الأحد 11 كانون الأوّل 2016

الأحد 11 كانون الأوّل 2016

11 كانون الأول 2016
 
الأحد 11 كانون الأوّل 2016 
العدد 50
أحد الأجداد القدّيسين
اللَّحن الثّامن الإيوثينا الثالثة
 
* 11: البارّ دانيال العموديّ، لوقا العموديّ، الشهيد برسابا، * 12: اسبيريدون العجائبيّ أسقف تريميثوس،
* 13: الشُّهداء الخمسة افستراتيوس ورفقته، الشهيدة وكيَّا البتول، * 14: الشُّهداء ثيرسس ورفقته، * 15: الشهيد في الكهنة آلافثاريوس وأمُّه انثيَّا، * 16: النبيّ حجِّي، ثاوفانيس الملكة العجائبيّة، * 17: النبيّ دانيال والفتية الثلاثة، ديونيسيوس أسقف آجينة. *
 
الإجهاض
 
موضوع هامّ في حياتنا الحاضرة: هناك بعض الدول، بخاصّة في العالم الغربيّ، تطرح أو تَسمح بعمليّة الإجهاض. هذا الموضوع له، بالنسبة لنا، علاقة مباشرة بإيماننا وبالعقيدة المسيحيّة. نذكّر بأنّ الكنيسة، استناداً إلى الكتاب المقدّس والتقليد المقدّس، تعتقد أنّ حياة الإنسان تبتدئ منذ لحظة الحبل به. يأخذ الجنين، منذ تكوينه في حشا أمّه، صورة الله.
 
نحتفل مثلاً بحبل القدّيسة حنّة جدّة الإله في 9 كانون الأوّل أي، بالضبط، تسعة أشهر قبل ولادة العذراء مريم؛ كذلك بحبل أليصابات بيوحنّا المعمدان في 23 أيلول تسعة أشهر قبل تاريخ ولادته في 24 حزيران. كذلك عندنا عيد البشارة تسعة أشهر قبل عيد الميلاد في 25 كانون الأوّل. لذلك تعتبر الكنيسة قضيّة الإجهاض بمثابة قتل. المرأة التي تجهض جنينها تُعتبَر قاتلة إيّاه. هذا ما يقوله القدّيس باسيليوس الكبير، وكذلك القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم.
 
يذكر القانون 91 من مجمع ترولو 692 "أنّ النساء اللواتي يُعطَين عقاقير لإسقاط الجنين واللواتي يأخذن السموم لقتل الجنين يقعن تحت "قصاص القتلة". إذاً لا بدّ لنا من أن نحافظ على حياة كلّ إنسان، وخصوصاً حياة كائن أعزل لا يستطيع الذَّود عن نفسه، نعني به الجنين. المسؤوليّة في إجهاض أيّ جنين تقع على أبويه.
 
هناك مشكلة يَكشفها ما يعرف بالـ échographie أي التشخيص السابق للولادة. هي، من جهة، تراقب
 
 
الجنين وتطوّره، ومن جهة ثانية، تكشف في بعض الأحيان عن أجنّة مصابة بعاهات جسديّة أو عقليّة، وعندها تميل إلى التخلّص منها ناسية أنّ الحياة الإنسانيّة، صحيحةً كانت أم مشوّهة، تبقى على صورة الله ومثاله ولا يحقّ لأحد وضع حدّ لها. وجودنا مع أشخاص كهؤلاء معاقين هو مصدر تقديس لأنفسنا.
 
في الخلاصة نقول إنّ الإجهاض يبقى في نظر الله قتلاً لكائن أعزل ولو حلّلته قوانين الناس.
 
يقول البعض اليوم: "جسدي لي وأنا أعمل ما أشاء". أمّا الكتاب فيقول: "لا سلطة للمرأة على جسدها" (1 كور 7: 4)
 
الذي يُولَد هو عطيّة من الله، فلا حساب لدى الكنيسة للإجهاض على أنّه مجرّد تنظيم عائليّ: إنّه قتلٌ في كلّ الأحوال.
 
ليس هناك فصل بين الروح والجسد لأنّ وحدتهما قائمة منذ الحبل. نعلم أنّه، في عالم اليوم، يأتي الإجهاض بعد حالة زنى، وهذا مرفوض عند الإنسان المؤمن.
 
