الأحد 29 كانون الثاني 2023

الأحد 29 كانون الثاني 2023

24 كانون الثاني 2023
الأحد 29 كانون الثاني 2023
العدد 5
الأحد 17 من متى (الكتعانية)
اللحن 8، الإيوثينا 11
أعياد الأسبوع:


29: نقل بقايا الشهيد في الكهنة إغناطيوس المتوشّح بالله، 30: الأقمار الثلاثة وأمّهاتهم: آميليا- نونة- أنثوسة. 31: كيرلّس ويوحنّا العادما الفضّة، الشّهيدة أثناسيّا وبناتها، 1: تقدمة عيد الدخول، الشّهيد تريفن، 2: دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل، 3: سمعان الشيخ، حنّة النبيّة، 4: البارّ إيسيذورس الفرميّ.

"بلى يا رب" 
(متى ١٥: ٢٧)


أعطت امرأةٌ من بلادنا، من نواحي صور وصيدا، درسًا في الصلاة بإيمان لكلّ المسيحيّين في العالم. 

هذه الأمّ التي كانت تتألّم جدًّا بسبب الشياطين التي كانت تعذّب ابنتها، وتقف عاجزة عن مساعدتها. 

لكنّها عرفت وآمنت أنّ الإله المتجسّد الذي ذاع صيته خارج فلسطين وبلغ صور وصيدا وسواها من المناطق الداخليّة، هو وحده الطبيب الشافي، لا سيّما للأمراض التي يعجز الأطبّاء عن معالجتها. 

وما أكثر هذه الأمراض! وما أشبه مسّ الشياطين الغريب الذي نقرأ عنه في الإنجيل بحالات من نوعه غريبة تعذّب الناس من مختلف الأعمار في أيّامنا هذه. وكثيرًا ما نجهل السبب الحقيقيّ خلف ما يجري لبعض الناس.

إلّا أن الأمّ الكنعانيّة، غير اليهوديّة، التي لا حافزَ دينيًّا يدفعها إلى تتبّع المخلّص الذي ”يأتي من اليهود“، حفّزها إيمانُها بالمسيح وتمييزُها لألوهيّته، بناءً على ما سَمِعَتْهُ، وربّما رَأَتْهُ، بشأنِ ظاهرة أعمال المسيح وتعاليمه.

أسرعت هذه المرأة إلى المسيح تخاطبه بصرخة من قلب متألّم، وتناديه بألقاب المسيح ”يا رب“، ”يا ابن داود“، وتسأله الرحمة، ”ارحمني“، مقرّةً بأنّه إله الرأفة والرحمات. 

وبينما أبى كثيرون من المثقّفين اليهود أن يقرّوا بهويّة يسوع السماويّة، واستمروا يحقّقون معه ويسألونه ”من أنت؟“، التجأت إليه هذه المرأة تعلن إيمانها أمام الناس بأنّه الإله المتجسّد من نسل داود، وتطلب إليه الرحمة.

ولئلّا يظنّ أحدٌ أنّ إيمانها كاذب لا يهدف سوى إلى شفاء ابنتها من الشياطين، قام فاحصُ القلوب والكلى بامتحان إيمانها أمام الناس، وذلك كي يُخجل أولئك الذين من بني إسرائيل ولا يؤمنون. 

بدايةً لم يجبها الربّ بكلمة. فما برحت تصيح في إثره مكرّرة كلامها عينه، إلى أن ضاق ذرع التلاميذ فسألوه أن يصرفها، أي أن يعطيها ما تسأله، كما يفعل في العادة وفي كلّ مكان. 

فأجاب عن عمد بأنّه لم يُرسل "إِلَّا إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَةِ". 

عسى أن يرى هؤلاء الضالّون من قومه كيف يكون الإيمان الأصيل المنزّه حتّى عن التعصّب القوميّ والقبليّ. وهنا قالت المرأة مجدّدًا "يا ربّ أعنّي". 

