الأحد 29 أيلول2024

 الأحد 29 أيلول2024

26 أيلول 2024
 الأحد 29 أيلول2024
العدد 39
 الأحد 14 بعد العنصرة
اللحن الخامس، الإيوثينا الثالثة


أعياد الأسبوع:

29: كرياكس السائح، 30: الشّهيد غريغوريوس أسقُف أرمينية العظمى، الشَّهيد ستراتونيكس، 1: الرسول حنانيا أحد السَّبعين، رومانس المرنّم، 2: الشّهيد في الكهنة كبريانوس، الشَّهيدة إيوستينة، 3: الشَّهيد في الكهنة ديونيسيوس الاريوباغيّ أسقُف أثينا، 4: إيروثاوس أسقُف أثينا، البارّ عمُّون المصريّ، 5: الشَّهيدة خاريتيني، البارَّة ماثوذية، البارّ افذوكيموس.

المناولة المقدّسة

لا شكّ أنّ هذا الموضوع هو من أكثر المواضيع التي يجب تناولها بشكلٍ جدّيّ وهو يخلق جدلًا واسعًا بين المؤمنين، لكن من الواجب اليوم وضع النقاط في نصابها دون التجريح والتطاول على الآخرين، لأنّه واجبٌ عليَّ أن أعيش مسيحيّتي بإيمان، وأجاهد الجهاد الحسن بحسب تعليم الكنيسة بحسب ما قاله الرّسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: “فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ“ (٢كو ٢٧:١١).

نحن وباختصار نعيش مسيحيّة مائعة وعند أوّل تجربة نسقُط وننهار ونضعُف،
هل سألنا ما سبب ذلك كلّه؟ هل سألنا ما الذي يُعيق تقدّمنا وفاعليةَ صلواتنا؟
لماذا تكنفنا أهوال المصاعب ولا من يسمع؟

الجواب هو بسبب كَسلنا وفقدان الحرارة في أهمّيّة الصلاة وفاعليتها في حياتنا. أنا كمسيحيّ أنتمي إلى كنيستي أي أطيع تعاليم الكنيسة في دورتها السنوية كلّها، لا أستخفّ بأصغر الوصايا كما أوصى الرّب شعبه قائلا: "فَاسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ وَاحْتَرِزْ لِتَعْمَلَ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ وَتَكْثُرَ جِدًّا، كَمَا كَلَّمَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ فِي أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا." (تث ٣:٦).

لا نبحث هنا وهناك عن مُبرّرات، لأنّه إذا أخطأ الكاهن له من يُدينه، وإذا سقطَ أحدٌ ”فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا." (غل ١:٦)، فلا تجلبوا الويل بسبب دينونة بعضِنا البعض، لا نَجلب غضب الرّب كما نحنُ الآن فاعلون، ولا نفعل أفعال قد عملها الشّعب العبرانيّ قديمًا وقد حذّر منها أشعياء النبيّ قائلًا:”"تَعَدَّيْنَا وَكَذَبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ." (إش١٣:٥٩).

  هدف القدّاس الإلهيّ الذي نُقيمه هو أن نأخذ المسيح جسدًا ودمًا لحياةٍ أبديّة وغفران الخطايا كما قال السيّد نفسهُ: "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ"(يو٥٤:٦)، ويُضيف "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ." (يو ٥٦:٦)، إذًا باختصار هدف القدّاس الإلهيّ هو الاتّحاد كجماعة مؤمنة مُصلّية ومجاهدة مع الربّ الذي خلقنا حتّى نعيش معه ويكون فينا ونحنُ فيه!

كنيستنا الأرثوذكسيّة هي هذه الكنيسة النابعة من جنب السّيّد المطعون من أجل العالم وخلاصه، فصلوات الكنيسة تشمل العالم، من أجل سلام العالم، من أجل ثبات كنائس الله، من أجل المسافرين والمرضى. والمأسورين إلخ... من أجلِ الحكّام وكلّ مدينةٍ وقرية، هكذا القدّاس صلواته تشمل العالم وشيئًا فشيئًا تنحصر بالجماعة المؤمنة وخلاصها. لذلك فعليًّا القدّاس إلى جزئين أساسيّين جزء الموعوظين الذين كانوا يُصرفون بعد سماع الإنجيل، وجزء المؤمنين الذين هم أعضاء في الجسد الواحد والذين سوف يتّحدون مع المسيح القائم عند المناولة الرهيبة.

