الأحد 19 حزيران 2016

الأحد 19 حزيران 2016

19 حزيران 2016
 
الأحد 19 حزيران 2016             
العدد 25
أحد العنصرة المقدَّس 
 
 
 
* 19: الرَّسول يهوذا نسيب الرَّبّ، باييسيوس الكبير، صلاة السجدة، * 20: إثنين الرُّوح القُدُس، ميثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس، * 21: الشهيد يوليانوس الطرسوسيّ، * 22: الشهيد أفسابيوس أسقف سميساط، البارّ إيسيخوس رئيس دير العلّيقة في سيناء، * 23: الشهيدة أغريبينا ورفقتها، * 24: مولد يوحنّا المعمدان، تذكار لزخريّا وأليصابات. * 25: وداع العنصرة، الشهيدة فبرونيَّة، الشهداء أورنديوس وإخوته السِّتّة.
 
هيكل الروح القدس 
 
في البدء جبل الله الإنسان تراباً ونَفخَ فيه الروح، لكنّه، لمّا سقط في الخطيئة مُتكبّراً، خسِر نعمة الحياة الأبديّة وصار عبداً للموت، "لأنّه بالخطيئة دخل الموت إلى العالم" (رومية 5: 12). وعند اكتمال الأزمنة تجسّد ابن الله بذاته لكي يُعتقنا من لعنة الموت فتكون لنا الحياة وتكون أفضل (يوحنّا 10: 10).
 
ولمّا صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب، أجلس طبيعتنا البشريّة التي اتّخذها، وأعاد لها مجدها كما كانت في البدء، بدون خطيئة، ودعانا لنكون معه قدّيسين لأنّه قدّوس.
 
أين حلّ الروح القدس؟ أليس هو الكائن منذ الأزل، المتساوي في الجوهر مع الآب والاِبن، المنبثق من الآب والمُستقرّ في الإبن، روح الحقّ الحاضر في كلّ مكانٍ والمالئ الكلّ؟ هو المُحيي الذي قال عنه الربّ إنّه يتفجَّر في الإنسان ينابيع حيّة تروي كثيرين. (يوحنّا 4: 14).
في يوم العنصرة كان التلاميذ مجتمعين (أعمال 2: 1) حين حلَّ عليهم الروح القدس بهيئة ألسنة ناريّة، واستقرّ في جماعة المؤمنين جاعلاً منهم جسد المسيح: الكنيسة. ففي كلّ مرّة نأتي فيها إلى الكنيسة ونتناول جسد المسيح ودمه، باتّضاعٍ وتوبة، نحيا عنصرة دائمة يحلّ بها الروح القدس علينا بحلوله على القرابين المقدّمة والمقدّسة.
 
وأمّا أجسادنا الترابيّة فهي تلك الأواني الخزفيّة التي تكلّم عليها بولس الرسول (2 كور 4: 7)؛ هي تمتلئ نعمةً فتتحوّل هياكل للروح القدس، وتصير نابضة بروح الحقّ، منيرةً كلّ نفسٍ تبحث عن خلاص. فلنسعَ جاهدين لتطهير داخلنا من كلّ دنسٍ ولننقِّ حواسّنا ليظهر علينا نور المسيح، فيتمجَّد بنا اسمه القدّوس دائماً.
 
*      *      *
 
طروباريَّة العَنْصَرَة  باللَّحن الثَّامِن 
 
مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المَسِيحُ إِلَهُنَا، يَا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِيِ الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيْهِمِ الرُّوحَ القُدُس، وَبِهِمِ اصْطَدْتَ المَسْكُونَة، يَا مُحِبَّ البَشَرِ، المَجْدُ لَك.
قنداق العَنْصَرَة  باللَّحن الثَّامِن 
 
عندما انحدر العليُّ مبلبِلاً الألسنَة كان للأُممِ مقسِّمًا. ولمَّا وزَّع الألسنةَ الناريّة دعا الكُلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلك، باتّفاقِ الأصوات، نمجِّدُ الروحَ الكلّيَّ قدسُه.
 
