الأحد 3 آذار 2024

الأحد 3 آذار 2024

01 آذار 2024

الأحد 3 آذار 2024
 العدد 9
 أحد الابن الشاطر
اللحن السادس، الإيوثينا السادسة


أعياد الأسبوع:

3: الشُّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، 4: البارّ جراسيموس الناسك في الأردنّ، 5: الشَّهيد قونن، البارّ مرقس النّاسك، 6: الاثنان والأربعون شهيدًا الذين في عمّوريّة، البارّ أركاديوس، 7: الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، 8: ثيوفيلكتس أسقُف نيقوميذيّة، 9: سبت الأموات، القدّيسون الأربعون المستشهدون في سبسطية.


الإيمان في فكر الآباء والصلاة

"الإيمان هو الثقة بما يُرجى وتصديق الأمور التي لا ترى" (عبرانيّين 11: 1).

الإيمان هو أيضًا الثقة الكاملة بالمسيح، ثقةٌ آتيةٌ من محبّته لنا ومن محبّته لكلّ الخليقة. 

الصلاة تصدر، وتنبع من إيماننا بالمسيح.

يقول القدّيس سيرافيم ساروف: 
الصلاة باستطاعتها أن تُنزلَ الروحَ القدس الذي يحوّل الخبزَ والخمرَ إلى جسد المسيح ودمه وباستطاعتها أن تحفظَ توازنَ العالم. 

الصلاة الإيمانيّة لها فعلٌ رسولي un acte apostolique بالإيمان وعن طريق الصلاة نكتسب قوّةً كبيرةً.

كلّ ذلك ناتجٌ عن ثقتنا الكاملة بالمسيح.

قلنا إن الإيمان مرتبطٌ بالصلاة. الصلاة تقود الإنسان إلى الله. عندها تتسرّب نعمةُ الله إلى قلب الإنسان.

الخلاص هو في المسيح بفدائه ومحبّته. "إيمانك خلّصك" قال يسوع لأعمى أريحا (لوقا 18: 42).

هناك في الكتاب المقدّس أمثالٌ عديدة تكشف عن قوّة الإيمان الصانع العجائب. كلّها مرتبطة بالإيمان الكامل بالمسيح.

قال الربٌّ يسوع للمرأة الكنعانيّة السوريّة الفينيقيّة الوثنيّة (مرقس 7: 26): "يا امرأة عظيمٌ إيمانك ليكن لكِ كما تريدين فشُفيت ابنتها في تلك الساعة" (متّى 15: 28).

ويقول القدّيس غريغوريوس بالاماس شارحًا هذه المعجزة: "لسانها كان يحرّكه الروح القدس" 

هذا يعني أنّ إيمانها بالمسيح قد جعلها تستجلب قوّةً الله لشفاء ابنتها الممسوسة من الشيطان. طبعًا كلّ ذلك يؤازره تواضعُها السحيق. 

الإيمان بالمسيح لا يتمّ ولا يفعل إلّا بتحرّر الإنسان من الأهواء بخاصة عن طريق إنكار الذات Égoisme.

وأيضًا لقد أقرنت الكنعانيّة إيمانها بالصلاة عندما صرخت: "يا ربّ أعنّي". 

لذلك يضيف القدّيس بالاماس:
"التواضع مرتبط دائمًا بالإيمان بالمسيح. التواضع يليق بالمؤمنين والإيمان بالمتواضعين".

الإيمان بالله يكبر ويزيد بترداد صلاة الربّ يسوع: "أيّها الربّ يسوع المسيح يا ابن الله ارحمني أنا الخاطىء".

+ أفرام                                                                           
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما 


طروباريّة القيامة باللحن السادس

إنَّ القوّاتِ الملائكيّةَ ظهروا على قبرك الموَقَّر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتول مانحًا الحياة، فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.


