الأحد 19 نيسان 2015

الأحد 19 نيسان 2015

19 نيسان 2015
 
الأحد 19 نيسان 2015        
العدد 16
أحد توما
 
الإيوثينا الأولى
 
 
*20: البارّ ثاوذوروس الشَّعريّ، أنستاسيوس بطريرك أنطاكية المعترِف، زكَّا العشّار *21: الشَّهيد في الكهنة ينواريوس ورفقته، أنستاسيوس السِّينائيّ. *22: ثاوذوروس السِّيقيّ، الرَّسول نَثَنَائِيل. *23: العظيم في الشُّهداء جاورجيوس اللَّابس الظَّفَر.
*24: البارَّة أليصابات العجائبيَّة، الشَّهيد سابا. *25: الرَّسول مرقس الإنجيليّ.
 
قَبْرٌ فَارِغٌ ... لَحْدٌ مُشْرِقٌ
 
دربٌ صياميّ زمانه نحو خمسين يومًا نعدو به بخطى واثقة، وبلهفة الاشتياق، مع المسيح الرّبّ، جناحان روحيّان قوامهما الصّوم والصّلاة، يحملاننا في علوِّ ليتورجيّ شاهِق. نرتحل عبرهم للوصول إلى حافّة نقف عليها مع المائت على الخشبة، المعلَّق مرتفعًا مغيِّرًا مفهوم الرِّفْعَة والارتفاع. ولننزل معه حيث الأبواب الموصودة بالظّلمة والخطيئة وشيطان القهر، ونسمع مع السّامِعين صوته الصّارِخ بقوّة لاهوته "ارفعوا أيَّها الرُّؤساء أبوابكم، وارتفعي أيّتها الأبواب الدّهريّة. ليدخل ملك المجد" آتيًا محرِّرًا مفكِّكًا بحبّه أَغْلَال الظُّلم والخديعة ومُطلِقًا القابِعِين بيأسهم إلى الاستمتاع بشذى موسيقى: "المسيح قام من بين الأموات، ووطِئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور"، ليُجِيبُوا بلحن العيد الحقّ "استنيري، تهلَّلِي، إِفرحي، إِطربي، أَشرقي...، يا أورشليم، يا صهيون، يا والدة الإله..." لتصبح هذه المدن والشّعوب انعكاس متكامِل فينا، فتكون أورشليم هي موضع القلب وصهيون الذّهن ووالدة الإله اكتمال التحامهما في الشّخص الّذي ترجوه كلّ الخليقة.
 
لتصير القيامة الحَقَّة هي عيشنا لها عبر انتقالنا من الموت المتشبِّث بعقولنا وأجسادنا الدّنيويّة، ذاك الموت اللُّصوصِيّ المستشرِي في طيّات وجودنا ضاغطًا على كينونتنا المَنْسِيَّة، والطَّاغي على حقيقة دعوتنا النّهضويّة والإيمانيّة بالقيام والتّغيّر نحو الألوهة، منجذبين بكلّ طاقاتنا الكامِنَة والقوّة والإمكانيّة الّتي نحملها في إنساننا الدَّاخليّ، والّتي طالما نستعملها ونفجّرها حزنًا وغضبًا وألمًا ومعاناةً، منهزِمِين في كلّ محاولاتنا الفاشلة لتغيير واقعنا الأليم، ذلك لأنّها متَّكِلةً على أناها الفرديّ.
 
