الأحد 10 آذار 2024
05 آذار 2024
الأحد 10 آذار 2024
العدد 10
أحد مرفع اللحم
اللحن السابع، الإيوثينا السابعة
أعياد الأسبوع:
10: الشهيد كدراتُس ورفقته، 11: صفرونيوس بطريرك أورشليم، 12: ثاوفانس المعترف، غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية، سمعان اللاهوتيّ الحديث، 13: نقل عظام نيكيفورس بطريرك القسطنطينيَّة، 14: البارّ بنادكتس، البارّ الكسندروس، 15: الشُّهداء أغابيوس والسَّبعة الذين معه، 16: تذكار جامع للآباء الأبرار، الشهيد سابينوس المصريّ، البارّ خريستوذولس.
مرفع اللحم
موضوع المقطع الإنجيليّ اليوم هو المحبّة.
يُعطي الربّ يسوع مثلًا عن الدينونة الأخيرة ويؤكّد لنا أنّ مقياس الدينونة هو المحبّة، محبّة شخصيّة وملموسة لأشخاصٍ يضعهم الله في طريقنا.
المحبّة التي تتطابق مع مصالحنا واهتماماتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، هي جيّدة ومفيدة لكنّها ليست محبّة مسيحيّة فريدة ونقيّة.
صحيح أنّنا مدعوّون إلى إقامة مجتمع عادل تسود فيه المساواة والأُخوّة، ولكنّ المحبّة المسيحيّة الحقيقيّة التي يدعو إليها الإنجيل وعلى أساسها سيُدان البشر هي "أن نحبّ بعضنا بعضًا"، ونتصالح بعضنا مع بعض لكي يعرف الجميع أنّنا تلاميذ المسيح وخاصّته.
هذه هي الكنيسة الحقيقيّة أي كنيسة المسيح الحيّة لا مؤسّسة اجتماعيّة أو وطنيّة.
المقياس الوحيد للدينونة هو علاقة الإنسان بأخية الإنسان ليس فقط علاقة الإنسان بالله. طريقنا الوحيد إلى السماء هو عبر أخينا الإنسان.
ففي الأمس صلّينا من أجل أحبّتنا الراقدين، ونحن نصلّي لهم لأنّنا نحبّهم، ولكي نلقاهم في المسيح الذي هو محبّة وفيه لا فرق بين الأحياء والأموات لأنّ الجميع أحياء، ونحن عندما نحبّ المسيح نحبّ أيضًا خاصّته لأنّه تحمّل العار والصلب من أجل خلاص جميع البشر.
واليوم أيضًا نرفع اللحم عن موائدنا لنستعدّ خلال هذا الأسبوع للدخول في الجهاد الأقوى بالصوم والصلاة وتليين النفس وجعلها قريبة من الآخر لنقترب من الله.
غاية الامتناع عن اللحم ومشتقّاته هي توفير المال واعطاؤه للمحتاجين من إخوتنا محبّة بهم، وهذا أهمّ تعبيرعن المحبّة الحقيقيّة وعن الشركة القائمة بين أعضاء الكنيسة جسد المسيح.
نُصلّي لكي يمنحنا الله القدير القوّة والمحبّة لكي نجوز هذا الصوم الأربعينيّ المقدّس ونحن نحمل محبّة الإخوة في قلوبنا وفكرنا كلّ يوم وكلّ لحظة لنستحقّ أن نبلغ الهدف الأسمى، ملء قامة المسيح يسوع.
+ الأسقف قسطنطين
رئيس دير مار الياس شويا البطريركيّ
طروباريّة القيامة باللحن السابع
حطِمْتَ بصليبِكَ الموت. وفتَحْتَ للّصِّ الفردَوس. وحوَّلتَ نَوحَ حامِلاتِ الطيب. وأمرتَ رُسْلَكَ أن يَكرِزوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أيها المسيحُ الإله. مانحاً العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق أحد مرفع اللحم باللحن الأوّل
إذا أتيتَ يا الله على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النارِ يجري أمامَ المِنبر، والكتبُ تفتحُ والأفكار تشَهَّر. فنجِّني من النار التي لا تطفأ، وأهِّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدَّيانُ العادِل.
الرسالة: 1 كو 8: 8-13، 9: 1-2
قُوَّتي وتَسْبِحَتي الربُّ
أدبًا أدَّبَني الربُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلمني
يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص. ولكنْ انظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه إن رآك أحدٌ يا من له العِلمُ، مُتَّكِئًا في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيهلكُ بسببِ عِلْمك الأخُ الضعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا. ألستم أنتم عملي في الربّ. وإن لم أكن رسولًا إلى الآخرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ.