قنداقُ أحدِ الابنِ الشاطِر باللحن الثالث

لمّا هجرتُ مجدَك الأبويَّ عن جهلٍ وغباوة، بدَّدتُ في الشّرور الغنى الذي أعطيتَني أيُّها الأب الرَّؤوف. لذلك أصرخ إليك بصوت الابنِ الشاطر هاتفًا: خطئتُ أمامك فاقْبَلني تائبًا، واجعلني كأحد أُجرائك.


القنداق نفسُه موزونًا:

قد عَصَيتُ مجدَكَ. بِجَهلٍ أَيُّها الآبُ. وَبَدَّدتُ في الشرّور ما قد أعطَيتَ مِن ثروة. إلى المخَلّصِ ضارعين. أيّها الحَسَنُ المُصالحةِ ارحمنا.


الرسالة: 1 كو 6: 12-20
لتكُن يا ربُّ رَحْمتكَ علينا
ابتهجوا أيُّها الصدّيقون بالرّبّ

يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطُ عليَّ شيءٌ. إنَّ الأطعمة للجوفِ والجوفَ للأطعمة، وسيُبيدُ الله هذه وتلك. أمَّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والربُّ للجسد. واللهُ قد أقام الربَّ وسيقيمنا نحن أيضًا بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفَآخُذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانية؟ حاشا! أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانيةٍ يصيرُ معها جسدًا واحدًا، لأنَّه قد قيلَ يصيران كلاهما جسدًا واحدًا. أمَّا الذي يقترنُ بالرَّب فيكون معه روحًا واحدًا. أُهربوا من الزِّنى، فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلُها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمّا الزّاني فإنَّه يخطئ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفُسِكم لأنَّكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحكم التي هي لِلَّه.


الإنجيل: لو 15: 11-22

قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرهُما لأبيه: يا أبتِ أعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الابنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشًا في الخلاعة. فلمّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في تلك البلدٍ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجراء يفضلُ عنهم الخبزُ وأنا أهلك جوعًا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مستحقًّا بعد أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أُجرائِك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الابنُ: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامك ولستُ مُستحقًا بعد أن أُدعى لك ابنًا. فقال الأبُ لعبيده: هاتوا الحُلَّة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده وحذاءً في رجليه. وائتوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًّا فوُجد، فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبرُ في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغِلمان وسأله ما هذا؟ فقال له: قد قدم أخوك فذبح أبوك العجل المسمّن لأنّه لقيه سالمًا. فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنين أخدمك ولم أتعدَّ لك وصيَّة فلم تعطني قطّ جديًا لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمّن. فقال له: يا ابني، أنت معي في كلّ حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَرّ لأنَّ أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجِد.


في الإنجيل

نصل بنعمة الله إلى الأحد الثاني من فترة التهيئة للصوم الأربعينيّ المقدّس، وفترة التريودي المباركة، وهو أحد "الابن الشاطر" أو "الابن الضال". 

والشاطر هنا هو من شطر أو قسم ثروة أبيه. أمّا الضال فتعني من ضلّ وأضاع الطريق.

كنيستنا المقدّسة وضعت لنا هذا المثل، ونحن على مقربةٍ من الصوم الأربعينيّ المقدّس، لتدعونا إلى العودة إلى أحضان الآب بالتوبة والمحبّة. 

ولتعلّمنا أيضًا أن محبّة الله واسعة وغير محدودة، ولا يستطيع أيّ عقل بشريّ أن يدركها. 

هذه المحبّة الأبويّة تجلّت بأجمل صورها مع أبٍ لا يكتفي بالمسامحة بل ينتظر عودة ابنٍ ضلّ الطريق ولكنّه رجع. 

