الأحد 25 أيَّار 2015

الأحد 25 أيَّار 2015

25 أيار 2015
 
الأحد 25 أيَّار 2015        
العدد 21
أحد آباء المجمع المَسْكُونِيّ الأَوَّل
اللَّحن السَّادِس الإيوثينا العاشِرَة
 
 
* 24: أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوَّل، البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب. * 25: وجود هامة السَّابِق ثالثًا. * 26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حَلْفَى. * 27: الشَّهيد في الكهنة ألَّاذيوس، يوحنَّا الرّوسيّ. * 28: أفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المُتَبَالِه.   * 29: وداع الصُّعود، الشَّهيدة ثاودوسِيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريَّة. *30:  سبت الأموات، البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدَّلْمَاتُن، البارَّة إيبوموني.
 
الــــرِّعَــــايَة
بعد قيامته من بين الأموات ظهر الرَّبُّ يسوع للتَّلاميذ في الجليل، كما سبق وأمرهم، فأعطاهم الوصيَّة التَّالِيَة:
 
"اِذْهَبُوا وتَلْمِذُوا كلَّ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُم باسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ، وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كلَّ ما أَوْصَيْتُكُم به، وها أنا مَعَكُم كلَّ الأيَّامِ إلى انْقَضَاءِ الدَّهْرِ" (متَّى 28: 19-20).
 
تذكَّرُوا، أيضًا، ما يَذْكُرُ الإنجيل أكثر من مرّة: "كان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلِّم في مجامعها ويكرِزُ ببشارة الملكوت ويشفي كلّ مرض وكلّ ضَعْفٍ في الشَّعب" (متى 9: 35).
 
أخيرًا وليس آخِرًا، ظهر للتّلاميذ في عشيَّة أحد الفصح و"نفخ فيهم وقال لهم خذوا الرُّوح القُدُس من غَفَرْتُم خطاياه تُغفر له ومن أَمْسَكْتُم خطاياه أُمْسِكَت" (يوحنَّا 20: 22-23).
 
في هذه المقاطع الإنجيليَّة وغيرها، يَحُثُّ تلاميذه (ومنهم طبعًا الكهنة الرُّعاة) من خلال الاِقْتِدَاءِ به ومن خلال وصاياه على واجب التَّعليم والبِشَارة وممارسة سرّ الاِعتراف وغفران الخطايا وشفاء النَّفْسِ والجسد.
 
كذلك، نرى الرّسول بولس يتوجَّه إلى تلميذه تيموثاوس بقوله: "كُنْ قُدْوَةً للمؤمنين"، وأيضًا "اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ... لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ"(1 تيموثاوس 4: 11 و12 و13 و16)، ممّا ينتج على أنَّ الكاهن عليه أن يتعب على نفسه من أجل الوعظ والتَّعليم، وأيضًا من أجل شفاء نفسه ونفوس الآخَرِين.
 
طبعًا، كلّ واحد مِنَّا له مواهبه وضَعَفَاتِه. علينا، نحن الرُّعاة، أن نعرف ونعترف بضَعَفَاتِنَا حتَّى، على الأقلّ، نضبط الضَّعْفَ حتَّى لا يكون عَثَرَة. في الوقت نفسه، علينا أن نُنَمِّي مواهبنا في سبيل بنيان الكنيسة جسد المسيح. بهذه الطَّريقة تُسَاهِم الكنيسة، بواسطتنا، نحن الأطبَّاء الرُّوحيِّين، في رعاية النُّفوس وشفائها.
 
* * *
 
هنا، وأتوجَّه بخاصَّة إلى الرَّعاة الكهنة الأحبّاء، الكاهن الرَّاعي لا يُطَالِبُ بحقوقٍ، له فقط واجِبَات. يقول النَّبيّ حزقيال: "ويلٌ لرعاةٍ يَرْعُونَ أنفسهم... إنَّكُم تأكلون الألبان وتلبسون الصُّوف... لكنكم لا تَرْعون الخراف... الضِّعاف لم تُقَوُّوها، والمريضة لم تُدَاوُوها، والمكسورة لم تُجَبِّرُوهَا، والشَّارِدَة لم تَرُدُّوها، والضَّالَة لم تَبْحَثُوا عنها" (حزقيال 34).
 