فوجّه إليها يسوع عن تصميم وقصد كلامًا قاسيًا يغضب كلّ من يسمعه ويجعله يكفر ويلعن، قال: "لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْأَبْنَاءِ وَيُلْقَى لِلْكِلَابِ". 

وبدلاً من تعترض على تشبيه عشيرتها بالكلاب وبدلًا من أن ترفض تخصيص خبز الملكوت حصرًا لأبناء إسرائيل الضالّين، تكلّمت بلغة الإيمان ومنطق الصلاة الذي يختلف عن منطق البشر في حواراتهم. 

منطق الصلاة ينبع من قناعة بأنّ الله حقّ وعادلٌ في كلّ ما يفعله، وبأنّه لا يقول شيئًا ولا يفعل شيئًا إلّا بهدف خير الإنسان وبنائه. 

انطلاقًا من هذه القناعة قالت له: "بَلَى، يَا رَبُّ، فَإِنَّ ٱلْكِلَابَ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ عَنْ مَائِدَةِ سَادَتِهَا". 

لم ترفض الكلام الذي استفزّها به، بل قبلته منه بإيمان لا ينثني وقالت له بدالة "بلى يا رب"، الكلاب تحصل على الفتات، وهذا الفتات يكفيني. فحصلت على كامل طلبها.

لنتوقّف عن معاندة ربّنا يسوع المسيح المحبّ للبشر، وعن نهج الاعتراض على ما يدبّره الله لخيرنا وخلاصنا، ولنقل إليه بدالّةٍ "بلى يا رب"، أنت مُحِقٌّ في كلّ شيء وتَعلَمُ كلَّ شيء، ونحن نؤمن بمحبّتك، ولذلك جُلُّ ما نطلبه هو ألّا تحرمنا من الفتات حين ترسل رحمتك على العَالمين.

  الأرشمندريت يعقوب خليـل
عميد معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ - البلمند

طروبارية القيامة باللحن الثامن

إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك.
    
قنداق دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأول

يا مَن بمولِدَك أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتولِّيِّ قدَّسْتَ وليَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركتْ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتَك بسلامِ في الحروب، وأيْدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.

الرسالة: 2 كو 6: 16-18، 7: 1 (17 بعد العنصرة)
صلُّوا وأَوفُوا الربَّ إلهَنا        
الله معروفٌ في أرضِ يهوذا


يا إخوةُ أنتم هيكلُ الله الحي كما قالَ الله إنّي سأسكُنُ فيهم وأسيرُ فيما بينَهم وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا، فلذلك اخرُجوا من بينهم واعتزلوا يقولُ الربُّ ولا تَمَسُّوا نجسًا، فأقبلَكُم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الربُّ القدير. فإذْ لنا هذهِ المواعِدُ أيُّها الأحبَّاءُ، فَلنُطهِرْ أنفُسَنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والروحْ وَنُكَمِّلِ القداسةَ بمخافةِ الله.

الإنجيل : متى 15: 21-28 (متى 17)

في ذلك الزمان خرج يسوع إلى نواحي صورَ وصيدا، وإذا بامرأةٍ كنعانيَّةٍ قد خرجت من تلك التخومِ وصرخت اليهِ قائلةً: ارحمني يا ربُّ يا ابنَ داود فإنَّ ابنتي بها شيطانٌ يعذِّبها جدًّا. فلم يُجِبْها بكلمة. فدنا تلاميذهُ وسألوهُ قائلين اصرِفْها فانَّها تصيحُ في إثرنا. فأجاب وقال لهم: لم أُرسَلْ إلاّ إلى الخرافِ الضالَّةِ من بيتِ إسرائيل. فأتتْ وسجدتْ لهُ قائلةً: اغِثْني يا ربُّ. فأجابَ قائلاً: ليس حسنًا أن يُؤخَذَ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلاب. فقالتْ: نعم يا ربُّ فإنَّ الكلابَ أيضًا تأكلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يسقط من موائد أربابها. حينئذٍ أجابَ يسوع وقال لها يا إمرأةُ عظيمٌ إيمانُكِ، فليكُنْ لكِ كما أردتِ. فشُفيتِ ابنتُها من تلك الساعة.

