الأحد 2 شباط 2025

الأحد 2 شباط 2025

29 كانون الثاني 2025
الأحد 2 شباط 2025
العدد 5
دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل
اللحن السابع، الإيوثينا العاشرة
 

أعياد الأسبوع:

3: سمعان الشَّيخ، حنَّة النبيَّة، 4: البارّ إيسيذوروس الفرميّ، 5: الشَّهيدة أغاثي، 6: الشَّهيد إليان الحمصيّ، بوكولوس أسقُف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة، 7: برثانيوس أسقُف لمبساكا، البارّ لوقا، 8: ثاوذورس قائد الجيش، النبيّ زخريّا.
 

دخول السيّد إلى الهيكل
 
تقدمة السيّد إلى الهيكل من قبل يوسف ومريم دلالة أنّ الطفل منذورٌ للربّ. "كلّ ذكر فاتح رحمٍ يُدعى قدّوسًا للربّ" (لوقا 2: 23). قد تمّ ذلك على يد سمعان الشيخ "وهو رجلٌ بارٌّ تقيٌّ ينتظر تعزيةَ إسرائيلConsolation d’Israel   والروح القدس كان عليه" (لوقا 2: 25).
هذا الدخول يُدعى اللقاء: الطبيعة الإلهيّة تلتقي بالطبيعة البشريّة: هو لقاء فقراء إسرائيل.
في هذا اللقاء يتقبّل سمعان الشيخ المسيحَ الخلاصَ، وبالمسيح (الممسوح) الزيتَ المهراقَ، زيتَ الروح القدس، هذه القوّة الإلهيّة غير المخلوقة، التعزية الحقيقيّة   consolation
الشيخ سمعان والنبيّة حنّة يمثّلان بقيَّة إسرائيل Le petit reste فقراءَ إسرائيل. يمثّلان خُطى الأنبياء الأبرار les Justes نفوسَ الفقراء  les Pauvres
فقراء إسرائيل: سمعان الشيخ وحنّة النبيّة (لوقا 2: 36-38) سوف تبقى معهما دائمًا حتّى المنتهى بقيّة صغيرة من أمناء مخلصين منتظرين مجيء الربّ عند عودته الأخيرة.

المسيح هو علامةٌ مخالفة، علامة تضادّ Contradiction علامة تناقض "كونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام" (متّى 10: 16).
لا تظنّوا أنّي جئتُ لألُقي سلامًا على الأرض، ما جئتُ لألقي سلامًا بل سيفًا" (متّى 10: 34).
السلامُ الحقيقيّ هو سلام القلب عطيّة الروح القدس  La Paix du coeur
لقد أعطاه يسوع يومَ العنصرة للتلاميذ "مبارك أنت أيّها المسيح إلهنا يا من أظهرت الصيّادين غزيري الحكمة، إذ سكبتَ عليهم الروحَ القدس، وبهم اصطدت المسكونة يا محبَّ البشر المجد لك"، وكلُّ ذلك يتطلّب صراعًا روحيًّا.
أخذ سمعان المسيحَ على ذراعيه وقال: "الآن أطلق يا ربُّ عبدَك حسب قولك بسلام لأنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددْتَهُ أمام كلِّ الشعوب نورًا لاستعلان الأمم، ومجدًا لشعبك إسرائيل".

الآن يمكن لسمعان أن يموت. فالخلاص صار بتصرّف كلّ الأمم كلّ العالم. Universel تقول نبؤة أشعياء "جعلتك عهدًا لشعب ونورًا للأمم" (أشعياء 42: 6 و10)
يزيل الظلمات، ينير الأمم، يدلّ على الحقّ، هو مجدُ إسرائيل.
"إنّ هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوَم" (لوقا 2: 34).
"يكون لكم قدسًا ولكنّه يكون حجرَ صدمٍ وصخرَ عثار لبني إسرائيل وفخًّا وحبالةً لساكني أورشليم..." (أشعياء 8: 14-15). فيعثّر به كثيرون ويسقطون.
 
+أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 

طروباريّة القيامة باللحن السابع
 
حطمْتَ بصليبِكَ الموتَ وفتحتَ للصِّ الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطيب، وأمرْتَ رسلَكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيحُ الإله، مانحًا العالم الرحمةَ العظمى.
 