أخيرًا الكنيسة رتّبت صلوات خشوعيّة لكي تُدخلنا في جوّ من التهيئة ونخس القلب، وصلاة المطالبسي التي من واجب كلّ مؤمن أن يتلوها بوقار قبلَ المناولة. والسؤال كيف نعرف أنفسنا إن كنّا مستعدّين للمناولة؟ الجواب لا أحد يقرّر عن نفسه إن كان مستحقًّا أم لا، لأنّ هذا يقرّره الكاهن من خلال إقبالنا على الاعتراف بتوبة، الكاهن عمله أن يكون حارساً للمقدّسات، وأن يعرف من يتقدّم إليه للمناولة، وأن يكون الأب الروحيّ لرعيّته. هذا دور أساسيّ وهو غائبٌ عن أبنائنا. من خلال الاعتراف يستطيع الكاهن أن يقرّر من هو المستحقّ ومن هو غير المستحقّ، لذلك لا تستغربوا أنّه قد تأتي حالات يمنعك فيها الكاهن عن المناولة، هذا من حقّه محبّةً بك وحرصًا على خلاصك وذلك بتمييز. لذلك نرى في البلدان الأرثوذكسيّة الكاهن يسأل عنك وإذا لم يعرفك فلا تستغرب أنّه قد يمنعك من المناولة لأنّه ببساطة لا يعرفك.

هدف الكنيسة من خلال أسرارها أن تُحقّق الملكوت المرجوّ منذ الآن، عظمة الكنيسة أنّها تَستمطِر نعمة الله من خلال هذه الصلوات كلّها. لذلك اليوم وقبل أيّ يوم آخر لا نستَخفّنَّ بإيماننا والتزامنا، لا بل لنركضنَّ إلى الكنيسة لكي نحتمي بظلال أسرارها وصلواتها ونعيش حقيقةً حياة الشركة طارحين بجدّ كلّ اهتمام دنيويّ رافعين أيدينا لكي تستقيم صلواتنا كالبخور أمام الله الأزليّ فتكون صلواتنا كذبيحة تقدمة مرضيّة أمام عرش الله من أجل عائلاتنا وأولادنا وزيجاتنا وكلّ متروك على وجه هذه الأرض البائسة، عندها تكون مناولتنا لتقديس ولتطهير النفس والجسد وعربونًا للحياة والملكوت الآتي“ آمين.  
                                                                                                                                                                                  
طروباريّة القيامة باللحن الخامس
لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الابتداء، المولود من العذراءِ لخلاصِنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.

القنداق باللحن الثاني
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودِة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَل تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلْبَةِ يا والدةَ الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرسالة: 2 كو 1: 21-24
أنت يا ربُّ تحفَظُنا وتستُرنا مِن هذا الجيل
خلِّصني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَنِي


يا إخوة، إنَّ الذي يُثبِّتُنا مَعَكم في المسيحِ وقد مسحَنا هوَ اللهِ الذي خَتَمنا أيضًا وأعطى عُربونَ الروحِ في قلوبِنا. وإنّي استَشهِدُ الله على نَفسي أنّي لإشفاقي عليكم لم آتِ أيضًا إلى كورنثُس. لا لأنَّا نسودُ على إيمانِكم بل نحنُ أعوانُ سُرورِكم لأنَّكم ثابتون على الإيمان. وقد جَزمتُ بهذا في نفسي ألّا آتيَكم أيضًا في غمٍّ لأنّي إن كنتُ أغمُّكم فمن الذي يُسُرُّني غَيرُ مَن أُسَبِّبُ لهُ الغمَّ. وإنَّما كتَبتُ إليكم هذا بِعينِه لئلّا ينالني عند قدومي غَمٌّ ممَّن كان ينبغي أن أفرَحَ بهم. وإنّي لواثِقٌ بِجَمِيعكم أنَّ فرَحي هو فَرَحُ جميعِكم. فإنّي من شدَّةِ كآبةٍ وكَرْبِ قَلبٍ كتبتُ إليكم بِدُموعٍ كثيرةٍ لا لتَغتُّموا بل لتعرِفوا ما عِندي من المحبَّةِ بالأكثَرِ لكم. 

