الأحد 28 شباط 2016

الأحد 28 شباط 2016

28 شباط 2016
 
الأحد 28 شباط 2016             
العدد 9
 
أحد الإبن الشاطر
 
اللحن السادس         الإيوثينا السادسة
 
*  28: باسيليوس المعترف، *  29: البارّ كاسيانوس الرُّومانيّ، البارَّتان كيرا ومارانَّا، * 1: البارَّة في الشَّهيدات أفذوكيَّا، البارّة دومنينا، *  2: الشهيد إيسيخيوس، *  3: الشُّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، * 4: البارّ جراسيموس النَّاسك في الأردنّ، *  5: سبت الأموات، الشهيد قونن، البارّ مرقس النَّاسك.
 
 
الإعتراف
"من يعترف بخطيئته هو أهمّ ممّن يقيم الموتى" قول مأثور للقدّيس إسحق السريانيّ القرن السادس، ويُضيف "هو كمن ينتقل من الموت إلى الحياة". هذا الإعتراف يتمّ عند الإنسان أوّلاً بينه وبين الله ولكن، أيضًا وخصوصاً، أمام الكاهن وأمام الذي أخطأنا إليه: "رجع إلى نفسه" يقول الإبن الشاطر، "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطات إلى السماء وقدّامك" (لوقا 15: 17-18).
 
هذا التحوّل،  هذه التوبة métanoie تتمّ، كما ذكرنا، أوّلاً في القلب، في النفس وتستوجب بعدها إقراراً بالخطيئة تعبيراً علنيّاً لها عن طريق الإعتراف في الكنيسة. العمليّة هذه تُدعى سرّاً Mystère أصل الكلمة: عملٌ خفيّ حاصل بإرادة الإنسان وبنعمة الله: مشاركة بين الإنسان والله معروفة في العقيدة الأرثوذكسيّة بكلمة synergie أي مشاركة بالعمل.
 
القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، في كتابه الشهير "الإيمان الأرثوذكسيّ" يحدّد التوبة بأنّها تحوّل النفس من الشيطان إلى الله، ويقول إنّ هذا لا يتمّ إلاّ بالألم والدموع. هناك، إذاً، انسحاق لدى الإنسان وتواضع
 
كبير "الذبيحة لله روح منسحق، القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله" (المزمور الخمسون).
 
*        *         *
 
جرت العادة قديماً أن يتناول البعض القرابين المقدّسة يوم الخميس العظيم خارج القدّاس الإلهيّ على يد الكاهن وبعد اعتراف سريع. إليكم هذه القصّة المعبرّة عن الإنسحاق والتواضع في الإعتراف: أتى مرّة، في ذلك اليوم، رجلٌ وجيه معروف في القرية، جاء إلى كاهن أمّيّ لكنّه تقيّ جدّاً. طلب منه مناولة القرابين لأنّه كان مشغولاً بعد أن يحلّه من خطاياه. فرجاه الكاهن البسيط أن يسجد على الأرض ويقول "اغفر لي يا الله أنا عبدك الخاطئ". فامتعض الرجل وأبى أن يسجد زاعماً  أنّه لم يَنثَنِ ولم يركع لأحد طيلة حياته الماضية وقال: "من الذي يطالب بذلك يا أبي"؟! فأردف الكاهن البسيط مستغرباً جدّاً وأتى بكتاب الكاهن وأراه الجملة القائلة: "ويسجد المعترف ويصلّي ليأخذ الحلّ من خطاياه من الكاهن". عندها تنازل الرجل وسجد قائلاً أمري لله! أخذ الحلّ من الكاهن وتناول. بعدها وقف أخيراً وقال أشكر الله وأشكرك يا أبي لأنّي تواضعت وأخذت الحلّ من خطاياي وتناولت القرابين المقدّسة.
 
*        *         *
 
أخيراً وليس آخراً، يشير الآباء الروحيّون إلى أنّه من أهمّ الأشياء التي ينبغي أن تتمّ على فراش الموت وقبل الخروج من هذه الدنيا طالما نحن واعون، الإعتراف قبل الموت، وأن يندم الإنسان على كلّ خطيئة اقترفها في حياته. هذا الأمر لا بدّ من أن يتذكّره الكاهن الذي يرافق المريض في أواخر حياته وقبل أن يسدي له القرابين المقدّسة. هذا ممّا يساعده على إنهاء حياته بسلام وتوبة.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريّة القيامة  باللحن  السادس
 