أمّا اللّواتي يُردن أن يحافظن على أجسادهنّ ظريفة جميلة ويتحاشين تعب الولادة ونشأة الأولاد - وهنّ كثيرات ويا للأسف- فيلجأن إلى عمليّة الإجهاض. يجدر بنا القول إنّهنّ يقضين على حياتهنّ وحياة المجتمع، فيقضي الإنسان هكذا على نفسه ويتقلّص نسله حتى الإختفاء بالكلّيّة.
 
+ أفـرام
 
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثّامن
 
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامتَنا، يا ربُّ المجد لك.
 
 
طروباريّة الأجداد باللّحن الثاني
 
لقد زكّيتَ بالإيمان الآباءَ القدماءَ، وبهم سبقتَ فخطبتَ البيعة التي من الأمم. فليفتخر القدّيسون بالمجد، لأن مِن زَرْعهم أَينع ثمر حسيب، وهو التي ولدَتْك بغير زرعٍ. فبتوسّلاتهم أيّها المسيح الإله ارحمنا.
 
قنداق تقدمة الميلاد باللّحن الثالث
 
أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة لتلدَ الكلمةَ الذي قبل الدهور ولادةً لا تفسَّر ولا ينطقُ بها. فافرحي أيّتها المسكونةُ إذا سمعتِ، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهرُ بمشيئته طفلاً جديداً، الإلهَ الذي قبل الدهور.
 
 
الرِّسالَة
 
كول 3: 4-11
 
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ. كلَّها بحكمةٍ صنعت 
 
باركي يا نفسِي الربَّ
 
 
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظَهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم التي على الأرض: الزِنَى والنجاسةَ والهوى والشهوةَ الرديئةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلَكُتم حينًا إذ كنتمُ عائشينَ فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُخْطَ والخُبثَ والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم. ولا يكذِبَنَّ بعضُكم على بعضٍ، بلِ اخلَعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه، والبَسُوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بَربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.
 
 
الإنجيل
 
لو 14: 16-24 (لوقا 11)
 
 
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ صنع عشاءً عظيماً ودعا كثيرين. فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعوّين: تعالَوا فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ. فطفِق كلُّهم واحداً فواحداً يستَعفُون. فقال لهُ الأوّل: قد اشتريتُ حقلاً ولا بدَّ لي من أن أخرجَ وأنظرَهُ فأسألك أن تُعفِيَني. وقال الآخرَ: قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادينِ بقرٍ وأنا ماضٍ لأُجَرِّبَها فأسألك أن تُعفِيني. وقال الآخر: قد تزوَّجتُ امرأةً فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبدُ وأخبر سيّدَهُ بذلك. فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: أخرُجْ سريعاً إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها وأَدخِلِ المساكينَ والجُدْعَ والعميانَ والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ: يا سيّدُ، قد قُضي ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضاً محلٌّ. فقال السيّد للعبد: أخرُج إلى الطُّرق والأسيْجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدخول حتّى يمتلئَ بيتي. فإنّي أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئك الرجال المدعوّين، لأنَّ المدعُوّين كثيرون والمختارِين قليلون.
 
 
في الإنجيل
 
الإنجيل المقدّس الذي تُلي على مسامعنا اليوم، يمكن تسميته بإنجيل "الدعوة إلى الوليمة": لأنّ الربّ يقول في نهايته: "إنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون" (لوقا 14: 24). فهذا النصّ يرمز إلى الدعوة التي تلقّاها الشعب اليهوديّ في العهد القديم ورفض تلبيتها لأسباب شتّى. هذا الشعب الذي فضّل تدبير شؤونه المادّيّة والدنيويّة، بعد أن أدار ظهره لله عاصياً أوامره، سوف يختار الله بديلاً منه شعوب الدنيا كلّها ليدعوها إلى العشاء العظيم. خسر الشعب المدعوّ في العهد القديم مكانته لدى الله، فأخلى الساحة لآخَرين سواه من بقيّة الشعوب.
 
الربّ يسوع علّم الناس بأمثال لكي يفهموا، بطريقة بسيطة وغير معقّدة، ما يريد قوله؛ وبهذه الطريقة استطاع جذب عقول الناس اليه، فكانوا يتبعونه لأنّهم فهموا الرسالة التي دعاهم إليها وبكلّ بساطة، لأنّهم كانوا بسطاء ومن عامّة الناس.
 
