الأحد 25 حزيران 2023

الأحد 25 حزيران 2023

23 حزيران 2023
الأحد 25 حزيران 2023
العدد 26
الأحد الثالث بعد العنصرة
اللحن الثاني، الإيوثينا 3


أعياد الأسبوع:

25: تذكار الشّهيدة فبرونيّة، الشُّهداء أورنديوس وإخوته الستّة، 26: تذكار البارّ داود التسالونيكيّ، تذكار جامع للآباء الآثوسييّن، 27: تذكار البارّ شمشون مضيف الغرباء، يُوانّا امراة خوزي، 28: تذكار نقل عظام كيرس ويوحنّا العادمَي الفضّة، 29: تذكار بطرس وبولس هامَتي الرسل، 30: تذكار جامع للرسل الاِثني عشر،1: تذكار الشّهيدَين قزما ودميانوس الماقتَي الفضّة.

صوم الرسل هو عربون شكر وإكرام

 ها نحن في خضمّ صوم الرسل الأطهار، نجاهد جهادًا جديدًا، ونلتمس خلاله الرحمة و النعمة الإلهيّتين.

 فبعد أن فرح التلاميذ في فترة الخمسين يومًا، الممتدّةِ من قيامة الربّ إلى حلول الروح القدس، متعلّمِين مباشرةً مِن فمِ السيّدِ الأسرارَ الإلهيّة، ومتشدّدين بقوّةِ الروحِ القدس وبالمثابرة على الصلاة والصوم، انطلقوا إلى بشارة الأمم، وكرزوا بالإنجيل، أي بالخبر السارّ وبالعمل الخلاصيّ الذي أتمّه المسيحُ صانعًا لنا المصالحةَ ومُعيدًا طبيعتَنا إلى مجدِها الأسبق. 

نرى في الأنجيل، أن الفرّيسيّين انتقدوا الرسل لأنّهم لا يصومون. فقال لهم المسيح:

"هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم؟! و لكن ستأتي أيّامٌ حين يُرفَع العريس عنهم فحينئذ يصومون". (متى 15:9)

أشار المسيح إلى رفع العريس، وهو يعني ارتفاعَه على الصليب، وبالمعنى الأشمل أيضًا ارتفاعَه أي صعودَه بالجسد إلى السماء. 

لهذا السبب وضع لنا الآباء القدّيسون هذا الصوم، بعد تعييدنا للصعود الإلهيّ وانحدار الروح القدس. 

هذا الروح فتح أذهان الرسل، ليفهموا الأمور الإلهيّة، فابتدأوا بالكرازة باسم الربّ، بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم.

أقامَ الرسلُ في مدينة أورشليم، إلى أن التمسوا القوّةَ من الأعالي، أي نعمة الروح القدس، وبعد ذلك ابتدأوا بالتبشير الذي لا يمكن أن يتمّ من دون حياة صلاة وصوم.

نرى في مكان آخر أنّ المسيح عندما سأله تلاميذه لماذا لم يستطيعوا أن يخرجوا الروح النجس من الإنسان، قال لهم: 

"هذا الجنس لا يخرج بشيء إلّا بالصلاة والصوم" (مرقس 29:9) من هنا نرى، تشديد المسيح على أهمية الصلاة و الصوم قبل البدء بأيّ عمل رسوليّ، سواءٌ كان بشاريًّا أو شفاءَ مرضى أو أيَّ أمرٍ آخَر.

صوم الرسل هو، أوّلًا، عربون شكر نقدّمه لله، لأنّه سمح لنا بالخلاص من خلال بشارة التلاميذ، الذين كانوا شهودًا لتعاليمه و أفعاله المجيدة التي صنعها على الأرض. 

ثانيًا، هو إكرام لتذكار جهادات الرسل، والعذابات التي تكبّدوها حتّى الموت، من أجل نشر كلمة الخلاص للناس في كلّ المسكونة. صلواتهم تكون معنا. آمين.

طروبارية القيامة باللحن الثاني

عندما انحدرت إلى الموت أيها الحياة الذي لا يموت، حينئذٍ أمت الجحيم ببرق لاهوتك، و عندما أقمتَ الأموات من تحت الثَرى، صرخ نحوك جميع القوات السماويين، أيها المسيح الإله معطي الحياة المجد لك.


