الأحد 12 آذار 2023

الأحد 12 آذار 2023

11 آذار 2023
الأحد 12 آذار 2023
العدد الحادي عشر
الأحد الثاني من الصوم
اللحن السادس، الإيوثينا السادسة


أعياد الأسبوع:

12:(غريغوريوس بالاماس)، تذكار القدّيس غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية، والقدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث، والقدّيس ثيوفانّس المعترف، 13: تذكار نقل عظام القدّيس نيكيفورس بطريرك القسطنطينيّة، 14: تذكار البارّ بنادكتس، والبارّ ألكسندروس، 15: تذكار الشُّهداء أغابيوس والسبعة الذين معه، 16: تذكار الشّهيد سابينوس المصريّ، والبارّ خريستوذولس، 17: تذكار القدّيس ألكسيوس رجل الله، المديح الثالث، 18: تذكار  القدّيس كيرلُّس رئيس أساقفة أورشليم.

الأحد الثاني من الصوم الكبير وتذكار القديس غريغوريوس بالاماس

في هذا الأحد نقيم تذكار القديس غريغوريوس بالاماس رئيس أساقفة مدينة تسالونيك، وهو من الآباء المدافعين عن روحانيّة الكنيسة الأرثوذكسيّة الأصيلة وعن الطريقة الهدوئيّة.

لقد تكلّم عن النور الإلهيّ، النور غير المخلوق الذي عاينه التلاميذ على جبل تابور، كما علَّم عن دور النعمة الإلهيّة غير المخلوقة، وأهميّة الصلاة القلبيّة للاِتّحاد مع الله وبلوغ التأله الذي هو غاية حياتنا المسيحيّة.
 
فكل ما نُمارسه من صلوات وأصوام ونسك ما هي إلّا أدوات ووسائل لبلوغ هذه الغاية، ألا وهي تألُّهُنا بالنعمة الإلهيّة غير المخلوقة.

المقطع الإنجيليّ يتحدّث عن شفاء مخلّع كفرناحوم. تبدأ قراءة اليوم بأن يسوع "دخل كفرناحوم أيضًا بعد أيّام فسُمِعَ أنّه في البيت". 

لا يُذكر هنا بيت مَن كان ولكن يبدو أنّه كان بيتاً معروفاً. 

على الأرجح هو بيت سمعان وأندراوس والذي سبق يسوع أن زاره عندما شفى حماة بطرس المريضة في (مرقس 1: 29).

وعندما سمِع الجمهور أن يسوع "في البيت" يقول: "للوقت اجتمع كثيرون حتى أنه لم يَعُد موضِعٌ ولا ما حول الباب يسَع". 

لقد التفَّت الجموع حول الربّ يسوع، بعد أن شاهدت المُعجزات التي اجترحها في كفرناحوم، أمّا هو "فكان يُخاطبهم بالكلمة". 

لم يكتفِ يسوع بالمُعجزات بل كان يُبشرِّهم "بالكلمة"، كلمة الله المُحيّية التي يقول عنها الرسول بولس: "كلمة الله حيّة وفعّالة وأمضى من كلّ سيف ذي حدّين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميّزة أفكار القلب ونيَّاته (عبرانيين 4: 12). يستعمل مرقس الإنجيليّ لفظة "الكلمة" ليُشير فيها إلى بشارة الإنجيل (مثل الزارع – مرقس 14: 14).

وبينما هو يُبشّرهم بالكلمة "أتوا إليه بمخلَّعٍ يحمله أربعة وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه كشفوا السقف حيث كان". 

لقد سمع هذا المخلّع وأصدقاؤه بوجود يسوع في البيت، وظنّوا أنّه من السهل الوصول إليه، فاصطدموا بجموع كثيرة تُعيق وصولهم إلى السيّد، هذا لم يمنعهم من تحقيق ما أتوا لأجله، فصعِدوا وفتحوا السقف ودلّوا السرير الذي كان المخلّع مضطجعاً عليه ووضعوه أمامه تماماً.

لم يسأل الربّ فيما إذا كانوا يؤمنون بل رأى إيمانهم بالفعل. 

لقد رأى بعينيه جهدهم وتعبهم للتغلّب على العوائق من أجل إحضار هذا المريض أمام الربّ وفي حضرته.

