الأحد 8 حزيران 2025

الأحد 8 حزيران 2025

04 حزيران 2025
الأحد 8 حزيران 2025
العدد 23
أحد العنصرة المقدَّس
 

أعياد الأسبوع:

8: نقل عظام ثاوذورس قائد الجيش، الشَّهيدة كاليوبي، صلاة السجدة، 9: إثنين الرُّوح القُدُس، كيرلّلس رئيس أساقفة الإسكندريَّة،10: الشَّهيدان ألكسندروس وأنطونينا، 11: الرَّسولان برثلماوس أحد الـ 12 وبرنابا أحد الـ 70، أيقونة بواجب الاستئهال، 12: البارّ أنوفريوس المصريّ، بطرس الآثوسيّ، الشَّهيدة أكيلينا، 14: وداع العنصرة، النبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة.
 
حياتنا الجديدة والمتجدِّدة بالروح القدس
 
"إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو 7: 37 و38)
الروح القدس هو الخفيّ في حياتنا والمجهول وهو الفاعل كلّ شيء فينا بالمسيح، لأنّه حيث المسيح فهناك روحه القدّوس وحيث الروح القدس فهناك المسيح، وحيث المسيح والروح فهناك الآب القدُّوس.

من يعش مع المسيح، أي يحفظ وصاياه، يعرف الروح القدس، ومن يعرف الروح القدس يعرف المسيح، لكن العالم لا يعرف لا المسيح ولا روحه ولا أباه، لذلك قال لنا الربّ يسوع: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ." (يو 14: 15 - 17).

الروح القدس يسكن فينا وهو يمنحنا نعمة الاتّحاد بالمسيح، أيّ أنّنا بنعمته نصير مسحاء للربّ وأبناء وورثة لملكوته السماويّ. نعرف الروح فينا وفي عمله القدّوس إذ هو يرشدنا إلى الحقّ ويمنحنا القوّة لعيش وصيّة الربّ وهو عربون الميراث الآتي ونعمة التبنّي والمطهِّر كياننا وقلوبنا ومخلِّضنا بالمسيح أي هو الَّذي يمنحنا ثمرة قيامة المسيح فينا حياة جديدة بموتنا عن العالم القديم الَّذي فينا وولادتنا في العالم الجديد الَّذي بالمسيح وفيه...
 
خبرة الكنيسة تكشف لنا عمل الروح القدس في حياتنا، فبدونه لا نستطيع أن نتوب وأن نعرف خطايانا وأن نتغلَّب عليها. في هذا الإطار يقول القديس كيرللس الإسكندري: "لمَّا حدَّدَ اللهُ مُبدعُ الكُلِّ أَن يُصلِحَ كُلَّ شيءٍ في المسيحِ في نظامٍ سوِيٍّ جميل، وأن يُعِيدَ الطبيعةَ الإنسانيّةَ إلى حالتِها القديمة، وعدَها بأن يمنحَها المواهبَ الكثيرةَ وروحَه القدُّوسَ نفسَه. لأنَّه لم يكُنْ من الممكنِ، بدونِ ذلك، أن تستعيدَ الطبيعةُ البشريّةُ نعمتَها بصورةٍ مستقرَّةٍ ودائمة".

إذ إنّ من دون الروح القدس لا يستطيع الإنسان أن يعود إلى صورة الله الكاملة فيه ولا أن يحقّق المثال الإلهيّ. طبعًا، في هذا العالم النعمة الإلهيّة الّتي للروح القدس تحرّكنا نحو الكمال والتشبّه بالمسيح وهي تمنحنا إيّاهما بالتعاون والانسجام مع قوانا الخاصّة ومشيئتنا.

ليست مسألة التغيير الكيانيّ سِحْرًا أي كنْ فيكون، إنّها صيرورة وسيرورة ترتبط بمدى تجاوبنا مع فِعل الروح القدس فينا عبر اختيارنا طاعة الوصيّة الإلهيَّة، فالربّ يسوع يقولها لنا صراحة: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي (...) إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يو 14: 21 و23). بطاعة الوصيّة نصير هيكلًا للربّ أي نتّحد به ويسكن فينا الثالوث القدّوس بالنعمة الإلهيّة التي بالروح القدس.

يا أحبّة، عيد العنصرة هو ميلادنا جميعًا في المسيح بالروح القدس الَّذي يجعلنا أعضاء في جسد الربّ – الكنيسة، ففي الكنيسة نصير أبناء الله ومشاركين حياته الأبديّة وورثة ملكوته السماويّ. الكنيسة هي بقعة السماء في الأرض وهي ارتقاء الأرض إلى السماء في الَّذين هم لله، وهي تجديد الخليقة في المسيح، هي الخليقة الجديدة.

