الأحد 14 كانون الأوّل 2025

الأحد 14 كانون الأوّل 2025

11 كانون الأول 2025

الأحد 14 كانون الأوّل 2025
العدد 50

أحد الأجداد القدّيسين

اللحن الثاني، الإيوثينا الخامسة

أعياد الأسبوع:

14: الشُّهداء ثيرسس ورفقته، 15: الشَّهيد في الكهنة آلافثاريوس وأمُّه أنثيَّا، 16: النَّبي حجِّي، ثاوفانُو الملكة العجائبيَّة، 17: النَّبيّ دانيال والفتيَّة الثلاثة، ديونيسيوس أسقُف آجينة، 18: الشّهيد سابستيانوس ورفقته، موذستس أسقُف أورشليم، 19: الشَّهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الروميَّة، 20: تقدمة عيد الميلاد، إغناطيوس المتوشِّح بالله أسقُف أنطاكية مدينة الله العظمى.
 
الأحد الحادي عشرمن لوقا
"أحد الأجداد"

 
هذا الأحد هو الأحد الحادي عشر من لوقا ويُعرف أيضًا "بأحد الأجداد" وهو يأتي قبل ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد وفيه نُقيم تذكار جميع الآباء الأبرار من العهد القديم، من إبراهيم مرورًا بجميع الأبرار وأنبياء العهد القديم الذين حضَّروا وتنبّأوا بمجيء المسيح (المسيّا) المخلِّص.

القراءة الإنجيليّة من لوقا الإصحاح (14: 16- 24) وهي عن مثَل يُعرف ب "مثل المدعوّين إلى العشاء" أو مثل"العشاء العظيم" وهذا المثل قاله يسوع بينما كان مدعوًّا إلى "بيت أحد رؤساء الفرّيسيّين في السبت ليأكل خبزاً" ( 14: 1).

يأتي هذا المثل ردًّا على قول أحد المتّكئين: "طوبى لمن يأكل خبزًا في ملكوت الله". في تعليقه على هذا القول يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ: "يبدو أنّ هذا الرجل كان جسديًّا ومُستمعًا غير مبالٍ بالأمور التي سلَّمها المسيح، ولم يتمكّن من فهم ما تكلّم به المسيح بشكل صحيح، لقد ظنّ أنّ مكافأة القدّيسين هي مكافأة جسديّة وليست روحيّة".

يبدأ المثل بقول الربّ: "إنسانٌ صنع عشاءً عظيمًا ودعا كثيرين فأرسل عبده في ساعة العشاء يقول للمدعوّين". يرى بعض الآباء القدّيسين (كيرللس الإسكندريّ) في هذا الإنسان صورة عن الله "الآب" الذي أرسل ابنه الوحيد، الربّ يسوع المسيح، والذي بحسب الرسول بولس "أخلى نفسه آخذًا صورة عبدٍ صائرًا في شبه الناس" (فيلبّي 12: 7). تبدو الصورة أوضح في هذا المثل بحسب الإنجيليّ متّى (28: 1- 14) إذ يجعل من هذا الإنسان "مَلِكًا صنع عُرسًا لابنه" (متّى 28: 1). لقد أرسل الله ابنه الوحيد ليدعو شعبه إلى الخلاص.

هذا الإنسان النبيل قد جهّز العشاء وأرسل عبده ليقول للمدعوّين: "تعالوا فإنّ كلّ شيء قد اُعِّد" كلّ شيء جاهز ولا ينقص إلّا حضوركم. قد يتوقّع الإنسان أنّه من الصعب رفض دعوة كهذه ولكنّ الأمر الغريب أنّ المدعوّين "طَفِقَ كلُّهم واحدًا واحدًا يستعفون". لقد اعتذر الجميع عن الحضور متعلّلين بأسباب وحجج مختلفة، لكنّها من حيث جوهرها هي واحدة، يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "لم يستطيعوا المجيء وذلك لأنّ الذهن البشريّ عندما يكون منشغلًا بالاهتمامات العالميّة يُصبح ضعيفًا في الاهتمام بالأمور التي لله".

لقد اختصر الربّ يسوع هذه الاهتمامات البشريّة بما يلي: الأوّل اشترى حقلًا، والثاني لديه خمسة أزواج بقر يُريد أن يجرِّبها، أمّا الأخير فيقول إنّه تزوّج امرأة وهو لا يستطيع أن يأتي. هذه النماذج الثلاثة تُلخِّص في جوهرها كافّة الأعذار والاهتمامات البشريّة.