لقد حدث أن شفى الربّ يسوع العديد من المرضى، إمّا بسبب إيمان مَن تضرّع لأجلهم، أو بسبب إيمان من أتت الطلبة على لسانه كحادثة شفاء عبد قائد المئة (متى 8: 5- 13) وشفاء ابنة يائيرس رئيس المجمع (مرقس 5: 22- 24) وغيرها.

لقد رأى الربّ يسوع إيمانهم وإيمان المخلّع أيضاً، لأنه لم يكن سيسمح لهم بإحضاره إلى السيّد إلا إذا كان لديه إيمان بالشفاء.

لقد بادر يسوع أوّلاً وقال للمخلّع: "يا بنيّ مغفورة لك خطاياك".

 أوّلاً غفر خطايا المريض ومن ثمّ يشفي المرضى كون معظم الأمراض تحدث في الغالب نتيجة الخطايا.

يغفر للنفس خطيئتها جاعلاً ايّاها سليمة ونقيّة من مصدر مرضها وضعفها.

يأتي هذا المخلّع محمولاً بأربعة من أصدقائه أو أقربائه. العدد 4 مهم وله رمزيّه في الكتاب المقدّس. 

فهو يرمز إلى الإنجيليّين الأربعة الذين يُمثّلون الكون بأقطاره الأربعة. 

هؤلاء يحملون هذا الرجل الكسيح ويحضرونه إلى حضرة الربّ يسوع ليشفيه ويغفر له خطاياه.

لقد اتّهم الكتبة الربّ يسوع بالتجديف قائلين: "من يَقدِر أن يغفر الخطايا إلّا الله وحده". 

ولكنّ الربّ أعطاهم دليلًا آخر على أنّه هو الله، من خلال كَشْفِ ما في قلوبهم، وقَولِه لهم: "لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم". 

الله وحده يعلم مكنونات القلوب كما يقول الكتاب "لأنّك أنت وحدك تعرِف قلوب بني البشر" (أخبار الأيام الثاني 6: 30) في (أشعياء 43: 25) و"هو وحده الذي يغفر الخطايا" (هوشع 14: 3). 

لقد كشف الربّ لهم أفكارهم العميقة، ولكنّ الفرّيسيّين ظلّوا بلا أيّ حِسٍّ روحيّ، ولم يُقِرّوا بأنّ مَن يعرف قلوبهم ويكشف أفكارهم يُمكنه أن يغفر الخطايا أيضاً.

يسأل القدّيس إيرينيوس:" كيف يُمكن أن تُغفَر الذنوب إلا إذا منح هذا الغفران من قد أخطأنا إليه". 

لقد شفى الربّ يسوع أوّلاً ما هو أصعب ألا وهو شفاء النفس من الخطيئة، ومن ثَمَّ أعطى شفاء الجسد الذي هو أسهل.

لقد برهن على أنّه بشفاء الأصعب يؤكّد سهولة شفاء الأسهل، أي شفاء الجسد ويثبته من خلال مغفرة الخطايا وشفاء النفس.

من بعد أن غفر يسوع الخطايا وشفى الجسد قال للمخلّع:

"لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك، فقام للوقت وحمل سريره وخرج أمام الجميع". 

إنّ استعمال كلمة "للوقت" مُميّزة عند مرقس الإنجيليّ ليُظهر قوّة كلمة الله وفعاليّتها، هو الذي يأمر فيُطاع ويَطلب فيتمّ الأمر. 

أمر يسوع بأن يحمل سريره حتى يُبرهن لهم حقيقة المعجزة وأنّها ليست مجرّد وهم، وحتّى يُريهم أنّه لم يشفِ المخلّع وحسب، بل أعطاه قوّة ليحمِل سريره، فبعدَ أن كان السريرُ الحامِلَ لسنوات، أصبحَ الآنَ المحمول، وبعد أن كان دليلاً على المرض، أصبح الآن شهادةً للشفاء. 

سرير الآلام أصبح علامة للشفاء، وحَمْلُهُ هو دلالة على القوّة التي نالها المخلّع من الربّ يسوع من بعد الشفاء.

