الأحد 14 أيار 2023
16 أيار 2023
الأحد 14 أيار 2023
العدد 20
أحد السامرية
اللحن الرابع، الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع:
14: الأحد الرابع بعد الفصح، تذكار القدّيس إيسيذورس المستشهد في خيّو، القدّيس ثارابوندُس أسقُف قبرص، 15: تذكار القدّيس باخوميوس الكبير، أخلّيوس العجائبيّ (لارسا)، 16: تذكار البارّ ثيوذورس المتقدّس، 17: تذكار الرسولَين أندرونيكس ويونيا، ووداع نصف الخمسين، 18: تذكار الشهداء بطرس ورفقته، القدّيسة كلافذية، 19: تذكار الشهيد باتريكيوس أسقُف برصة ورفقته، 20: تذكار الشهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدّيس نيقولاوس، القدّيسة ليديا بائعة الأرجوان.
الزواج المسيحيّ
"إنّ الذي خلق في البدء خلقهما ذكراً وأنثى من أجل هذا يترك الرجلُ أباه وأمّه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً.. فالذي جمعه الله لايفرّقه إنسان" (متى 19: 4-6).
الزواج هو سرّ من أسرار الكنيسة Mystére
يقول المطران كالستوس وير Kallistos Ware "الزواج هو أيقونة حيّة للثالوث القدّوس" هو اتّحاد الفروقات بين الرجل والمرأة صورة عن حياة الآب والابن والروح القدس.
لقد خُلق الإنسان ليعيش ككائن شركة، كائن علائقيّ être de communion. هذا ما يحقّقه الزواج المسيحيّ عن طريق نعمة الثالوث الأقدس.
تعلّمنا الكنيسةُ، كنيسة المسيح أن حبّ الأنا self love هو عكس المحبّة الحقيقيّة.
في خدمة سرّ الزواج تقرأ رسالةُ بولس الرسول الى (أفسس 5: 20-33)، يوصي فيها النساء قائلاً: "كما تخضع الكنيسةُ للمسيح كذلك النساء لرجالهنّ في كلّ شيء".
وفي الوقت نفسه يوصي الرجال قائلاً: "أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيحُ الكنيسة وبذل نفسه لأجلها" (أفسس 5: 24-25).
هذه كلّها صورة لمحبّة المسيح لكنيسته وأيضًا وفي الوقت نفسه لخصوع الكنيسة لعريسها المسيح.
يقول القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم "إن كان الزواج يتبع مثلَ هذا الإنسجام harmonie في الزواج تنتظم حياةُ العائلة مع تربية صالحة للأولاد".
الزواج المسيحيّ ضمانةُ النعمة الإلهيّة لتأسيس عائلة بمثابة كنيسة صغيرة ومثمرة "أنموا وأكثروا واملأوا الأرض" (تك 1: 28)
أخيراً نقول إنّ الزواج المسيحيّ "الإكليل" ما هو إلاّ سبيل للرجل والمرأة لكي يتناولا إكليلَ الفرح والشهادة من لدن الربّ يسوع مخلّصنا.
التضحية في الإكليل ليست إلاّ مشاركة المسيح الخلاصيّة في موته وقيامته.
في المسيح يصير الرجل والامرأة جسداً واحداً جمعهما الله ولا يفرّقهما إنسانٌ . (مرقس 10: 8-9).
يجعلهما واحداً في الشدائد، واحداً في الأفراح.
هناك تبادل كامل بين الإثنين، هناك صراحة شفافية، هناك تسبيح مشترك لله هناك خلاصٌ في المسيح يسوع.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعها
طروباريّة القيامة باللحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين باللحن الثامن
في انتصاف العيدِ اسقِ نفسي العطشى مِن مياهِ العبادةِ الحسنةِ أيّها المخلّص. لأنّكَ هتفتَ نحو الكُلِّ قائلاً: مَن كان عطشانًا فَلْيأتِ إليَّ ويشربْ. فيا يَنبوعَ الحياة، أيُّها المسيحُ الإلهُ المجد لك.
قنداق الفصح باللحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّةَ الجحيم، وقمتَ غالبًا أيّها المسيحُ الإله. وللنسوةِ الحاملاتِ الطيبِ قُلتَ: افرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القِيام.