يُفسّر القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ هذه الاهتمامات على النحو التالي: أولّاً، الذي اشترى الحقل هو الإنسان الذي لديه هوى الاقتناء، لقد كان الفرّيسيّون والكتبة متعلّقين بحقولهم، أي بممتلكاتهم الدنيويّة، لم يكن لديهم لا الوقت ولا الرغبة في التفكير في نفوسهم وخلاصها.

أمّا الثاني الذي اشترى خمسة أزواج من البقر، فهي تُشير إلى حواسّ الإنسان الخمس والتي بحقّ يجب أن تُسمّى "بالنير كونها مزدوجة في كلا الجنسين". (العظة 35 من لوقا). هذه الحواسّ هي عطيّة مهمّة من الله وهي تعطينا إمكانيّة التواصل مع العالم الخارجيّ ولكنّ هذه الحواسّ عندما تخضع للشهوة تحيد عن هدفها الطبيعيّ وتُصبح خادمة للشرّير.

أمّا الثالث الذي قد تزوّج، فمن الواضح أنّ الهدف ليس إهانة الزواج والذي هو سرّ مُقدّس، ولكن ما الذي يجب أن يفهم من الزوجة هنا "هو إشباع الشهوات الجسديّة" (غريغوريوس اللاهوتيّ).

يكتب القدّيس يوحنّا الإنجيليّ في رسالته الأولى: "لا تُحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، لأنّ كلّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم". يمكن أن نرى هنا الرابط بين اهتمامات المدعوّين وهذه الأنواع الثلاث من الشهوات التي يذكرها الإنجيليّ يوحنّا. فالأوّل يمثّل شهوة تعظّم المعيشة، أي حبّ اقتناء الممتلكات الدنيويّة. أمّا الثاني فيمثّل شهوة العين، عندما تنحرف الحواسّ عن هدفها الأصليّ، والثالث يمثّل شهوة الجسد وإشباع رغباته.

عندما رفض المدعوّون هذه الدعوة، أرسل السيّد عبده قائلًا: "اخرج سريعًا إلى شوارع المدينة وأزقَّتِها وأدخل المساكين والجدع والعميان والعرج إلى ههنا". لقد سبق الربّ يسوع وأعلن للمتّكئين معه قائلًا: "إذا صنعتَ ضيافةً فاُدع المساكين والجدع والعميان". "لقد اختار الله جهّال العالم ليخزي الحكماء واختار الضعفاء ليخزي الأقوياء" (1 كور 1: 27- 28). لقد رفض المدعوّون من نخبة الشعب ومن الفرّيسيّين، والكتبة العارفين بالكتب المقدّسة ورؤساء الكهنة دعوة الربّ يسوع فأصبحت الدعوة موجّهة إلى العشّارين والزناة والخطأة، "إذ إنّ العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (متّى 21: 31) وأيضًا "كثيرون أوّلون يكونون آخِرين وآخِرون أوّلين "(متى 19- 30) وبرغم ذلك عاد العبد ليقول لسيّده: "قد قضي ما أمرت به ويبقى أيضاً محلّ". فقال السيّد للعبد: "اخرج إلى الطرق والأسيجة واضطرهم للدخول حتّى يمتلىء البيت".

لقد سكب الله رحمته أيضًا على الوثنيّين وهذا ما يشير إليه "الذين في الطرق والأسيجة"، الطريق يشير هنا إلى طريق حياة الأمم الوثنيّة الذين ضلّوا عن طريق التعليم القويم وقادهم ذلك إلى تعاليم خاطئة. أمّا الأسيجة فتشير هنا إلى حياة الخطيئة التي كانوا يعيشونها لأنّ الخطيئة بمثابة السياج أو الحائط الذي يفصلنا عن الله" (القدّيس باسيليوس الكبير).

يقول السيّد للعبد: "اضطرهم إلى الدخول حتّى يمتلىء بيتي" بالطبع لا يحمل الطلب هنا معنى الإجبار بالإكراه، ولكنّه يحمل معنى الإصرار والعزم الثابت للسيّد على إكمال الدعوة إلى العشاء وإن رفض المدعوّون الدعوة فإن هذا لا يثني عزيمة السيّد على أن يُرسل دعوته إلى آخرين، لمن هم من الخارج. يقول السيّد في سفر الرؤيا: "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي (رؤيا 3: 20).

