الأحد 22 كانون الأوّل 2024

الأحد 22 كانون الأوّل 2024

19 كانون الأول 2024
الأحد 22 كانون الأوّل 2024
العدد 51    
الأحد قبل ميلاد المسيح
اللحن الأول، الإيوثينا الرابعة

 
أعياد الأسبوع:

22: الشّهيدة أناستاسيَّا، 23: الشُّهداء العشرة المستشهدون في كريت، 24: بارامون ميلاد المسيح، الشَّهيدة في البارّات أفجانيا، 25: ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد، 26: عمّانوئيل الإلهيّ، عيد جامع لوالدة الإله، الشّهيد آفثيميوس 27: أستفانوس أوّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامسة، ثاوذوروس الموسوم، 28: الشُّهداء العشرون ألفًا الذين أحرقوا في نيقوميذيّة.
 
الأحد قبل عيد الميلاد

الأحد قبل عيد الميلاد والمعروف أيضًا بأحد النسبة، فيه نصنع تذكار جميع الذين أرضوا الله منذ الدهر من آدم إلى يوسف خطيب مريم الفائقة القداسة.
يبدأ الإنجيل بسرد نسَب يسوع المسيح "ابن داوود ابن إبراهيم". ولهذا يُرمَز إلى إنجيل متّى "بوجه الإنسان " المذكور في سفر رؤيا حزقيال وذلك كونه يفتتح إنجيله بسلسلة الأنساب البشريّة للمسيح.

لقد كتب متّى الإنجيليّ إنجيله لليهود، فكان من المهمّ أن يُظهر لهم تحقيق نبوءات العهد القديم حول المسيّا في شخص يسوع ابن الله المتجسِّد. وأن يكشف لهم سرّ التجسُّد.

في بداية شجرة العائلة يُرجِع متّى نسب يسوع مباشرة إلى داوود ابن إبراهيم.
وفقًا لنبوءات العهد القديم، المسيّا المنتظر كان لا بدَّ له من أن يكون من نسل إبراهيم (تكوين 21: 12 وغلاطية 3: 31) وأيضًا من نسل داوود (مزمور 132: 1 وأعمال الرسل 2: 29- 3) وهكذا كان يسوع من نسلهما. وهذا ما أعلنه متّى الإنجيليّ في بداية إنجيله "كتاب يسوع المسيح ابن داوود ابن إبراهيم". تتردّد هذه العبارة: "المسيح ابن داوود" في حوادث كثيرة عند متّى (متّى 12: 23 وَ 15: 22 وَ 20: 30 وَ 21: 9).

عند قراءة نسب الربّ يسوع نُلاحظ أنّ متّى الإنجيليّ أبرز أسماء أربعة نساء: تامار – راحاب، راعوث وبتشابع (امرأة أريَّا). فيشير بذلك إلى وجود نساء غريبات أجنبيّات: راحاب كانت كنعانيّة، وراعوث مؤابيّة، وبتشابع كانت حثيَّة جاءت من آسيا الصغرى (تركيا الحاليّة). إذًا الخلاص شموليّ يساهم فيه حتّى الوثنيون وأيضًا نساء خاطئات. كانت حياة راحاب وبتشابع حياة النساء الخاطئات (المسيح الذي أتى ليزيل الخطايا أراد أن يولد من الخطأة أيضًا).
لقد وجد يسوع في لائحة أجداده أناسًا لم يكونوا يهودًا من شعب الله المختار، وآخرين خطأة. إنّه يتضامن مع جميع البشر. لقد أراد متّى أن يبيّن أنّ المسيح لم يرثْ عظمة إسرائيل، بل ورث الحياة المرتبطة بالبركة لا باستحقاق اللحم والدم.

تنتهي سلسلة الأنساب بـ "يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح". لقد دُعي يوسف "رجل مريم" بحسب العادة السائدة في المجتمع اليهوديّ بأن يُسمّى الرجل المخطوب "زوج" المخطوبة حتّى قبل الزواج.
ثم يسرد الإنجيليّ متّى قصّة ميلاد الربّ يسوع:

"أمّا مولد يسوع فكان هكذا" وفي هذا إشارة إلى هذه الولادة الغريبة "لما خُطبت مريم أمّه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حبلى من الروح القدس". من الواضح أن لا دور ليوسف في ولادة المسيح سوى كونه "خطيب مريم" إذ إنّ هذا الحبل كان من الروح القدس "وحيث يشاء الله يُغلب نظام الطبيعة ".
" وإذ كان يوسف رجلها صدّيقًا ولم يرِد أن يشهرها، همّ بتخليتها سراً".

