الأحد 29 أيّار 2016

الأحد 29 أيّار 2016

29 أيار 2016
 
الأحد 29 أيّار 2016              
العدد 22
 
أحد السامريّة 
 
اللَّحن الرّابع        الإيوثينا السابعة
 
* 29: الشّهيدة ثاودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريّة، * 30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدلماتن، البارّة إيبوموني، * 31: الشّهيد هرميوس، * 1: الشّهيد يوستينوس الفيلسوف، * 2: نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، * 3: الشّهيد لوكليانوس، الشّهيدة بافلا، * 4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أختا لعازر.
 
 
الإنسان
"الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله". بهذا المعنى الإنسان أيقونة لله، وهو مدعوّ أن يصبح أيقونة حيّة للمسيح.
هذا يعني أنّ الكائن البشريّ الذي يبتعد عن الكائن الإلهيّ يفقد علّة وجوده، لأنّ العنصر الإلهيّ في داخلنا هو الذي يؤسّس إنسانيّتا. لا وجود للإنسان بدون الله، لا وجود للأنسنة Humanisme بدون الألوهيّة Théisme.
 
من جهة ثانية، إنّ الله الذي على صورته خُلقنا هو الله الثالوث القدّوس. بالتالي الصورة الإلهيّة التي بداخل كلّ منا هي أيقونة ثالوثيّة. الله اذاً، الذي بدونه لن أكون انساناً حقيقيّاً، هو إله حبّ متبادل. هو ليس شخصاً واحداً محبّاً لذاته بل ثلاثة أشخاص محبّين أحدهم الآخر.
نحن البشر مدعوّون إذاً أن نكون أناساً محبّين بعضنا بعضاً بحبّ مشترك Perichorêse.
 
علينا أن نعكس على الأرض روح الشركة الثالوثيّة.
 
لا يستطيع، ولا واحد منّا، أن يبلغ بالعزلة الإنسان الكامل. عليّ أن أحبّ الآخرين وأن أُحَبَّ منهم.
 
*        *       *
 
كلّ ذلك، إن لم يتوفّر في المجتمع أي في الشركة العالميّة والإنسانيّة Roinonia، يخلق آلاماً وأوجاعاً متنوّعة؛ وفي المحصَّلة يتشوّه الإنسان الإله كما هو ظاهر وملخَّص في شخص المسيح مع إكليل الشوك
 وثوب الأرجوان، الإنسان الإله الذي أخرجه بيلاطس إلى الجمع قائلاً لهم: "هوذا الإنسان" (يوحنا 19: 5). هذه هي الإيقونة الموضوعة عادة على المذبح الإلهيّ. عندها أجاب اليهود مع رؤساء الكهنة "اصلبه اصلبه... يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله" (19: 6).
 
"هوذا الإنسان" شقيّ، معذّب مرذول... وحتّى لا تبقى الصورة قاتمة يأتينا سفر العبرانيّين بالمخرج الرجائيّ في تدبير الله الخالق بقول المزمور الإلهيّ المُلهم من الله:
 
"ما هو الإنسان حتّى تذكره أو ابن الإنسان حتّى تفتقده. وضعته قليلاً عن الملائكة بمجد وكرامة كلّلته" (عب 2: 6-7) (مز 8: 4-5-6). "من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كلّ واحد" (عب 2: 9).
 
هناك تضادّ contrast بين مجد المسيح وتنازله (إلى الجحيم)، بين مجد الإنسان في الخلق والقيامة (الخلق الجديد) وضعف الإنسان بداعي حرّيّته وآلامه وأهوائه وموته المصيريّ.
 
مع كلّ ذلك التضادّ يقرب الإنسان الملائكة الأطهار وكذلك مجدهم وقداستهم مع الكرامة، صائراً ملكاً للخليقة سيّداً على كلّ اعمال الله.
لقد صار ابن الله انساناً متألّماً مائتاً لكي يصير الإنسان إلهاً ممجَّدًا.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة  باللَّحن الرّابع
 
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريَّة نصف الخمسين  باللَّحن الثّامن
 
في انتصاف العيد اِسْقِ نفسي العَطْشَى من مياهِ العبادَةِ الحسنةِ أيّها المُخَلِّص. لأنّك هتفت نحو الكلّ قائلاً: من كان عطشانَ فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا يَنبُوعَ الحياة، أيُّها المسيحُ إلهُنا المجد لك.
قنداق الفصح  باللَّحن الثامن
 
ولَئِن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله. وللنسوةِ حاملاتِ الطيبِ قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
 