إن الربّ الإله منذ العهد القديم ومرورًا بالعهد الجديد إلى يومنا هذا يستخدم طُرُقًا مختلفة ووسائل متعدّدة من أجل دعوة البشريّة إلى الخلاص لأنّه "يُريد الجميع أن يخلصوا وإلى معرفة الحقّ أن يُقبلوا" ( تيموثاوس 2: 4).

إنّ الآية الأخيرة في إنجيل اليوم "ولأنّ المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون" هي آية مُضافة إلى المقطع الإنجيليّ وهي مأخوذة من ( متّى 12: 14) وقد أُضيفت إلى المقطع الإنجيليّ حتّى يكتمل معنى النصّ.

لقد رأت الكنيسة المقدّسة في مَثَل هذا العشاء صورة عن الوليمة السماويّة المذكورة في سفر الرؤيا، إذ يقول الملاك للإنجيليّ يوحنّا: "اكتب طوبى للمدعوّين إلى عشاء عرس الخروف" ( رؤ 9: 9) هذه الدعوة السماويّة ليست إلا سرّ الأفخارستيّا المقدّسة، المشاركة في جسد الربّ الطاهر ودمه الكريمين.
هذه الدعوة إلى "وليمة الإيمان" نجد لها صدًى في عظة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في الفصح المقدّس، يكتب: "ادخلوا إذًا جميعكم إلى فرح ربّكم، أيّها الأوّلون والأخيرون. أكرموا هذا النهار، المائدة ملآنة فتنعّموا جميعكم. العجل سمين فلا يخرج أحد جائعًا. تمتّعوا جميعكم بوليمة الإيمان"

لقد أرسل الله ابنه الوحيد، كلمة الله المتجسِّد، الذي بذل حياته على الصليب من أجل خلاص العالم فكان هو "المُقرِّب والمُقرَّب، القابل والمُوَزِّع"، والذي أعطانا جسده الطاهر ودمه الكريم المهراق من أجل حياة العالم، فاليوم "إن سمعتم صوته فلا تقسُّوا قلوبكم" (عبرانيّين 3: 15) بل فلنبادر إلى الذي دعانا إلى هذه الوليمة السماويّة حتّى نصير مشاركين الحياة الأبديّة والملكوت السماويّ. آميــن.
 
+ باسيليوس
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبّين

طروباريّة القيامة باللحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.

طروباريّة الأجداد باللحن الثاني

لقد زكّيت بالإيمان الآباءَ القدماءَ، وبهم سبقتَ فخطبتَ البيعة التي من الأمم. فليفتخر القدّيسون بالمجد، لأنّ مِن زَرْعهم أينع ثمر حسيب، وهو التي ولدَتْك بغير زرعٍ. فبتوسّلاتهم أيّها المسيح الإله ارحمنا.

قنداق تقدمة الميلاد باللحن الثالث

أليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة الذي قبل الدهور، ولادة لا تفسّر ولا ينطق بها. فافرحي أيّتها المسكونة إذا سمعت، ومجّدي مع الملائكة والرعاة الذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، الإله الذي قبل الدهور.

الرسالة: كول 3: 4-11 (29 بعد العنصرة)
ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ. كلَّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسِي الربَّ


يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظْهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأميتوا أعضاءَكم التي على الأرض: الزِنَى والنجاسةِ والهوى والشهوةَ الرديئةَ والطمعَ الذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلَكُتم حينًا إذ كنتمُ عائشينَ فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُخْطَ والخُبثَ والتجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم. ولا يكذِبَنَّ بعضُكم بعضًا، بل اخلَعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه، والبَسوا الإنسانَ الجديد الذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بَربريٌّ ولا إسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.