"رآه من بعيد" وهذا دليل على الانتظار لا بل على الشوق إلى عودة هذا الابن، فلم ينتظر وصوله إليه وطلب السماح والمغفرة، بل أسرع هو إليه أوَّلًا وقبّله، كدليلٍ على الغفران، وأعاده ابنًا له كالسابق دون أن يتفوّه بأيّة كلمةٍ تدلّ على اللوم أو تذكِّر بالخطايا. "اجعلوا خاتمًا في يده وحذاءً في رجليه". 

هكذا طلب الأب الرحوم ليؤكّد أنّ هذا الابن هو ابنه ويتكلّم باسمه وأنّه ليس عبدًا أو خادمًا، كما طلب هو، بل ابنًا بكلّ ما في الكلمة من معنًى. "فلست بعد عبدًا بل أنت ابنٌ" (غلا 4: 7) .

يُعطي مثل الابن الشاطر أيضًا صورة مهمّة عن أهميّة سرّ التوبة والاعتراف. 

فكثيرون منّا يقولون إنّنا ندمنا ولا حاجة لنا أن نذهب إلى الكاهن لنعترف، وربّما لا نجرؤ على الاقتراب من منبر الاعتراف. 

ألعلّنا نريد جوابًا واضحًا أكثر من هذا؟ إن كان الله قد غفر للعشّار (في الأحد السابق) وللابن الشاطر (اليوم) فكيف لا يغفر لنا؟ 

لا يكفي إحساسنا بالخطيئة فقط بل علينا أن نقرّ بها ونسرع إلى أحضانه الأبويّة ونرتمي تحت قدميه طالبين الرحمة من أبي المراحم، "فيقبلنا ويكون لنا أبًا ونكون له بنين وبناتٍ يقول الربّ القدير". (2 كور 6: 18). 

أخيرًا، نحن نتصرّف في كثير من الأحيان كالابن الأكبر، كأنّنا معصومون عن الخطأ، وننكر على إخوتنا "الشاطرين" بنوَّتهم لله، وإن كانوا خطأة. 

دعوتنا اليوم أن نحبّهم، كما أحبّنا هو، وأن نفرح ونسرّ بعودتهم، لا بل أن نساهم في عودتهم، فيكون أجرنا عظيمًا.

دعوتنا اليوم أيضًا، ونحن نتهيّأ لاستقبال الصوم الأربعينيّ المقدّس، أن نسير على خُطى الابن الشاطر ولا نيأس بسبب وقوعنا في المعاثر والخطايا.

فالخطيئة لا تكمن في الوقوع فقط بل في عدم القيام. 

حينئذٍ ينبغي أن نُسَرَّ ونفرح لأنّنا كنّا أمواتًا فعشنا، وكنّا ضالّين فوُجدنا، آمين.


الطّلاق ونتائجه الأخلاقيّة

1- حياة الشبَّان والشَّابّات قبل الزواج.

كلّنا يعلم ما هي التجارب التي يمرّ بها الشبّان والشابّات، ويعرف بأيّة خِفَّة وعدم وعي يلقون بأنفسهم في خفقات الحبّ الأولى معرِّضين مستقبل حياتهم للدمار. 

إنّ رغبتهم في التمتع بالحبّ تحجب عن أعينهم عواقبه، وتلهيهم عن التفكير بها والانتباه اليها.

ما هو موقف محبِّذي الطلاق تجاه هذه المسألة؟

هم يقولون إنّ الشابّ محقٌّ في أن يتسلّى، ويزيدون على ذلك قائلين بأنّه يأتي يوم يكفّ فيه الشابّ عن التسلية ويصبح عاقلًا هادئًا بصورة طبيعيّة فيفتّش عن الزواج. 

ولكنّ أفراد هذه الفئة غاب عن بالهم أنّ مادّة التلاعب بالحبّ تبيد القوى الّتي ترتكز عليها الأمانة والإخلاص، وأنّ الاعتقاد بالطلاق يزيد من روح الخفَّة بدلًا من أن يبيدها. 