لقد سمح الله بتدبيره وحكمته أن تكون مريم مخطوبة ليوسف حتّى يكون يوسف حاميًا لها وللطفل الإلهيّ في وقت الشدّة. لأنّ يوسف قد اعتنى بها أثناء الرحلة إلى مصر وحفظها. وكانت مخطوبة أيضًا لسبب آخر كما يشرح القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ: حتّى يُفشِل مخطّط الشيطان الذي سمع أنّ عذراء سوف تحبل (أشعياء 7: 14) وكان يُراقب البتول.

يقول القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ: ثلاث أسرار تمّت في صمت، اثنان منها يتعلّقان بولادة المسيح وهما بتوليّة مريم وولادة المسيح، أمّا الثالث فهو موت المسيح.
وهكذا تمّ خداع الشيطان المخادع، لقد كان يوسف خطيب مريم يبدو ظاهريًّا زوجها ولكنّه لم يكن كذلك فعليًّا.
أمام هذا السرّ الإلهيّ أراد يوسف أن يتنحّى جانبًا، ولكن "وفيما هو مفتكر في ذلك إذا بملاك الربّ ظهر له في الحلم قائلًا يا يوسف ابن داوود لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإنّ المولود منها إنّما هو من الروح القدس، وستلد ابناً فتسمّيه يسوع فإنّه هو يخلّص شعبه من خطاياهم".
هذا هو الظهور الأوّل "لملاك الربّ" في الحلم ليوسف من ثلاث ظهورات تتوالى في متّى (2: 13) عندما أمره قائلًا: "قم فخذ الطفل وأمّه واهرب إلى مصر". والثالث عند العودة من مصر (2: 19 ) قائلًا له: "قم فخذ الطفل وأمّه واذهب إلى أرض اسرائيل".

إذًا يبدو جليًّا من خلال النص أنّ يوسف هو خطيب مريم وحامي الطفل. لقد كشف الله هذا السرّ العظيم من خلال "ملاك الربّ". وهذا الكشف الإلهيّ من قِبَل الله يُمكن أن يكون دليلًا كافيًا ليوسف على هذه المعجزة. يقدّم يوسف نموذجًا لطاعة الربّ، ملاك الربّ يأمر، ويوسف يُطيع ويُنفذّ "فلمّا نهض يوسف صنع كما أمره ملاك الربّ".

لقد أمر ملاك الربّ يوسف أن يُعطي هذا الطفل الإلهيّ المولود اسم "يسوع" على خلاف العادة أن يُعطى الاسم من خلال والد الطفل، هنا لا دور ليوسف في منح هذا الاسم للطفل المولود بل أُعطي هذا الاسم "يسوع" من قِبَل الملاك لأنّه "هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم".

يُذكّر الملاك يوسف بأنّ المسيّا سوف يأتي من نسل داوود، "يا يوسف ابن داوود" ثمّ يذكر نبوءة أشعياء النبيّ (أشعيا 7: 14) "وكان هذا كلّه ليتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا ويُدعى عمّانوئيل الذي تفسيره: الله معنا". تتكرّر هذه الصيغة "ليتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل" عدّة مرّات في إنجيل متّى كونه كتبه لليهود ومن المهم أن يُذكّرهم بأنّ جميع هذه النبوءات تتحقّق في شخص المسيح. يستشهد متّى بنبوءات العهد القديم في الحوادث المهمّة والكبيرة في حياة يسوع من ولادته حتّى موته على الصليب وقيامته.

إن كلّا من الحَمْل والمولد البتوليّ بواسطة الروح القدس والاسم عمّانوئيل، أي "الله  معنا" يُعلنان بصراحة ألوهيّة المسيح.
ينتهي المقطع الإنجيليّ بإظهار طاعة يوسف لأمر ملاك الربّ إذ أدرك بواسطة هذا الكشف هذا السرّ الإلهيّ العظيم، سرّ التجسّد، وقَبِل أن يتحمّل هذه المسؤوليّة التي أرادها له الربّ، "فأخذ امرأته ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر وسمّاه يسوع". لقد استخدم الإنجيليّ متّى عبارة (حتّى) ليس لنشكّ بأنّ يوسف قد عَرفها من بعد ولادة المسيح ولكن حتّى يؤكّد لنا "أن مريم كانت عذراء حين ولدت يسوع" ولم يمسّها أيّ إنسان أبدًا.
كلمة "حتّى" في العربيّة تُستعمل لتشير إلى استمرار الحالة التي كانت قبل الحدث المذكور والذي هو هنا ولادة المسيح. أي بمعنى آخر، إنّ العذراء كانت بتولًا حتّى ولدت المسيح وبقيت بتولًا حتّى بعد ولادته.