إنَّ القوَّاتِ الملائِكيَّةَ ظهرُوا على قبرِكَ الموَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبرِ طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبيْتَ الجحيمَ ولمْ تُـجَرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانـِحاً الحياة، فيا مَنْ قامَ من بينِ الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
قنداق أحد الإبنِ الشاطِر  باللحن الثالث
 
لمّا هَجَرْتُ مجدَكَ الأَبَوِيَّ عن جَهْلٍ وغَباوَة، بَدَّدْتُ في الشُّرورِ الغِنَى الَّذي أعطيتَنِي أيُّها الأَبُ الرَّؤوف. لذلكَ أَصرُخُ إِليكَ بصوتِ الابنِ الشَّاطِرِ هاتِفاً: خَطِئْتُ أمامَكَ، فاقَبلنِي تائِباً، واجعلْنِي كأَحَدِ أُجَرائِكَ.
 
 
الرِّسالة
1 كو 6: 12-20
لتكُن يا ربُّ رَحْمتُكَ علينا
إبتهجوا أيُّها الصدّيقون بالربّ
 
يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطُ عليُّ شيءٌ. إنَّ الأطعةَ للجوفِ والجوفَ للأطعمة، وسيُبيدُ الله هذه وتلك. أمَّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والربُّ للجسد. واللهُ قد أقام الربَّ وسيُقيمنا نحن أيضًا بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفآخُذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانيةٍ؟ حاشا. أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانية يصيرُ معها جسداً واحداً، لأنَّه قد قيلَ يصيران كلاهما جسداً واحداً؟ أمَّا الذي يقترنُ بالرَّبِّ فيكون معه روحًا واحداً. أُهربوا من الزِّنى. فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمَّا الزَّاني فإنَّه يخطئ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفسكم لأنَّكم قد اشتُرِيتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحكم التي هي لِلَّه.
 
 
الإنجيل
لو 15: 11-32
 
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرهُما لأبيه: يا أبتِ أعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيَّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الإبنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشاً في الخلاعة. فلمَّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في ذلك البلدِ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجَراءَ يفضلُ عنهم الخبزُ وأنا أَهلِكُ جوعًا. أقومُ وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أُجرائِك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الإبنُ: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامك ولستُ مُستحقّاً بعدُ أن أُدعى لك ابناً. فقال الأبُ لعبيده: هاتُوا الحُلَّة الأولى وأَلبِسُوه، واجعلوا خاتماً في يده وحذاءً في رجليه. وأتُوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاًّ  فوُجد، فطفقوا يفرحون. وكان ابنه الأكبر في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحدَ الغلمان وسأله ما هذا؟ فقال له: قد قدم أخوك فذبح أبوك العجل المسمّن لأنّه لقيه سالماً. فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنينَ أخدمك ولم أتعدَّ لك وصيَّة فلم تعطني قطُّ جَدياً لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمّن. فقال له: يا ابني، أنت معي في كلِّ حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرحَ ونُسَرَّ لأنَّ أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاًّ فوُجِد.
 
 
في الإنجيل
 
هذا المثل من أروع الأمثلة التي تشير لقبول الله للخاطئ، وكم جذب هذا المثل الكثيرين من الخطأة لأحضان الله. نرى في هذا المثل تردّي حال الخاطئ الذي ترك بيت أبيه (الكنيسة) وترك أباه (الله) فانحدر إلى حدّ الهوان والنجاسة وخراب كلّ شيء حوله. ثم نرى توبته وفرحة أبيه المشتاق لعودته. في هذا المثل نكتشف موقف الله من الخاطئ باعتباره ابناً له ضلّ الطريق، أمّا موقف الفرّيسيّين بقلوبهم الخالية من المحبّة والمتعجرفة فيعبّر عنه موقف الإبن الأكبر. وكأنّ المثل يردّ على الفرّيسيِّين بأنّه ليس فقط يأكل مع العشّارين والخطأة، بل هو يريد أن يقيم لهم وليمة عند رجوعهم وتوبتهم. هنا نرى محبّة الأب السماويّ الشديدة للخاطئ التائب. الله له طرقه المتعدّدة لجذب كلّ نفس. فالإبن الضالّ عاش في بيت أبيه مستمتعاً بمحبّته وأبوّته والشِّبع في بيته. وبعد كلّ هذا اختار أن يترك حضن أبيه وبيته.
 