والشابّ الذي اعتاد التسلية يجد في الزواج طريقًا جديدًا ليشبع نفسه. وإذا نبّه أهل الفتاة ابنتهم قائلين لها: 

"إنّ لهذا الشاب ماضيًا يجعلك تقلقين على مستقبل حياتك الزوجيّة"، فإنّها تجيبهم بكلّ هدوء: 

"ماذا يهمُّني، إن لم أتّفق معه خلال بضع سنين، فإنّي أستطيع أن أتركه متى شئت".

وهكذا فإنّ قبول إمكانيّة الطلاق بصورة سابقة يجعل اختيار الزوج أو الزوجة سطحيّا ويمنع النفوس الشابّة غير المجرّبة بعد، أن تهتمّ كما يجب بالنتائج التي تخلقها أوضاعها. 

فبدلًا من أن يجبر الشباب على التفكير مليّا (وهذا ما يحدث مع الذين يعتقدون بعدم إمكانيّة فصل الرباط الزوجيّ)، نجده بالواقع يدفعهم إلى اتّخاذ قرارات سابقة لأوانها لم تخضع للتفكير والتدقيق.

أما الذين يقبلون عدم فسخ الزواج دستورًا لازمًا، فهم يقلقون قبل أن يعقدوا الرباط، هم يضطربون ويفكّرون، هم يسألون ويفتّشون عن الماضي وعن المؤهّلات التي يمكنها أن تكفل مستقبل العائلة.

وهكذا فإنّ فكرة الطلاق المتكوّنة قبل الزواج هي التي تعيق تفتّح الحبّ الطبيعيّ الحقيقيّ.

2- الطلاق والحياة الزوجيّة:
 
لنبحث الآن ما الذي يحدث بعد الزواج حسبما يَقبل العروسان إمكانيّة الطلاق أو لا يقبلانها. 

فمنهم من يعتقد بعدم إمكانيّة فسخ الزواج ويبني حياته على هذا الأساس: 

"إنّنا اتّحدنا بالزواج أمام الله عازمين على أن نبقى مخلصين لبعضنا لنربّي الأولاد الذين سيعهد الله بهم إلينا". 

إنّ هؤلاء يشعرون بأنّهم متّحدون ليقدّسوا أنفسهم ويقدّسوا أولادهم. 

في حين أنّ الذين يتّخذون فكرة الطلاق أساسًا لحياتهم الزوجيّة، يفكّرون هكذا: 

"سنحبّ بعضنا بعضًا ونبقى معًا طالما نجد سرورًا في ذلك، ولكن لا نلبث أن نفترق حالما تقوم المشاكل والصعوبات".

لا بدّ للعائلات من أن تقاسي بعض المشاكل ولئن كانت رشفات الحبّ الأولى هنيئة وسهلة، فالأمور لا تلبث أن تتعقّد: 

الهفوات والأخطاء تظهر، والميول تأخذ بالتقابل والتناحر. 

وهكذا تزداد إمكانيات الانقسام وتتعدّد. 

إنّ الله يريد ذلك تجربة للحبّ: يتنقّى الحبّ بالتجربة ويتقدّس. 

وهكذا يزداد اختبار الرجل لامرأته فهو يكتشف أن امرأته لم تنزل إليه من السماء كملاك بل إنّ لها عيوبها ونقاط ضعفها وهي تكفّ عن الإعجاب بزوجها كما أُعجبت به في الأيّام الأولى، لأنّها بدأت تلاحظ أنّه رجل له نواقصه مقابل حسناته. 

إنّ هذه الاكتشافات هي تجربة للحبّ أرادها الله لتسير بالحبّ من الحالة الحسيّة السطحيّة إلى وضع آخر مطابقًا للحقيقة، يبذل فيه كلّ واحد قوّة يضبط بها نفسه ليداوم على الحبّ ويصلح نفسه. 

إنّها فترة الجهاد المشترك المبذول من الطرفين في سبيل التقدّم ودوام الحبّ في العالم.