القنداق باللحن الثاني

يا شفيعة المَسيحيّين غَيرَ الخازية، الوَسيطة لدى الخالِق غيرَ المردودة، لا تُعرِضي عَن أصواتِ طلباتِنا نحن الخطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسَرعي في الطلبَةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرسالة: رو 5: 1-10
قوَّتي وتسبحتي الربُّ
أدبًا أدَّبني الربّ


يا إخوةُ إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيح، الذي بهِ حصلَ أيضًا لنا الدُخولُ بالإيمان إلى هذه النعمةِ التي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط، بل أيضًا نفتَخِرُ بالشدائدِ، عالِمينَ أنّ الشِدَّةَ تُنشئُ الصبرَ، والصبرُ يُنشئ الاِمتحانَ، والاِمتحانُ الرجاءَ، والرجاءُ لا يُخزي. لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالروحِ القدسِ الذي أُعطيَ لنا؛ لأنَّ المسيحَ إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقِين. ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ. فلعلَّ أحدًا يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ! أمّا الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه إذ كُنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا. فبالأحرى كثيرًا إذ قد بُرّرنا بدمِه نخلُصُ بهِ من الغَضَب. لأنَّنا إذا كُنّا قد صُولِحْنا مع الله بِمَوتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيرًا نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.

الإنجيل: متى 6: 22-33 (متى 3)

قال الربُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلماً. وإذا كان النورُ الذي فيك ظلامًا فالظلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّين، لأنَّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَر، أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم: لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النفسُ أفضلَ مِنَ الطعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللباس؟ أنظروا إلى طيور السماءِ، فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السماويُّ يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعًا واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لَكُم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها، فإذا كان عشُب الحقلِ الذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبِسهُ الله هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلِي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلينَ: ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكم السماويَّ يَعلَمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلًا ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ، وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.

في الإنجيل

يختلف أعضاء الجسم في المهامّ الملقاة على عاتقهم، وبطبيعة الحال لن يتساوى أعضاء الوجه في الوظيفة، ومن تلك الأعضاء العين التي تتمايّز بخاصّيّتَين نعرفهما جميعنا.

فهي أوّلًا تُعبّر عن الأفكار التي تدور في عقل الإنسان، إذ تُرسل إشارات وإيماءات نفهمها جميعنا، لا بل قد تفضح حركاتُها ما يدور في ذهن الإنسان ويتناقض مع الكلام الذي يخرج من فمه.

وهذه الوظيفة الأولى، لا تتناقض مع الوظيفة العضويّة الثانية للعين، فبها تبدأ رؤية ما حولنا.

فماذا نرى؟

في البداية استغربت المطابقة التي أقامها إنجيل اليوم ما بين السراج والعين، فالسراج مصباح استخدمه البشر قديمًا ليرسل شعاعًا ينير لياليهم. فما علاقة السراج بالعين؟

كلّنا يعلم أنّ الإنسان يرى حين يدخل الضوء المنعكس على الأشياء إلى العين، وقد استخدم الإنجيل ذلك المفهوم، ليشبّه دور السراج، الذي بواسطته نستدلّ ونحسن السير بالعتمة، بالعين التي تُدخل صُوَرَ العالم الخارجيّ إلى الإنسان. 

ولكنّ النصّ يعطي العين دورًا أكبر من مجرّد إدخال الصور، فهي التي تقرّر نقل الظلمة حين تكون شرّيرة أو نقل الخير حين تكون بسيطة.

صحيح أنّ علماء العصر الحديث قد أثبتوا خطأ ذلك القول الأخير، فليست العين هي من تختار نقل الشرّ أو الخير، ولن يتخلّص الإنسان من الأفكار الشرّيرة إن قام بقلع عينه!

وعلى ذلك، هل يُضعف الموقف العلميّ الحاليّ من مصداقيّة أقوال المسيح؟ حاشا.