هذا واضح في تعليم الكنيسة الأرثوذكسيّة من أن العذراء مريم هي دائمة البتوليّة وفائقة القداسة. وفي أيقونات والدة الإله تظهر بثلاث نجوم، واحدة على جبينها وواحدة على الكتف الأيمن والأخرى على الكتف الأيسر لتشير إلى بتوليّتها الدائمة قبل وأثناء وبعد ولادة المسيح.

أميــــن

+ اسيليوس                                                                
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبّين
                                                                                
 
طروبارية القيامة باللحن الأوّل

إنّ الحجر لما خُتم من اليهود، وجسدَكَ الطاهرَ حُفِظَ من الجند، قمتَ في اليومِ الثالثِ أيّها المخلّص مانحًا العالم الحياة. لذلك، قوّاتُ السماوات هتفوا إليكَ يا واهب الحياة: المجدُ لقيامتك أيّها المسيح، المجدُ لمُلكِكَ، المجدُ لتدبيركَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدك.
 
طروباريّة أحد النسبة باللحن الثاني

عظيمةٌ هي أفعالُ الإيمان، لأنَّ الفتيةَ الثلاثةَ القدّيسين قد ابتهجوا في يَنبوعِ اللهيب كأنّهم على ماءِ الراحة، والنبيَّ دانيال ظهر راعيًا للسِّباعِ كأنّها غنم. فبتوسّلاتِهم أيّها المسيحُ الإلهُ خلّصْ نفوسَنا.

قنداق تقدمة الميلاد باللحن الثالث

أليومَ العذراء تأتي إلى المغارة، لتَلِدَ الكلمة الذي قبلَ الدُّهور ولادةً لا تُفَسَّر ولا يُنطق بها، فافَرحي أيَّتها المسكونةُ إذا سمِعْتِ، ومَجِّدي مَع الملائكةِ والرُّعاة الذي سيَظهَرُ بمشيئتِه طِفلًا جديدًا، الإلهَ الذي قبلَ الدُّهور.
 
الرسالة: عب 11: 9-10، 32-40
مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا      
لأنَّكَ عدلٌ في كلّ ما صنعتَ بنا


يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيامٍ معَ إسحق ويعقوبَ الوارثَيْن معهُ للموعِدِ بعينهِ، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسسِ التي الله صانِعُها وبارئُها. وماذا أقول أيضًا. إنّه يضيق بي الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف وتقووا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة. وعذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل. وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعز وهم معوزون مضايقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا المواعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يكملوا بدونِنا.
 