لقد سبّب هذا الحدث الدهشة في قلوب الحاضرين وكان سبباً لتمجيد الله. لقد كانت حادثة الشفاء هذه معجزة مزدوجة فلم تتمّ فقط على الجسد بل أيضاً على النفس، لم تغيِّر فقط ما هو منظور ولكن أيضاً ما هو غير منظور.                                                                                                      آميــــــن.                         
 باسيليوس   + 
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبيّن

طروبارية القيامة باللحن السادس
إنَّ القوّاتِ الملائكيّةَ ظهروا على قبرك الموَقَّر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتول مانحاً الحياة، فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروبارية القديس غريغوريوس باللحن الثامن
يا كوكبَ الرأي المستقيم، وسَنَدَ الكنيسةِ ومعلِّمَها. يا جمالَ المتوحِّدينَ، ونصيراً لا يُحارَب للمتكلِّمينَ باللاهوت، غريغوريوسَ العجائبيّ، فخرَ تسالونيكية وكاروزَ النعمة، إبتهلْ على الدوامِ في خلاصِ نفوسِنا.

القنداق باللحن الثامن
إني أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّة محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّة التي لا تُحارَبِ أعتقيني من صُنوفِ الشَّدِائد، حتى أصرُخَ إليكِ: إفرحي يا عروسةً لا عروسَ لها.

الرسالة:
عب 1: 10-14، 2: 1-3
أنتَ يا رَبُ تَحْفَظُنا وتَسْتُرُنا في هذا الجيلِ
خَلّصني يا رَبُّ فإنَّ البار قَد فَني


أنت يا ربُّ في البَدءِ أسَّستَ الأرضَ والسماواتُ هي صُنعُ يديْكَ. وهي تزولُ وأنت تبقى، وكلُّها تَبْلى كالثوب، وتطويها كالرداء فتتغيَّر، وأنتَ أنتَ وسنوك لن تفنى. ولِمَنْ من الملائكة قال قطُّ اجْلِسْ عن يميني حتى أجعلَ أعداءَك موطئاً لقدميْكَ. أليسوا جميعُهُم أرواحاً خادمة تُرْسَلُ للخدمةِ من أجلِ الذين سَيَرِثون الخلاص. فلذلك يجب علينا أن نُصغِيَ إلى ما سمعناهُ إصغاءً أشدَّ لئلاَ يَسْرَبُ مِنْ أذهانِنا. فإنَّه إن كانتِ الكلمةُ التي نُطِقَ بها على ألسنةِ ملائكةِ قَدْ ثَبُتَتْ وكلُّ تَعدٍّ ومعَصِيَةِ نالَ جزاءً عدلاً، فكيفَ نُفْلِتُ نحنُ إنْ أهْمَلنا خلاصاً عظيماً كهذا، قد اِبتدأ النُطقُ بِهِ على لسانِ الربِّ، ثمَّ ثبَّتَهُ لنا الذين سمعوهُ؟

الإنجيل: مر 2: 1-12

في ذلك الزمان، دخل يسوعُ كَفَرْناحومَ وسُمِعَ أنَّهُ في بَيتٍ، فَلِلوقتِ اجتمعَ كثيرونَ حتى أنَّه لم يَعُدْ مَوْضِعٌ ولا ما حَول البابِ يَسَعُ. وكان يخاطِبُهم بالكلمة، فأتَوْا إليْهِ بِمُخلَّع يَحمِلُهُ أربعةُ. وإذ لم يقْدِروا  أن يقتربوا إليهِ لِسَببِ الجمع كَشَفوا السقفَ حيث كانَ. وَبعْدَ ما نَقَبوهُ دَلوا السريرَ الذي كان المخلَّعُ مُضْطجعاً عليه. فلمّا رأى يسوعُ إيمانَهم، قالَ للمُخلَّع يا بنيَّ، مغفورةٌ لكَ خطاياك. وكان قومٌ مِنَ الكتبةِ جالسينَ هُناكَ يُفكِّرون في قُلوبِهِم: ما بالُ هذا يتكلَّمُ هكذا بالتجديف؟ مَنْ يَقْدِرُ أن يَغفِرَ الخطايا إلا اللهُ وَحْدَهُ؟!! فَلِلْوقْتِ عَلِمَ يَسوعُ برِوحِهِ أنَّهُم يُفَكرِونَ هكذا في أنفسِهِم، فقالَ لهُم: لِماذا تفَكِّرون بهذا في قلوبكم؟ ما الأيسَرُ أن يُقالَ مَغفورةٌ لكَ خطاياكَ أمْ أن يُقالَ قُمْ واحمِلْ سريرَكَ وامشِ؟ ولكن لكي تَعْلموا أنَّ ابنَ البشر لَهُ سلطانٌ على الأرضِ أن يَغفِرَ الخطايا (قالَ للمُخلَّع) لكَ أقولُ قُمْ واحمِل سَريركَ واذهَبْ إلى بَيتِكَ، فقامَ للوَقتِ وحَمَلَ سَريرَهُ، وخرَج أمامَ الجميع، حتى دَهِشَ كُلُّهُم ومجَّدوا الله قائلينَ: ما رَأينا قطُّ مِثلَ هذا.