لتأتي القيامة لتكون حدثًا تبديليًّا يسلخنا عن الواقع القديم، وليرفعنا لقلب ينبض حياةً جديدةً، وذهنًا يسطَعُ فيه النّور المتجلّي من القبر الفارغ، المشرق بطريقة يستحيل وصفها إلَّا من خلال خبرة الاقتران بها عبر عيشها بدءًا من الصَّليب إلى قيامة وجهةٍ جديدة. القيامة، هي ولوجنا لعالم الإله، هي خوضنا لغماره، واستسلامنا برضى في الفرح والرّاحة والجمال، هي نشوة اضمحلال وانعدام الحزن والألم.
هذه دعوةٌ للمسارَعَة من أجل امتلاك الفرح والمضيّ فيه، دعوة فيها صدق ونقاء، صدق القبر الفارِغ الَّذي بإفراغه له يقدر أن يفرغ من حياتنا ما يعتريها من شوائب مترسِّبَة في شخوصنا، بفيضه النّقاء من النّور السّاطع على النّسوة اللّواتي بدلًا من مجيئهنّ لتضميخه بالطّيب باكرًا صبيحة يومٍ جديد، رَحَضَهُنَّ بنبأ شروقه، مرسِلًا لهنَّ لينشروا عطر قيامته على الرّسل، الّذين نحن بدورنا سلالتهم المنعشة لنحمل للعالم عبيرًا يشدّهم لنبع الحياة وتعلن الأرض الجديدة والسّماء الجديدة باتّحادنا به، فتكون هذه هي مسيحيّتنا، ومسحنتنا للخليقة بتعميدها بابتسامة القيامة المرتسمة على وجوهنا، وختم ميرونها سلوكنا نهج فادينا، وكهنوتها وديعة وأمانة تلهب تكاسلنا وخوفنا، قيامة سرّها سرّيّته تنبع من انتفاء عبارات تصف الرّوعة بدقّة أجمل من عبارة المسيح قام ... حقا قام. 
 
الأسقف قسطنطين كيّال
رئيس دير مار الياس شويا- البطريركي
 
طروباريَّة الأحد الجديد باللَّحن السَّابِع
 
إِذْ كانَ القبرُ مختومًا أَشْرَقْتَ منهُ أيُّها الحياة، ولمَّا كانَتِ الأبوابُ مُغْلَقَة، وَافَيْتَ التَّلاميذَ أيُّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكُلّ. وجَدَّدْتَ لنا بهم روحًا مُسْتَقِيمًا، بحسبِ عظيمِ رحمتِك.
 
القنداق باللَّحن الثَّامِن
 
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إلَّا أَنَّك دَرَسْتَ قوَّة الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسْوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الوَاقِعِينَ القِيَام.
 
الرِّسَالَة
أع 5: 12-20
 
عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا وَعَظِيمَةٌ هِيَ قُوَّتُهُ
سَبِّحُوا الرَّبَّ فَإِنَّه صَالِحٌ
 
في تلكَ الأيَّامِ جَرَتْ على أَيْدِي الرُّسُلِ آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعبِ. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةِ في رِواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرِينَ يَجْتَرِئُ أَنْ يُخَالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعْبُ يُعَظِّمُهُم. وكانَ جماعاتٌ مِنْ رجالٍ ونِساءٍ ينضَمُّونَ بِكَثْرَة مُؤمِنينَ بالرَّبِّ) حتَّى إنَّ النَّاسَ كانوا يَخْرُجُونَ بالمَرْضَى إلى الشَّوارِعِ ويضعونَهُم على فُرُشٍ وأَسِرَّةِ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بُطْرُسَ عنِدَ اجْتِيَازِهِ على بَعْضٍ مِنْهُم. وكانَ يَجْتَمِعُ أيضًا إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المُدُنِ الَّتي حوْلَهَا يَحْمِلُون مَرْضَى ومُعَذَّبِينَ مِنْ أرواحٍ نَجِسَة. فكانُوا يُشْفَوْنَ جَمِيعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الَّذينَ معهُ وهُمْ مِن شِيعَةِ الصَّدُّوقِيِّينَ، وامْتَلَأُوا غَيْرةً، فأَلْقُوا أيدِيَهُم على الرُّسُلِ وجَعَلُوهُم في الحَبْسِ العَامّ، ففَتَحَ ملاكُ الرَّبِّ أبوابَ السِّجْنِ ليلًا وأَخْرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقِفُوا في الهيكلِ وكَلِّمُوا الشَّعْبَ بِجميعِ كَلِمَاتِ هذه الحياة.
 