هذا المثل يشير إلى الوليمة التي أعدّها الله منذ خلق العالم لخلاص هذا العالم. فصانع العشاء هو الله الآب، والطعام الذي تتألّف منه الوليمة هو جسد الربّ يسوع ودمه المحييان. أمّا المدعوّون فهم كلّ شعوب الأرض وأممها وقبائلها. فالله العارف كلَّ شيء قد علم، بسابق معرفته، رفض رؤساء اليهود - بسبب قساوة قلوبهم وعنصريّتهم - دعوتَه المفتوحة لكلّ نسمة تسعى على وجه الأرض. أمّا المسيح الذي جاء ليخلّص العالم أجمع فلا يستطيع أحدٌ أن يحدَّه في شعب واحد من الشعوب، بل كانت دعوته عامّة شاملة غير محصورة بشعب دون آخر.
 
الناس المدعوّون في هذا المثل انشغلوا باهتمامات دنيويّة: ضمنهم من اشترى حقلاً وخرج لينظره، ومنهم من اشترى خمسة فدادين بقر وقد مضى ليجرِّبها، ومنهم من تزوّج امرأة ولم يستطع المجيء. لقد نسُوا جميعاً قول الربّ "مرتا مرتا إنّك تهتمّين بأمور كثيرة وإنّما الحاجة إلى واحدٍ". لقد نسُوا خلاص نفوسهم وهو الأهمّ من كلّ مقتنيات العالم.
 
هذه المائدة نحن مدعوّون للمشاركة فيها كلّ يوم نقيم فيه خدمة القدّاس الإلهيّ؛ وعندما نسمع صوت جرس الكنيسة، هل نلبّي دعوة الربّ لنا لنشارك في الأسرار الإلهيّة، ونتناول جسده ودمه الكريمين لغفران خطايانا وللحياة الأبديّة؟
 
كم يقدّم المسيحيّون اليوم أعذاراً عن عدم تلبيتهم دعوة الله إليهم لتتميم مشيئته والسير بموجب تعاليمه ووصاياه؟ كم منهم يلبّون دعوة الله إلى ممارسة العبادات، والاِقتداء بالربّ يسوع في سلوكهم اليوميّ ومعاملتهم للآخرين؟
 
"لأنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون"، هو الجواب عن تقاعس المسيحيّين في تلبية متطلّبات الإنجيل. ولن يتوانى الربّ يسوع الذي قال: "لن يذوق عشائي أحد من أولئك الرجال المدعوّين" عن إقفال الأبواب دوننا، إن لم نستدرك أنفسنا ونلحق بأَفواج المدعوّين الذين لبَّوا دعوته وفرحوا بالجلوس إلى مائدته السماويّة.
 
فانظري يا نفسي ألاّ تستغرقي في النوم، ويغلَق عليك خارج الملكوت، وتُسلَّمي إلى الموت؛ بلِ استيقطي وكوني منتبهة دائماً لتُحصَي مع الأبرار والقدّيسين الذين أرضَوا الربّ يسوع في حياتهم، له المجد إلى الأبد. آمين.
 
 
 
شهر الأعياد أم استهلاك حتّى الهلاك؟
 
 
في كلّ عام، وكلّما اقترب شهر كانون الأوّل، تنطلق في الأجواء حولنا زينةُ العيد. فقاعات الأسواق تتكاثر مع الأيّام وتعمي أبصارنا وتحجب عنّا رؤية الأمور على حقيقتها.
 
يقولون لك إنّه شهر الأعياد. وأسأل: وأيّ يوم من السنة ليس فيه عيد كنسيّ؟ أعياد للسيّد، للقدّيسين، للملائكة، لأنبياء، لشهداء، لكهنة، لرؤساء كهنة.....
 
نعم، إنّه الشهر الذي نحتفل في الخامس والعشرين منه بميلاد ربّنا وإلهنا يسوع المسيح. هو اليوم الذي أُعلن فيه ورود مخلّص العالم إلى الأرض. نبدأ بالاستعداد له، منذ الخامس عشر من شهر تشرين الثاني، بمسيرة صوم نهيّئ أنفسنا من خلالها لاستقبال المولود الإلهيّ، ومشاركة الملائكة بالتهليل والتمجيد، والرعاة بالفرح برؤية عمّانوئيل، والمجوس بتقديم الهدايا.
 