في العهد الجديد، وبدقَّة، نلمس عمل الرَّاعي العميق، الأساسيّ، في اتِّباع مِثَال الرَّبّ يسوع الرَّاعي الصَّالِح وحده. يقول: "أنا هو الرَّاعي الصَّالِح، الرَّاعي الصَّالِح يَبْذُلُ نفسه عن الخراف".
 
لقد مارس الرَّبُّ يسوع هذه الرِّعاية بموته على الصَّليب. يقول في سفر الرُّؤيا: "الحَمَلُ الَّذي في وسط العرش سَيَرْعَاهُم" (رؤيا 7: 17). "هوذا في وسط العرش حَمَلٌ قائم كأنَّه مذبوح... معروف سابقًا قبل تأسيس العالم" (رؤيا 5: 6 و1 بطرس 1: 20).
 
لقد مارس الرَّبُّ هذه الرِّعاية طيلة حياته على هذه الأرض بتضحيته، وهو يتألمَّ سرِّيًّا من أجل محبّة الإنسان وخلاصه منذ إِنْشَاء العالم وحتَّى إلى آخِر الدُّهور. هذا هو المَثَلُ الأَعْلَى للاِقْتِدَاءِ به.
 
                                                                                                                                          + أفرام
                                                                                                                       مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن السَّادِس
 
إنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبرِ طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البَتُولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
طروباريَّة الصُّعود باللَّحن الرَّابِع
 
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوحِ القُدُس، إذْ أَيْقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ابْنُ اللهِ المنْقِذُ العَالَم.
 
طروباريَّة الآباء باللَّحن الثَّامِن
 
أنتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبِهِم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جَزِيلَ الرَّحْمَةِ المجدُ لك.
 
القنداق باللَّحن السَّادِس
 
لـمَّا أَتْمَمْتَ التَّدْبِيرَ الَّذي من أَجْلِنَا، وجَعَلْتَ الَّذينَ على الأرضِ مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنَا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابِتًا بغيرِ افْتِرَاقٍ وهاتِفًا: أنا مَعَكُم وليسَ أحدٌ عليكُم.
 
 
الرِّسَالَة
أع 20: 16-18، 28-36
 
مُبَـارَكٌ أَنْـتَ يا رَبُّ إلـهُ آبـائِـنَا  
فَإِنَّكَ عَدْلٌ في كُلِّ مَا صَنَعْتَ بِنَا
 
في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كانَ يَعْجِلُ حتَّى يكونَ في أورشليمَ يومَ العَنْصَرَةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قالَ لهم: احْذَرُوا لِأَنْفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ الرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الَّتي اقْتَنَاهَا بدمِهِ. فَإِنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذَهَابِي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُونَ بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، اسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِهِ القادِرَةَ أَنْ تَبْنِيَكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا يَنْبَغِي أنْ نَتْعَبَ لِنُسَاعِدَ الضُّعَفَاء، وأنْ نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قالَ هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.
 
الإنجيل
يو 17: 1-13
 
في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعْطَيْتَهُ لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياةُ الأبديَّةُ أنْ يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرْسَلْتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مَجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَنِي لِأَعْمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَكَ من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ اسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعْطَيْتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدْتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاءِ هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ احْفَظْهُمْ بـاسْمِكَ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ مَعَهُم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم باسْمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ابْنُ الهَلاكِ لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهِم.
 
في الإِنجيل
 
"وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّكَ أَرْسَلْتَنِي". من هنا يأتي الإيمان المسيحيّ، من هذه المعرفة أنّ يسوع المسيح الإنسان هو ابن الله الوحيد الَّذي وُلِدَ من الآب قبل الدُّهور، والَّذي أرسلَهُ الآبُ في "ملءِ الزّمان" ليُخلِّصَ البشر ويهبهم الحياة الأبديَّة. 
ما هي الحياة الأبديَّة؟. "هذه هي الحياة الأبديَّةُ أنْ يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح".
 
كيف يعرفُ البشرُ الله؟. عندما يصيرون "واحِدًا"، بالنّعمة الإلهيّة، مع الله المثلَّث الأقانيم بواسطة اتّحادهم بالابن المتجسِّد بقوّة الرّوح القدس. 
 