الرسالة: أع 11: 19-30
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربّ. كلَّها بحكمةٍ صنَعْتَ
باركي يا نفسي الربَّ
في تلكَ الأيام، لمَّا تبدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضيقِ الذي حصَلَ بسببِ استِفَانُسَ، اجتازُوا إلى فِينيقَيةَ وقُبُرسَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِمونَ أحداً بالكلمِةِ إلاَّ اليهودَ فقط. ولكنَّ قوماً منهم كانوا قُبُرسِيين وقَيْروانيين. فهؤلاءِ لمَّا دخَلُوا أنطاكيَةَ أخذوا يُكلِّمونَ اليونانيينَ مُبشِّرينَ بالربِّ يسوع، وكانت يدُ الربِّ مَعَهم. فآمنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعوا إلى الرب، فبلغ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ التي بأورَشليمَ فأرسَلوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية، فلمَّا أقبَلَ ورأى نعمَةَ الله فَرِحَ ووعَظَهم كُلَّهم بأنْ يثبُتُوا في الربِ بعزيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلاً صالحاً ممتَلِئاً مِن الروحِ القدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الربِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَّ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طلبِ شاوُل. ولمَّا وجَدَهُ أتى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدا معًا سنةً كامِلة في هذهِ الكنيسةِ وعلَّما جَمعًا كثيراً. ودُعَي التلاميذُ مَسيحيّين في أنطاكِيةَ أوّلًا. وفي تلكَ الأيّامِ انحدرَ مِن أورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحدٌ منهم اسمُه أغابُوسُ فأنبأَ بالروح أنْ ستكونُ مَجاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيّامِ كُلودُيوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التلاميذُ بحسَبِ ما يتَيسَّرُ لكلِّ واحدٍ منهم أن يُرسِلوا خِدمةً إلى الاخوةِ الساكنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبعثوا إلى الشُيوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُل.
الإنجيل: يو 4: 5-42
في ذلك الزمانِ أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السامرَةِ يُقالُ لها سُوخار، بقُربِ الضيعةِ التي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ابنهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ المَسير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوُ الساعةِ السادسة. فجاءتِ امرأةٌ منَ السامِرةِ لتستَقي ماءً. فقال لها يسوعُ: أعطيني لأشرَبَ- فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مضَوا إلى المدينةِ ليَبْتاعوا طعامًا- فقالت لهُ المرأةُ السامريّة: كيفَ تَطلُبُ أن تشربَ مِنيِّ وأنتَ يهوديٌّ وأنا امرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطونَ السامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الذي قال لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالَتْ له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستقي بهِ والبئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الذي أنا أُعطيهِ لهُ فلن يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبُعُ إلى حياةٍ أبدّية. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أجيءَ إلى ههنا لأستقي. فقالَ لها يسوعُ: إذهبي وادْعِي رجُلكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الذي ينبغي أن يُسجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا امرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إذ الساجدونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالروح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ الساجدينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ والذين يسجُدون لهُ فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمتُ أنَّ مَسيَّا، الذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمَ مَعَكِ هُو. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ امرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكتِ المرأة جرَّتَها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للناس: أنظروا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فَعَلْتُ. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نَحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكِلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسلَني وأُتَمِّمَ عملَهُ. أَلَسْتُم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم إرفعُوا عيونكم وانظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ابيضَّتْ للحَصاد. والذي يحصُدُ يأخذُ أجرةً ويجمَعُ ثمراً لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزارعُ والحاصدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحداً يزرَعُ وآخرُ يحصُد. إنّي أرسلتُكُم لتحصُدوا ما لم تتعَبوا أنتم فيه. فإنَّ آخرينَ تَعِبوا وأنتُم دخلتُم على تَعبِهم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السامريّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ التي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فَعَلْتُ. ولمَّا أتى إليهِ السامريُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندهُم، فمكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سمعْنا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
في الإنجيل
يتأمّل المؤمن في غزارةِ حكمةِ الرَّبّ، إلى جانب تواضعه الذي يعجز اللسانُ عن وصفِه.
فإنّه هو الذي يُفَجِّرُ الأرضَ عيونًا ويفتحُ مغاليقَ السُّحب، يقول لواحدةٍ من خَلائِقِه: "أَعطيني لأشرب".
- ونتساءَل: ما عسى هذا السُّؤال أن يحمل في طَيّاتِه؟
فنرى جَلِيًّا قُدرةَ الرّبّ على فحص القلوب، وحكمتَه الهادِفة إلى وصول كلمته إلى أهل تلك المنطقة.
فإنّه لم يطلبِ الماءَ من المرأةِ السّامريّة بهدفِ الشُّرب. والنّصّ الإنجيليّ يشير بين قوسَين إلى أنّ تلاميذَه كانوا قد مضَوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا. إذًا، كانوا معه، وكان بإمكانِه أن يطلبَ منهم السِّقاية قبل ذهابهم لابتياع الطّعام، أو كان بإمكانِه أن يستقيَ بنفسِه بطريقةٍ ما. واضحٌ أنّه يرمي هنا إلى فتحِ حِوارٍ مع المرأة السّامريّة.