الإنجيل: لو 14: 16-24 (لوقا 11)

قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ صنع عشاءً عظيمًا ودعا كثيرين. فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعوّين: تعالوا فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ. فطفِق كلُّهم واحدًا فواحدًا يستَعفون. فقال لهُ الأوّل: قد اشتريتُ حقلًا ولا بدَّ لي أن أخرجَ وأنظرَهُ فأسألك أن تُعفِيَني. وقال الآخرَ: قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادين بقرٍ وأنا ماضٍ لأجَرِّبَها فاسألك أن تُعفِيَني. وقال الآخر: قد تزوَّجتُ امرأةً فلذلك لا أستطيع أن أجيء. فأتى العبدُ وأخبر سيّدَهُ بذلك، فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: اخرُجْ سريعًا إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها وأدخِلِ المساكينَ والجُدْع والعميان والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ: يا سيّدُ، قد قُضي ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضًا محلٌّ. فقال السيّد للعبد: اخرُج إلى الطُّرق والأسيجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدخول حتّى يمتلئَ بيتي. فإنّي أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئك الرجال المدعوّين، لأنَّ المدعُوّين كثيرون والمختارِين قليلون.
 
في الإنجيل

إنسان صنع عشاء= الإنسان هو الله الآب. دعا= الله يريد أن الجميع يخلصون. عشاء عظيمًا= هو وليمة سماويّة (رؤ 19)، ليست طعامًا وشرابًا، بل سعادة سماوية يذوق المدعوّون بعض أطايبها الروحيّة كعربون هنا على الأرض من مائدة الإفخارستيّا، هو صنع هذا العشاء بموت ابنه على الصليب. ويسمّيها عشاء إذ تُعْطَى في آخر العمر، فلا سعادة تفوقها. ودعا كثيرين= الدعوة وجّهت أوّلًا إلى اليهود ولمّا رفضوها وجّهت إلى الأمم. وأرسل عبده= هو المسيح الذي أخذ صورة عبد. لأنّ كلّ شيء قد أعدّ= لقد تمّ الفداء والتصالح، وانفتحت أبواب السماء للإنسان بعد أن غفر المسيح خطايا البشر بدمه. وحصل البشر على التبنّي.

ابتدأ الجميع= أغلب اليهود رفضوا المسيح، ولكن قلّة آمنت به مثل نيقوديموس. يستعفون= يختلقون الأعذار، لانغماسهم في الزمنيّات والشهوات، وانحدار الفكر نحو الأمور المادّيّة. وكم مرّة دعانا الله للتوبة واعتذرنا. وكم مرّة دُعينا إلى الكنيسة واعتذرنا. ولاحظ أن الله أرسل أنبياءه إلى الشعب اليهوديّ يدعوهم وأخيرًا أرسل ابنه. ولاحظ الأعذار التي قيلت، فهي إنّما تعبّر عن أنّهم منغمسون في الدنيا، لقد ألهتهم الدنيا عن خلاص أنفسهم، أموالهم ومقتنياتهم صارت شغلهم الشاغل وابتعدوا عن الله، وانشغلوا بالأسباب الدنيويّة عن خلاص نفوسهم
.

الأوّل: نجده يصطنع الضرورة= أنا مضطر= هذا لم يشترِ الأرض بل باع نفسه للأرض، هو صار أرضيًّا ونسى أنّه غريب على الأرض، وانهمك في الأرضيّات. هذا مثل من يشغله عمله العمر كله ولا يعطي وقتًا لله.

الثاني: يقول أنا ماضٍ= هو تمسّك بإرادته العنيدة ورأيه الخاصّ، ولاحظ أنّ عذره غير منطقيّ، فمن يشترِ بقرًا يمتحنه قبل الشراء وليس بعده. وامتحان البقر يتمّ صباحًا وليس وقت العشاء.

الثالث: المتزوج حديثًا يعفيه الناموس من الخروج للحرب لا من خلاص نفسه وهل هذا عذر، فلماذا لا يأتي هو وعروسه معه ليقدّس الله هذه الرابطة الجديدة.
قد يشير هؤلاء الثلاثة إلى رفض اليهود المسيحَ بسبب اهتمامهم بالأرضيّات وجمع الأموال وحسدهم المسيحَ لالتفاف الناس حوله، وعنادهم. لكنّهم ما زالوا يشيرون إلى كلّ واحد منّا من الذين يهملون دعوة المسيح لهم للخلاص. وأمام رفض اليهود أصحاب الملكوت دعوة المسيح، وجّه المسيح دعوته إلى المساكين والجدع والعرج والعمي= وهؤلاء يشيرون إلى الخطأة والمنبوذين من إسرائيل كالعشَّارين، ويشيرون إلى الأمم الذين كانوا مرفوضين فقبلهم الله في ملكوته. الطرق والسياجات= إشارة أيضًا إلى الأمم في كلّ مكان (أع6:18). حتّى يمتلئ بيتي= إشارة لكثرة المؤمنين (رؤ9:7). المساكين= الأمم إذ ليس لهم كنوز الكتاب المقدّس التي كانت لليهود. الجدع والعرج= الأمم إذ ليس لهم القدرة على الحركة أو العمل الروحيّ. العمي= الأمم إذ ليس لهم أيّ بصيرة روحيّة داخليّة.