الرِّسالَة
أع 11: 19-30
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربّ. كلَّها بحكمةٍ صَنعتَ
باركي يا نفسي الربَّ
 
 
في تلكَ الأيام، لمَّا تبدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضيقِ الذي حصَلَ بسببِ استِفَانُسَ، اجتازُوا إلى فِينيقِيةَ وقُبُرسَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمونَ أحداً بالكلمِةِ إلاَّ اليهودَ فقط. ولكنَّ قوماً منهم كانوا قُبرُسِيِّين وقَيْروانيّين. فهؤلاءِ، لمَّا دخَلُوا أنطاكيَةَ، أخذوا يُكلِّمونَ اليونانيّينَ مُبشِّرينَ بالربِّ يسوع، وكانت يدُ الربِّ مَعَهم. فآمنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعوا إلى الربّ، فبلغ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ التي بأُورَشليمَ فأرسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أقبَلَ ورأى نعمَةَ الله فَرِحَ ووعَظَهم كُلَّهم بأنْ يثبُتُوا في الربِّ بعزيمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلاً صالحاً ممتَلِئاً مِن الروحِ القدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الربِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَّ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طلبِ شاوُل. ولمَّا وجَدَهُ أتى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدا معًا سنةً كامِلة في هذهِ الكنيسةِ وعلَّما جَمعًا كثيراً. ودُعِيَ التلاميذُ مَسيحيّين في أنطاكِيةَ أوّلاً. وفي تلكَ الأيّامِ انحدرَ من أورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحدٌ منهم اسمُهُ أغابُوسُ فأنبأ بالروحِ أن ستكونُ مَجاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيّامِ كلوديُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التلاميذُ، بحسَبِ ما يتَيسَّرُ لكلِّ واحدٍ منهم، أن يُرسِلوا خِدمةً إلى الاخوةِ الساكنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبعثوا إلى الشُيوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.
 
الإنجيل
يو 4: 5-42 
 
في ذلك الزمانِ أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السامرَةِ  يُقالُ لها سُوخار، بقُربِ الضيعةِ التي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ابنهِ. وكانَت هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ المَسير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ الساعةِ السادسة. فجاءتِ امرأةٌ منَ السامِرةِ لتستَقيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أعطيني لأشرَبَ- فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مضَوا إلى المدينةِ ليَبْتاعوا طعاماً- فقالت لهُ المرأةُ السامريّة: كيفَ تَطلُبُ أن تشربَ مِنيِّ وأنتَ يهوديٌّ وأنا امرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطونَ السامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَن الذي قال لكِ أعطيني لأشربَ، لَطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيّاً. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستقي بهِ والبئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ؟! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضاً، وأمَّا مَن يشربُ من الماءِ الذي أنا أُعطيهِ لهُ فلن يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الذي أُعطيه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبعُ إلى حياةٍ أبديّة.فقالتْ لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أجيءَ إلى ههنا لأستقي. فقالَ لها يسوعُ: إذهبي وادْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنتِ بقولِكِ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ؛ هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الذي ينبغي أن يُسجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا امرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة -وهيَ الآنَ حاضِرَة- إذِ الساجدونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالروح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ الساجدينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ والذين يسجُدون لهُ فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمتُ أنَّ مَسيَّا، الذي يقالُ لهُ المسيح، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمَ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ امرأةٍ، ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ؟ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها؟ فترَكتِ المرأة جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للناس: أنظروا إنساناً قالَ لي كُلَّ ما فعلتُ. ألعلَّ هذا هُوَ المسيحُ! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعاماً لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحداً جاءَهُ بما يَأكُل؟! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسلَني وأُتَمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعةُ أشهرٍ ثمَّ يأتي الحَصاد؟ وها أنا أقولُ لكم إرفعُوا عيونَكم وانظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ابيضَّتْ للحَصاد. والذي يحصُدُ يأخذُ أجرةً ويجمَعُ ثمراً لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزارعُ والحاصدُ معًا.
ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحداً يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إني أرسلتُكُم لتحصُدوا ما لم تتعَبوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرينَ تَعِبوا وأنتُم دخلتُم على تَعبِهم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السامريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ التي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلْت. ولمَّا أتى إليهِ السامريُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندهُم، فمكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرُ من أولئكَ جدّاً من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمنُ الآنَ، لأنَّا نحنُ قد سمعْنا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقَةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
 