الإنجيل
يو 20: 19-31
 
لـمَّا كانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوعِ والأَبوابُ مُغلَقَةٌ حيثُ كانَ التَّلاميذُ مُجْتَمِعِينَ خوفًا مِنَ اليَهُودِ، جاءَ يسوعُ ووقَفَ في الوَسْطِ وقالَ لَهُم: السَّلامُ لكم. فلمَّا قالَ هذا أَراهُم يَدَيهِ وجَنْبَهُ. ففرِحَ التَّلاميذُ حينَ أَبصَرُوا الرَّبَّ، وقالَ لهم ثانيةً: السَّلامُ لَكُم. كما أَرْسَلَنِي الآبُ كذلكَ أنَا أُرْسِلُكُم. ولمَّا قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خُذُوا الرُّوحَ القُدُسَ، مَنْ غَفَرْتُمْ خطاياهُم تُغْفَرُ لهم، ومَن أَمْسَكْتُمْ خطاياهُم أُمْسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ الَّذي يُقَالُ لهُ التَّوْأَمُ فلم يَكُنْ مَعَهُم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التَّلاميذُ الآخَرُونَ إنَّنَا قد رَأَيْنَا الرَّبَّ. فقالَ لَهُم إنْ لم أُعَايِنْ أَثَرَ المَسَامِيرِ في يدَيْهِ وأَضَعْ إِصْبَعِي في أَثَرِ المَسَامِيرِ وأَضَعْ يَدِي في جَنبِهِ لا أُؤمِنِ. وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذُهُ أيضًا داخِلًا وتوما معَهم، فأتى يسوعُ والأبوابُ مُغْلَقَة، ووقَفَ في الوَسْطِ وقالَ السَّلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتِ إِصْبَعَكَ إلى هَهُنَا وعَايِنْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعْهَا في جَنْبِي ولا تَكُنْ غيرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا. أجابَ توما وقالَ لهُ رَبِّي وإِلَهِي. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت. طوبىَ  للَّذينَ لَمْ يَرَوْا وآمَنُوا. وآياتٍ أُخَرَ كثيرةً صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تُكْتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كُتِبَتْ لتُؤْمِنُوا بأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله. ولكي تكونَ لكم إذا آمنتُم حياةٌ باسمِهِ.
 
في الإنجيل
 
يُطَالِعُنَا إنجيلُ اليوم بِشَكِّ توما وبيقينه حول قيامة الرّبّ. توما، التَّوْأَم، لم يكن مع التّلاميذ في ظهور السّيّد الأوّل عليهم. أين كان توما حين أتى الرّبّ إلى التّلاميذ للمرَّة الأولى؟، لما لم يكن مُخْتَبِئًا معهم؟، ألم يكن خائفًا مثلهم؟.
 
كان توما عفويّ الطّبع في ردّات فعله، كما نستقرأ ممّا ذُكر عنه في الأناجيل. ففي رواية إقامة لعازر، نرى توما يقول للتلاميذ، بعد تحذيرهم للرّبّ من أنّ اليهود يريدون قتله، "لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!" (يو 11: 16). وفي موضِعٍ آخَر، حين يقول الرّبّ لتلاميذه: "(...)في بيت أبي منازل كثيرة(...) أنا أمضي لأُعِدَّ لكم ‏مكانًا(...) وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطّريق"، نرى توما يقول، بكلّ بساطة، "يا سيّد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطَّريق"، فيجيبه يسوع: "أنا هو الطّريق والحقّ والحياة".
توما إنسان المعرفة الخِبَرِيَّة. لا يطلب المعرفة العقليّة بل أن يلمس، أن يَلِجَ كيانيًّا إلى ما يطلب إدراكه. ليس إنسان فلسفة ومعرفة تحليليّة، هو إنسان التَّذَوُّق. لذا، لم يَعْنِ له شيئًا أن يقول له رفاقه، تلاميذ السّيّد، بأنّهم عاينوا الرّبّ النّاهض من بين الأموات، فقد أردف تلقائيًّا، وبجواب فظّ، "إنْ لم أُعَايِنْ أَثَرَ المَسَامِيرِ في يدَيْهِ وأَضَعْ إِصْبَعِي في أَثَرِ المَسَامِيرِ وأَضَعْ يَدِي في جَنبِهِ لا أُؤمِن". لم يكن الموضوع موضوع تشكيك بالرّسل الآخَرين، كانت المسألة، بالنّسبة إليه، مسألة كيفيّة لمس هذه الحقيقة الّتي تخالف نظام الوجود القائم، والمبني على واقع ثابت مُختَبَر، وهو أنّ الموت قابِض على كلّ خليقة!.
 
