الأحد 16 تمّوز 2023 

الأحد 16 تمّوز 2023 

13 تموز 2023
الأحد 16 تمّوز 2023 
 العدد 29
 أحد آباء المجمع المسكونيّ الرابع. 
اللحن الخامس الإيوثينا السادسة. 


 أعياد الأسبوع :

16: الشهيد في الكهنة أثينوجانس ورفقته، * 17: القدّيسة الشَّهيدة مارينا، * 18:الشَّهيد إميليانوس، البارّ بمفو، * 19:البارّة مكرينا أخت باسيليوس الكبير، البارّ ذِيُّس، * 20: النبيّ إيلياس التّسبيتيّ، * 21: البارّان سمعان المُتبالِه ويوحنَّا رفيقه في النُّسك، * 22: مريم المجدليَّة المعادلة الرُّسل، الشَّهيدة في العذارى مركيلّا.


 الراعي الصَالِح. 

"ليُضِئ نورُكُم هكذا للنّاس" (متّى ٥: 16)، هذا النور الذي لا تُدركِهُ الظُلمة يَختلِف كُلّيًا عن الأنوار الاصطناعيّة التي تملأ عالمنا الرقميّ. 

أين نَجِد المسيحَ اليوم؟ كيف نُدخِله إلى جوهرِ حياتنا لِنَصير أقمارًا تعكس نورَ شمسِ الحَقّ في مُجتمعِ وَهمٍ، فَتُرَت المحبّةُ فيه فاندثر التواضع.

إِلّا أنّ "الرُكَبَ لَم تَجْثُ كُلُّها لِبَعل" (١ملوك ١٩: ١٨)، والرَبُّ القَدير يَحفَظ القِلّة القليلة التي تُحِبّ فعلًا المسيح، وتؤمن أنّها "به تَحيا وتتحرّك" (أعمال 1٧: 28)؛ 

تَسعى رغم كلّ شيءٍ لإدخاله إلى حياة الآخرين، إيمانًا منها بأنّ "الكلمةَ صارَ جَسدًا" (يوحنا ١: ١٤)، بالتالي لم يبقَ في عليائِه غَريبًا عن طبيعَتِنا البَشريّة، بل أخذها بالكُلّيَّة وافتداها، فقدّسها وأصعدها بمَجدٍ مُجلِسًا إيّاها عن يَمين الآب.

"لِيُضِئ نورُكُم" هي دعوة للمشاركة في الخلق؛ فالقائل في البدء "لِيَكُن نورٌ، وكان نورٌ" (تكوين ١: ٣)، يريدنا أن نحيا ملء القيامة، أن نأخذَ النورَ الذي لا يَعروهُ مَساءٌ، فنَحفَظ أنفُسنا في هذا "العالم الزائل مع شهوته" (1يوحنا 2: 17)، ونُرشد العطشى إلى مجاري المياه فلا يعودون ويعطشون.

الراعي الصالح يَرعى نَفسَهُ أوّلًا، يَسهر ويُصلّي لئلّا يَدخُل في تجربة (متى 26: 41)، يَسعى أن يُخرِجَ العود الذي في عَينِه (متى 7: 3-5) حتى يُعايِن المسيحَ على كُلِّ مُحَيّا فيُحبّ ويَخدم الجميع على السواء، مُترفّعًا عن محاباة الوجوه لأنّ غَيرة بيت الله وأهله تأكله (يوحنا 2: 17)، قَلبه يَلتَهِب نارًا إذ يَسير في طريق الرَبّ (لوقا 24: 32)، يَلتَصق به لئلّا يَضيع سَلامه وتَعزيته.

حين نَطلُبُ ما لأنْفسِنا نَترُك المسيح، فنَخسر الأبَ المحِبّ والأخَ السَنَد والصديقَ الوَفيّ والحبيبَ الصادِق. 

جميع خطايانا بالتوبَة تُغفَر، ما عدا اليأس لأنّه يُبعِدنا عن الرجاء، ويُفقدنا الإيمان، فتَفتُر محبَّتُنا. 

وقتها يتملّك الخوفُ على قلوبنا، ويصبح من الصَعب أن نتطهّر من أهوائنا: 

تتغلّب هي علينا وتُبقينا عَطشى في صحراءٍ قاحلة، تُدخِلنا في دوّامة أفكارٍ مُفرَغَة، نَقبَعُ صغارًا وحيدين وإن كَثُرَت الجماهير من حولنا، كخِرافٍ لا راعي لها! (مرقس 6: 34)

إنكارُ النفسِ صعبٌ بشريًّا، ولكن بمعونة الله مُمكنٌ للذين هم للمسيح، الذين "صَلبوا أجسادهم مع أهوائها" (غلاطية 5: 24)؛ 

تنقّوا بنعمة الروح القدس، غسلوا حُلَلَهُم بدَمِ الحَمَل (رؤيا 7: 14). 