تحدّث المسيح بلغة أبناء ذلك الزمان، خاطب ذلك الإنسان بلغته بمفرداته، خاطبه بالأمثال وبحكايا عن ملوك، وعبيد، وجرار، وسراج... فما للمسيح بكيفيّة عمل الجسم أو صناعة الأدوية أو الأنظمة السياسيّة والمطالب الاجتماعيّة التي تتلوّن مع تغيّر العصور ورغبات البشر؟! هو شأنه دائمًا أن يلمسنا، أن يخاطبنا بلغتنا، بتعابيرنا لعلّنا نرى فندرك.

ولكن ماذا نرى؟

نحن نسمع ونشعر ونشاهد كلّ ما حولنا من أشكال حيّة أو جمادات، من سيارات وأطفال ومنازل وأشجار وذكور وألوان... أشكال حياديّة باردة لا معنى لها في حدّ ذاتها، صُوَرٌ نقَلَتْها عينٌ أو رَصدَتْها أُذنٌ أو تنشّقَها أَنفٌ... هي إشارات ورموز كالكلمات التي أنت تقرأها حاليًا، ومن يعطيها المعنى، ومن يعطيها الحياة، هو "أنت" بعقلك المختلف المتمايز عن كلّ البشر، عقلك الذي يحوّل الأحرف إلى معنى، وصورة السيارة إلى هاجس، ويصبغ الزوج بصفة "العنيد"، ويختم على الطفلة لقب "المزعجة".

فلا تَلُمِ العين، إذْ هي مجرّدُ وسيلة.

وطبعًا يمكننا أن نسأل ماذا نرى، ولكنّ الأجدر بنا أن نسأل كيف ندرك أو نفهم ما نرى، إذ تراك ستشاهد الجمال فيمن اعتبره غيرك شرّيرًا، ولعلّك ستعشق من لَعنَه غيرُك.

هذا الفهم لما حولي وحولك، هذا الإدراك يبدأ وينتهي عند العقل الذي تَصِلُه رسائلُ حواسّك فيحلِّلُها ويرتّبُها ويُعطيها المعنى.

ويستند العقل في عمله على تربيتك، على قناعتِك الشخصيّة الدفينة، على أهوائك وتطلُّعاتك. 

فهل تدرك بالفعل عزيزي القارئ ما هي رغباتك الدفينة التي من خلالها تفهم ما حولك، أم تراك غير مهتمّ بها! مع أنّ المسيح يسألك ألّا تَسكُنَكَ رغباتٌ مظلمة؟

فإن كنت ترى بالعين، ويستند عقلك لعقائدك ليفسّر ما تراه. 

يكون من المهم الإضاءة على انعكاس إيمانك بالمسيح على كيفيّة فهمك لما حولك وللدنيا، لا بل ستُقيم الوزن للحياة لأنّها أفضل من الطعام الذي وإن أكلنا منه سنموت، وتراك ستهتمّ بالجسد وبِرُقِيِّه، فهذا خيرٌ من الاهتمام باللباس، كما ستُدبّر أمورك الماليّة لتعيش الحياة التي أعطيت لك دون مقابل، والتي سنغادرها جميعنا إلى مكان آخر.

ميلاد السّابق المجيد يوحنّا المعمدان.!!.

"لماذا أَنتم خائفون يا قليلِي الإِيمان".؟!.. "أَنا قد غلبتُ العالم" (يو 16: 33).

هذا، كان.!!.

وكان ولا بُدّ أن يكون ما حدّده الإِلهُ الرَّبُّ يسوع المسيح لخليقته.!!.

وكان يوحنّا، مولود العقر البشريّ، الّذي كلّله الإِلهُ بالنّعمة، باذرًا ثمرة الصّلاة المستميتة "لزخريّا"، الكاهن النّبيّ، في حشا "أَليصابات"، لِتُثْمِرَ "كاروز القفر"، "سابق المسيح" و"النّبيّ ابن النّبيّ"... يوحنّا.!!.

مُعَمِّدُ الإِلهَ في نهر الأُردن، والبَشَرِيَّة بوعد الخلاص.!!.

"من صدّق خبرنا ولِمَن ٱستُعلِنَت ذراعُ الرَّبّ".؟!. (إشعياء 1:53).