الإنجيل: متى 1:1-25

كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم، فإبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته ويهوذا ولد فارص وزارح من تامار. وفارص ولد حصرون وحصرون ولد أرام وأرام ولد عميناداب وعميناداب ولد نحشون ونحشون ولد سلمون وسلمون ولد بوعز من راحاب وبوعز ولد عوبيد من راعوث وعوبيد ولد يسّى ويسّى ولد داود الملك وداود الملك ولد سليمان من التي كانت لأوريّا وسليمان ولد رحبعام ورحبعام ولد أبيّا وأبيّا ولد آسا وآسا ولد يوشافاط ويوشافاط ولد يورام ويورام ولد عزيّا وعزيّا ولد يوتام ويوتام ولد آحاز وآحاز ولد حزقيّا وحزقيّا ولد منسّى ومنسّى ولد آمون وآمون ولد يوشيّا، ويوشيّا ولد يكنيا وإخوته في جلاء بابل، ومن بعد جلاءِ بابل يَكُنْيا ولد شألتَئيلَ وشألتئيلُ ولد زَرُبابلَ وزَرُبابل ولد أبيهودَ وأبيهودُ ولد ألِياقيمَ وألياقيمُ ولد عازورَ وعازورُ ولد صادوقَ وصادوقُ ولد آخيمَ وآخيمُ ولد أليهودَ وأليهودُ ولد ألعازارَ وألِعازارُ ولد مَتَّانَ ومَتَّانُ ولد يعقوبَ ويعقوبُ ولد يوسفَ رجلَ مريمَ التي وُلد منها يسوع الذي يُدعَى المسيح. فكلُّ الأجيال من إبراهيمَ إلى داودَ أربعةَ عشرَ جيلًا، ومن داودَ إلى جلاءِ بابلٍ أربعةَ عشرَ جيلًا ومن جلاءِ بابل إلى المسيح أربعةَ عشرَ جيلًا. أمّا مولدُ يسوعَ المسيحِ فكان هكذا: لمَّا خُطبت مريمُ أمُّهُ ليوسفَ وُجدتْ من قبلِ أنْ يجتمعا حُبلى من الروح القدس. وإذ كان يوسفُ رجلُها صدّيقًا ولم يُرِد أنْ يَشْهَرَها همَّ بتخْلِيَتِها سرًّا. وفيما هو متفكّرٌ في ذلك إذا بملاكِ الربّ ظهر لهُ في الحُلم قائلًا: يا يوسفُ ابنَ داود لا تَخفْ أنْ تأخذ امرأتك مريم. فإنَّ المولودَ فيها إنَّما هو من الروح القدس، وستلِد ابنًا فتُسميّهِ يسوعَ فإنَّهُ هو يخلِّصُ شعبهُ من خطاياهم. (وكان هذا كلُّهُ ليتمَّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل: ها إنَّ العذراءَ تحبلُ وتلد ابنًا ويُدعى عِمَّانوئيل الذي تفسيرُهُ الله معنا)، فلمَّا نهض يوسف من النوم صنع كما أمرهُ ملاكُ الربّ. فأخَذَ امرأتَهُ ولم يعرِفْها حتَّى ولدتِ ابنَها البكرَ وسمَّاهُ يسوع.
 
في الإنجيل

يفتتح الإنجيليّ متّى إنجيله بذكر نسب الربّ يسوع (لهذا دُعي هذا الأحد بأحد النسبة). كتب متّى لليهود وبالتالي يعرف كلّ مؤمن يهوديّ في ذلك الوقت هذه الأسماء التي ذكرت. إذًا لماذا يُعدّد متّى هذه اللائحة من الأسماء؟!

لقد وعد الله قديمًا الملك والنبيّ داود بأنَّ المخلّص سيأتي من نسله، وفي النهاية مريم هي من نسل داود، لكنّ التعداد وصل إلى يوسف رجل مريم أي خطيبها (لأنَّ يوسف ومريم كلاهما من نسل داود) ولكن مع هذا فالإنجيليّ يستعمل عبارة "التي وُلد منها يسوع" وليس منهما وذلك ليؤكّد أنَّ الربّ أخذ جسمًا بشريًّا بحبلٍ عجائبيّ بحلول الروح القدس. "الروح القدس يحلّ عليك وقوّة العليّ تظلّلك"، دلالة على أنّ الربّ من أصلٍ إلهيّ.

وينطلق متّى بعد ذلك ليشير إلى أنَّ حبل مريم جعل من يوسف مشكِّكًا، أليست هي خطيبته؟ وبالتالي يُعتبر حبلها خيانة شرعيّة، والخائنة في ذلك الوقت تُرجم حتّى الموت. لكنّ متّى يُبيّن لنا أنّ يوسف كان بارًّا ولم يشأ أن يفضحها لذلك همَّ بتخليتها سرًّا لتجنيبها أيّ أذًى. فالمؤمن الحقيقيّ يكون موقفه رحيمًا دائمًا. عندئذٍ تدخّل الله بإرساله ملاكًا يُخبره بأنَّ حبل مريم هو من الروح القدس، وإنّه هو سيسمّيه يسوع لكونه الأب الشرعيّ له على الأرض، ومفسرًّا له أنّه أي يسوع سيخلّص شعبه من خطاياهم. وهنا يبدو واضحًا تمامًا أنّ يسوع والله واحد، وذلك أنَّ الله في العهد القديم سمّى الشعب شعبه هو، وهنا الملاك نَسَبَ الشعب للمسيح، وكأنّ الله يقول: "افهم يا يوسف، ويا كلّ من يسمع، أنَّ يسوع والله واحد، ولا يكن عندكم أدنى شكٍّ بذلك".