لذلك، نرى توما يعترف بربوبيَّة يسوع، "ربّي وإلهي"، أي بسيادته المُطْلَقَة على الحياة والموت، بمجرَّد ظهور الرّبّ أمامه ودعوته إيّاه لتلمُّس حقيقة قيامته بالجسد.
 
كلّنا، كَتُومَا، نطلب أن نلمس وجود الرّبّ القائم بالجسد، حتّى نؤمن. لكنّ الرّبّ بِتُومَا، وهبنا يقين قيامته بالجسد. فصار إيماننا مَبْنِيًّا على شهادة الرُّسل ومن آمن بواسطتهم على مدى الأجيال، حتّى نصير، نحن، بثقتنا بهذا الإيمان "المُسَلَّم مرَّةً للقدِّيسِين" (رسالة يهوذا، الآية 3) شهودًا لهذه الحقيقة إلى أقصى المسكونة، ومصابيح ناقلة لنور القيامة إلى الخليقة أجمَع.
مسؤوليّتنا، كمسيحيّين، أن نكون إيقونات لقيامة الموتى من قبور هذا الدّهر، بانتظار تجدُّد الخليقة في الدّهر الآتي، إذ يرى فينا الأمم بشرًا إلهيّين...
 
 
هل يتخلَّى عنّا الله؟
 
غالبًا ما نردِّد في مقولاتنا، كلمات وتعبيرات ورِثناها من محيطنا، ونقلناها عمَّن سبقونا، من دون تدقيق في فحواها، أو تأمّل في معناها.
تصيب أحدًا ما نائبة، أو يقع في ضيق أو شدّة، أو يجلب على نفسه -بتهوره أو بانقياده لأهوائه– ضررًا أو خسارة، فنسمع منه وممّن حوله تعبير "ساعة تخلّي".
 
تخلِّي؟! تخلِّي مَنْ عن مَنْ؟. ننطق بهذه العبارة، ويبدو كأنَّنا نلقي باللَّائِمَة على الرّبّ لأنّه تخلّى عنّا!!. وبذلك، نبرّر سقوطنا وأخطاءنا، ونتعلّل بأسباب خارِجَة عنّا، ونبرز أنفسنا ضحايا لتخلِّي الرّبّ عنّا.
 
لنقف لحظة ولنتأمّل في هذا القول، ولنستذكر علاقة الله بمخلوقاته، هل هو يخلقهم ويرميهم لمصير غامِض ولا يهتمّ لأمرهم؟!... 
أليسَ هو من يعطينا نسمة الحياة من روحه المحيي؟!...
 
أليسَ هو من خلق الشّمس لتنيرنا وتدفئنا؟، والهواء ليملأ صدورنا وينقّي دماءنا؟، ومَنْ يبثُّ الحياة في كلّ خليّة من خلايانا، وقد وضع لها ناموسًا تعمل به لتحافظ على حياتنا، وتدفع كلّ عضو من أعضائنا ليقوم بوظيفته على أكمل وجه؟!...
لن نعدِّد كلّ ما يمنحنا إيّاه الله من خيرات وبركات وهِبَات، لأنّ الزّمن كلّه لن يكفينا لذلك. ولكن، دعونا نتأمَّل في تعاليمه وفي ما يقوله لنا. أليسَ هو الرّاعي الصّالِح الّذي يبحث عن الخروف الضّائع؟!... أليسَ هو الحضن الّذي أخذ الابن الضّال بين ذراعَيْه، بعد ابتعاد هذا الأخير عنه ورفضه البقاء معه، ليعيش حياته على هواه؟!... لننظُرْ إلى ما فعله من أجلنا نحن العُصَاة المتمرِّدِين. أَلَمْ يُخْلِ ذاته آخِذًا صورةَ عبدٍ من أجلنا؟!... ألم يقبل الهوان والتّقريع واللَّطَمَات؟!... ألم يُسمَّر على الصّليب؟!... ألم ينحدر إلى ظلمة القبر؟!... 
كل هذا من أجل مَن؟!...
 