إنّ هذا الجهاد لا يسير دون هزّات وتجارب. 

فمحبّة الذات وكلّ القوى الشريرة التي تجثم في قلب كلّ واحد ستعمل في سبيل التفرقة. 

فما هي نتيجة هذا الصراع بين الشرّ والخير؟

إذا كان العروسان من أنصار فكرة الطلاق، فإنّ إرادة التحسّن سوف يقتلها أمل الفراق الممكن الذي يحلّ المشكلة بالفرار منها. 

أما إذا كانا من الذين يؤمنون بعدم إمكانيّة الانفصال، فإنّهما سيقومان ببذل مجهود في سبيل الإصلاح المشترك واحتمال أحدهم الآخر، فالزوجان يعودان إلى نفسيهما ويفحصان داخلهما فيتعرّفان إلى أخطائهما المشتركة قاهرين الأنانيّة الذاتيّة. 

فالمذنب يطلب بكلّ تواضع من زوجه أن يصفح عنه، ساعيًا هكذا بكلّ قواه إلى المصالحة.

وهكذا تقوم فكرة عدم انفكاك الزواج في قلب العائلة. 

فكرة بنّاءة لها قوتها الإصلاحيّة والأخلاقيّة بينما فكرة الطلاق تشلّ نظام العائلة وتهدمها.

3- الطّلاق والأمانة الزوجيّة:

قد يحدث لأحد الزوجين أن يميل إلى شخص آخر غير زوجه، فماذا يجري في هذه الحال؟

إذا كان الزوج المجرّب يقبل فكرة الطلاق، فإنّه لا يمتنع مطلقاً عن تحقيق فكرته في سبيل إرضاء رغباته. 

كما أنّ مجرد إمكانيّة الطلاق تغذّي الميل وتقوّيه وتزيد شدّة التجربة. 

أمّا إذا كان الشخص المجرّب لا يقبل فكرة الطلاق، فإنّ هذا الميل يلاقي فورًا في داخله صدًّا شديدًا، ويكون عدوله أسهل كلّما ظهر له واجبه بوضوح أكثر.

4- الطلاق والأمومة:

لندرس الآن حالة المرأة التي تودّ أن تصبح أمًّا: هذا هو الحال الطبيعيّ العاديّ. 

ولئن كان في هذا الأيام بعض اللواتي لا يردنَ ذلك، فهذا دليل على اعوجاج النفوس. 

رُبَّ امرأة تتوق إلى الأمومة، ولكنّ زوجها من أنصار الطلاق وقد أعلن بجلاء أنّه سوف يتركها حالما تنشأ صعوبات معها.

فكيف يمكننا أن نتصوّر في هذه الظروف أن تتقبّل المرأة بفرح كونها أمًّا، وكيف يمكنها أن لا تضطرب أمام فكرة زيادة عدد أولادها؟ 

فهي قلقة لأنّها ليست متأكّدة من دوام ركن عائلتها الطبيعيّ. 

إنها على حقّ في ذلك لأنّ الذين يعتقدون بفكرة، يتوقون دائمًا إلى تحقيقها. 

فهي ترفض الأمومة لنفسها لأنّه تنقصها الضمانة الكافية على استمرار اعتناء زوجها بها وبأولادها. 

وبالعكس إذا كان زوجها يعتقد بقدسيّة الزواج وعدم إمكانيّة فسخه ويأخذ عقيدة الكنيسة عقيدة له، فهي تستطيع دون خوف أن تقبل تبعات الأمومة.

إذًا نقول إنّ الطلاق يمنع الحبّ البشريّ من أن يعطي ثماره الطبيعيّة وهو يعكّر هذا الحبّ أيضًا، بينما رفض انحلال الزواج يوطِّد الحبّ ويوجّهه على شرط ناموسه الطبيعيّ الذي هو التناسل وتربية الأولاد.