ما هي الطّريق لهذه الوَحْدَة مع الله وفيما بين المؤمنين؟. أن يكونوا قد "حَفِظُوا" كلام الله الآب المنطوق بابنه في روحه القدّوس.
هؤلاء هم آباء الكنيسة الَّذين حفظوا الإيمان وعلّموه وأوضحوه بصورِ التّعابير البشريّة الَّتي تُخبِرُ عن سرِّ الله المُعلَن للبشريّة في ابنه. كلُّ تعبير ناقِص أمام هذا السرّ، لكن من خَبِرَ حقيقة الله المثلَّث الأقانيم يستطيع أن ينقلَ للبشر هذا الإعلان من ضمن حدود محدوديَّة مخلوقيّة الإنسان.
 
كلّ الخليقة لله، لأنّه هو الخالِق. لكن، ليست كلّ الخليقة مع الله بسبب الحرّيّة. الله أدّب البشريّة بالنّاموس حتّى ترتقي إلى الحبّ الإلهيّ، هذا الحبّ الّذي كشفه في ابنه المتجسِّد، المتأنِّس، المتألِّم، المصلوب، المدفون، والقائم من بين الأموات والصَّاعِد إلى السّماوات والجالِس عن يمين الآب في مجده والمرسِل روحه القدُّوس لأجل حياة العالم...
هذا هو إيمان كنيستنا المقدَّسة الَّذي عرفه المؤمنون عبر الأزمنة من خلال تعليم الكنيسة، ومجامعها المقدَّسة الّتي أوضحته من خلال آبائها القدِّيسين.
 
"لستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاءِ هم في العالم". المؤمنون بيسوع، تلاميذه، الآباء القدِّيسون ونحن، هذه سلالة يسوع في العالم. إنَّنا مسؤولون عن مَدِّ هذا الإيمان وهذه المعرفة لله في المسكونة قاطبة. هذه هي شهادتنا، هذه هي حياتنا، هذه هي قداستنا.
المسيحُ صَعِدَ إلى السَّماوات، وبَقِيَتْ الكنيسةُ أيقونةَ ملكوتِ الله وعربونَ حياةِ الدَّهر الآتي، رسم اتِّحاد السَّماء والأرض في عطيَّة الحبّ الإلهيّ بالابن المتجسِّد وسُكْنَى الرُّوح الإلهيّ في البشر بمشيئة الآب.
 
من يحبّ الله، من يطيع الآب بالابن في الرُّوح القدس يحقِّقُ مشيئة الثّالوث: "لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهِم". هذه هي أيقونة الأرثوذكسيّة وشهادتها في العالم أن تُتَمِّمَ الكلمة: " ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ"...
 
 
ما بعد الصَّليب والقيامة؟!...
 
"إلى أين نذهب؟!. كلام الحياة الأَبديّة عندَكَ"...
 
وكان هذا جواب بطرس الرّسول للرّبّ يسوع حين احْتَدَّتْ روحُ المُسَاءَلَة عند يسوع إذ عَلِمَ يقينًا أَنّ كلّ التّلاميذ سيتركونه مُعَلَّقًا وحده على الصَّليب، وربَّما يُنْكِرُونَه أيضًا وأيضًا... ما عَدَا أُمّه والحبيب والنِّسْوَة الحاملات الطِّيب...
 
وتَنَزَّلَ الوَجَعُ الأَكبر... أَنّ الإنسانَ، مخلوقُ الله على صورتِه ومثالِه، سَقَطَ في الجُبِّ العميقِ الهُوَّةِ هارِبًا من وجهِ الإلهِ إذ صرخَ له: أَين أَنتما يا آدمَ وحوَّاء؟!... لماذا تَخْتَبِئَانِ عَنِّي... أَنا وأَنتما والطُّيور المُغَرِّدَة نَحْيَا في الفردوس... ماذا لكما ولي؟!...
 
وكانت الكذبة الأُولى للبشريّة!!.
 