في الإنجيل

في هذا النص الإنجيليّ من بشارة الرسول متّى، حوارٌ بين الربِّ يسوعَ وامرأةٍ كنعانيّة، وثنيّةٍ أتَتْ إليه من نواحي صور وصيدا من لبنان لحاجتها لشفاء ابنتها المريضة صارخة له: "ارحمني يا ابن داود". 

هذه الشخصيّةُ الفينيقيّةُ عَلِمَتْ باقترابِ الربِّ يسوع، فخرجت من بلادها، صور وصيدا، إليه لتلاقي وجهه وتتوسّلَ إليه بالصراخ الذي كان يَنبُعُ مِن قلبِها المجروح، وكأنها تقول إنّ الصلاة الحقَّةَ مِن نفسٍ فقيرةٍ إلى رَبِّها تَصعدُ إليه بِصُراخٍ مِن الفم، لأنّها تُناديه وتَعلمُ أنّها بدونه لا تستطيع فعل شيء.

طلبت الرحمة أوّلًا، وعندها أراد الربُّ أن يمتحن إيمانَها بجوابه الرافض لها، وأن يوجِّهَ رسالةً إلى تلاميذِه الذين كانوا يطلبون منه أن يصرفها عنهم.

"يا ربُّ ارحمني"، "يا ربُّ أَعِنّي"، هذا كان صراخَها، ولكن رغم الامتحان نجحت بسبب انسحاقها وتواضعها وقلبها الكبير المفعم إيمانًا ونقاوة. 

وعندما انكشفت نقاوتُها وطهارةُ قلبِها للمعلِّم، كان لها ما أرادت، ومَدَحَ الربُّ إيمانَها بِقَولِه لها: "يا امرأةُ عظيمٌ إيمانُكِ، وَلْيَكُنْ لكِ كما أردتِ".

فكانت عندئذ رسالتُه للتلاميذ ولها وللجمع أنّ عَمَلَهُ الخلاصيَّ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ الناس وغيرُ محصورٍ في إسرائيل، بل امتدَّ إلى فينيقية وإلى العالم أجمع. 

وكانت هذه المرأة الكنعانيّةُ أوَّلَ إنسانٍ خارجَ العهد يأخذ رحمةَ ربِّه لِتَكونَ أُمثُولةً لِكُلِّ العالم، ولتصبحَ عِبرةً على أنّ الديانةَ الحقَّةَ والإيمانَ الحقَّ هو أن يُنَقِّيَ الإنسانُ نفسَهُ مِن دَنَسِ العالَم، وأن يَكسرَ قلبَهُ بالتواضع والوداعة أمام الله وأمام الناس "القلب المتخشّع والمتواضع لا يرذله الله" (مزمور 50)

هذا ما حدث مع هذه المرأة وما يجب علينا أن نسعى إليه كي يجصل معنا برحمة الله الواسعة.

" عام جديد"

    ربما تأتي هذه السطور متأخّرةً بعضَ الشيء، لكنّنا ما زلنا في بداية العام، ما يسمح لنا بِقَولِ بضع كلماتٍ في معنى الصفة التي تتبع كلمة عام، "جديد".

لنبحث عن الجِدّة في العام الذي أضاف رقمًا "فقط" إلى العام الذي سبقه، فبينما كنّا في العام 22 بعد الألفين صرنا في العام 23. 