الرِّسالَة
أع 2: 1-11 
إلى كلِّ الأرضِ خرجَ صوتُهم
السمواتُ تُذيعُ مَجْدَ الله
 
 
لمَّا حلَّ يومُ الخمسين، كانَ الرسلُ كُلُّهم معًا في مكان واحد. فحدثَ بغتةً صوتٌ من السماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الذي كانوا جالسين فيهِ، وظهرت لهم ألسنةٌ منقسِمةٌ كأنَّها من نار، فاستقرَّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، فامتلأوا كلُّهم من الروح القدس، وطفِقوا يتكلَّمون بلغاتٍ أخرى، كما أعطاهُم الروحُ أن ينطِقوا. وكانَ في أورشليمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أمَّةٍ تحتَ السماءِ. فلمّا صار هذا الصوتُ اجتمعَ الجُمهْورُ فتحيَّروا لأنَّ كلَّ واحدٍ كان يَسمعُهم ينطِقون بلغتِه. فدُهِشوا جميعُهُم وتعجَّبوا قائلين بعضُهم لبعضٍ: أليس هؤلاءِ المتكلِّمونَ كلُّهُم جليليّين؟ فكيفَ نسمَعُ كلٌّ منَّا لغتَه التي وُلد فيها، نحن الفرتيّينَ والماديّينَ والعيلاميّينَ، وسكّانَ ما بين النهرين واليهوديةِ وكبادوكيةَ وبنطسَ وآسيةَ وفريجيةَ وبمفيليةَ ومصرَ ونواحي ليبيةَ عند القيروان، والرومانيِّين المستوطنين، واليهودَ والدخلاءَ والكريتيِّن والعرب، نسمعهم ينطقون بألسنتِنا بعظائمِ الله!
  
الإنجيل
يو 7: 37-52، 12:8
 
في اليوم الآخِرِ العظيم من العيد، كان يسوعُ واقفاً فصاح قائلاً: إن عطِش أحد فليأتِ إليَّ ويشربْ. من آمن بي، فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهارُ ماء حيّ. (إنّما قال هذا عن الروحُ الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه إذ لم يكن الروحُ القدسُ قد أعطيَ بعدُ، لأنّ يسوعَ لم يكن بعدُ قد مُجِّد). فكثيرون من الجمع لمّا سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخَرون: هذا هو المسيح، وآخَرون قالوا: ألعلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! ألم يَقُلِ الكتابُ إنَّه، من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمعِ من أجلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولكِن لم يُلقِ أحدٌ عليه يداً. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ هؤلاءِ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّون: ألعلَّكم أنتم أيضاً قد ضلَلتُم! هل أحدٌ مِنَ الرؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاءِ الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ الناموسَ فَهُم ملعونون. فقالَ لهم نِيقودِيموسُ الذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحدٌ منهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدينُ إنساناً إن لم يسمَعْ مِنهُ أوّلاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضاً من الجليل! إبحثْ وانظرْ، إنَّهُ لم يَقُم نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمهم أيضاً يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يتبَعْني لا يمشِ في الظلامِ، بل يَكونُ لهُ نورُ الحياة.
 
في الإنجيل
 
بالروح القدس، الذي حلّ يومَ الخمسين، أُلغيت الشريعة اليهوديّة التي كان الاحتفال بها في اليوم نفسه. في هذا اليوم تأسّست الكنيسة بواسطة الروح الذي حلّ على التلاميذ، تحقيقًا لِما كان يسوع قد وعدهم به قبل صعوده الإلهيّ: "ستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي جميع اليهوديّة".(أع 1: 8).
 
بحسب إيماننا الأرثوذكسيّ: الآب يعمل في الكون والروح القدس يؤمّن استمرار العمل. وكذلك الإبن يعمل في الكون والروح القدس يستمرّ في تكملة العمل.
 