هكذا، ارتحل يوحنّا صبيًّا... شابًّا... راهبًا، ناسكًا، مَرسومًا ومَوْسومًا بختم الإِله، ليقيم في صحراء قدسه.!!. يتعلّم الكلمة من الاِبن "الكلمة".!!. 

ابن الآب الوحيد، ومُعْلِنًا عنه بالرّوح القدس، كلمةً لا ابتداء لها ولا انتهاء، بل حرفُ نُطْقٍ، إِن خَرَجَت من فَمِ الله، لا تعود إِليهِ خاويةً، فارِغَةً من مَعنى العُمْرِ والحياةِ فيه؛ إِلى أَن تُفرِغَ أَحشاءُ البَشَريّة ذاتَها من جحيميّة هذا العالم، وعِشْقِ مَحَبَّتِهِ أَكْثَرَ من الخالقِ... لأَنّ الإِله الأَزَلِّيَ ماهى نفسَه مع خليقته، بِأَنْبِيائِهِ ورُسُلِهِ ومُخْتاريه، مُثَبِّتًا بهم سُلَّمَ الحياةِ بين الأَرْضِ والسَّماءِ... حتّى لا يقضيَ الشِّرّيرُ على أَنوار نجوم سَمَاءِ المسيح في العالم.!!.

وعَرَفَ "زخريا" النَّبيُّ وأَليصاباتُ زوجُه، بالرّوح القدس، أَنَّ ابنهما لم يُولِداه هُما، بل هو نُطْقُ "الإِلهِ الكلمة"، خاتمة الأَنبياء إِلى مسيح الرَّبِّ وبَدَاءَةٍ للرُّسُلِ، جِسرُ حياةٍ لا تموت ولا تَنْتَهي، بل تبزغ وتتجدّد بحياةٍ، من حياة الآب في ابنه وروح قدسه.
 
في حَرَكَةِ حُبٍّ، تَغْرِفُ من حياة الرّوح القدس، حياةً لا بَدَاءَةَ ولا انتهاء لها، بل تَبقى تَفاعيلُ حَياةِ الرُّوح فيها، فإِن نَقَصَت تُزادُ وإِن زادت تتوزّع.!!.

اليومَ يرتحلُ الصّبيُّ الّذي حَمَلَ الإِلَهَ على كتفيه، عارِفُهُ وباحثًا عنه في صمتِ الصّحاري، صحاري هذا العالم، في فسق دَنَسِهِ وترتيبات قَتْلِ الإِلهِ، في عبادته لربوبيّةِ المال، وإِعلاء شَأنِهِ أَكْثَرَ من ربوبيّة الإِلهِ، الّذي خلق الإِنسانَ على صورته ومثاله.!!.
لماذا السّابق.؟!...

لإِتْمامِ النُبُوَّة وخَتْمها، بإِعلان انبثاق العهد الجديد للإِنسان الجديد، الإِله من حشا بتوليّة، الّذي لم ولن يُعرَف كُنْهها من البشريّة إِلّا بالإِعلان الإِلهيّ.!!.

هكذا كان "يوحنّا" بَدَاءَةَ ما لا يُعْرَف، ولا يُدْرَك كُنْهُهُ، مُقَدَّمةً لاستعلان عمل "مريم" الفتاة العذراء، في قبولها كلمة الله لها بالملاك.!!. 

وبعد التّسآل قالت "النَّعَم".!!. الّتي بها خَلُصَ العالم من "لاءِ" الشّرِّير ومِنْ عِنَادِهِ في عِشْقِ ذَاتِهِ لِيَتَعَلَّم يَومًا فيومًا، أَلف باء حياته المتجدّدة.!!.

برفضه للحياة الجديدة.!!. ونُطْقِهِ لا لِوَعْدِ النُّور... ولا لقهر الموت.!!.
وصرخ "السّابق" الجواب:

 لماذا هو.؟!. ومَن الآخَر.؟!. المسيح.؟!.
ينبغي أَن ذلك يزيد وأَنّي أَنا أَنقُص. (يوحنّا 30:3).

بهذه القَوْلَةِ أَفْرَغَ يوحنّا ذاته بالكلّيّة، "آخِذًا صورة عبدٍ" محتَقَرًا ومرْذولًا من النّاس ليعلو الإبن الإِله ويحكم.!!.