في الإنجيل
الربُّ وحدَه يعرف كيف يصل إلى النفوس، ومتى يصل إليها وبأيّة طريقة يتعامل معها. إنّه يقبل الخطأة ويأكل معهم، وفي الوقت ذاته يوبّخ الفرّيسيّين المرائين. يعرف الأسلوب المناسب لكلّ واحد من البشر لأنّهم خليقته وصُنعة يديه. ولأنّه الربّ العالم بكلّ شيء جاء في التوقيت المناسب عند بئر يعقوب ليتلاقى بامرأة متعبة بسبب انغماسها في أوحال شهواتها. لقد تعب هو ليريحها هي، هذا الذي قال ولا زال يقول: "تعالَوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". ذهب السيّد المسيح إلى المرأة السامريّة ماشياً مسافاتٍ طويلةً في حرِّ منتصف النهار وتقابل معها عند بئر ماء لكي يخلّص النفس الغارقة في الخطيئة ويحوّلها إلى كارزة ومبشّرة، معطياً أيضًا مثالاً لكلّ الذين يعملون في الكنيسة كيف يجب أن يتعبوا من أجل كلّ نفس بعيدة حتّى يحضروها ويُدخلوها إلى حظيرة الراعي الأعظمِ لنفوسنا ربِّنا ومخلّصنا يسوعَ المسيحِ الذي أتى إلينا وبحث عنّا.
 
نرى الربّ يسوع يحبّ المخاطرة والمغامرة والتحدّي والسير في الطريق الضيّق، وهو الآن، في إنجيل هذا النهار، ينتقل من أورشليم إلى الجليل مارّاً بالسامرة، حيث الطريقُ الوعرةُ والجبالُ العالية، وأحياناً ينزل الوديان ويتسلّق الصخور أحياناً أخرى ليصل إلى ما خطّط للوصول إليه وهو منطقة السامرة، ليصطاد بصنّارة الحبّ الإلهيّ الإنسان المتعب الغارق في شهواته وينتشله من ضعفاته ويقبله في حضنه الأبويّ.
 
في إنجيل اليوم ينكشف لنا حبّ الله بابنه يسوع الذي مات عنّا وافتدانا ليخلّصنا. ولكنّ المبادرة الإلهيّة بحاجة إلى تجاوب الإنسان معها. فالمرأة السامريّة تجاوبت مع حضور الربّ في حياتها وأصبحت من النساء الفاضلات المبشّرات بالمسيح بعدما كانت زانية.ففضائل المرأة كثيرة، سوف أذكر بعضاً منها. 
 
أوّلاً: فضيلة الإعتراف بالخطايا، فالمرأة السامريّة أخبرت المسيح بحقيقتها ولم تخجل بماضيها وكانت أمينة في اعترافاتها.
ثانياً: فضيلة الإصغاء والخضوع لكلمات الربّ.
 
ثالثاً: فضيلة الرغبة والشوق القويّ لإصلاح سيرتها والعيش مجدّداً مع الله بحسب وصاياه.
في الخلاصة نكتشف أنّ حضور الربّ في حياتنا يجدّد طريقنا ويحرّرنا من خطايانا ليلبسنا لباس البرّ والقداسة.
له المجد إلى الأبد آمين
الإنسان كائِنٌ ليتورجيّ 
 
ما يميِّز الإنسان عن كلِّ المخلوقات الأخرى، بحسب الفلسفات القديمة، هو كونه حيواناً ناطِقاً مُفَكِّراً عاقِلاً، أي لديهِ الطّاقة على التَّكَلُّم والتَّفكير، ما يجعله حيواناً مدنيّاً – سياسيّاً. بعد انفتاح الفلسفات الغربيّة على الفكر اليهوديّ، قال الفلاسفةُ الأفلاطونيّون الجدد، على رأسهم العلّامة فيلون الإسكندريّ، إنّ الإنسان عاقلٌ، يسعى إلى المعرفةِ، لأنَّه مخلوقٌ على صورةِ الله ومثاله، إذ إنَّ الله هو الكائن النّاطق الأسمى الذي لا حدود لعقلانيّته. ولكن من هو الإنسان الحقيقيّ، وما عمله في هذه الحياة؟
 
نقرأ في العهد القديمِ أنَّ الله جبل الإنسانَ من التراب ونفخ فيهِ نفساً حيّةً، وفي مكانٍ آخر نقرأ أنّ الله خلقه على صورته ومثاله. فالصّورةُ هي الطّاقة التي غرسها الله في الإنسان لكي يكونَ مُحِبّاً، مفكِّراً، خَلوقاً، عادِلاً، فاضِلاً، قويّاً، ساعياً إلى الكمال، أي إلى أن يكون إلهاً باتّحاده مع الله. فصورة الله في الإنسان هي تلك الطّاقة الـمُحَرِّكة إيّاه نحو الله ليصير على مثاله، أي ليصير إلهاً بالنِّعمة. فالنِّعمةُ هي الهديّة التي سيعطيها الله للإنسان إذا استطاع أن يحقّق هدفه الأسمى، أي إقامة علاقة وطيدة مع الله. فالإنسانُ إذاً ليس بإنسانٍ بدون الله. فهو إنسانٌ بالله وفي الله.
 