في الإنجيل

لطالما رتّبت الكنيسة أناجيل الآحاد بما يُناسب حياتنا الرّوحيّة، وخاصّة في مسيرة الصّوم الكبير، كي نصلَ إلى فصح الرّبّ البهيّ. 

نقرأ في إنجيل اليوم قصّة الرّجل المشلول.

علينا أن ندركَ بالفعل وجود الكثير من القواسم المشتركة مع الرجل المُقعد، فمن المؤكّد أنّ الأسبوعَين الأوّلَين من الصوم الكبير قد فَتحا أعيُنَنا قليلاً على هذه الحقيقة. 

يُظهر لنا الجهادُ في الصوم من أجل اعتناق الأسُس الروحيّة، أننا عادةً لا نتحكّم في أنفسنا جيّدًا على الإطلاق. 

بل نجد صعوبة بالغة في الابتعاد عن عاداتنا المعتادة المتمحورة حول الذات، عندما نسعى إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للصلاة والصوم. 
 
إذا فكّرنا مليًّا في الرجل المشلول في نصّ الإنجيل اليوم، نرى أنَّ المسيح لم يغفر خطاياه فحسب، بل شفى مرضه الجسدي الذي أصابه وأمره أن يقوم، يأخذ سريره، ويمشي. 

لذا، لم يقتصر لقاؤه بالربّ على الأفكار أو الرموز. لا، بل غيّر الربُّ حياة ذلك الشخص بأكملها، جسدًا وروحًا. 

إنَّ اتخاذ خطوات صغيرة لإعادة توجيه حياتنا نحو الله من خلال التدريبات الرّوحية، يجب أن يفتح أعيننا على شلل أرواحنا.

إذا كان هذا هو الحال بالنسبة لك اليوم، فاشكر أنَّ الربّ قد أظهر لك حقيقة ضروريّة لشفائك. 

قال الربُّ يسوع "لا يحتاجُ الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى. 

لم آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خطأة إلى التّوبة." (مرقس ٢: ١٧) يجب أن نعرف مرضنا لكي نتلقّى شفاءه.

يجب أن نعرف ضعفنا لكي نجد قوّته. تُعدُّ قوانين الصوم الكبير أدوات لمساعدتنا على رؤية أنّنا لا نحتاج ببساطة إلى مجموعة جديدة من القواعد. 

لا، بل نحتاج  إلى أن نصطلح ونتجدّد، وأن نتغيّر، وأن نتمكّن من النهوض من العبودية إلى التحرّر من أجل السير والمضيّ قدمًا في حياة مباركة ملؤها القداسة في أعماق نفوسنا.
 
إنَّ الخلاصَ الذي يدعونا المسيح إليه ليس مجرد مسألة امتلاك أفكار أو مشاعر عنه، بل بالمشاركة شخصيّاً في الطبيعة الإلهيّة بالنعمة. 

نحتفل اليوم بذكرى القدّيس غريغوريوس بالاماس، الأسقُف العظيم والرّاهب واللاهوتيّ في القرن الرّابع عشر. 

عُرفَ قدّيسنا بالدفاع عن تجربة الرهبان الهدوئيّين الذين، من خلال الصلاة القلبيّة والنّسك، تمكّنوا من مُعاينة نور الله غير المخلوق الذي رآه الرسل عند تجلّي الربّ على جبل ثابور. 

لقد جاهد قدّيسنا ضد أولئك الذين أنكروا أنّ البشر يمكن أن يختبروا الله ويعرفوه بهذه الطرق،  فقد علّم إمكانيّة إشتراكنا حقيقة في القوى الإلهيّة كأشخاص جميعهم. 

أعلنَ أن معرفة الله تعني الاِتّحاد معه شخصيًّا بالنعمة. 

أن تصبح مستنيرًا بالمجد الإلهيّ مثل الحديد الصامد في النار الملتهبة تتغلغل في جسد الإنسان ونفسه وروحه.