طروباريّة دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأوّل
افرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنّه منك أشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا، منيرًا الذينَ في الظلام، سُرَّ وابتهج أنت أيّها الشيخ الصدّيق، حاملًا على ذراعيكَ المعتق نفوسنا، والمانح إيّانا القيامة.
 

قنداق دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأوّل
 
يا مَن بمولدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتوليّ قدَّسْتَ، ولِيَدَيْ سمعان كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنينَ الذين أحبَبْتَهم، بما أنّكَ وحدَكَ محبٌّ للبشر.
 

الرسالة: عب: 7: 7-17
تبتهجُ روحي باللّه مخلّصي
لأنّه نظر إلى تواضع أمته

 
يا إخوةُ، إنَّهُ ممَّا لا خِلافَ فيهِ أنَّ الأصغرَ يأخُذُ البركَةَ من الأكبر، وههنا إنَّما يأخُذُ العشورَ أُناسٌ يَموتون. فأمَّا هناكَ فالمشهودُ لهُ بأنَّهُ حيٌّ، فيسوغُ أن يُقالَ إنَّ لاويَ نفسَهُ الذي يأخُذُ العشورَ قد أدَّى العشورَ بإبراهيم لأنَّهُ كانَ في صُلبِ أبيهِ حينَ التقاهُ ملكِيصادق، ولو كانَ بالكهنوتِ اللاويّ كمالٌ (فإنَّ الشعبَ عليهِ قد أخذَ الناموس) إذنْ أيَّةُ حاجةٍ كانت بعدُ أن يقومَ كاهنٌ آخرُ على رتبةِ ملكيصادق. ولم يُقَلْ على رتبَةِ هرون لأنَّهُ متى تَحوَّل الكهنوتُ فلا بدَّ من تَحوُّل الناموس أيضًا. والحالُ أنَّ الذي يُقالُ هذا فيهِ إنَّما كانَ مشتركًا في سبطٍ آخرَ لم يلازمْ أحدٌ منهُ المذبح لأنَّهُ مِنَ الواضِحِ أنَّ ربَّنا طلَعَ من يهوذا من السبطِ الذي لم يتكلّمْ عنهُ موسى بشيء من جهةِ الكهنوت. وممَّا يزيدُ الأمرَ وضوحًا أنَّهُ يقوم على مثالِ ملكيصادقَ كاهنٌ آخرُ غيرُ منصوبٍ حسَبَ ناموس وصيّةٍ جسَديّةٍ بل حسَبَ قوَّة حياةٍ لا تزول، لأنَّهُ يشهَدُ أنْ أنتَ كاهنٌ إلى الأبدِ على رتبَة ملكيصادق.
 

الإنجيل: لو 2: 22-40
 
في ذلك الزمان صعِد بالطفل يسوعَ أبَواهُ إلى أورُشليم ليَقدِّماهُ للربّ. (على حسب ما هو مكتوبٌ في ناموس الربّ مِنْ أنَّ كلَّ ذكَر فاتِح رّحمٍ يُدعى قُدُّوسًا للربّ)، وليقرِّبا ذبيحةً على حسب ما قيل في ناموس الربّ، زوجَ يمامٍ أو فرخَيْ حمامٍ، وكان إنسانٌ في أورُشليم اسمُهُ سِمعانُ وكان هذا الإنسان بارًّا تقيًّا ينتظِرُ تعزيةَ إسرائيلَ، والروحُ القدس كان عليهِ، وكان قد أُوحي إليهِ من الروحِ القدس أنَّهُ لا يرى الموتَ قبل أن يعاينَ مسيح الربّ، فأقبل بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالطفلِ يسوعَ أبَواهُ ليصنعا لهُ بحسب عادة الناموس، اقَتَبَلهُ هو على ذراعَيْهِ وبارك الله وقال: "الآنَ تُطلِقُ عبدَك أيُّها السيّد على حسب قولك بسلامٍ، فإنَّ عينيَّ قد أبصرتا خلاصَك الذي أعددتَهُ أمام وجوهِ جميع الشعوب نورَ إعلانٍ للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل. وكان يوسف وأمُّهُ يتعجّبان ممّا يُقال فيهِ. وباركَهما سمعانُ وقال لمريمَ أُمّهِ: "ها إنَّ هذا قد جُعل لسقوطِ وقيامِ كثيرين في إسرائيل وهدَفًا للمخالفة (وأنتِ سيجوز سيفٌ في نفسكِ) لكي تكُشَف أفكارٌ عن قلوبٍ كثيرة. وكانت أيضًا حنَّة النبيَّة ابنة فنوئيلَ من سبط أشير هذه كانت قد تقدَّمت في الأيَّام كثيرًا وكانت قد عاشت معَ رَجُلها سبعَ سنين بعد بكوريَّتها.
 ولها أرملةً نحوَ أربعٍ وثمانين سنةً لا تُفارق الهيكل مُتعبّدةً بالأصوام والطلبات ليلًا ونهارًا. فهذه قد حضرت في تلك الساعةِ تشكر الربَّ وتحدّث عنهُ كلَّ مَن كانَ ينتظر فداءً في أورشليم. ولمَّا أتمّوا كلَّ شيءٍ على حسب ناموس الربّ، رجَعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة. وكان الصبيُّ ينمو ويتقوَّى ممتلئًا حكمةً وكانت نعمة الله عليهِ.
 