إنّه يرى في صفحاتِ تاريخِها الملوَّثة عطشًا مِن نوعٍ أخَر. إنّه يُطلِقُ النِّداءَ في صحراءِ نفسِها، لعلّها تُلبّي النِّداء.
رَدَّةُ الفِعلِ العفويّة عند المرأة كانت النُّفور: "كيف تطلب أن تشربَ منّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا امرأةٌ سامريّة..."، وهو نُفورٌ مُشْبَعٌ بالعُنصُريّة. تبدو المرأةُ هنا غافلةً بالكُلّيّة عَمَّنْ يتكلَّمُ معها، وعن مقاصِدِه.
يسوعُ لا يُعَذِّبُها، ولا يُراوِغ، بل يبدأ على الفور بالخُطوةِ الأولى الرّاميةِ إلى رفعِ مستوى الحديث:
"لو عَرَفْتِ عطيّةَ الله ومَنِ الذي قال لكِ أعطيني لأشرب، لطلبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا". لكّن التّجاوُبَ البشرِيَّ بطيءٌ.
حِكمةُ الرَّبِّ تُقابِلُها بَلادةُ العقلِ البشريّ الغافل: "ليس معك ما تستقي به والبئرُ عميقة...". لقد ظنّتْ أنّه يعني بالماءِ الحيّ المياهَ الجارية: "... مِنْ أين لكَ الماءُ الحيّ؟"
إلاّ أنّ قلبَها سُرعانَ ما يرتاب في الأمر، فتُبادِرُ هي هذه المرَّةَ بِرَمْيِ الكُرة: "أَلَعَلَّكَ أنتَ أعظمُ من أبينا يعقوب...".
وذَكاؤُها يَكْمُنُ في أَنَّ الرَّدَّ على تساؤُلِها هذا لا يحتملُ الحَلَّ الوَسَط، بل إمّا أنْ يكونَ الإنسانُ الجالِسُ تُجاهَها معتوهًا وكلامُه غيرَ موزون، أو أن يكون فِعلاً "أعظم من أبينا يعقوب".
- يسوع يتجاوبُ مع ارتيابِها، فيرفع مستوى الحديث للمرّةِ الثانية، مقارِنًا بين ماءِ البئر والماءِ الذي يعطيه هو، ومُصَرِّحًا بشيءٍ اسمُهُ "الحياة الأبديّة".
هنا تَطرحُ المرأةُ جانبًا بَلادةَ الضّعفِ البشريّ، ويزداد ارتيابُها بشكلٍ ملحوظ، فتتجاوبُ مع تصريح الرّبّ.
وكأنّها فهمت، نَظَرِيًّا، ما يَرمي إليه. ولكنّها تُريدُ حَلاًّ عَمَلِيًّا: "أَعْطِني هذا الماءَ لكي لا أعطش...؟
- أراد يسوعُ أن يُوصِلَها إلى الحقيقة السّاطعة ألا وهي أنّ مَنْ يَجِدُهُ هو يكون قد وَجَدَ لا النَّظَرِيّات بل الحُلولَ العمليّة لكلِّ مشاكِلِه.
لذلك، أَعلنَ لها بصراحةٍ ما يعرفُه عن حياتِها الشّخصيّة وماضيها.
وهنا تبدو المرأةُ في منتهى النَّباهة، إِذْ تجاهلت سُؤالها السّابق حول الماء الحيّ، وجارتْ يسوعَ في اعتبارِهِ نفسَه "أعظم من أبينا يعقوب"، وطرحت عليه سُؤالاً لا يفصلُ فيه إلاّ "المسيّا الذي يُقالُ لها المسيح" وهو السُّؤال حول مَن هو مُحِقّ: اليهود أم السّامريّون؟
- ولما سَمِعَتْ جوابَ الرَّبّ، بدا أنّها طَرَحتْ جانبًا كُلَّ بَلادةِ الضّعفِ البشريّ والعُنصُرِيّة اللصيقة بالتُّراب، وبَدَتْ نفسُها مستعِدَّةً أَرْوَعَ استِعداد لِتَقَبُّلِ فِكرةِ أنّ هذا الذي يُخاطِبُها هو المسيحُ بعينِه، ولم تَعُدْ تسأَلُه عن شيءٍ، بل تَجَمَّعَ كُلُّ عَطَشِ عُمرِها المَضْنوك في عَينَين صار تَحْديقُهُما يَدُلُّ على أنّهما تُبْصِران حقيقةً كانت البشريّة تنتظرها منذ زمانٍ بعيد: "قد عَلِمْتُ أنّ المسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي...".