الإنجيل: لو 6: 31-36 (لوقا 2)

قال الربُّ: كما تريدونَ أن يفعلَ الناسُ بكم كذلك افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم إنْ أحببتُم الذين يُحبّونكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الذين يحبوُّنهم. وإذا أحْسنتم إلى الذين يُحسِنون إليكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أقرضْتُمُ الذينَ تَرْجونَ أن تستوفوا منهم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستوفوا منهمُ المِثلَ. ولكِن، أحِبُّوا أعداءَكم وأحسِنوا وأقرضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئًا فيكونَ أجرُكم كثيرًا وتكونوا بني العليّ. فإنَّهُ منعِمٌ على غير الشاكرينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.

في الإنجيل

في هذا المقطع الإنجيليّ من بشارة الرسول لوقا يحدّثنا الربّ يسوع عن المحبّة التي طلب منّا أن نمارسها مع جميع الناس حتّى مع الأعداء الذين يسيئون إلينا، ونمارسها دون التماس مقابل نحصل عليه، وإذا سمعنا هذا القول وعملنا به نستطيع أن نكون رحماء كما طلب منّا السيّد: "كونوا رحماء كما أنّ أباكم السماويّ رحيم هو". "والرحمة" في أصلها اللغوي في بلادنا تعني "السعة" لذلك نقول "امرأة "رحيم " أي أنّها ولدت كثيرًا وبهذا المعنى نقول أيضًا إنّ "الله رحيم" لأنّه يسعنا كلّنا دون تفريق وكلمة "الرحمة" تعبّر عن هذا العطف الإلهيّ المذهل.

ربّما نقول إنّ السيّد يطلب منّا أمرًا مستحيلًا وإنّنا لا نستطيع فعله، هذا صحيح بالمنطق البشريّ ولكن إذا طلبنا المعونة الإلهيّة وسمحنا لروح الله أن يسكن فينا نستطيع أن نعمل بقول الربّ بقوّة روحه القدّوس الفاعل فينا الساكن في قلوبنا ينقّيها من أدناس الخطيئة لأنّ فقط أنقياء القلوب يمارسون فعل المحبّة حتّى للأعداء وليس للأقرباء فقط. ويكون الربّ يسوع مثالهم في كلّ عمل وقول لذلك العلاقة كبيرة ووثيقة بين المحبّة والرحمة.

الذي يحبّ يترجم محبّته للناس بأن يكون رحيمًا معهم معتبرًا أنّ كلّ إنسان أمامه دفعه الله إليه كي يحبّه ويعتني به لأنّ المحبّة في المسيحيّة عناية.

وهذا يتطلّب منّا صلاة يوميّة كي يمدّنا الله بقوّة من روحه القدّوس لنكون محبّين له ولكلّ الناس فيصير الله محبوبًا لأنّنا نحن نحبّ ونرحم ونعتني ببعضنا البعض كما نريد أن يحبّنا الله ويرحمنا ويرعانا ويعتني بنا دائماً. آمين

حيــــــــــــــاتنا

في عالم يلفّه الجفاف الروحيّ، ويسوده الضياع والانكسار واليأس، مع الترقّب الدائم لحرب تقوم أو لا تقوم، ومع منافسات ومزايدات على الوطنيّة أو على هويّة الانتماء، في ترقّب الموت المفاجئ من حوادث عرضيّة أو شخصيّة، أفكار المسيحيّ بالنهاية مشتّتة ومضطربة وإن لم تكن مبنيّة على الخوف فهي متّجهة نحو أفق الترقّب، والعيون شاخصة إلى أعجوبة تنتشل الإنسان من اضطرابه وضياعه. 

وللأسف فإنّ بعض المسيحيّين أصبحوا كأهل هذا العالم، غرقوا في مستودع التنظير واليأس متناسين رجاءهم وفحوى إيمانهم، متّكلين على البشر متناسين حضور الله في حياتهم، وهذا يؤدّي ليس فقط إلى ازدياد القلق والفراغ وإنّما يكون سبيلًا للشرير بأن يعمل على تغذية دينونة الآخرين أو امتلاء الحقد في أعماق النفوس.

إنَّ السلام والمحبّة بحسب الآباء القدّيسين مرتبطان حكمًا ببعضهما، فلا السلام العالميّ ولا وحدة مصالح الشعوب هي التي تسكب السلام والأمان الحقيقيّين بل محبّة الله وطلب السلام الذي من العلى. وهذا ما تفعله الكنيسة بصلواتها كلّ يوم فهي تؤكّد أنّ الله وحده هو الذي يعطي الطمأنينة والأمان.