في الإنجيل
 
الإنجيلُ بأكمله يَصلُح لأن يكون مدرسةً لنا، نتعلَّمُ منها دروسًا مفيدةً لحياتنا ولحياةِ أولادنا وعائلاتنا. وفي النصّ الذي قرأناه اليوم بمناسبة عيد دخول السيِّد إلى الهيكل، وهو طفلٌ في الأربعين يومًا من عمره، عِبَرٌ نتعلَّم منها كيف ينبغي أن نسلكَ في مراحل حياتنا كلِّها من الطفولةِ إلى الشيخوخة، نستعرضها فيما يلي:
+ يروي لنا الإنجيليّ لوقا ما فعلته مريم العذراء ويوسف، في اليوم الأربعين لولادة الطفل يسوع، إذ أخذاه إلى هيكل الربّ، بحسب العادة الـمُتَّبعة في العهد القديم. وهذا واجبُ كلِّ الآباء والأمّهات أن يذهبوا دومًا إلى الكنيسة برفقة أطفالهم، بدءًا من اليوم الأربعين لولادتهم، ويستمرُّوا في ذلك طول العمر، لأنَّ هذا ما يحفظ أطفالهم من العثرات والضياع في مرحلة المراهقة والشباب وإلى نهاية العمر.
+ أمّا تقدمتهما البسيطة للربّ، زوجُ يمامٍ أو فِرخا حمامٍ، والتي كانت تقدمة الفقراء، فتدلُّ على طاعتهما لناموس الربّ من ناحية، وعلى تواضعهما بسبب فقرهما من ناحية ثانية. وهذا يعلِّمنا أن نطيع كلام الربّ وتعاليمه ووصاياه الواردة في الكتاب المقدَّس، فنقرأه يوميًّا ونتأمَّل كلماته، ومن ناحيةٍ أخرى يعلِّمنا أن نكون بسطاء متواضعين في حياتنا وفي علاقاتنا الاجتماعيّة، وبشكلٍ خاصّ في أعياد ميلاد أولادنا والمناسبات الأخرى التي نقيمُها لهم، وفي الهدايا التي نقدِّمها إليهم وإلى أصدقائهم، فما يُفرحُ القلبَ ليس ثمن الهديّة بل صدق المحبّة التي قدَّمَتها. وأكثر من ذلك، يا حبَّذا لو لم نكتفِ ونقدِّمْ إليهم الهدايا في أعياد ميلادهم، بل أن نقدِّمَ عنهم ومعهم هدايا إلى الفقراء من أصدقائهم، ليتعوَّدوا أن يفعلوا ذلك عندما يكبرون، وتكون حياتهم كلّها تقدمةً للربّ.
+ ومن سمعان الشيخ الذي كان إنساناً بارًّا تقيًّا ينتظِرُ تعزيةَ الربّ، وحنّة النبيّة التي كانت أرملةً نحوَ أربعٍ وثمانين سنةً، لا تُفارق الهيكل مُتعبّدةً بالأصوام والطلبات ليلًا ونهارًا، نتعلَّم كيف يجب أن يحيا الشيوخ وكبار السنّ، وكيف يجب أن نسلك متى تقدَّمنا في العمر، لتكون أواخر حياتنا حياةً مباركةً مقدّسةً سلاميّة. كم كان جميلًا في الزمن القديم، منظر الجدّ أو الجدّة وهما يقرآن الكتاب المقدّس، ويرويان لأحفادهما قصصه الجميلة! في الحقيقة لقد تغيَّرت العائلات كثيرًا في هذا الزمن، حيث بتنا نرى معظم الشيوخ والأرامل يضيّعون العمر المعطى لهم، بالتسلية وتقطيع الوقت، فلا يجد الأحفاد مثالًا صالحًا في حياة أجدادهم وجدَّاتهم. إنَّ العمر المعطى لنا في زمن الشيخوخة هو هديَّةٌ من الربّ، لنعيشَ بتقوى، نتهيّأ بالصلوات وتلاوة المزامير، وقراءة حياة القدّيسين، لمغادرة هذه الدنيا وملاقاة الربّ، وهكذا نكون شهودًا له أمام أبنائنا وأحفادنا، ننقل إليهم خبرتنا التي عشناها بفرحٍ مع الربّ، وهذا أفضل ميراث نتركه لهم.
+ أخيرًا يذكر لوقا الإنجيليّ أنَّ الصبيَّ كان ينمو ويتقوَّى ممتلئًا حكمةً وكانت نعمة الله عليهِ. هكذا علينا جميعًا أن نعمل ونتعب على نفوسنا لننموَ بنعمة الربّ، في مجالات الحياة كلّها، في القامة والفكر والحكمة والإيمان.
فيا أيُّها الربّ يسوع، يا أيُّها الطفل الإلهيّ ابن الأربعين يومًا، في عيد دخولك إلى الهيكل، نرجوكَ أن تَدخلَ البيوتَ والقلوبَ لتكونَ لكَ هياكلَ مقدَّسة تُقيمُ فيها أبدَ الدهر.
 