ينزع البعض تقويم العام السابق عن الحائط ويعلِّق الجديد، وقد تخلّى الكثيرون، فعليًّا، عن هذه العادة بسبب توفّر التأريخ اليوميّ على وسائل الاِتّصال الإلكترونيّة الحديثة، ما عدا هذا، أين الجِدَّةُ في الموضوع؟!

   الأيّام هي هي، والأحداث المحيطة بنا لا نقدر أن نقول إنّها حملت معها شيئًا من الجِدّة. 

ونعني بالجِدَّةِ التحوُّلَ نحو الأفضل. 

هل نرى شيئًا من هذا من عامٍ إلى آخر، بالطبع لا. 

في هذه الأيّام التي نعيشُها لا تغيير نحو الأفضل في الحياة اليوميّة، وَكُلُّ ما يُحيطُ بِنا يَسيرُ مِن سَيِّئٍ إلى أسوأ، وَمِن صَعبٍ إلى أصعب. 

ما يجب أن يشغلنا كمسيحييّن في هذا اليوم، هو التغيير الإيجابيّ الذي ينبغي أن نُحَقِّقَهُ في نفوسنا، بأن نجعل الاِنتقالَ مِن سنةٍ إلى سنةٍ انتقالًا مِن التَّهاوُنِ والكسلِ وعبادةِ الدُّنيَوِيّاتِ المؤذية والفانيةِ المؤدِّيةِ إلى الهلاكِ وإلى خسارة الحياة الأبديّة، انتقالًا إلى آفاقِ الطهارة والتقديس والخلاص.

    في هذا اليوم، ليطرحْ كلُّ مؤمنٍ مسيحيٍّ على نفسه سؤالًا جِدِّيًّا وضروريًّا:

 ماذا فعلتُ في الأيّام الماضية؟ وماذا علي أن أفعل في الأيّام الآتية؟

الجواب على هذا السؤال يحدِّده الهدف الذي من أجله يعتقد الإنسان أنّه يعيش من أجله، يسعى إليه ويتمنّاه؟ 

هل دَرَجَ في حياتِه بحسب وصايا الربِّ وكان أمينًا لتعاليمه؟ 

آنذاك لا بُدَّ أن يكون اليوم الأوّل من العام الجديد بحسب التحديد العالميّ يومًا مماثلًا للأيام السابقة، يسوده التمجيد والشكر لله على السنين التي مَنَحَنا إيّاها، ورجاءً من أجل انسياب الأيّام الآتية في وتيرةٍ مماثلة أو ربّما أقوى في تحقيق إرادته، والعيش معه، والشهادة له، والاعتراف به أمام الجميع ربًّا ومخلِّصًا.

    إنّ هذا العالم الذي ينحدر بتسارعٍ محموم نحو كلِّ ما هو مخالف لتدبير الله، مستسلمًا للفساد ومستعبدًا للشهوات الجسدانيّة مسلوبًا من العالم وأباطيله وعثراته، "انظروا ألا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح" (كولوسي 2: 8). 

"انظروا ألّا يضلّكم أحد" (مت 24: 4). لأنّه مع تقدُّم الأيّام والسنين نحن نسير نحو اليوم الأخير أحياءً كنّا أم أمواتًا لا فرق، لأنّنا، في النهاية، سنحضر كلّنا أمام عرش الإله الديّان.

يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية (رو 13: 11) "هذا وإنّكم عارفون الوقت، إنّها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإنّ خلاصنا الآن أقرب ممّا كان حين آمنّا".

   لذلك، فإنّ موقف المسيحيّ أمام دورة الأيّام والسنين، هو موقف مختلف جدًّا عن المواقف الدنيويّة التي تنشغل بالاِحتفالات الصاخبة الطافحة بكلّ أنواع المآثم والمستسلِمة إلى شتّى الشهوات الجسدانيّة التي صارت تتّخذ أشكالًا ربّما لم يفكّر بها الشيطان نفسه.