لكن، في هذا العالم، الكنيسة هي بيت التائبين الإلهيّ ومسكن الله بين البشر وحضوره الشافي والمُعزِّي، لأنّ روح الربّ يسكن ويستقرّ في الكنيسة – جسد المسيح، وهو يَهُبُّ منها إلى حيث يشاء ليجتذب الخليقة كلّها إلى يسوع المسيح الَّذي هو ملكوت الله وإلى الحياة الأبديَّة والخلاص من الموت وعبوديّة الأهواء والخطيئة.

في الحقيقة، إنّ الروح القدس هو الَّذي يهبنا التشبّه بالربّ، وثماره واضحة ومعروفة في الَّذين غلبوا العالم وهي: "مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غل 5: 22 – 24).
الطريق لنحصل على هذه الصفات الإلهيّة هو أن نحيا بحسب الروح القدس أي أن نصلب فينا كلّ مشيئة مخالفة لمشيئة المسيح ونميت كلّ هوًى وكلّ شهوة تتحكّم بنا، وهذه هي خبرة العنصرة المتجدِّدة فينا بالتوبة التي تخرجنا من حياتنا القديمة الخاضعة بالخوف من الموت للشهوات والأهواء والخطايا وتمنحنا القوّة الإلهيّة الّتي تحرِّرنا من سلطان الموت وإبليس بمحبّة المسيح أوَّلًا وطاعته... هكذا في كلّ مرّة نتوب يُفيض علينا الربّ نعمة روحه القدّوس التي تفيض فينا طالما نحن تائبون على العالم حنانًا وتعزيّة ولطفًا وسلامًا وفرحًا ومحبّة بلا غايات...
ومن له أذنان للسمع فليسمع...
 
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
 
طروباريّة العنصرة باللحن الثامن
مباركٌ أنتَ أيّها المسيحُ إلهنا، يا من أظهرتَ الصيّادينَ غزيري الحكمة إذ سكبتَ عليهم الروحَ القدس، وبهم اصطدتَ المسكونة، يا محبَّ البشرِ، المجدُ لك.
 
قنداق العنصرة باللحن الثامن
عندما نزل العليُّ مبلبَلًا الألسنة كان للأُمم مقسِّمًا. ولمّا وزّع الألسنةَ النارّية دعا الكُلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلك، باتّفاقِ الأصوات، نمجِّدُ الروحَ الكليَّ قدسُه.
 
الرسالة: أع 2: 1-11
إلى كلِّ الأرضِ خرجَ صوتُهم
السمواتُ تُذيعُ مَجْدَ الله


لمَّا حلَّ يوم الخمسين، كان الرسلُ كُلُّهم معًا في مكان واحد. فحدثَ بغتةً صوتٌ من السماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الذي كانوا جالسين فيهِ، وظهرت لهم ألسنةٌ منقسِمةٌ كأنَّها من نار، فاستقرَّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، فامتلأوا كلُّهم من الروح القدس، وطفِقوا يتكلَّمون بلغاتٍ أخرى، كما أعطاهم الروحُ أن ينطِقوا. وكانَ في أورشليمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلّ أمَّةٍ تحتَ السماءِ. فلمّا صار هذا الصوتُ اجتمعَ الجُمهْورُ فتحيَّروا لأنَّ كلَّ واحدٍ كان يَسمعُهم ينطِقون بلغتِه. فدُهِشوا جميعُهُم وتعجَّبوا قائلين بعضُهم لبعضٍ: أليس هؤلاء المتكلّمونَ كلُّهُم جليليّين؟ فكيفَ نسمع كلٌّ منّا لغته التي وُلد فيها، نحن الفرتيّين والماديّينَ والعيلاميّين، وسكّان ما بين النهرين واليهوديّة وكبادوكيةَ وبنطسَ وآسيةَ وفريجيّةَ وبمفيلية ومصرَ ونواحي ليبيةَ عند القيروان، والرومانيّين المستوطنين، واليهود والدخلاء والكريتيّين والعرب، نسمعهم ينطقون بألسنتِنا بعظائمِ الله!
 
الإنجيل: يو 7: 37-52

في اليوم الآخر العظيم من العيد، كان يسوعُ واقفًا فصاح قائلاً: إن عطش أحد فليأتِ إليّ ويشرب. من آمن بي، فكما قال الكتاب ستجري من بطنه أنهارُ ماء حيّ. (إنّما قال هذا عن الروحِ الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه إذ لم يكن الروح القدس قد أعطيَ بعدُ، لأنّ يسوع لم يكن بعدُ قد مُجِّد). فكثيرون من الجمع لما سمعوا كلامه قالوا: هذا بالحقيقة هو النبيّ. وقال آخرون: هذا هو المسيح، وآخرون قالوا: ألعلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! ألم يَقُلِ الكتابُ إنَّه، من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمع من أجلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولكِن لم يُلقِ أحدٌ عليه يدًا. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساء الكهنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالوا لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّون: ألعلَّكم أنتم أيضًا قد ضلَلتُم! هل أحدٌ مِنَ الرؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ الناموسَ فَهُم ملعونون. فقالَ لهم نِيقودِيموُس الذي كانَ قد جاءَ إليه ليلًا وهُوَ واحدٌ منهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدينُ إنسانًا إن لم يسمَعْ مِنهُ أوّلًا ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضًا من الجليل! ابحثْ وانظرْ، إنَّهُ لم يَقُم نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمهم أيضًا يسوعُ قائلًا: أنا هوَ نورُ العالَم، من يتبَعني لا يمشي في الظلامِ، بل يَكونْ لهُ نورُ الحياة.
 