إضطَرموا فأَضرَموا مَن حولهم، استناروا فأناروا للباحثين عن الإلَه الحقيقيّ. 

الرعاية الصالحة تبدأ بتواضع القلب، وتنتهي بالمحبّة المجانيّة، فيكون الفرح كاملًا.
 
 طروباريّة القيامة باللحن الخامس: 

لنسبّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآب والرّوح في الأزليّة وعدمِ الابتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصِنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.

 طروباريّة الآباء باللحن الثامن: 

أنتَ أيّها المسيح الإلهُ الفائقُ التسبيح يا من أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكبَ لامعة، وبهم هديتَنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ يا جزيل الرحمة المجد لك.

 القنداق باللحن الثاني: 

يا شفيعةَ المَسيحييّن غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسَرعي في الطلبَةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفعةَ دائمًا بمكرِّميك.

 الرسالة: 
 تيطس 3: 8-15 :


مباركٌ أنت يا ربُّ إله آبائنا،    لأنَّك عدلٌ في كلِّ ما صنَعْتَ بنا .
يا ولدي تيطُسُ صادقةٌ هي الكَلِمةُ وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ حتَّى يهتمَّ الذين آمنوا باللَّهِ في القيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنافعة. أما المُباحَثات الهذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوماتُ والمماحكاتُ الناموسيَّةُ فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلُ البدعَةِ بعدَ الإنذارِ مرَّةً وأُخرى أعرِضْ عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أو تِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيَني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عزمتُ أن أُشتِّيَ هناك. أما زيناسُ معلِّمُ الناموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهبَيْنِ لئَلّا يُعوزَهما شيءٌ، وليتعلَّمْ ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمِرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الذين معي، سَلِّمْ على الذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعين.

 الإنجيل: 
 متى 5: 14-19
 

قال الربُّ لتلاميذه: أنتم نورُ العالَم. لا يُمكنُ أن تَخفى مدينةٌ واقِعَةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَدُ سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المِكيال لكِنْ على المنارةِ ليُضيءَ لجميعِ الَّذين في البيت. هكذا فليُضِئْ نورُكم قدَّامَ الناس ليَروا أعمالَكم الصالحةَ ويُمَجِّدوا أباكم الذي في السماوات. لا تَظُنّوا أنّي أتيتُ لأحُلَّ الناموسَ والأنبياءَ، إني لم آتِ لأحُلَّ لكن لأُتَمّم.
الحقَّ أقول لكم إنَّهُ إلى أن تَزولَ السماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ من الناموس حتّى يَتمَّ الكلُّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحدةً من هذه الوصايا الصغارِ، ويُعَلِّمُ الناسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيرًا في ملكوتِ السماوات. وأمَّا الذي يعمَلُ ويُعلِّم فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات.

 في الإنجيل:
 
سمّى الربّ يسوع تلاميذه "نور العالم" لأنّهم باستنارتهم بالنور الحقيقيّ الأبديّ يصبحون نورًا في الظلام. 

وبما أنَّه هو نفسه شمسُ البِرِّ، فإنَّه يسمّي تلاميذه أيضًا "نور العالم"، بهم، كما بأشعَّةٍ لامعةٍ يُشعُّ بنور معرفته على العالم بأسره.

من يضع السراج تحت المكيال هو الذي يحجب نور التعليم الصالح ويخفيه بالدنيويّات. 

يجب بالأحرى أن يرفع المرء الحقَّ عاليًا على "المنارة"، وهذا يدلّ على أنّ النور يشرق نتيجة الأعمال الصالحة "فيروا أعمالكم الصالحة فيمجّدوا أباكم الذي في السماوات" أي أن يضيء نوركم وتُعلِّموا لا من أجل أن يسمع الناس أقوالكم فحسب، بل من أجل أن يروا أعمالكم الصالحة أيضًا. 

فمن يعلِّم ويعمل بما يعلّم يكون تعليمه حقيقيًّا، ولكن من لا يعمل بما يعلّمه فهو لا يعلّم شيئًا بل يُدان. 

إنَّه من الأفضل أن يعمل المرء من دون أن يُعلّم إن لم يعمل ما يعلّمه. 

فمن يعمل يُصلح بعض الناس بمثاله مع أنَّه يبقى صامتًا. ولكن من يعلِّم ولا يعمل، لا يصلح أَحدًا بل يكون عثرةً للآخرين.

إنّ الذي يسير في الظلام الحسيّ يقع في الهاوية. 

والذي يسير في الظلام الروحيّ، ظلام عدم الإيمان، يقع في الرذالة والظلمة. الذي يسير في النور الطبيعيّ لا يتعثّر والذي يسير في النور العقليّ، نور النعمة الإلهيّة يخطو في طريق الفضيلة بلا عيب.