كَذَبَ الإنسانُ على الإله!!. قتلَ روحَ اللهِ في كيانِه، في قلبِه، في حِسِّهِ، ولم يَعُدْ يَسْمَع... وحَزِنَ الكونُ الَّذِي خلقَهُ اللهُ في أَيّام خَلْقِهِ... إذ أَعْلَى الإلهُ الرَّأسَ عن وجعِه بعد الحزنِ وقالَ: اذْهَبَا إلى التُّرَابِ الّذي منه جُبِلْتُمَا وابْقيَا في عهدةِ أَميرِ هذا العالم الَّذي اخترتُمَاه... لأَنّكما بغضتما الإله، ربَّ ومَلكَ العالم... أَنتما تغَرَّبتُمَا عنّي وعن عطائي... فانزلا إلى الأَرضِ الَّتي ابْتَلَعَتْكُمَا وأَنتما حيَّيْنِ لإطفاء روح الله فيكما... 
 
وكان سكون!!. صارَ صَمْتُ الله، هو الحياة!!. ماتَ وجهُ اللهِ الَّذي على الأَرض!!. تفكَّكَتْ روابِطُ البشرِ ببعضهم البعض... وسأل الإنسان نفسه... أَهذا أَخي؟... أَهذا أَبي؟... أَهذه أمّي؟... أَهؤلاء إخوتي؟... أَصدقائي؟!... معلِّميّ؟!... خِلَّاني؟!... إلخ...
في تلك الأَيّام، لم يعرف الإنسان ما في قلبه، في كيانه. صار كلّه "هَوًى" من أَهواء نفسه وحِسِّه... فَأَنْجَبَ للموت، أَنْجَبَ للحياة الفانِيَة، إذ ابْتَعَدَ عن مُلْكِ أَبيهِ السّماويّ... عن روحِه...
 
وقتلَ الإنسانُ يسوعَ الإله ابن الإله الآب، لأَنّه صرخ في وجهه أنّه قتل الحبّ!!. قتل الثِّقة والعمق الَّذي زرعه الله فيه، فصار رمادًا، ينفخه الرّيح ليُذَرِّيه عبر الكون...
 
صار الكون كلّه مَحَطًّا لأَقدام الَّذين لا إله لهم، ولا حجّة، ولا حياة في أَنْفُسِهِم... قتلوا ربَّهُم وخالقَهُم...
 
وصرخ يوحنّا المعمدان ربوبيّة الآتي... يسوع... "توبوا فقد اقترب ملكوت السَّماوات"!!...
لم يصدِّقْهُ البشر!!. مَن أَنْتَ حتَّى تعلِّمَنَا؟!... قطعُوا رأسَه حتَّى يُصْمِتُوه!!... تخلَّصُوا من صوتِه، وصار هذا هو السُّقوط... أي الاِكتفاء بالذَّات واستعمال الآخَرِين كلّ الآخَرِين، أَدوات له، حتَّى متى انتَهَى الإنسان منهم رماهم، قَاذُورَات في سلال المُهْمَلَاتِ الَّتي هي الكون، الّذي يحيا فيه، الّذي خلقه من نوازِعِ حِسِّه وأَهوائِه...
 
وحلَّ الموت على رؤوس ونفوس البشريّة!!... صرخ الله أَنا، أُرْسِلُ ابني الَّذي به سُرِرْتُ فله اسْمَعُوا!!... 
ولم يسمع الإنسان، بل نقض وأَمات الشّريعة والأَنبياء... وصوت الله، حتَّى الإله المتجسِّد لخلاصه، أَنكره، مُعَلِّقًا إيّاه على الصَّليب...
هكذا مات كون الله والإنسان والحياة!!!... فصرخ أَيضًا يسوع في قلوب ونفوس مختاريه، ابن الله: "لا تخافوا... أَنا قد غَلَبْتُ العالم"... هكذا بَقِيَ السَّبعة آلاف الَّذين لم يُحْنُوا رُكْبَةً لِبَعْل أَحياء من الله وفيه... والرُّسل والأَنبياء والآباء وكلّ مَن قال ليسوع المسيح الإله-الإنسان ربّ السّماوات والأَرض..
.
أَنتَ ربُّنا وإلهُنا... إلى مَنْ نذهب؟!. كلامُ الحياةِ الأَبديَّة هو عندَك.