 
الكاهن

لعلَّ أسمى شيءٍ أعطاه الله للإنسان هو أن يخدمه من خلال نعمة سرِّ الكهنوت. عند كتابة هذا المقال أرتجفُ خوفًا من رهبة هذا السِّر متسائلًا: هل نحن وكلاء أمناء أمام مذبح الربّ؟ هل نقيم خدمتنا ونحن متصالحون أوّلًا مع أنفسنا، وثانيًا مع شركائنا في الخدمة، وثالثًا مع شعبنا المتعطِّش لكلمة منفعة بسبب جهله وعدم معرفته؟
 
أسئلةٌ كثيرةٌ نترك الجواب عنها لضميرِ كلِّ واحدٍ منَّا. لذلك، يا أحبّتي في المسيح، دعونا اليوم نتأمَّل في عظمة دعوة الكاهن وخدمته في الكنيسة، مستندين إلى الصلوات العميقة التي تُظهر الدور الروحيّ واللاهوتيّ للكاهن، ومدعومين بكلمات من الكتاب المقدّس، الذي هو المعين الذي منه نرتوي ولا نشبع، مستندين إلى بعض تعاليم الآباء القدّيسين وخبرتهم.
 
الكاهن هو وكيل أسرار الله، كما يقول الرسول بولس: “هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ” (١ كور ١:٤ .( فهو يحمل هذا اللقب لأنَّه مسؤول عن توزيع نعمة الله من خلال الأسرار المقدّسة. القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يقول: “الكهنة نالوا سلطانًا ليس على الأشياء المادّيّة، بل على النفوس، وما يفعلونه على الأرض يُقبَل في السماء. حيث إنَّ الكاهن، كموسى آخر، يرفع طلبات الغفران عن شعبه الذين أخطأوا بجهلٍ أو معرفة أمام منبر المسيح، ليس بقوّته الشخصيّة، بل من خلال يد الله المُمَثَّلة في الإنجيل.
 