لكنَّ الشرّير لا يترك أحدًا بسلامٍ، فبعدما أتى يوسف بمريم إلى بيته نرى أنَّ التساؤلات عن مريم ما زالت تراوده بدليل عبارة "ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها البكر" أي أنّه ما زال لا يعرف قداستها إلى أن ولدت يسوع ورأى المجوس قد أتوا من المشارق والرعاة أيضًا أتوا مسرعين ليتحقّقوا من قول الملاك لهم: "أنّه وُلد لكم المخلّص"، فكيف سيشكّ بطهارتها بعد ذلك؟!

إنَّ يوسف البارّ نراه بعد ذلك مطيعًا لكلام الملاك في كلّ ما يطلبه من، إن من ناحية الهرب إلى مصر مع يسوع وأمّه والبقاء فيها، أو الاستجابة بالعودة منها.
فلنكن يا إخوة كيوسف طائعين لله من خلال عيشنا الإنجيل وطاعة الربّ يسوع في كلِّ عملٍ يُطلب منّا حتّى يولد يسوع في قلوبنا ويبقى فيها دائمًا، آمين.
 
ثمانية إرشادات تقرّبنا من الله
تعاليم القديس باييسيوس الآثوسيّ


إن القدّيس باييسيوس الذي نسك في جبل آثوس ورقد بالربّ سنة 1994هو أحد أكثر الشخصيّات المحبوبة المعاصرة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. وقد ترك لنا إرثًا غنيًّا من التعاليم الروحيّة العميقة والإرشادات العمليّة الحياتيّة. ولا تزال تعاليمه المستَمَدّة من خبرته الشخصيّة وجهاده النسكيّ تُلهم العديد من المؤمنين حول العالم. نعرض هنا ثمانيةً من أهمّ تعاليم القدّيس باييسيوس لعيش حياة مسيحيّة أفضل.

أولًا: قوّة الصلاة.

الصلاة هي محور تعاليم القدّيس باييسيوس. وقد شبّه الصلاة بالجسر الذي يربطنا بالله، والذي يمدّنا بكلّ قوّة روحيّة. حثّ القدّيس باييسيوس المؤمنين على الصلاة بلا انقطاع وبتواضع، مؤكّدًا أنّ الصلاة قادرة على جلب المعجزات وشفاء جروحنا النفسيّة والجسديّة: "الصلاة هي أوكسجين الروح، وهي حاجة الروح، ولا ينبغي اعتبارها من الأعمال الروتينيّة. يجب أن تُرفع الصلاة الى الله بتواضع، مع إدراك عميق لخطيئتنا، وأن نكون صادقين. إذا لم تكن من القلب، فإنّها لا تُساعد... الصلاة راحة".

ثانيًا: التواضع والمحبّة.

التواضع والمحبة فضيلتان اعتبرهما القدّيس باييسيوس أساسيّتَين للحياة الروحيّة. فقد علّم أن التواضع الحقيقيّ ليس فقط تجنّب الكبرياء، بل أيضًا قبول ضعفنا بامتنان وثقة بنعمة الله. أما فيما يتعلّق بالمحبّة، فقد شدّد على أنه ينبغي علينا أن نحبّ جميع الناس، بغضّ النظر عن أفعالهم أو أخطائهم، لأنّ كلّ إنسان هو صورة الله. رأى القدّيس أنّ المحبّة هي أساس الحياة الروحيّة: "المحبّة الثمينة هي التي توجد في الأسس الروحيّة، وفي التضحية، وهي ليست المحبّة الكاذبة، العالميّة، والجسديّة".

ثالثًا: الصبر والإيمان في التجارب.

علّم القدّيس باييسيوس أنّ التجارب جزءٌ لا مفرّ منه في الحياة وأنّه علينا أن نواجهها بالصبر والإيمان والشكر. وقال إنّ التجارب تساعدنا على تقوية إيماننا والاقتراب من الله، وإنّه من خلال التجارب يعطينا الله الفرصة لتنمية فضائلنا ونصبح أكثر تواضعًا وامتنانًا. إذ يقول إنّ "الله لا يعطينا صليبًا أكبر من قدرتنا على الاحتمال".