مثال على ذلك: مَن حقّق التجسد؟ أوَليس الروحَ القدسَ الذي حلّ على العذراء مريم؟ مَن بقي معنا لتعزيتنا كلّنا، أليس الروحَ القدس؟ (لن أترككم يتامى) هذا ما قاله السيّد للرسل قبل صعوده الإلهيّ ولنا أيضًا.
كيف نأخذ جسده ودمه الكريمين؟ أليس بحلول الروح القدس عليهما! عندما يقول الكاهن: والآن أيّها السيّد أرسل روحك القدّوس علينا وعلى هذه القرابين...
 
لا حياةَ للكنيسة ولا للمسيحيّين إذا غاب الروح القدس عنها.
 
هل يبقى للإنسان وجود إذا غادرت الروح جسدَه؟ طبعاً لا . كذلك الكنيسة، التي هي جسد المسيح، لا تبقى إلّا ببقاء الروح القدس.
الشّباب وكلمة الله يُخطئ من يظنّ ان الشّباب لا يكترثون لكلمة الله، أو انّهم صَمُّوا عنها آذانهم وأوصَدُوا دُونَها عقولَهم والقلوب. لَعمري إنّ في هذا لَسُوءَ ظنّ مُجحفاً بحقّ الشّباب، كما وفيه شكٌّ بثقة أكيدة يستأهلونها وهي بهم لائقة. وإلاّ فكيف نفسّر الثقة الكبيرة التي يُوليهم إيّاها يوحنّا الرسول اذ يخاطبهم قائلاً: "كتبتُ إليكم أيّها الأحداث لأنّكم أقوياءُ وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرّير" (1 يوحنّا 2/13 و14)؟ يوحنّا وثق بالشّباب وقُدراتهم وتَفاءَل بهم فكتب لهم ما كتب. اعتبر نفسه مَعنيّاً بأفكارهم وهواجسهم واهتماماتهم وبأنّ عليه، تالياً، أن يأخذها على  محمل الجِدّ. فهل كان يوحنّا مُبالغاً بثقته وتفاؤله؟ طبعًا لا، فالشباب بحاجة ماسّة إلى مَن "لا يستهينُ بحداثتهم" على حدّ ما يخاطب به الرسول بولس تلميذه تيموثاوس في 1 تيمو 4/12؛ إنّهم بحاجة إلى من يحترم آراءَهم وأفكارهم وما يطرحون ، فلا يستخفّ بها حتى لو بَدَت، في بعض الأحيان أو مُعظمها، غريبة أو مستغربة. ثُمّ من يدري؟ أفلا يمكن ان تكون أفكار الشباب وتطلّعاتهم، على غرابتها، البوّابة التي منها تَعبُر كلمة الله اليهم؟ من هنا كان على الكنيسة أن تعرف من أين وكيف تطرق أبواب الشباب عقولاً وقلوباً.
 
بالمنطق البشريّ قد يبدو هذا التفاؤل ضرباً من الوهم أو الهذيان، لكنّه ليس أبداً كذلك بمنطق الروح القدس الذي نُعيّد له اليوم، باعتباره "روحَ حكمة، روحَ فَهم... ومقسِّما للمواهب". إنّ الشّباب- خلافاً لظنون كثيرين- شديدو الإنفتاح على الكلمة الإلهيّة وشديدو الرغبة فيها، شريطة أن يجدوا في الكنيسة مَن يَرحُب بهم ويتقبّلهم كما هم، أي، باختصار، أن يجدوا فيها مَن يُحبّهم. الشّباب طلّاب محبوبيّة أوّلاً وآخراً. 
 
إنّ كنيسة مُحبّةً للشباب ومؤمنةً بتوثّباتهم وضنينةً بمواهبهم تستطيع أن تأخذ منهم ما يُدهش العالم، بل ما يُرضي الربّ ويتمجّد اسمه به ويتبارك. وهذه حركة الشبيبة الأرثوذكسية والأديار التي يَرُودُها الشباب خيرُ دليل على ذلك. فهذه وتلك تستقطبان الشّباب لأنّهم وجدوا فيهما من يجتذبهم بالحبّ قبل ان يجتذبهم بالتعليم.
 