5- الطلاق ومصير الأولاد:

لندرس أخيراً ما يحدث عندما يصبح الولد شابّا، ويبدأ في توجيه حياته وعواطفه الخاصّة. 

إذا وُجد الابن في هذه السنّ الصعبة بين والدَيْنِ يعتقدان بعدم إمكان فسخ الزواج، وبين والدين قدّس كلٌّ منهما الآخر وحفظ له حبّه وحنانه، بين والدين اتّحدا تحت عينيه كلّ يوم اتّحادًا قلبيّا متينًا، لا بدّ له من أن يرفض ويبتعد من كلّ باطل مقارنًا إيّاه بالحبّ الذي يشهده كلّ يوم فيفرّق حالًا بين الحبّ كما يريده الله، والحبّ الباطل الذي لا يدوم أكثر من يوم واحد، فيعرف أنّ الحبّ الحقيقيّ هو الحبّ الذي جمع أباه وأمّه.

ويكون الأمر، ويا للأسف، بعكس ذلك، إذا كان الولد ينتمي إلى عائلة وجد إليها الطلاق سبيلاً، فهو قد أصبح دون بيت يضمّه وغالبًا ما يوضع في مدرسة داخليّة كي يتخلّص الوالدان من وجوده. وبخاصة أولاد المطلّقين والمتزوّجين ثانية. 

إن هؤلاء الأولاد لم يعد لهم مكان تحت الشمس ولا يبقى سوى أن يوجد لهم مأوى وسوف يكون هذا المأوى في مدرسة داخليّة وكأنّ المدرسة تستطيع أن تقوم مقام قلب الأب أو الأمّ! 

ومن وقت إلى آخر يذهب الولد إلى أبيه فيسمع قلب الأب ينبض بهذه الكلمات: 

"أجل إنّي أعلم أن هنالك امرأة في العالم ولدتك منّي، ولكنّي أمقت هذه المرأة وأبغضها وليس لها بعد أيّ مكان في حياتي". 

وفي يوم آخر يذهب الابن إلى أمّه فيلاقي ما لاقاه عند أبيه، فيستنتج أنَّه وُلِدَ من حبّ ربّما كان في الزمان حقيقيًّا ولكنّه الآن تبدّل فأصبح ضغينة، فالحبّ إذًا كذب وخدعة ذهب هو ضحيتها فكيف نأمل من هذا الابن ألّا يكون متشائمًا يشكّ في حقائق الحياة الروحيّة العميقة؟ 

اذ قد لاحظ أنّ الحبّ لم يقدر أو بالأحرى لم يرد أن يحيا، اذ قد رأى أنّ الحبّ قد تهشّم وهو على الطريق. كيف يمكنه من بعد أن يضع ثقته في الحب؟ 

إنّ نفسه قد تحطّمت ولم يعد يثق بشيء طالما فقد ثقته بأبيه وأمّه. 

ولم يعد للحياة أيّ معنى في عينيه، فتجده مقطوع الأمل، يائسًا، إذا كان في تفكيره بعض العمق، أمّا إذا كان تفكيره سطحيًّا، فإنَّه سيقول: 

"إنّي أحفظ حياتي لنفسي لأنّهما أرادا أن يحفظا حياتهما لنفسيهما عوض أن يمنحاها لي أنا الذي في حاجة إليها. فعلَيّ بالتسلية وليأتِ منها ما يمكن أن يأتي".

تلك هي بعض العواقب الاجتماعيّة للطلاق، وهناك أخرى غيرها كثيرة، ولا يمكن أن تُعَدّ وتحصى جميعها، ويمكنكم تحسسها في المجتمع الذي نعيش فيه هذه الأيّام.

هذه كانت المشاكل التي نجمت عن حلّ الرابطة الزوجيّة فما هي الحلول المقترحة لحلّ هذه المشاكل، وهذا رأي شخصيّ يمكن تعديله بعد مناقشته.