أحد الآباء القدّيسين يقول إنَّ بداية طريق محبّة الله من كلّ القلب ومن كلّ الفكر وبكلّ القدرة هي في مناداة اسم الخلاص الذي بربّنا يسوع المسيح بإيمان أوّلًا. ولتكن فينا أثناء الصلاة محبّة لكلّ الناس، بغضِّ النظر عن انتماءاتهم ودياناتهم وأفكارهم وأخطائهم، فإنّه بدوام الحبّ والسلام تدوم لنا الصلاة الحقيقيّة وفي دوام الصلاة دوام ثبوت الحبّ والسلام، فتنمو الصلاة مع الحبّ في قلب المؤمن، ليسيرا به نحو الكمال المرجوّ.

المؤمن يسعى إلى أن تكون حياته دائمًا مع الرّبّ مهما واجهته الصعاب، فلا يفصل قلبه عن الله، ملتصقًا به، ومداومًا معه وحافظًا قلبه من كلّ فكرٍ يبعده عن ذكر الرّب يسوع المسيح ساعيًا لكي يتأصّل اسم الرّب في قلبه فلا يفكّر في شيء آخر سوى تمجيد المسيح "اطلبوا أوّلًا ملكوت الله وبرّه والباقي يزاد لكم" (مت 33:6).

وإنّي أذكر سؤالًا طرح على القدّيس باسيليوس الكبير كيف أنّ الرسل كانوا يحيون في عصرهم وضمن مجتمعهم المضطرب فكان الجواب هكذا: "في كلّ أعمالهم كانوا يفتكرون أوّلًا في الله، وعاشوا في تسليمٍ دائمٍ له، فكانت هذه الحياة الروحيّة هي صلاتهم الدائمة من أجلهم ومن أجل العالم والخاصيّة التي تميّزهم عن أترابهم في مجتمعاتهم".

يقول القدّيس يوحنا السلّمي: "علّم قلبك كيف يرتبط بالله" ومَن يراقب أفكاره ويضربها على صخرة الإيمان، ويتيقّن أنّ الله فاحص القلوب والكلى حاضرٌ في كلِّ مكان وأمام عينيه، تهدأ فيه حركة العالم وتجد فيه المحبّة والسكينة والطمأنينة مسكنًا، وتغمره بنعمة الله ويدرك أنّ عمق الحياة هي المسيح. آمين

من بُستان الرُّهبان

حَدَثَ مَرَّةً أن أتى القدّيسُ بولسُ البَسيط، تِلميذُ القدِّيس أنطونيوس الكبير، إلى الإسقيط، لافتقادِ الإخوةِ  كعادَتِه. ولَمّا دَخَلوا الكنيسةَ لإقامةِ خِدْمَةِ القُدّاسِ الإلهيّ، كان يَتَأَمَّلُ كُلَّ واحدٍ مِنَ الدّاخِلِين، عارِفًا الحالَ التي عليها نَفسُه. فَرَآهُمْ جَميعًا مُبتهِجي المَلامِحِ، تَتبَعُهُمْ ملائكَتُهُم مَسرورَةً، باستِثناءِ واحدٍ مِنهم، رَآهَ مُسْوَدًّا بِجُمْلَتِهِ، تُحيطُ بِهِ شَياطِينُ سَمِجَةٌ وتُجَرِّرُه، فِيما مَلاكُهُ الحارِسُ يَتبَعُهُ من بَعيدٍ مُقطِّبَ الوَجه.

فَلَمّا رأى ذلك راحَ يَبكي ويَقرَعُ صَدرَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِن الكَنيسة. فَخرَجَ الإخوةُ وراءَه مُستَفْسِرِينَ عَنْ سَبَبِ بُكائِه، ومُلِحِّينَ عليه في الدُّخولِ لِمُشارَكَتِهم في القُدّاس، فَأَبى، ولَبِثَ جالِسًا على بابِ الكنيسةِ يَبكي بُكاءً مُرًّا. ولَمّا انتهَتِ الخِدمة، راحَ يُراقِبُهُم خارِجِينَ منَ الكنيسة، ليَعْرِفَ الحالَ التي خَرَجوا عليها، فرَأى ذلك الأخ الذي كان في دُخُولِهِ على تلكَ الحالِ المُزرِيَة، يَخرجُ بَهِيَّ الوَجهِ، أبْيَضَ الجِسْم، يَسيرُ مَعَهُ مَلاكُهُ مُلاصِقًا له مسرورًا، والشَّياطِينُ تتبعُهُ مِن بَعيدٍ مُغتاظَةً كَمِدَة.