كراعٍ ينعكس في كلمات السيّد المسيح هذا هو الكاهن: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَاف" )يو١١:١٠). لأنَّه مدعوٌّ ليتشبَّه بالمسيح في بذل الذات من أجل خلاص النفوس. فالقدّيس غريغوريوس النزينزي يذكر التالي: "على الراعي أن يكون طبيبًا للنفوس، يعرف كيف يعالج الجروح باللين أو الحزم، حسب الحاجة" لذلك يظهر الكاهن كطبيبٍ للنفوس والأجساد على مثال السيّد المسيح، يتضرَّع إلى الله أن يغفر الخطايا ويشفي نفوس شعبه من الآلام والأهواء الروحيّة.
 
الكتاب المقدّس مليء بأمثلة عن غفران الله من خلال خدّامه. على سبيل المثال، داود النبيّ نال الغفران عبر ناثان(٢ صموئيل ١٣:١٢ ( ومنسّى الملك صلّى تائبًا وقُبِلت صلاته (٢ أخبار الأيّام ١٢:٣٣-١٣). أمَّا القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، فيقول عن الكهنة: "الله أعطاهم سُلطة عظيمة، لأنّهم يوصلون غفرانه إلى العالم، ويُظهرون رحمته غير المحدودة" هذا نراه جليًّا من خلال كلّ خدمة تُقام في كنيستنا، حيث تُشير إلى الكاهن كأداة لرحمة الله وغفرانه، حاملًا بشرى الخلاص للمؤمنين التائبين.
 
لعلَّ أهمّ دور للكاهن أنَّه ينادي بالتوبة ويُماثل المسيح الذي أتى ليبحث عن الخطأة ويخلِّصهم:"لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا، بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَة"(لو ٣٢: ٥). والكاهن يُتمِّم هذا العمل من خلال سرِّ التوبة. فالقدّيس باسيليوس الكبير يقول: "الكاهن يشبه القاضي الذي يحكم بالرحمة، لا بالعدل القاسي، إذ يدعو الخطأة إلى التوبة، ويفتح لهم أبواب الملكوت." لذلك عليه أن يُدرك خطاياه الشخصيّة، ويكون أوّل التائبين ومنسحقًا أمام شعبه لكي يتمكَّن من أن يكون أداة لغفران الله للآخرين، تمامًا كما طلب السيّد المسيح الغفران حتّى لصالبيه. هو الواسطة بين الله وشعبه، كما كان موسى نبيًّا وشفيعًا لبني إسرائيل. يقول القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ: "الكاهن يقف أمام المذبح مثل ملاك، يقدِّم ذبائح الصلاة من أجل الشعب، ويجلب نعم الله إلى الأرض." هو يرفع تضرّعات المؤمنين كالبخور أمام الله، ساعيًا للغفران والسلام بين شعبه ورعيّته.
 
إنَّ محبّة الكاهن للمؤمنين تنبع من محبّة المسيح نفسه. فالكاهن ليس مجرّد قائدٍ، بل هو وقبل كلّ شيء أبٌ روحيٌّ يحكم وفق ناموس الله، كما يقول القدّيس أمبروسيوس: "الكاهن أبٌ للجميع، يواسي الحزانى، ويرشد الضالين، ويعزِّي المتألمين." حيث يطلب دومًا أن يمنح الله الرحمة والغفران، لا لبرّ المؤمنين، بل لأنَّ الله هو "إله صالح ومحبٌّ للبشر."
 
أيُّها الأحبّة، إنَّ دعوة الكاهن هي دعوة عظيمة ومسؤوليّة جليلة. هو وكيل أسرار الله، وراعٍ للنفس البشريّة، وشاهدٌ لرحمة الله، وجسرٌ بين السماء والأرض. صلواته وتضرّعاته تعكس محبّة الله لكلِّ واحدٍ منّا. فلنصلِّ من أجل كهنتنا حتَّى ولو أخطأوا، لكي يمنحهم الربّ القوّة والحكمة، ليستمرّوا في قيادة شعب الله نحو التوبة والخلاص، عاملين بروح المسيح فقط، ضارعين ليلًا ونهارًا من أجل غفرانِ خطاياهم، ومقتدين بطبيب النفوس ومخلّصها، عاكفين على الصلاة بصبرٍ وطول أناة حتَّى تأتي تلك الساعة الرهيبة التي فيها سوف يُقال لهم: "طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا" (مت٤٦:٢) آمين.