وسفر التَّكوين يذكر أنَّ الله كلَّف الإنسان بمهمّةٍ في غايةِ الأهميّة. سلَّطه على كلِّ الأرضِ والخليقةِ، أي جعله مَلِكاً يعتني بكلِّ ما برأه إلهُه. فالتسلُّط ليس بمعنى تحليلِ قتل المخلوقات وتخريب الطبيعة والاستهتار بالموارد. هو مسؤوليّة كلَّفه بها الله ليجعله مِثله ملكاً ويشركه في عمليّة الخلق. ولهذا، منذ البدء، كان الإنسان كائِناً عامِلاً في الله وبمعيَّته. ففي السُّقوط وبعده، أي عندما دخلت الخطيئة حاجزاً يفرِّقُ الإنسانَ عن خالقه، فَقَدَ الإنسانُ توازنَ السُّلطةِ المعطاةِ له بفقدانه التَّدريجيّ لصورة الله فيه. لذلك، لما حان ملءُ الزَّمان، تجسَّد الله الإبن ليعيدَ خلق صورة الله فينا من جديد. أي خلقنا من جديد في الرّوح وصالحنا مع الله وهدم الحاجز التي كوّنته الخطيئة بيننا وبين الله.
 
بهذا الشكل كان عمل يسوع المسيح إلهيّاً، إذ أخلى ذاته؛ وكان نبويّاً إذ علَّم الإنسان عن مشيئة الله؛ وكان كهنوتيّاً إذ قرَّب بشريَّتنا بذاته قرباناً لله على الصليب؛ وكان ملوكيّاً إذ أقام بشريَّتَنا من الموت وأجلسها عن يمين الآب في الملكوت السَّماوي. لهذا نحن نعتمد بالماء والرّوح إذ بالمعموديّة نلبس المسيح. فقط عندما يلبس الإنسان المسيح يستعيد في داخله صورة الله، تلك القوّة التي تحرّك الإنسان للعبور إلى ما هو إلهيّ.
 
وليس هذا كلّ ما أعطي لنا في المعموديّة، إذ إنَّ يسوع المسيح أعطانا كلّ خصائصه التي تحلّى بها في حياته على الأرض. فقد أعطانا إمكانَ التألُّه بلبسنا الإله وأن نصبح قدّيسين بالذي لبسناه إذ إنه قدّوس. أعطانا أن نكون رسلاً وأنبياءَ نعلِنُ الكرازة – حتى يومنا هذا – في كلّ المسكونةِ. أعطانا، أخيراً، أن نكون كهنةً وملوكاً، أي كهنةً ملوكيّين لكي نقدِّمَ الخليقةَ كلَّها – التي يسود عليها الإنسان كملكٍ مُقامٍ من الله –قرباناً على المذبح المقدَّس في القدّاس الإلهيّ في سرّ الشُّكر. فهذا العمل الأخير هو الذي يجعلُ من الإنسانِ كائِناً ليتورجيّاً، كاهِناً ملوكيّاً، يقدِّمُ، من خلالِ نفسه، الكون كلّه كذبيحةِ شُكرٍ – ويصبح بهذا كائِناً إفخارستيّاً، أي شاكِراً – سرّيّةٍ ويأخُذُ بالمقابل النِّعم الإلهيّةَ والخلاص والتَّألُّه والحياة الأبديّة الجديدة التي حصلت له فقط في قيامة المسيح.
بيـــــــــــــان
يهمّ مطرانيّة طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس أن توضح أنّ صاحب السيادة المطران أفرام كرياكوس لم يسمِّ أيّ مرشَّح لعضوية البلديّة في طرابلس، في الميناء، في أيٍّ من الرعايا والقرى التابعة لأبرشيّتنا،  لأنّ كلّ المرشّحين هم أولاده الروحيّون ولا تفضيل لديه لشخص على آخر.
صدر عن دار المطرانيّة بتاريخ 20 أيّار 2016