يوضح القدّيس غريغوريوس بالاماس أنّ الكثيرين منّا قد مُنعوا من الاِقتراب إلى الربّ، نتيجة شؤون هذه الحياة، لكنّ الضعف الجسديّ للرجل المشلول وضع حدًّا لمثل هذه الأشياء وأزالها. 

هناك أوقات يكون فيها المرض أفضل لنا من الصحّة الجيدة، لأنّه يساعدنا على الخلاص ويقلّل من دوافعنا الخاطئة.

يختم القدّيس غريغوريوس بالإشارة إلى أنّ الطريق الذي سلكه الرجل المشلول وأصدقاؤه، طريق الإيمان، مفتوح دائمًا لكلّ واحد منّا. 

ومثلما قام كلُّ مَن شَهِدَ شفاءَ الرجلِ المشلول بتمجيد الله عندما رأوا المعجزة، كذلك فإنّ ثِمار التوبة يمكن أن تثير الدهشة نفسها.  

"لأنّهم يَرَون أنّ عشّار الأمس هو مبشِّر اليوم، المضطهدُ رسول، اللصّ لاهوتيّ. 

بعد أن قرّروا في قلوبهم أن يصعدوا، تقدموا من المجد إلى المجد. يقول الربّ لتلاميذه: 

"فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." (مت 5: 16)."

 لا يقول هذا لحثّهم على التباهي، بل لحثّهم على تنظيم حياتهم بما يُرضي الله. لأنّه مثلما يجذب الضوء أنظار الناس بسهولة، كذلك فإنّ أسلوب الحياة الذي يرضي الله يجذب عقولهم وأعينهم.

لذلك، هذا بالضبط ما نراه في شفاء الرجل المشلول. 

لقد أقامه المسيح من الضعف والبؤس، ممّا مكَّنَه من المضيّ قدمًا في حياة القداسة، حياة يتمتّع فيها بالقوّة ليعيش كمخلوق على صورة الله ومثاله. 

من خلال قيامته المجيدة، يرفعنا جميعًا من العبودية إلى الخطيئة والموت. 

إذا تُركنا لأهوائنا الخاصّة، فسنكون دائمًا خدّامًا لفسادنا.

كلّما تواضعنا حقًا أمام الرب في هذا الصوم، انفتحت قلوبنا على قوّة الشفاء اللامتناهية لنعمته. 

إنّه لا يكتفي بمسامحتنا بالمعنى القانونيّ للكلمة، بل يدعونا إلى أن نشترك في قوّته الإلهيّة، وفي نور قداسته فيما نعيش ونتنفّس في هذا العالم. يقوّينا ويأمرنا أن نظهر انتصاره على الخطيئة والموت في حياتنا. 

ربّما تكون هذه مجرّد طريقة أخرى للقول إنّه يدعونا إلى "النهوض، احمل سريرك وامشِ." 

لا توجد طريقة للحصول على شفائه الرحيم بدون تواضع حقيقيّ. 

ولا توجد طريقة لاكتساب التواضع الحقيقيّ سوى أن نتعلّم أن نرى أنفسنا في ذلك الرجل المشلول الذي أمله الوحيد في يسوع المسيح.

إنَّ ضعفنا أمام خطايانا وعواطفنا المعتادة يبدو أكثر واقعيّة بالنسبة لنا من القوى الإلهيّة التي تسعى لشفائنا.

 ربّما لأنّ اختبارنا للخطيئة أكبر بكثير من اختبارنا باتّحادنا الشخصيّ العميق بالله. 

لكنّ الخبر السارّ هو أنّ المعرفة الشخصيّة الحقيقيّة للربّ مُتاحة لنا جميعا بدعوته من قلوبنا بتواضع.

 يجب علينا أن نستفيد من الأسابيع المتبقّية من الصوم الكبير لنعتنق هذه الحقيقة العميقة من خلال الصلاة المستمرّة والصوم والتوبة وصلب أهواءنا. 

هذه هي الطريقة التي سنتّحد بها بشكل كامل مع الربّ الذي تجسّد ليقيمنا معه في الحياة الأبديّة، آمين.

الزلازل والكوارث!

نقرأ في الإنجيل المقدَّس، أنّه في الأيام الأخيرة، عند انقضاء الدَّهر "تقوم أمَّةٌ على أمَّة ومملكةٌ على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء" (لو 21: 11) ؛ (متى 24: 7) ؛ (مرقس 13: 8). 