ما هذا الجنون الذي يصيب الناس، والأسواق، والطرقات، والبلدات، في مسابقات محمومة لنصب أكبر وأجمل وأغرب ما يسمّونه شجرة الميلاد؟ وقلّما تشبه في شكلها أيّة شجرة، أو تجد في معناها ما يمتّ إلى ميلاد المسيح. عاما بعد عام يزداد انتشار الأشكال الغريبة في شوارع المدن وكلّها تحت مُسمًّى واحد هو "زينة الميلاد".
 
طبيعيّ أن يبتدع التجّار والأسواق والساعون إلى الربح وجمع الأموال شتّى أنواع السبل والوسائل لجذب المشترين. ومن ناحية أخرى، تجد الناس يدخلون المتاجر بأعداد كبيرة ويخرجون محمَّلين بما يسمّونه زينة الميلاد، وهو زينة بالحقيقة، ولكنّها ليست للميلاد بل لقلب مظهر البيت، من بيت عاديّ يرتاح فيه سكّانه بعد تعب النهار إلى صالة عرض لألوان مختلفة متداخلة وأضواء تومض وتشتدّ وتنخفض معلّقة على شجرة طبيعيّة أو اصطناعية، تختلف من بيت إلى بيت، بحجمها وشكلها، لكي تدلّ على سخاء أصحابها وثرائهم. وحتّى الذين لا يملكون ما يسمح لهم بذلك، لا يحجمون عن تبديد القليل الذي يملكونه، وربّما يستدينون، لكي يملؤوا بيوتهم بالأوراق المزخرفة والبلاستيك الملوّن، ظانّين أنّهم بذلك يحتفلون بالميلاد.
 
أين المؤمنون بالمولود الإلهيّ من هذا الطوفان الدنيويّ العالميّ، البعيد، بما لا يقاس، عن المعنى الحقيقيّ لميلاد ربّنا ومخلّصنا وفادينا الذي انتظرته البشريّة منذ سقوطها؟
 
وهناك من يطلق على بعض التصرّفات تفسيرات يلبسونها ثوب التقليد الليتورجيّ أو حتّى الكتابيّ، فتجدهم يتركون الشجرة منصوبة بانتظار زيارة الكاهن لبيتهم، لنضحها بالماء المقدّس بعد عيد الظهور الإلهيّ، حتّى ولو تأخّرت زيارة الكاهن إلى ما بعد نهاية شهر كانون الثاني، معلِّلين ذلك بأنّه تقليد كنسيّ، وكأنّ الشجرة هي ميلاد سيّدنا يسوع المسيح وهي التي تختصر كلّ معانيه.
 
لا نُنكر هنا على الناس إضافة بعض التغييرات واللمسات التجميليّة إلى منازلهم على سبيل التغيير وكسر الروتين اليوميّ، ولم لا؟ التعبير الخارجيّ والمادّيّ عن الفرح جيّد، لكن مع الانتباه إلى عدم الوصول إلى حدّ المبالغة والمغالاة في التعبير الخارجيّ، على حساب الاهتمام بجوهر المعنى الروحيّ للمشاركة بالاحتفال الكنسيّ بالعيد.
 
متى سنستفيق من السُّبات الدنيويّ؟ متى سنعرف أنّنا، منذ نزولنا في جرن المعموديّة، اصطَبغنا بصبغة الروح القدس، واقتَبَلْنا جسدَ ودم مخلّصنا الذي ولد على الأرض من أجلنا، من أجل تحريرنا من قيود العالم، ومن أجل رفعنا إليه، لنكون بصحبة ملائكته وقدّيسيه.
 
ليكن فرحنا بميلاد ربِّنا فرحًا سماويًّا، فرحًا حقيقيًّا لا ينزع منّا، فرحًا لا يجلبه ورق ملوَّن وأضواء، وأموال نبذّرها في الأسواق.
 
يقول الربّ يسوع عن تلاميذه وأخصّائه: "ليسوا من العالم كما أنّي لست من العالم" (يو 17:16).