بهذا الإِتّضاع - لصفةِ الأُلوهةِ، كَشفَ يوحنّا عن وَجْهِ خالِقِهِ فيه، ليحمل كلمته وصوته ورأس خلاصه بالمسيح وليَحْمِلَ رأسَه المقطوعَ، ثمن قَوْلِه كَلِمَةَ حَقِّ البشارة والإِنجيل... 

مسيحًا جديدًا متجدّدًا، حتّى القيامة في ومن حضن الإبن، الّذي خَلَقَهُ وأَطْلَقَهُ ليُعَبّدَ الطّريقَ أَمامه.!!.

وأَعــلـــن يــوحــنّــا عـن نـفـســه، أَنـّه هـــو "صديق العريس".!!.

بالنّعمة الحالّة عليه وبصداقة العريس هذه.!!.. 

مات "يوحنّا"، عن سقطة آدم، ليُصْلِحَ بذاته، "بكلمة حقّ الإِنجيل" وبعدم الخوف، بنار الحبّ اللّهيبيّة، الّتي تَجْعَلُ الإِنسانَ يقول "النَّعَم" "المريميّة"، يُصْلَح آدم أَيضًا وأَيضًا، ومُجَدَّدًا ليُولَد من "التّوبة"، ثمّ من الموت، ليستعيد كلّ من أُلْقُوا في الجحيم بسبب تجبّره ومعاندته وتركهِ الإِله الحيّ، حتّى يولِدَ نفسَه إِلهًا للموت.!!. 

هكذا أَمَاتَ الشّرّيرُ الحياة الحقَّ، بالموتِ الجبان وبالقتل.!!. بقطع رأسه وبصليب خالقه ومعلّمه يسوع المسيح.!!.

وٱستضاء وجهُ يوحنّا نورًا من النّور بوجه إِلهه "التّابِعَهُ والّذي هو أَقوى منه"، والّذي ليس هو مستأهلًا أَن يحلّ سيور حذائه.!!.

من أَين بشريّة يوحنّا هذه.؟!. من أَينَ إِفراغُه الكلّيّ لذاته هذا.؟!. 

من أَين عُزُوفِهِ عن العالم وامتشاقُهِ رِمالَ الصَّحاري والكلمةَ الحقّ، الموبِّخَةَ عُروشَ الملوكِ والنَّاقِضَةَ أُسسَها.؟!. ليستضيء الإِنسان بالنّور الإِلهيّ، بكلمة الحقّ وبالتّوبة.!!.

الأَهمّ أَنّه بهذا أَخَذَ يوحنّا على نفسه سقطة آدم، ولِبْسها حتّى بَدأَ وهو العَبْدُ، وصديقُ العريسِ، حَياتَهُ بالحبّ لِلأُلُوهة وعِشْقِ مَضامينَها.!.. أَدار رأسه عن العالم... حاملًا وَجْهَ الإِلهِ في كيانه وارتحل...

هكذا أَكْمَلَ يُوحنّا فِكْرَ الثّالوثِ، بِأَن صار هو وَعْدًا مُتَمِّمًا فعلَة الثّالوث، وحياتَه في العالم، بقوله: "فرحي هذا قد كمل" (يوحنّا 29:3).

ونطق بالقولة البِكْر: "توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات".!!.

هكذا تَمَّ الإِعلانُ الحيُّ الوَحيدُ، مُخْبِرًا الأَنامَ أَنَّ حَفْلَ الدُّخول لاستقبال مَلكوتِ السّماوات، (الرّبّ يسوع المسيح)، هو لِبْسُ حُلَّةِ "التَّوبة"، دالًّا شَعْبَ اليهوديَّةِ وأُورشليم وجوارِ صورَ وصيدا، أَنّ "صديقَ العريس"، بدأَ يُتَمِّمُ قصده بالرَّحيل من هذا العالم، بعد إِتمام قصد الآب فيه.!!. 

لهذا وُلدَ يوحنّا، وعاش بالنّعمة ومات حيًّا في الإِله...

هكذا اليومَ خفتَ صوتُه عن نِداءِ التّوبة مُسْتَعيضًا عنه بِصلاةِ العَبْدِ لِسَيِّدِهِ والتّلميذ لمعلّمه: 

"ربّي ارحمني أَنا الخاطئ"...