في الإنجيل

لمّا خلق الله الإنسان كان هذا الأخير يحيا في الفردوس مع الله المثلّث الأقانيم أي الآب والابن والروح القدس. فالله الآب أوجد الخليقة بالله الابن (لأنّ به كلّ شيء قد كُوّن كما يقول الرسول يوحنّا اللاهوتيّ في الإصحاح الأوّل من إنجيله)، وكمّلها بالله الروح القدس الذي يؤلّه الإنسان (يوصله إلى الكمال بالله) ويحفظ الكون ويصونه.
 
لكن لما ارتجّت الخليقة من جرّاء ما فعل آدم وحواء في الفردوس، عندما فضّلا شهوة البطن على إطاعة الله أي عندما عملا بكلام الشيطان ولم يأبها لكلام الله، حصل تزعزع في فكر الإنسان بخاصّة ولم يعد يعرف إلهه المثلّث الأقانيم معرفة حقّة. لذلك نرى أن شعب الله في العهد القديم كان يحيد عن عبادة الله الواحد عندما كان يغيب النبيّ عنهم وكثرت عبادة الآلهة التي هي من صنع البشر.
 
لكنّ الله المعتني بالإنسان دائما أرسل ابنه الوحيد الكائن في أحضانه لكي يكشف ويعيد لكلّ إنسان لا للأنبياء فقط، من جديد ما أضاعه (الإنسان) في الفردوس بسبب الخطيئة.
 
فانحدر إلى الجحيم أوّلًا ليسحق علّة الخطيئة ومسبّبها أي الشيطان الذي كان يكبّل كلّ إنسان يموت بسلاسل الجحيم. وأقامه وأحياه بقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث.
 
وهذا ما نعيشه في سرّ المعموديّة المقدّسة عندما يغطّس الكاهن الطفل في الماء (يموت مع المسيح على شبه موته) ثمّ ينتشله من جرن المعموديّة (يقوم مع المسيح بقيامته).
 
لذا وضعت لنا الكنيسة كلّ هذه الأحداث التي عشناها في الفترة الفصحيّة لكي نغرف من القبر الفارغ ومن جنب ويديّ السيّد ما أمكن كلّ واحد منّا حسب طاقته لنأخذ زادًا لحياتنا. فنحن المسيحيّين على حسب قول الرسول بولس في رسائلة لا يمكننا أن نحيا من دون الربّ القائم.
 
لكنّ الربّ قال للتلاميذ قبل الآلام في إنجيل يوحنّا خير لي أنطلق عنكم (الصعود الإلهيّ في اليوم الأربعين)، فملأ الحزن قلوبهم. لكنّه وعدهم بإرسال الروح القدس الذي سيحفظهم في هذه الحياة، ويقدّس حياتهم، ويذكّرهم بكلّ ما فعله الربّ لمّا كان معهم قبل الآلام وحتّى ما بعد القيامة.
 
وما هذا العيد الحاضر اليوم (العيد الأخير كما وصفه الإنجيل)، عيد الخمسين (كما وصفته الرسالة) أي عيد العنصرة لمّا حلّ الروح القدس على التلاميذ واليوم على الكنيسة جمعاء، إلّا تحقيق لوعد الربّ وتكميل سر الفداء ومعرفة الإله الحقيقيّ الذي فيه كلّ الحياة.
 
هذا السرّ نفسه أي حلول الروح القدس يعيشه كلّ إنسان قَبِل سرّ العماد المقدّس، ثمّ ختمه الكاهن في سرّ الميرون المقدّس بختم وموهبة الروح القدس. وهكذا غدونا من جديد أبناءً لله ووارثين بيسوع المسيح، فالأولاد صارت لديهم القدرة الحقّة بالروح القدس لكي يعرفوا إلههم المثلّث الأقانيم أي الآب والابن والروح القدس كما تقول تراتيل العيد (يجب مراجعة تراتيل العيد والتأمّل فيها، فلا يكفي سماعها في الكنيسة فقط).
أخيراً لا بدّ من تذكير أنفسنا أنّ القدّاس الإلهيّ الذي هو خارج الزمن، ولا يتعدّى الساعة بحسب الزمن البشريّ، ما هو إلّا تلك الحوادث الخلاصيّة عينها التي عشناها بتفاصيلها مع ربنا. فلا نتخاذل مهما عَلَت وغلَت ظروف حياتنا عن المجيء إلى بيت الربّ وتقديم الشكران والتسبيح لإلهنا المثلّث الأقانيم غير المنفصل له المجد إلى الأبد آمين.
 