ونأتي، نحن، الآن ونقول إنّه يتخلّى عنّا؟!... هل يُعْقَلُ أن يتخلَّى عن جبلته الّتي افتداها بدمه، ونزل إلى الأرض ليخلِّصَها، ويرفعها معه إلى مجد ملكه السّماويّ ويمنحها التّألُّه بنعمته؟!...
 
هنا، نستخلص حقيقةً يجب أن تكون في ذهننا وتفكيرنا وإيماننا دائمًا، وهي، أنّ من يتخلَّى عن الآخَر، في علاقتنا بالله، هو نحن. نحن الّذين نتركه ونبتعد عنه كالابن الضّالّ، ونسلم نفوسنا إلى بحر هذه الدُّنيا، تتقاذفنا أمواجه وتودي بنا إلى الهلاك.
يا إخوة، الله خالقنا وراعينا ومعيننا ومنقذنا وفادينا، هو نورنا وخلاصنا، وهو معنا في كلّ لحظة وفي كلّ ثانية، في اللّيل والنّهار، في صحونا ومنامنا. تغفو عيوننا وهو لا تغفل عين عنايته عنّا. هو لا يتخلّى عنّا. يكفي أن نجعل له مكانًا في حياتنا، وأن لا نتخلّى نحن عنه. 
معنا هو الله. آمين.
 
 
سيِّدي الكُلِّيّ الحَلَاوَة!
 
"عظيمٌ أنتَ يا ربّ وعجيبةٌ هي أعمالك"، فلا كلامٌ يَكفي لتِسبيحِ عجائبِك!. ها أنذا يا سيِّدي الكلّيّ الحلاوة (أعني) عبدَك البَطَّال، الواقِف أمامَك، أَنْتَظِرُ منكَ استنارةَ المعرفةِ الَّتي مِنْ قِبَلِكَ، لأنّكَ قلتَ يا ربّ: "بدوني لا تقدرون أن تَصنَعُوا شيئًا". فإنّك أنت علَّمْتَنِي ما يختصُّ بك. لأجل هذه النِّعمة، تجرَّأْتُ أن أجلِسَ عند قدمَيْك الطَّاهِرَتَيْن، كأُخْتِ صديقِك لعازَر، لكي أسمعَ أنا أيضًا شيئًا ما، لا عَمَّا يتعلَّق بأُلُوهِيَّتِكَ غير المُدْرَكَة، بل ما يتعلّق بدخولِكَ الجسديّ إلى العالم. لكي أنالَ شعورًا ما بما هو مُفَسَّر في إنجيلِ نعمتِكَ المقدَّس. كيف عِشْتَ معَنا؟!، وديعًا ومتواضعَ القلب، كما قال فمُك الفائق القداسة، في فقرٍ كبيرٍ (مُدْقِع)، وأنت الغنيُّ بالرّحمة، في تعبٍ وعطشٍ طوعًا، وأنت المانِحُ الماءَ الحَيّ للسّامِرِيَّة، كما قلت يا ربّ، "العطشان فليأتِ إِلَيَّ وليشرَب". لأنّك أنت هو نبع الأشفية. من يستطيع أن يُسَبِّح دخولَك إلى العالم (أي تجسّدَك)؟. لكن، أهِّلْني أنا التُّراب، الرَّماد، الهَباء، الَّذي أَخْطَأَ إليكَ كثيرًا، وما زالَ يخطِئُ على الدَّوام، لإدراكِ أعمالِك وأقوالك كلِّيًّا، وأتجرَّأ أن أسألك عنها لكي، بالإيمان، أراك أنت غير المنظور في كلّ الخليقة. إِغْفِرْ لي هذه الجَسَارة. لأنّك عَرَفْتَ أيّها الرّبّ، العالِم مكنونات القلوب، كيف لي العمل بحسب المُسْتَطَاع، أن أتشبّه بك بحسب الجسد. كما أعرفُ أنّه لا يستطيع أحدٌ احتمال الموت من أجل الأعداء، لكن جزئيًّا فقط وِفْقًا لإرادة كُلٍّ منّا. لأنّك أنت يا ربّ إلهٌ كامِلٌ حقًّا، وإنسانٌ كامِلٌ بدون خطيئةٍ، دَخَلْتَ هذا العالم واحْتَمَلْتَ كلّ شيء من أجل الجميع. من لا يتعجَّب من تنازُلِكَ الَّذي لا يوصَف، وأنت إلهٌ غير مُدْرَك، كلّيّ القوّة، ضابطُ الكلّ، جالِسٌ على الشّاروبيم الّذين يُدْعَونَ الحكمة الغزيرة. من أجلنا نحن تواضَعْتَ، وتقبَّلْتَ ولادةً واغتذاءً، اضطهاداتٍ ورجمات، استهزاءاتٍ ولطمات، سخرياتٍ وبصقات، وفي ما بعد صلبًا ومسامير، إسفنجةً وقصبة، خلاًّ ومرارة، بعدها طُعن جنبك بحربة، الّذي منه انْبَعَثَتْ لنا الحياة الأبديّة، من دمِك الكريم والماء. 
 