هنا يستعمل الربّ معه التأديب فيحاصره بالتجارب والضيقات (المجاعة والأكل مع الخنازير) حتّى يقارن بين حاله بعيداً عن أبيه والحال التي كان عليها في بيت أبيه فيشتاق للرجوع، وإذا رجع نراه يستقبله بالأحضان والقبلات ولا يعاتبه ولا يجرح مشاعره. فالإبن الضالّ لم تكن نهايته المعيشة مع الخنازير لكنّه عاد. بينما الإبن الأكبر تذمّر بعد أن كان يظهر أنّه في طاعة كاملة لأبيه. لذلك يقول الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيّين: "انظروا إلى نهاية سيرتهم"، (عب 13: 7) فالعبرة بالنهاية.
 
لذلك، علينا أن لا ندين أحدًا، فالله وحده يعلم ما في القلوب ومدى استعداد كلّ واحد ونهاية طريق كلّ واحد.
 
 
مقالات
للقدّيس بايسيوس الآثوسيّ  
 
اليوم يسعى الإنسان، قبل كلّ شيء، إلى التأمين على صحّته، على حياته... إنّما، في الوقت نفسه، إن كان بعيداً عن المسيح، يشعر أكثر بعدم الأمان.
 
وفقاً للبُعد عن الله، يشعر الإنسان في هذه الحياة بالقلق، وفي الحياة الأخرى سوف يعاني المضايقةَ أبديّا. هذا لأنّ الواحد يذوق في هذه الحياة، بحسب اتّباعه مشيئةَ الله، شيئاً من فرح الفردوس.
ربّما لا يملك الواحد شيئاً. إنّما إن كان له الله فلا يحتاج إلى شيء آخر. بينما إن كان يملك كلّ شيء وليس له الله، يبقى معذّباً داخل نفسه. لذا ينبغي للمرء أن يقرب الله بقدر استطاعته. إذْ فقط بقرب الله يجد الإنسان الفرح الحقيقيّ الدائم.
 
كلّ تعب يأتي أوّلاً من العقل، طالما يدور فقط في نطاق العلم ويكون بعيداً كلّيًّا عن الله . لذا لا يجد هؤلاء سلامهم الداخليّ وتوازنهم. بينما إذا كان الفكر يدور حول الله عندها يستخدم البشر حتّى العلم من أجل تنمية نفسهم وتنمية العالم، هذا لأنّ العقل يكون عندها قد تقدّس.
 
في زمننا هذا الجميع مأخوذون بالمادّيّات مشتّتون. عمل كثير، طعام كثير، هذا من الشيطان حتّى ينسوا الله. هكذا لا يقدرون- أو بالأحرى لا يريدون- أن يستفيدوا من حرّيّتهم من أجل تقديس النفس. لكن، لحسن الحظّ، ورغمًا عن إرادة الشيطان، يخرج من كلّ هذا شيء صالح: لا يجد الإنسان بهذا كلّه وقتاً كافياً للخطيئة.
 
"اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم" (متّى 6: 33). من هنا تبدأ البساطة وكلّ مواجهة صحيحة.
 
 
القدّيس بايسيوس الآثوسيّ
 
سامِحني يا أخي
 
في أحد الأيّام اضطرّ القدّيس يوحنّا إلى قطع شمّاس عن الخدمة مدّةً لأنّه ارتكب مخالفة، فحرد هذا الأخير وأخذ يقول كلاماً جارحاً في حقّ البطريرك، حتّى إنّه اختلق أخباراً كاذبة في شأنه وسعى في الوشاية لدى الحاكم انتقاماً منه. فلمّا بلغ القدّيسَ في أيّ حال كان شمّاسه قال: "من يضعف وأنا لا أضعف؟" (2 كورنثوس 11: 29)، وأيضًا: "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء" (رومية 1:15). لذلك قرّر أن يستدعيه ويتحدّث إليه ثمّ يعفو عنه لئلاّ يقع فريسة للشرّير.
 
ولكن، لسبب ما، نسي البطريرك المسألة وانشغل بغيرها إلى أن جاء عيد الفصح. يومها، تذكّر البطريرك الشمّاس أثناء إقامة قدّاس المؤمنين.
 
وتذكّر أيضًا القول الإلهيّ: "إن قدّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكّرت أنّ لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدّام المذبح واذهب أوّلاً اصطلح مع أخيك. حينئذ تعالَ وقدّم قربانك" (متّى 5: 23-24). فأمر للحال شمّاس الخدمة أن يتلو الطلبة وأن يعيدها حتّى يعود. أمّا هو فخرج إلى غرفة القدسات والملابس، ومن هناك أرسل في طلب الشمّاس المقطوع. وما إنْ حضر الشمّاس حتّى سجد يوحنّا أمامه وقال له: "سامحني يا أخي"، فانذهل الشمّاس وفعل كمثل البطريرك. إذ ذاك فقط، دخل الإثنان إلى الكنيسة وأكمل البطريرك القدّاس.