اليومَ، في يومِ ميلاد يوحنّا، يَتَكَمَّلُ سِرُّ "العرس" بين الإِله والبَشَرِيَّةِ، بالكنيسة المبنيّة على جسد الرّبّ ودمه.!!. الخروف الذّبيح منذ الأَزل.!..
وكان على "يوحنّا"، أَن يصيرَ بالكُلّيّةِ الشّهيد الأَوّل والشّهادة للإِله المتجسّد.!!.

اليومَ، تَتَنَزَّلُ كَلِمَةُ "التّوبة" في بُنيان جَسَدِ يوحَنّا وكَيانِهِ النّاطق واعيًا سِرَّ الحياةِ الجَديدة، بالتّبتّل الكامِلِ للإِله الرَّبّ يسوعَ، المتجسِّد لأَجل خلاصنا في أَسرار كنيسته العروس... وهي "النَّحنُ" للحياة.!!.

اليومَ تنفلش كَلِمَةُ "توبوا" على جَلَد السَّمَاءِ، وعلى وَجْهِ البحار والأَرْضِ في زَقَّةِ عصافير الصَّباح، وغَمْرِ حِيتانِ البحار المالِحَةِ وأَسماكِها، وفي الأَشجارِ الخُضْرِ والأَزاهير لإِعلان حضور الرّبيع... اليوم.!!.

اليومَ، يرتفع تاج العرس فوق رأس العريس والعروس، شهادة للحبّ الإِلهيّ، وللحبيب وصليبه.!.. 

اليومَ يجمع يوحنّا في نفسه كُلَّ أَنبياءِ العهد العتيق، "مُعلنًا" للآتين بعدَهُ أَنّهم كُلَّهم وُلِدُوا من كَلِمَةِ الإِلهِ بالرُّوح القدس؛ وأَنّه من الرَّبِّ يحيا وفيه يَموتُ، لتحيا البشريّة الجديدة بالمسيح، العريس.!!.

اليومَ، يتقاسم سِرَّ العرس ومَعْنَاه الأَسراريّ، الإِلَهُ العَريس، كُلُّ عريس وعروس، "وجهَ يوحنّا"، المطبوعِ على وَجْهِ كلّ مَن أَحَبَّ ويُحِبُّ الرَّبَّ يسوع المسيح ليقول له "النَّعَم".!!. 

أَي للموتِ على صليبه المحيي، وللحياة القائمة إِلى أَبد الآبدين.!!.

اليومَ، تتصيّر لغةُ البِشَارَةِ والشَّهادَةِ فَرَحَ كلِّ المؤمنينَ الّذين عاينوا آلامَ سقوطِهِم وبُرْءَ توبتهم بالحبّ "للصّديق" ليقودهم إِلى العريس.!!. 

فَمَن يُحبُّ صديق العريس، لا بُدّ له أَن يَصْدُقَ العريسَ بالقولِ والفعلِ والنّيّةِ للخلاص بحبّ التّوبة، هديّة عرسه من خالقه ولعروسه الكنيسة البكر، المعمّدة بالرّوح القدس والنّار.!!.

اليومَ، تتكمّل مَسيرةُ "يوحنّا المعمدان" صديقِ وحبيبِ العريسِ الإِله وأَولاده، الَّذين اختاروا إِكليلَ الشَّوكِ الّذي أَلْبَسوه لإِلههم، خَتْمًا لِمَوتِ الأَهواءِ والتّنقية، وليتمجَّدُ اسمُ الرّبّ ويكتَمِلَ فرحه بالمولودين من كلمته بفرح الشّهادة له.!!.

اليومَ، يموت صَمْتُ المَوْتِ وحُزْنُ الخِسَارَةِ، لِتَصيرَ الأَرضُ، كلُّ الأَرضِ، "نَعَمًـا" للولادة وشهادةً لِلحُبِّ، الّذي أُعطي مَجّانًا لِكُلِّ السّالكين دروبَ الحُبِّ وجِهاداتِ التَّنْقِيَةِ والتَّوبَةِ للخلاص ولعيشِ القيامةِ إِلى الأَبد...
~   آمين   ~