الطرق والسياجات= الأمم إذ كانوا خارج بيت الله. خارج الحظيرة. ألزمهم بالدخول= البعيدين عن الله كالأمم يحتاجون إلى قوّة تدفعهم إذ هم غير فاهمين، وهي ليست قوّة قهر بل قوّة إقناع (إر7:20). يذوقون عشائي= عشاء عرس الخروف (رؤ7:19-9) ولاحظ قوله في (آية22) يوجد أيضًا مكان= فالخلاص مقدّم إلى الجميع، لكلّ من يقبل. ولاحظ في (رؤ20:3) قول الربّ "أتعشّى معه وهو معي"... فأتعشّى معه = تشير إلى العربون الذي نحصل عليه هنا على الأرض من شبع بشخص المسيح. وهو معي تشير لما ذُكِرَ هنا عن عشاء عُرس الخروف في السماء. ويسمّى عشاء لأنّه يشير إلى الراحة في نهاية يوم متعب. ولكن للأسف فهناك عشاء آخر لطيور السماء (الشياطين) يلتهمون فيها أعداء الله (رؤ17:19-18)
.
 
أحد الأجداد
"مختارات من عظة للشيخ يوسف الفاتوبيذي"


إنَّ طروباريَّة عيد الأجداد تقول: "لقد زكَّيت (أي المسيح) بالإيمان الآباء القدماء، وبهم سبقتَ فخطبت البيعة الَّتي من الأمم"....
لقد تزكّى الأجداد إذ كانوا أساس الكنيسة، وكاشِفين سبب العلاقة بين الله وبيننا.

مَن هم أجداد الله؟ إنَّهم الأمم، بالطَّبع. فالجميع آنذاك كانوا أممًا. بعد السقوط، ضلّ الناس الطريق واتّبعوا مسارهم الخاصّ. ومن بين هؤلاء اختار اللهُ قِلّةً ودعاهم إلى أن يؤمنوا به ويتبعوه. فبالإيمان قبلوا دعوة الله وصاروا أصدقاءه، حتَّى إذا ما ظهر الله يمكن أن يُقال عنه: "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب." وبالإيمان الذي قبلوه وبه اتَّبعوا الله، بلغوا مثل هذه القامات حتَّى إنَّه حين ظهر الله، دُعيَ إلهَهم. وهكذا تكوَّن رباطٌ ونشأت أُلفةٌ وعلاقة. وقد وُلد هذا الرباط القويّ من الإيمان فقط: «لقد زكَّيت (أو برّرتَ) بالإيمان». ألا ترى ما أعظم الإيمان؟ هذا بالضبط ما يطلبه الله منّا.

وفي نشيد بولس الرسول الَّذي صاغه الله، يتكلّم على الأجداد القدّيسين الَّذين بالإيمان قهروا الممالك، وعملوا البرّ، ونالوا المواعد؛ سدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدَّةَ النَّار؛ تقوَّوا من ضعفٍ، صاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب؛ وأخذَت نساءٌ أمواتهنَّ بالقيامة، وَآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزءَ والجلدَ والقيُودَ أَيضًا وَالسَّجْنَ، وَرُجِمُوا ونُشِرُوا وَامْتُحِنُوا، وَمَاتُوا بِحَدِّ السَّيْفِ...» (عب 11: 33-37)

كلّ هذه الجهادات والانتصارات الَّتي وضَّحت وأكملَت العلاقة بين الجنس البشريّ وبين الله، قد وُلدَت من الإيمان الذي يخلِّصنا. هو الإيمان الَّذي يمتدّ إلى كلّ واحد فينا وإلى المؤمنين كلّهم، وهو بالذات الذي يبرّر كلَّ شيء.