أُسَبِّح ولادتك من البتول مريم العذراء، الّتي حَفِظْتَهَا عذراء، حتَّى بعد الولادة، كما قبل الولادة وفي الولادة. أَسْجُدُ لك يا مُقَمَّطًا في مغارة ومذود. أُمَجِّدُك أيّها المُرْتَحِل إلى مصر مع العذراء أمّك الطَّاهِرَة، والسَّاكِن في النَّاصِرَة، والخاضِع لوالِدَيْكَ بحسب الجسد. أُسَبِّحُكَ أيّها المُعْتَمِد في نهر الأردنّ من سابقك يا ربّ، والمشهود لك من أبيك والرّوح القدس، الّذي دلّ عليك. أُمَجِّدُك يا أيّها الصَّائم من أجلنا، والمُجَرَّب طوعًا، والمُنْتَصِر على العدوّ، بالجسد الّذي اتَّخذته منّا، مانِحًا لنا الغَلَبَة عليه بحكمتك الَّتي لا توصَف. وعايَشْتَ تلاميذَك مُطَهِّرًا البُرْصَ، مُنْهِضًا العُرْج، مانِحًا النُّور للعميان، واهِبًا النُّطْقَ والسَّمَعَ للصُمِّ والبُكْمِ، مُبارِكًا الخبزات، ماشِيًا على البحر كما على اليابسة، مُعلِّمًا الجموع عن النَّظريّات والأعمال، مبشِّرًا بالآب وبالرّوح القدس والتّهديدات والمواعيد المستَقْبَلِيَّة، مُنْبِئًا عن كلّ ما يقود إلى خلاصنا. مُدْرِكًا العدوّ (قابِضًا عليه)، ومنتزِعًا الأهواء من جذورها بتعليمك الكلّيّ الحكمة. معطيًا الحكمة للأطفال، ومُسْقِطًا العادمي الحكمة الخبثاء، مُقيمًا الأموات بقدرتك الّتي لا يُنْطَقُ بها، وطارِدًا الشَّياطين بسلطانك، كونك إله الكلّ. فلم تَكْتَفِ بفعل هذا، لكنّك أعطيتَ سلطانًا لعبيدك أن يعمَلُوا ما هو أعظم منها، كما قلت يا ربّ. فعظيمٌ هو اسمُك، لأنّه بواسطتك تصير كلّ الأعمال العظيمة عبر قدّيسيك!، آمين.
 
 
أخبـــارنــــا
 
كتاب معنا  هو الله
 
صدر عن دير سيّدة كفتون كتاب للصّغار، بعنوان: "معنا هو الله - قصص من الكتاب المقدّس"، يحوي أهمّ قصص الكتاب المقدّس الّتي تلخِّص تدبير الله الخلاصِيّ، وهي مصوَّرَة برسومات وإيقونات بيزنطيّة. الكتاب في 200 صفحة ملوَّنَة، وسعر النّسخة 20000 ل.ل. يُطلب الكتاب في الأديار وبعض الرّعايا، ومن دار المطرانيّة.