رابعًا: الثقة في العناية الإلهيّة

إنّ من أكثر تعاليم القدّيس تعزيةً هو تشديده على الثقة في العناية الإلهيّة. كان القدّيس باييسيوس يؤمن إيمانًا عميقًا بأنّ الله لديه خطّة لكلّ إنسان، وأنّنا يجب أن نثق في الإرادة الإلهيّة، حتّى عندما لا نفهم تمامًا الأحداث التي تحدث في حياتنا. وقال إنّ الثقة بالله تحرّرنا من القلق وتمنحنا السلام، لأنّ الله يعتني بكلّ شيء، وعلينا فقط أن نقوم بواجبنا ونثق به: "إذا فهمنا أسرار الحياة الروحيّة والطريقة السرّيّة التي يعمل بها الله، سوف نتوقّف عن الانزعاج ممّا يحدث لنا، لأنّنا سوف نتقبّل بفرح الأحداث المؤلمة التي يجلبها الله لنا من أجل خلاص نفوسنا".

خامسًا: السلام الداخليّ والرصانة

علّم القدّيس أنّ السلام الداخليّ والرصانة ضروريّان للتقدّم الروحيّ. فهدوء القلب والذهن يسمح لنا بسماع صوت الله وتلقّي إرشاداته. كان يرى أنّ علينا أن نتجنّب اضطرابات العالم وقلقه، وأن ننمّي السلام الداخليّ من خلال الصلاة والدراسة الروحيّة. فالهدوء هو مدرسة القدّيسين: "من الجيّد أن يمارس المرء الصمت لمدّة ساعة تقريبًا في اليوم: أن يختبر نفسه ويدرك أهواءه ويجاهد لقطعها ويطهّر قلبه. من الجيّد جدًّا أن تكون هناك غرفة هادئة في المنزل... هناك، في الخفاء، يستطيع أن يقوم بعلاج روحيّ، بالدراسة والصلاة".

سادسًا: الرحمة والمسامحة

شدّد القدّيس على أنّه ينبغي علينا أن نظهر الرحمة للجميع، لا سيّما الخطأة والمظلومين، وأن نغفر لمن أخطأ إلينا. وقال إنّ المسامحة تحرّرنا من عبء الشعور بالامتعاض من الآخر وتقرّبنا من الله. وذكّر قائلًا إنّه كما يغفر الله لنا خطايانا، هكذا يجب أن نغفر للآخرين: "في كلّ تصادم مع القريب افحصوا أوّلًا أنفسكم فبعد لوم النفس بشكل جدّي تتأكّدون غالبًا أنّ سبب الانزعاج كائن في ذواتنا".

سابعًا: العيش ببساطة

حثّ القدّيس المؤمنين على العيش ببساطة وتجنّب البذخ وطلب النعيم المادّيّ. أرشد إلى أنّ البساطة في الحياة تساعدنا على التركيز على الروحانيّات وتجنّب مغالطات العالم. وأكّد أنّ السعادة الحقيقيّة توجد في الحياة الروحيّة وليس في الرخاء المادّيّ. وقال: "البساطة تجلب السلام للروح".

ثامنًا: العلاقة مع الطبيعة.

أحبّ القدّيس باييسيوس الطبيعة واحترمها، واعتبرها مصدر إلهام روحيّ. وشدّد على ضرورة العيش بتناغم مع البيئة واحترام جميع مخلوقات الله. كان يرى أنّ الطبيعة تساعدنا على اكتشاف جمال خليقة الله وهذا يساعدنا في الاقتراب من الخالق. فلفت إلى أنّه، عندما يقترب الإنسان من الله من خلال عيش وصاياه، يلبس النعمة الإلهيّة، ويعود إلى الحالة التي كان عليها الإنسان قبل السقوط أي إلى علاقة سلام مع الطبيعة والحيوانات.

تشكّل تعاليم القدّيس باييسيوس الآثوسيّ كنزاً روحيًّا ثمينًا للمؤمنين. لا تزال نصائحه وتعاليمه المليئة بالمحبّة والتواضع والإيمان تلهم الناس في جميع أنحاء العالم وترشدهم. من خلال الصلاة، والتواضع، والصبر على التجارب، والثقة بالعناية الإلهيّة، والسلام الداخليّ، والرحمة، والبساطة، ومحبّة الطبيعة، يرشدنا القديس باييسيوس إلى نموّ حياتنا بالمسيح واكتساب الفرح الحقيقيّ.