وعندما قال لها الرّبُّ: "انا المُتَكَلِّمُ معكِ هو" لم تترَيَّثْ لحظةً واحدة، ولا التَفَتَتْ إلى جَرَّتِها. لقد تركتْ جَرَّتَها، وتركتْ معها كُلَّ اهتماماتِها القديمة، وقَذارةَ السِّيرة، وتحوَّلتْ إلى رسولةٍ اهتدى على يدِها كُلُّ أهلِ مدينتِها.
البشرى بين يسوع والسامريّة
بين يسوع والسامريّة ينتصب حاجزان غليظان.
الأوّل حاجز العداوة بين اليهود والسامريّين، حتّى أنّ "اليهود لا يخالطون السامريّين"، لا بل كان يُمنع على اليهوديّ أن يلامس أيّ ملكيّة للسامريّين.
كيف ليسوع أن يطلب من امرأة سامريّة أن تسقيَه من جرّتها المدنّسة؟
كان عليه، في بشراه للسامريّة، أن يزيل أوّلًا حائط العداوة الدينيّة والقوميّة بينهما.
هذا ما فعله عبر مبادرته هو إلى التحاور معها وطلب الماء منها وعبر وعده لها أنّه سيزوّدها بماء حيّ يصير لها نبع حياة أبديّة.
كيف فهمت المرأة هذا الكلام؟
من المؤكّد أنّها أدركته حسّيًّا فقط.
سذاجتها وسطحيّة إدراكها واضحتان هنا، أقلّه في بدء الحوار.
إجابتُها "سيّدي أعطني هذا الماء حتّى لا أعطش ولا أجيء إلى هنا لأستقي" تعكس هذا الاستنتاج.
كأنّها لم تفهم من كلام يسوع سوى أنّه بهذا سيوفّر عليها مسيرةً شاقّة لجلب الماء من البئر ويضع لها نبعَ ماءٍ دائمَ الجريِ في بيتها لتستقيَ منه على الدوام.
ينطلق يسوع من سذاجةِ امرأةٍ، مِن عَطَشِها الحسّيّ وهمِّها الجسديّ لبلوغِ البئرِ والاِستقاءِ منه، ليُبلغَها تعليمًا إلهيًّا حول طبيعة الله وجوهر عبادته، تعليمًا شغل كبار الفلاسفة وعلماءَ الدين في عصرها.
رأى يسوع حاجزًا ثانيًا يعيق هذا التبليغ لهذه المرأة البسيطة.
لها أن تبادر هي إلى إزالته، فهي من أقامته وله أن يعينَها في مسعاها هذا.
هو حائط خطايا إخفاقاتِ حياتِها العائليّة والشخصيّة.
هي زوجة خمسةِ رجال والذي تعيش معه ليس زوجَها. لا يمكن للربّ أن يدخل حياتنا إن لم ننكشف أمامه بصفاءٍ واتّضاع.
هو من يُعيننا، إن أردنا، لنبلغ هذا الانكشاف.
طلب يسوع من المرأة أن تدعو زوجها كان دفعةً إلهيّة لها لتنطلق في مسيرة الانكشاف أمام الربّ والاعتراف له.
هو لم ينكبّ عليها تأنيبًا عاصفًا، فاضحًا ومدمِّرًا حياتَها وكيانَها الاجتماعيّ.
هذا ما يفعله مؤنِّبٌ خاطئٌ لمؤنَّبٍ خاطئٍ آخر. تأنيب الربّ يتمّ برقّةِ ووداعةِ المحبِّ تجاه الخاطئ.
تجاوبت السامريّة مع هذه الدفعة الإلهيّة وانكشفت بخفرٍ أمامه عبر حفنةِ صدقٍ شحيحة: "ليس لي زوج". لاقاها الربّ بالمدح بدلًا من التأنيبِ الجارحِ الهدّام:" أحسنتِ بقولك...".
اقتحم الربّ دواخلها من باب صدقها الشحيح لا من باب خطاياها الوفيرة.
من حنكة الربّ التبشيريّة تجاهها، انطلقت السامريّة لتبشّر.
مَن يختبر التفاتةَ الربِّ المحبِّةَ تجاهه لا يمكنه أن يبقى ساكنًا، صامتًا، ساجنًا بشرى الربّ داخله.
هو يلتهب بها، يرميها شهبًا خارجه نحو مَن هُم حولَه، تاركًا وراءه "جرّتَه"، أي مستوعَبَ ما ظنَّه إطفاءَ ظمئه، مرتويًا من نبع الحياة الذي يعرف دواخلنا وما فيها من سقطات وارتقاءات فينير الأخيرةَ التي فينا ليبيدَ بها ظلمةَ الأولى.