جميع هؤلاء الأجداد قد دُعوا بالوحي، ولذلك فإليهم تُعطى البركات، لأنّ الله سبق وعيّنهم ودعاهم ومكث معهم، لكي يفتخر بأن يكونَ إلهَهم. لقد نالوا مواعيدَه مباشرة، وتحدَّثوا إليه شخصيًّا. ومع هذا، رغم يقين الوعد الَّذي أظهره الله لهم بفعاليَّةٍ فائقة، فقد نالوا قداستهم وتقواهم عمومًا من خلال صليب ثقيلٍ، أي من خلال الآلام والأوجاع والاضطهادات والضّيقات، إلى الحدّ الذي كادوا فيه أن يغادروا هذا العالم قبل أن يروا شيئًا ممّا وعد به الله، إلّا رموزًا أو صورًا رمزيَّة.

والآن نتقدَّم بالإيمان نفسه، لكنَّه لم يعد إيمانًا مجرَّدًا، لأنَّ المواعيد قد أتت، وقد جاء ملءُ الزَّمان، وتمّ التجسّد الإلهي، وظهر «ملاك الرأي العظيم» (أش 9: 6). إيماننا اليوم واضح، لأنَّ الابنَ الوحيد قد جاء. لقد رأيناه، لمسناه، سمعناه، وبتنا نملكُه. والآن، بالنّسبة إلينا، الإيمان شيء أعظم. إنَّه لم يعد الإيمان البسيط للآباء الذين كانوا ينتظرون، حسب وعده، أن يأتيَ الله يومًا ما ويخلّص نسلهم والجنس البشريَّ كلَّه. لقد تجاوزنا حدودَ ذلك الإيمان التمهيديّ ودخلنا في إيمانٍ أسمى، بوجود تحقيق وعد الله فعليًّا.

إنَّ مختلف الشَّدائد والتَّجارب التي نواجهها، سواء من الشَّيطان أو من أمور كثيرة في حياتنا، هي الوسائط السرّيّة العمليَّة الَّتي بها يُصنع سرُّ الصليب. إنَّها الطرق الَّتي نستطيع من خلالها أن نُظهِر إيماننا الحقيقيّ، لكي نُبرّر أنفسنا في ما يخصّ مواعيده. عندما نرى التَّجارب نقف منتصبين ونُتابع طريقنا، لأنَّ وجودها علامة واضحة على أنَّ النّعمة الإلهيَّة الَّتي دعَتنا وأقامتنا على طريق المعرفة هي معنا الآن، وهي تدفعنا نحو جائزة الارتقاء. ماذا نحتاج الآن؟ الثَّبات والصَّبر.

لكنَّ ثباتنا وصبرنا يبرزان عندما تتعلَّق التجربة بمحبَّة القريب. هنا يجب أن نركّز اهتمامنا.
كلّ وصيّة تخرج من فم الله هي عقيدة بالنسبة إلينا. لكنّ وصيَّة المحبَّة هي الأهمّ. لأنَّ يسوعنا هذا، الذي هو مركز محبَّتنا، هو بطبيعته محبَّة متبادلة: «الله محبَّة، ومن يثبت في المحبَّة يثبت في الله والله فيه» (1 يو 4: 16)

كلَّما تغلَّبت علينا التَّجارب تؤذينا وتشكّل عوائق في طريقنا. غايتها الوحيدة هي تآكلُ المحبَّة. فالشَّيطان يبتكر أوضاعًا وأحداثًا لا وجود لها في الواقع، لكنَّه يُربك بها أذهان أولئك الذين تعبوا أو ضعفوا أو يعانون انسحابًا مؤقَّتًا للنّعمة. ويحاول إبليس إقناع الناس بتصديق هذه الأوهام، فيبدؤون بالدينونة والمكر والانتقاد والظَّنّ السيّئ. وهكذا يضعف رباطُ المحبَّة الذي يكمّلنا.

إنَّ عيد الأجداد عيدٌ مؤثّر حقًا. دعاهم الله فتبعوه، وحملوا صليبهم على طريقتهم، ونالوا ما وُعدوا به. أمّا نحن فلدينا ما هو أعظم: لأنَّ الأمر بالنسبة إلينا ليس مجرَّد انتظار، بل دليل على الحاضر والمستقبل، نملكه بالإيمان بيسوعنا ومن خلال شهادة محبَّته ونعمته الَّتي تعمل في نفوسنا. وبهذا، لنتأهّب لنكرّم عيد ميلاده أيضًا، ونحتفل بولادتنا الجديدة.