الإنجيل: متّى 25: 31-46
قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء، ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآوَيتموني، وعريانًا فكسَوتموني، ومريضًا فعُدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليَّ. يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعًا فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريبًا فآوَيناك، أو عُريانًا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضًا للذين عن يسارِه، اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديَّة المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأنّي جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقوني، وكنتُ غريبًا فلم تؤووني وعُريانًا فلم تكسوُني، ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضًا قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعًا أو غريبًا أو عُريانًا أو مَريضًا أو مَحبوسًا ولم نخدُمْك؟ حينئذٍ يُجيبُهم قائلًا: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءِ إلى العَذابِ الأبديّ، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.
في الرسالة
يتحدّث الرسول بولس في هذا النصّ عن مسألة الأكل من الذبائح المقدّمة إلى الأوثان.
وهو يتناول هذه المسألة في أكثر من مكان في هذه الرسالة ليحذّر مؤمني كورنثوس من عبادة الأوثان والأكل على موائد الأوثان.
وكونه هو الذي أنشأ الكنيسة في مدينة كورنثوس فهو يحسم هذا الأمر ويشدّد في هذا المقطع على أنّه لا وجود لأيّ إله آخر غير الله "الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ" (1كورنثوس 6:8).
وتوضح هذه الآية تعليم الرسول بولس حول اللحوم المذبوحة للأصنام لأنّه يقدّم تعارضًا جذريًّا بين المعتقدات الوثنيّة والإيمان بالرب يسوع.
فيسير في الخط التوراتيّ "الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تثنية 4:6).
إذ لم يجد بولس أفضل مما جاء في العهد القديم وسيلة تعليم توضيحيّة ترسخ في أذهانهم.
لكن تبرز عنده مشكلة أنّ العهد القديم هو منهل التراث اليهوديّ، فكيف سيفهم مؤمنو كورنثوس، تلامذة المسيح، العلاقة بينهم وبين يهود العهد القديم، تلامذة موسى، خاصةً أنّ غالبيّتهم كانت من خلفيّة وثنيّة وثقافتهم يونانيّة.
فعمل بولس على حلّ المشكلة بإظهار القاسم المشترك بين الفريقين والذي هو المسيح.
لهذا يؤكّد أوّلًا على وحدة الله، كما جاء في تثنية الاشتراع، ثمّ يمسحن هذا الاعتراف الإيمانيّ بإضافة "رَبّ وَاحِد يَسُوعُ الْمَسِيحُ".
فهم بعض المؤمنين تعليم بولس حين قال:
"نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ" بأنه يمكن للمؤمنين أن يأكلوا مما ذُبِح للأوثان لأنّ لا وجود للأوثان.
ونَمَت هذه الأفكار في أذهان الكورنثيّين جرّاء هذا التعليم وانتفخوا كثيرًا بهذه المعرفة التي حرّرتهم من أوهام الأوثان.
فلم يرفضوا موائد الأوثان ولم يمتنعوا عن الذهاب إلى معابدهم والاتّكاء في هياكلهم، وفي الأماكن التي تُباع فيها هذه اللحوم.
كما صاروا يفتخرون بذلك لأنّهم من أصحاب "المعرفة" أمّا غيرهم من المؤمنين فبسطاء وجهّال.
هذا الموقف سبّب الكثير من المشاكل في حياة المؤمنين الضعفاء.
إذ لمّا شاهدوا إخوتهم يُقبِلون على الأكل من ذبائح الأوثان في الأمكنة العامّة، تشجّعوا وأكلوا هم أيضًا وهكذا تزعزعت ركائز إيمانهم.
وفي علاجه لهذه المسألة يكتب قائلًا: "وَلكِنْ ما كلّ واحد يعرف هذه الحقيقة" (7:8)، أي أنّ الوثن لا كيان له.
وأنّ الطعام لا يقرّبنا إلى الله وإن لم نأكل لا نبتعد عن الله. كلّها أمور خارجيّة لا تطال الجوهر.
لهذا نجده يركّز على المحبّة الأخويّة ومراعاة الأخ صاحب الضمير الضعيف "الذي مات المسيح من أجله".
هذه العبارة تشير إلى الفداء بموت المسيح فداءً عنّا، ومن هذا المعنى ينشأ ما يريده بولس هنا، وهو أنّنا يجب أن لا نحتقر أيّ مؤمن حتّى ولو كان ضعيفًا، بسيطًا، لأنّ المسيح وحّد نفسه بالضعفاء والصغار والمحتاجين والمتألّمين، فطوبى لمَن يحسن إليهم فإنه بهذا يحسِن إلى يسوع نفسه وهذه هي خلاصة إتجيل اليوم أيضًا.