طبعاً، ليس المطلوب مسايرةَ الشّباب أو دغدغتهم في ما يتّصل بمشاعرهم ورغباتهم، قطعاً لا! فهناك- حسب تعليم بولس في الإصحاح السادس من رسالته الأولى إلى كورنثوس- ما يليق وما لا يليق، هناك ما يَحِلُّ للشباب ويوافقهم، كما هناك ما يحلو لهم ولكنّه لا يوافهم. ويجب أن نكون مع الشّباب في هذا الأمر صارمين، وهم يقبلون صرامتنا إذا لمسوا انّها صادرة حقًّا عن محبّة لهم عارمة. يقول المغبوط أوغسطين: "أحبِب وافعل ما تشاء". إلاّ أنّ الشباب لا يرضَون الكلمة الماضويّة، أي تلك التي لا تَمسُّ واقعهم ولا تخاطبهم فيه. إذ كيف يصدّقون أنّ كلمة الله هي كلمة الحياة الجديدة والمتجدّدة، باستمرار، بالروح القدس، ما لم يكن هذا بكلمة تأخذ بالإعتبار راهنهم، تخاطب هواجسهم وتواكب تطلّعاتهم وآمالهم، وتكون معهم في الطريق إذا أفلحوا أو أخفقوا؟
 
ثمّ، ما يرفضه الشّباب ان تهبط عليهم كلمة الله معلّبةً لا ترجمة لها في الحياة. ذلك أنّهم متعطّشون إلى الكلمة المعيوشة، فهذه تُنشئ فيهم ما لا تُنشئه الكلمة التي تبقى على مستوى النظر أو التنظير. إنّهم ينتظرون القدوة والمثال ليؤمنوا بأنّ الكلمة التي تُلقى عليهم كلمة صادقة على النحو الذي يصفها به الرسول بولس حيث ينصح تلميذه تيموثاوس قائلاً له: "صادقة هي الكلمة وإيّاها أريد أن تقرّر..." (1 تيمو 1/15). وماذا يعني أنّها صادقة سوى أنّها كلمة للحياة، بها يحيون، بها يَصقُلون ذواتهم فكراً وروحاً، وعلى قاعدتها يؤسّسون لمستقبل يكون الربّ بانيَه، ويستشرفون آفاقاً يكون الربّ فاتحَها.
 
في المحصَّلة، ينبغي ألاّ يخمرنا أيّ ريب في هذا: أنّ الشباب، في أحوالهم كلّها، في ثورتهم حيناً وهدوئهم حيناً آخراً، في مثاليّاتهم وواقعيّاتهم، في شكّهم وفي يقينهم، في تساؤلاتهم وتحيّراتهم، في نجاحاتهم وإخفاقاتهم، في آمالهم وخيباتهم، في صعودهم وفي هبوطهم، في اقتناصهم الملذّات أو إحجامهم عنها، في كلّ إيقاع من إيقاعاتهم إنّما يُسجّلون حركة الحياة فيهم. أجَل، هذه حركة الحياة فيهم وهذا نَبضُها، الحياة التي تفتّش عن معناها الحقيقيّ، ولا قرار َ لها إلاّ متى عَثرَت على الحقّ واستقرّت فيه. إنّ الروح القدس الذي نعيّد له اليوم، والذي به غدا الصيّادون "غزيري الحكمة"، هو الذي يشدّ الشباب إلى كلمة الله ويرشدهم إلى جادّة الحقّ. وهل الحقّ سوى يسوع المسيح نفسه؟ فقد سأله توما: "يا سيّد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟ قال له يسوع: أنا هو الطريق والحقّ والحياة، ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاّ بي" (يوحنّا 14/5 و6).
 
نحن، إذاً، نقوم بما علينا ونترك للروح القدس أن يفعل، فهو كفيل الباقي.