"ويلٌ للحَبالى والمرضِعات في تلك الأيّام! وصلُّوا لكي لا يكون هَرَبُكم في شتاء!" (متى 24: 19-20)، (مر 13: 17-18).

وفي فجر السادس من شباط 2023، عند الساعة 3.17 كانت لحظةٌ لن ننساها! حين اهتزَّت الأرض مزلزلةً، فاستيقظ الناس، ليس ككلِّ صباح، بل مرتجفينَ وخائفين، وهم لا يدرون إن كان ما يحصل حقيقةً أم في منام!

 ومنهم من لم يلحق أن يستيقظ، إذ تابع نومه الأبدي، منتقلاً إلى الحياة الأخرى، تحت الأنقاض! لقد كان الزلزال عظيماً جدّاً، وكان شتاء! مهولٌ ما حصل، وفظيعٌ ما رأيناه! أبنيةٌ تنهار كأنّها من كرتون! المؤمن والملحد وقفا منذهلَين عاجزَين، الغنيّ والفقير هربا فزعَين، المتعلّم والجاهل سجدا متوسِّلين! وهكذا وحَّدت المصيبة الجميع، من كلِّ الأديان والأعمار والجنسيّات.

وتتالت الأسئلة والتحليلات عن الأسباب والمسبِّب، ولماذا؟ وكيف؟ وهل هذه الكارثة هي من الله؟ وكيف يسمح بها وهو المحبّ البشر؟! 

يقول آباؤنا القدِّيسون: إنَّ سابق معرفة الله لا تعني سابق إرادته، هو بسابق معرفته يعرف ما سيحصل من آلام وضيقات، لكن ليست هذه رغبته أو إرادته، فهو لا يريد أن يهلك الإنسان، بل "يريد أنّ جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تيمو 2: 4). 

يمكن القول إنَّ كلّ ما يحصل من أمراض وأوبئة وكوارث طبيعية وموت، هو بسبب الخطيئة التي دخلت عالمنا، ونحن بسلوكنا وعصياننا وصايا الله، نزيد في وجودها وفعلها المدمِّر لحياتنا، فالمعاصي منتشرةٌ للأسف هنا في رعايانا وفي كلِّ مكان في العالم، الحروب والمظالم، عشق المال والجسد والسلطة، الخلاعة والسطحية والتفاهة و... 

لذلك إنَّ كلّ ما يحصل في حياتنا من آلام، هو ليس من الله، بل نتيجة ابتعاد الإنسان عن الله، تماماً كالمريض الذي يعصي نصائح الطبيب فيسير إلى حتفه.

يبقى السؤال الأهمّ: هل حرَّك الزلزال فينا ضميراً نائماً، وهدمَ حقداً دفيناً، وبرَّدَ شهوةً مشتعلةً فينا؟ 

هل زلزلَ كبرياءنا وقسوتنا وعدم إحساسنا بالآخر؟ هل أيقظنا من حياة التفاهة التي نعيشها؟ 

وكبح الجشع والطمع والبطر والبذخ؟ هل أقنعنا بحياة القناعة وشكر الله؟ باختصار هل أعادنا الزلزال إلى الله خالقنا؟! 

أيها الأحبّاء، لنعترف، كم ظهرنا صغاراً أمام غضب الطبيعة؟! 

لذلك فلنتُب ولنقتنِ إنجيلاً في بيوتنا، ولنضَعهُ بقربنا ونقرأه مع الكتب الروحيّة كلَّ صباحٍ ومساء، ولنواظب على الصلاة، لكي نكون أهلاً للنجاة من كلِّ هذه المزمعة أن تكون، حسب قول الربّ لنا: 

"اسهروا إذاً وتضرَّعوا في كلِّ حين لكي تحسبوا أهلاً للنَّجاة من جميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا قدَّام ابن الإنسان" (لو 21: 36). 

وقد قال أيضاً: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 1-5).
 
أخيراً لقد كان مشهد المحبة الإنسانية والإغاثة والمساعدة مؤثِّراً جدّاً، وقد شاهدناه جميعاً، وبقيت صورةٌ مخفيّةٌ لم نرها، لكنَّها مؤثرة جداً أيضاً إذا تخيَّلناها! إنها صورة الرُّهبان والراهبات في الأديار الذين يواظبون على الصلاة يوميّاً، فقد كانوا قائمين في الصلاة في تلك الساعة التي حصل فيها الزلزال!