلاً محجوباً. هذا  اليقين الذي أصاب الصيّادين  دفعهم إلى ترك الشباك والسير وراء مالئها.

 
تبعوه من دون شرط أو سؤال، لأنّهم علموا أنّه لطالما أعطاهم ما يطلبونه، وأنّهم سيحصلون على مبتغاهم دون أن يسألوا.

 
لقد تركوا كلّ ما أحبُّوا في هذه الدنيا، ولبَّوا  نداء الربّ، الذي قال: "من أحبّ أباً او أمّاً أو أخاً  او أختاً أكثر منّي فلا يستحقّني". فهم جسّدوا هذا  القول بالفعل عندما تركوا السفينة والشباك وأباهم وتبعوا السَّيِّد ليصبحوا  بالنعمة الإلهيّة صيّادي النّاس.

 
لقد أسند الربّ يسوع لهؤلاء الصيّادين مهمّة جديدة وهي البشارة وقيادة الناس إلى الحياة  المتجَلِّيَة في ملكوت  السّماوات. كلّنا على  عتبة هذه الحياة،  إنّ تجلّي الربّ يسوع في عمق همومنا  ومشاغلنا وحاجاتنا يَتِمُّ عندما تصبح  حياتنا صيدًا للحياة الأبديّة. إن عكست حركاتنا وتصرّفاتنا علاقة حميميّة  بالربّ  الفادي،  نكون، مثل بطرس ورفقته، قد انتقلنا من شباك الموت إلى شباك الحياة الأبديّة.

 
فهل نترك كلّ شيء في هذه الدنيا الفانية، لنتبع الربّ يسوع ونربح الحياة الباقية، أي الملكوت  السماويّ؟  ونتبع  يسوع، ونحمل مشعل  البشارة ونصطاد الناس بشبكة النعمة الإلهيّة، وبالكلمة المحيية التي خرجت من فم الرب يسوع، ليصبحوا من أبنائه المبارَكين،  الذين افتداهم الربّ يسوع بدمه الكريم.

 
ومن هذا الإنجيل المقدّس نستقي عبرة روحيّة وهي: على الذين يريدون اتّباع المسيح حقّاً أن يتركوا كلّ شيء ويتبعوه، أن يتركوا، عن طيب خاطر، كلّ شيء، أن يتحرّروا من كلّ شيء، أن يبغضوا آباءهم وأمّهاتهم (لوقا 14-26)، وأن يكون حبّهم لهم أقلَّ من حبّهم ليسوع المسيح، وأن يكونوا مستعدّين للتضحية بمصالحِهِمُ الخاصّة حبّاً بيسوع المسيح، ليستطعيوا أن يعطوا أنفسهم لتلك الخدمة التي تتطلّب الإنسان كلّه. فهل نحن فاعلون؟ ألا أَعطِنا، يا ربّ، أن نضحّي بكلّ شيء لكي نحرزك أنت كنزنا الحقيقيّ، ولك المجد إلى الأبد آمين.
 
الكنيسة والحَراك المدنيّ
 
في الآونة الأخيرة من هذه الأزمنة، نسمع كثيرًا عمّا يسمّى بالحَراك المدنيّ، أكان في بلدنا أو في البلدان الأخرى. وينحو هذا الحراك إلى توجيه السياسات في خطٍّ يتوافق مع متطلّبات الشعب، وتحت عنوان الديمقراطيّة، باتّجاه أن يكون الحقّ والعدل والمساواة أسياد الموقف.

 
ولا بُدَّ من التنويه بأنّ القائمين بهذه الحركات يعانون مصاب الشعوب التي ينتمون إليها، ويدفعهم الضُعفُ القائمُ إلى مُواجهةِ الصَّمت بردَّةِ فعلٍ عمليّة تستنهض الهِمَمَ وتحرِّكُ الطاقات الكامنة، علَّ الضميرَ ينهض من كبوَته ليصغيَ إلى أنين المتألّمين، فيصيب بعضُ هذا الحراك هدفَه، أو يجنح إلى ما يخدِمُ مصالح القائمين به أو مَن استطاع تجيير خطواته إلى مآربه السياسيّة.

 
المهمُّ هو أنَّ نشأة هذا الحراك نابعةٌ، أصلاً، من حاجات الناس، من ألَمِهم، من ضيقهم، من عجزهم، ومن كَمِّ فمِ الحقّ أمام الباطل، من صمتِ من دفنَ النبوَّةَ في رمالِ اللّامبالاة، أو الخوف من المجهول الآتي. لكن هناك مَن لم يستطع تحمُّل أوجاع الأبناء، ونزيف الشباب، واستملاك وطن بكلِّ تكوينه، وهزالة العدالةِ أمامَ قوّةِ الواساطات وو..... فتحرَّكَ.

 
"من اغتصابِ المساكين، من صرخةِ البائسينَ، الآن أقومُ يقولُ الرّبُ" (مز5:12). إنَّ صرخة المتألّمين لا بُدَّ من أن تُقلق ضميرَ كلّ مؤمنٍ، لأنّ الله ساكنٌ فيه. فيحرَّك بحكمةٍ، وبدءُ الحكمةِ مخافةُ الله، مصغيًا إلى صوت الله فيه والقائل: "اقضوا للذليلِ ولليتيمِ، أَنصفوا المسكينَ والبائسَ"(مز3:82). إذًا، المؤمنُ المسيحيُّ ليس بمنأى عن إعلان الحقِّ أمام الباطل، ولا يدعُ الظلمَ يستبيحُ الأرض، وهو متفرِّج. الدينونة تأتيه من الرّبِّ القائل: "كلّ ما لم تفعلوه بأحدِ هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوه"(مت45:25).

 
الكنيسةُ امتدادٌ لعملِ الرّبِّ يسوع الخلاصيّ على هذه الأرض إلى يومِ مجيئه الثاني المجيد. هي جسده الحيّ في هذا العالم، يتمثَّلُ فيها قولُ الرّبّ:" روحُ الرَّبّ عليَّ، لأنّه مسحَني لأبشِّرَ المساكينَ، أرسَلني لأشفيَ المنكسرِيِ القلوبِ، لأناديَ للمأسورينَ بالإطلاقِ، وللعُميِ بالبَصرِ، وأرسلُ المنسحقينَ إلى الحرّيّة، وأكرزَ بسَنَةِ الرَّبِ المقبولة"(لو 18:4-19).

 
والمحبّةُ التي تلقّفتها خرجت من دمٍ مبذولٍ على الصليب حبًّا، وهي بدورها شاهدةٌ لهذا الحبِّ بالبذلِ والتضحية، وعدمِ الإستكانةِ، بل "كالأسدِ في حركاتها وكالشبلِ الزّائر على الفريسةِ تتعقّب أهلَ النِّفاق والكذب"(1مك4:3 و5)، ولتكون الحكمة الكائنة فيها أسرعَ من كلِّ متحرِّكٍ، فتوَجِّهُ كلَّ حراكٍ بسراطٍ مستقيمٍ، وبطهارتها تلجُ وتنفِّذ في كلِّ شيء، وبسعيٍ دؤوب، إعلان محبّة  الله وسلامِه بين البشر.