فَلَمّا أبصَرَ القدّيسُ بولُس ذلك، راحَ يُصَفِّقُ بيَدَيِه مَسرورًا، وَيَثبُ بِفَرَحٍ عَظيمٍ مُبارِكًا الله أبا الصَّلاحِ بصَوتٍ عالٍ قائلًا: "هلُمُّوا أبصِرُوا أعمالَ اللهِ ومُوَاهِبَهُ التي تَدعو إلى الذُّهولِ والعَجَب. هَلُمّوا أبصِرُوا أعمالَ إلِهنا الصّالحِ الذي يَشاءُ خَلاصَ جميعِ النّاس، وَمَحَبَّتهُ للبَشَرِ التي لا يُلْفَظُ بِها. هَلُمّوا نَسْجُدْ وَنَرْكَعْ لَهُ قائِلين: "أنتَ وحدَكَ يا إلَهنا قادِرٌ أن تَنزعَ كُلَّ خطيئة".

فحَضَرَ الجَمِيعُ لِسَماعِ أقوالِه، فأخبرهم بما ظَهَرَ لَهُ، ثُمَّ سألَ ذلك الأخَ أن يُطلِعَهُ على السَّبَبِ الذي جَعَلَهُ يَنالُ نِعمةَ التَّغْيير. فَراحَ ذلكَ الأخُ يَبوحُ أمامَ الَجميع قائلًا: "إنَّني منذُ زَمانٍ طويلٍ عائشٌ في النَّجاسة إلى أبعدِ الحُدود، فَلَمّا رأيتُ الأبَ باكِيًا بُكاءً مُرًّا، ابتدأ قلبي يُحِسُّ، فأنصَتُّ إلى القِراءات، فَسَمِعتُ إشعياءَ يقول: اغْتَسِلوا وتَنَقَّوا، أزِيلوا شُرُورَكُمْ مِن أمامِ عَينَيّ، تَعَلَّموا أن تَصنَعوا حَسَنًا، وتَعَالَوا نَتَناظَرُ يقولُ الرَّبُّ: إنْ كانَتْ خَطاياكُمْ كَالبرْفِير تَبْيَضُّ كالثَّلج، وإن احْمَرَّتْ كالبَقمِ أجْعَلُها كالصوُّفِ النَّقِيّ. فَلَمّا سَمِعْتُ أنا الخاطئَ هذا الكلام، ضَعُفَ قَلبي، وقُلتُ أمام الله: أنتَ الإلهُ المُتحَنِّنُ الذي أتيتَ لخَلاصِ الَخَطأة، يا مَن قُلتَ إنَّهُ يَكونُ فَرَحٌ في السَّماء قُدّامَ مَلائكةِ اللهِ بِخاطئٍ واحدٍ يَتُوب، والآنَ يا ربِّي، ما وَعَدْتَ بِهِ بِفَمِ نَبيِّكَ تَمِّمْهُ فيَّ أنا الخاطِئ، واقبَلْني إلَيكَ تائِبًا، وها أنا مُنذُ الآن لا أصنْعُ شيئًا مِمّا كُنتُ أصنْعُهُ مِنَ الآثام، وسوفَ أخدِمُكَ بِكُلِّ طَهارَةٍ إلى آخرِ نَسمةٍ مِن حياتي. وعلى هذا العَهْدِ خَرَجْتُ من الكَنيسة".

فَلَمّا سَمِعَ الآباءُ ذلكَ، صَرَخوا بِصوتٍ واحدٍ قائلين: "ما أعْظَمَ أعمالَكَ يا رَبُّ، كُلَّها بِحِكمَةٍ صَنَعْتَ". وَعاشَ ذلكَ الأخُ بعدَ ذلك بكلِّ نقاوَةٍ، مُرْضِيًا الله بِسِيرةٍ فاضِلَةٍ.

نَتَعَلَّمُ مِنْ هذه الحادِثة ألّا نقْطَعَ رَجاءَنا بمَراحِمِ إلِهنا، لأنَّنا إذا أتينا إليه لا يُطالِبُنا بسالِفِ أعمالِنا، َبلْ يَغْسِلُ التائِبينَ إليهِ بِكُلِّ قُلُوبِهم، على حَسَبِ وَعْدِهِ، وَيُبيِّضُهُمْ كالثَّلج. لَهُ المجدُ إلى الأبد. آمين.