   ليقف المسيحيّ أمام مرآة الأيّام وليراقب الغَضَنَ والتَّرَهُّلَ الذي أصابَ نفسه وأرهقها بالتنكُّر للوصايا التي أعطانا إيّاها الله لا ليستعبدَنا بل لمحبَّتِه اللامتناهية.

العام الجديد واليوم الجديد وكلُّ أوان جديد بالنسبة إلى المسيحيّ هو في خَلْعِ الإنسان العتيق واقتبال الإنسان الجديد، عملًا بقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس (أف 4: 22)، "أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجدَّدوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ".

"ها أنا أصنع كلَّ شيء جديدًا" (رؤ21: 5)

جدِّدنا بروحك يا ربّ...

ما معنى "إنَّنا لبسنا المسيح"؟

يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "لا تسمحوا لدنس أن يُدنّس نقاوةَ ثوبِ الخلود، ولتكن أعضاؤكم جميعًا مقدّسة فتكون كمرتدية ثوبًا من القداسة والنور، إذ تلبسون المسيح".

يجعلنا المسيحُ خليقةً جديدة، طاهرةً ونقيّة. الإنسان الجديد يموت عن الخطيئة التي تجعلنا عبيدًا لها.

هذه الحياة الجديدة مع المسيح، وفي المسيح، وبالمسيح وإلى المسيح، أي الحريّة الحقيقيّة، لا تتحقّق إلّا بالموت عن الذات. 

وهنا يأتي عيش الصليب: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ." (غلاطية ٢٠:٢).

لكن ماذا يحصلُ لو سقطنا بسبب ضعفنا؟

يحذّر القدّيس سلوان الآثوسيّ مِن خدعة إبليس لنا. فعندما نسقط، يحاول أن يُقنعنا بأمرَين:

١- الأوّل: أن سقوطنا ليس خطيئة، بل مبَرّر لألف سبب وسبب. هذا لكي نغوص أكثر في سقطتنا، فنبقى عبيدًا له.

٢- الثاني: في حال استيقظنا وأردنا التّوْبَة، يقول الشرّير لنا: "خطيئتكم كبيرة جدًا ولا يغفرها الله لكم". هذا لكي نيأس ونبقى هالكين.

لذا يجب ألا نيأس، بل فلنتبْ وننهضْ من جديد.

وهنا يجب ألا نَدع أحدًا يُعيّرنا بسبب سقوطنا، لأنّنا كلَّنا بحاجة لرحمة الله وغفرانه. الرّبُّ وحدَهُ يستطيع أن يقول: 
"مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيئَةٍ؟" (يوحنّا ٤٦:٨).

 أمّا نحن فكلّنا مرضى وبحاجة لشفاء. لذلك تَشملُ التَّوْبةُ غفراننا لمن أساء إلينا، لكي تُغفَر خطايانا. 

لأنَّ مَن يُسيءُ إلينا هو أيضًا مريض. 

خير مثال على ذلك ما قاله الربُّ لليهود عندما أرادوا رجمَ الزانية: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئَةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!» (يوحنا ٧:٨). 

وأيضًا قال للمرأة: "اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا" (يوحنّا ١١:٨)، إذ لا يُهلكُ الإنسانَ إلّا إصرارُهُ على الخطيئة.

إذًا، الرّبُّ إلهٌ غفورٌ، فهو طلب الغفران حتّى للذين صلبوه. 

لقد أعطانا مثل الابن الشاطر. وغفرَ لبطرس الرسول الذي أنكره ثلاثًا، وأعاده للرعاية. 

ولكن ما يَمقتُه الرّبُّ هو النفاق. 

لذا قال بلسان إشعياء النبيّ: "لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ... اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ" (إشعياء ١:١٣-١٩).

إذًا التَّوْبَة فالتَّوْبَة ومِن ثَمَّ التَّوْبَة، إن طلبناها بصدقٍ وغيّرنا مسلكنا، نكون حينئذٍ قد لبسنا المسيح.