إنتمائي الى المسيح

في ظلّ أجواء الانتخابات الداعية إلى الخدمة العامّة والتي جرت في كلّ المناطق اللبنانيّة، برزت عندي عدّة تساؤلات حول ماهيّتي كمسيحيّ، حيّرتني ولا زالت تقضّ مضجعي وأفكار تأتي وأخرى تمضي.

وبدأت أتأمل في ما كنت أسمعه ممّا كان يجري بين المرشّحين من مشادّات كلاميّة واستصغار الآخر وتشويه صورته وتحطيمها، ناهيك عن موضوع الرشاوى والتقديمات باليسير أو بالكثير كطرقٍ تؤدّي إلى الفوز، صحيحة كانت أو كاذبة.
وقلت إنَّ الكنيسة تعظ وتعلّم وتتعب لنقل فكر المسيح وتعاليمه إلى أبنائها. وفي جوّ الانتخابات الجارية تتحطّم كلمات الربّ يسوع الإلهيّة، "تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب" (مت 29:11)، على صخرة المتدرّبين على روح الأنا والكبرياء. ونرى كذلك أنَّ تلك التعاليم التي تنادي بالمحبّة والتضحيّة على غرار المعلّم تتبدّد في هواء المصالح وقسوة القلوب، بمقولةٍ شيطانيّة مفادها أنَّ "الغاية تبرّر الوسيلة".

 كيف يمكن للمرء أن يتقدّم إلى الخدمة العامّة كممثّل عن طائفة أو ديانة دون أن يكون لإيمانه أيّ دور؟ وبتّ أتذكّر كلام الربّ يسوع حين قال: "أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة واقعةٌ على جبل، ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع مَن في البيت، فليضىء نوركم هكذا قدّام الناس لكي يَروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات"(مت 14:5-16)،

المسيحيّ هو مَن يجب أن يحقّق دعوة السيّد في حياته ليكون نورًا يعكس للعالم صورة سيّده، فما هي هذه الصورة التي عكسها المرشّحون المسيحيّون في هذه المعمعة؟ ربّما كانت عمليّة الانتخابات كالبودقة التي تُمحّص فيها المعادن لمعرفة نقاوة نوعيّتها. والنتيجة كانت مرعبة مقارنة بنوع الحياة التي تبشّر بها الكنيسة في العالم، وربّما تعكس فشلًا في النهج التربويّ الذي تعتمده في أيّامنا الحاضرة.

 أليس غريبًا أن أكون منتميًا إلى الكنيسة وأتنازل عن هذا الانتماء بالتزامي مبادئ أخرى تتناقض معه؟  أليس غريبًا أن أطعن أخي لتكون لي أولويّة البروز، وكلّ ذلك تحت تسمية الخدمة؟ هل راجعتُ كمسيحيّ تلك الوسائل التي اتّبعها للوصول إلى ما أصبو إليه؟ أم أنَّ الانتماء إلى المسيح متعذرٌ ومستحيل في عالمٍ تشوبه السلطة والمال؟
 
وانتقلت أفكاري إلى أولئك المساكين الذين لضعفٍ باعوا قرارهم بحفنة من المال، أو قيّدت حريّتهم بطابع التبعيّة والاستزلام، علّهم يسترزقون في مناسبة تتردّد بين صفحات السنوات، آه ما أصعب أوضاعنا أكنّا فقراء أم أصحاب مراكز وأموال.
نحن أوّلًا مدعوّون إلى أن نكون نورًا "فإن كان النور الذي فينا ظلامًا فالظلام كم يكون"؟ (مت 23:6)، وكم هي عظيمةٌ دينونتنا.
 
أفكار كثيرة ومتعدّدة تأخذني إلى واقع مريرٍ، يشبه الانفصام بين الكنيسة وفكر المؤمنين، لكنّني عدت إلى نفسي وقلت: ما لي وللآخرين فلا أتمنّى الوقوع في حبائل دينونة الآخرين، وتذكّرت كلمات الآباء" كثرة الكلام لا تُشبع النفسَ، بل العيشة الصالحة تثلج القلب، ونقاوة الضمير تنشئ ثقة بالله عظيمة". وإنّما خطاياي التي تكاثرت أكثر من عدد رمل البحر تدعوني إلى أن أردد: "أيّها الربّ يسوع سامحني وارحمني أنا عبدك الخاطئ". آمين