المسيحيّة لا يُفتَّش عنها في الكتب.

طبعًا يجب أن نقرأ الإنجيل، وما كتبه آباؤنا الذين نعيّد لهم اليوم. ولكنَّ الأصل في المسيحيّة هو القدوة، والموعظة هي الواعظ. ولهذا إن كانت المسيحيّة غير فاعلة بما فيه الكفاية فما ذلك إلّا لأنّنا منطفئون، ولكن إن عدنا إلى النور وعشنا حياة بارَّةً مقدّسة فلا بدّ أن يستنير العالم.

 في الصلاة :

الصلاة هي باب الفرج والشكر، هي دواء الأحزان لكونها ترفع النفس والعقل إلى الله، معطي السلام والفرح والعزاء مع الرجاء.

سُئِل أحد الآباء القدّيسين عن الفضيلة الأعظم، فكان جوابه أن ليس هنالك جهادٌ أعظم من أن نصلّي دائمًا لله، وهذا يتطلّب رغبةً لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يعيش حياة الصلاة سيحاول الشياطين أن يمنعوه، فيجلبوا عليه ضجرًا ونعاسًا وثقل الجسد، وأفكارًا لا تخطر على بال، وكلّ ذلك لعلمهم أن لا شيء يُبطل قدرتهم وقوّتهم سوى الصلاة أمام الله.

إنَّ كلّ عمل يعمله الإنسان ويتعب فيه لا بدَّ أن يرتاح بعد إتمامه، أمّا الصلاة فيحتاج المصلّي دائمًا إلى الجهاد فيها حتّى آخر حياته. 

وينصح الآباء القدّيسون بترداد صلاة القلب، صلاة يسوع "أيّها الربّ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، ارحمني أنا الخاطئ"، لكونها تضع القلب عند الربّ يسوع وتلصق العقل به، وأن يُشركوا الجسد أيضًا في عمل الصلاة لكون الجسد أيضًا له مساهمته في حياة الصلاة.

 يقول القدّيس مكاريوس الكبير "إن لم تكن لك صلاة الروح فجاهد في صلاة الجسد، وعند ذلك ستُعطى أيضًا الصلاة بالروح، وإن لم يكن لك اتّضاع الروح، فجاهد من أجل الاتّضاع الذي بالجسد حينئذٍ ستُعطى أيضًا التواضع الذي بالروح ".

والصلاة الحقّ تحتاج إلى تيقُّظ، لأنّ الله لا يطلب سوى أن يكون قلبك معه، كما أنّ قلبه معك ولك، ويؤلمه أن تقف أمامه وأفكارك مسبيّة بأباطيل العالم، فلا ينشغلنَّ الذهن عن الصلاة بالضروريّات الحياتيّة لئلّا يخسر الربح العظيم الذي ينتج عن الصلاة. 

عالم اليوم منشغل بكلّ التفاصيل التي تجري في كلّ أصقاع الدنيا، ويتابع كلّ ما يُكتب حتّى عن أصغر الأمور، التي تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر على الفكر البشريّ وتسكب فيه روح التشويش والاضطراب والانفعال وهذا ما يظهر من خلال التعامل مع الآخرين، وربما يصل الأمر إلى درجة أن يبلغ المرء مرحلة من الانفصام في الشخصيّة فيكون خارج الكنيسة عدوانيًّا، وداخلها وكأنّه مشابه للملائكة، وهذا ما كان يحذّر منه الآباءُ القدّيسون، لكون وسائل الشرير واضحةً ومكشوفةً أمام أعين القدّيسين، فالقدّيس باسيليوس الكبير في زمانه علّم قائلًا:

"عموم الناس يظنّون أنَّ الله في الهياكل والكنائس فقط، فيحسنون سيرتهم فيها فقط، 

أما ذوو المعرفة فيعلمون أنَّ الله في كلّ موضع، فيصلحون سيرتهم في كلّ موضع".

ألا امنحْنا يا الله هذه النعمة، لتستنيرَ قلوبُنا وعقولُنا لكي نعرفك أنت الإله الحقيقيَّ ونفرحَ بلقائك أيُّها النور البهيُّ الأبديّ، وتستلذَّ شفاهُنا بتَسبِحَتك. آمين.
 
 أخبارنا :

 + كتاب للأب جورج عطية :

صدر عن منشورات دير سيدة حماطورة كتاب لقدس الأب د. جورج عطية بعنوان "موجز الحقيقة في تاريخ كنيسة الله على الأرض". 

وهو يتألّف من 341 صفحة، ويباع بسعر 10$، يُطلب من الأب جورج يوسف :960942/70 أو من دير رقاد السيدة- حماطورة.