فالخطيئة لا تقوم في أكل اللحم بل في أن نجعل أخانا يعثر. لأنّ المسيح مات من أجل القويّ ومن أجل الضعيف.
ونحن حين نسبب السقوط لأخينا نحطّم الوحدة الأخويّة بين أعضاء المسيح.
لأنّ الأخوّة بين المسيحيّين في الكنيسة ليست ناتجة عن رباطات عائليّة، عشائريّة، وطنيّة أو حزبيّة... إنّما أخوّتهم في الكنيسة هي نتيجة بنوّتهم لله التي تمّت بيسوع المسيح والتي تكوّن هذه الوحدة بينهم.
من هو الله! (1)
من هو الله بالنسبة إليّ أنا الإنسان؟
هل هو موجود فعلًا أو أنّي لا أؤمن بوجوده؟
هل توجد علاقة بيني وبينه، وما علاقتي به؟
هل أتحدّث معه، وهو معي؟
هل أتعشّى معه وهو معي؟ كما قال هو: "هأنذا واقفٌ على الباب وأقرع، إن سمع أحدٌ صوتي وفتحَ الباب، أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي" (رؤ3: 20).
هل أشعر بوجوده ليس فقط في الكون، بل في حياتي الشخصيّة، في كياني، في روحي وجسدي، في ضعفي وقوّتي، وفي كل ظروف حياتي؟
هل هو السيِّد الخالق البعيد عني في سماواته، وعلاقتي معه علاقة عبوديّة فقط؟ أم هو أبي السماويّ وأنا ابنه؟
هل هو الطبيب الشافي؟ أوالصديق والحبيب؟
هل هو الرَّاعي وأنا خروفٌ في قطيعه؟
من هو الله بالنسبة إليّ أنا الإنسان؟
ربمَّا يكون مفيدًا أن نتأمَّلَ في كلِّ صفة من صفات الله المذكورة أعلاه، وسنبدأ اليوم في كون الله هو راعي الإنسان، راعي نفسه وجسده، راعي حياته، كما قال الربّ عن نفسه "أنا هو الراعي الصالح" (يو10: 11، 14).
السؤال المطروح: ماذا ينتج عن كون الربّ راعِيَ حياتنا؟!
لكي نعرف الجواب، ما علينا إلّا أن نذهب إلى الحقول والطبيعة، ونرى ما يفعل الرَّاعي وما تفعل الخراف!
سنلاحظ أنَّ الراعي يسير أمام القطيع بفرحٍ كبير، والخراف تتبع الراعي أينما اتَّجه، تقف حيث يقف وتسير حيث يسير، إذًا هناك علاقة بين الخراف والراعي، علاقة محبّة وعلاقة ثقة، الراعي يقود الخراف إلى المرعى لتأكل، وإلى ينابيع المياه لتشرب، والخراف تتبعه بثقةٍ كبيرة واطمئنان كبير وابتهاج.
ونحن خراف الربّ، أليس الأَوْلَى بنا أن نتبع الربّ راعينا، بثقةٍ وطمأنينة وحبٍّ وابتهاج؟!
سيَّما في أزمنة الاضطراب والخوف، والقلق على الحاضر والمستقبل والمصير! لقد سبقَ الربّ وأخبرنا "في العالم سيكون لكم ضيق"، لكنّه أضاف "ثقوا: أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33).
أيّها الأحبّاء، لا تُغلب الضيقات إلّا بالثقة بالله، ولا يُداوى القلق والاكتئاب بالمهدِّئات والعقاقير الطبيّة وحدها، بل بالعيش كالخرافِ مع راعيها.
فيا أيُّها الإنسان المسيحيّ، اخرج ولو قليلاً، من دوّامة الحياة والأشغال والهموم والأخبار، والبرامج والتلفزيون والتواصل الاجتماعيّ، وأعطِ وقتًا لله، وتواصَل معه، افتحِ الإنجيلَ كلَّ يوم، واغتنِ من كلام الحياة، لأن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله" (متى4: 4؛ لو4: 4)، اسمعه يقول لكَ ما سبقَ وقالَهُ ليعقوب:
"أنا معك، أحفظك حيثما تذهب... لا أترككَ..." (تك28: 15)، تمتَّع بوقتك مع راعيكَ الإلهيّ، الذي يعتني بك، وتعلَّق بالربّ كما يتعلَّق الخروف براعيهِ، واربضْ عندَ قدَمَيه، هكذا افعل أنت وأهل بيتك، عندها ستختبر قول داوود النبيّ "الربُّ راعيَّ فلا يعوزني شيءٌ... وإن سرتُ في وادي ظلِّ الموت لا أخافُ شرًّا لأنَّك معي!..." (مز 23).