الأحد 5 شباط 2023
03 شباط 2023
الأحد 5 شباط 2023
العد 6
أحد الفريسي والعشّار
اللحن الأول، الإيوثينا الأولى
أعياد الأسبوع:
5: الشّهيدة أغاثي، 6: الشّهيد إيليان الحمصيّ، بوكولوس أسقُف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة، 7: برثانيوس أسقُف لمبساكا، البارّ لوقا 8: ثاوذورس قائد الجيش، النبيّ زخريّا، 9: وداع عيد الدخول، الشّهيد نيكيفورس، 10: الشّهيد في الكهنة خارالمبوس العجائبيّ، البارّ زينون، 11: الشّهيد في الكهنة فلاسيوس ورفقته، الملكة ثاوذورة أفغوستي.
الزواج والكهنوت
ليس الزواجُ عقداً بل هو سرٌّ إلهيٌّ؛ وكذلك الكهنوت ليس مهنةً بل هو سرٌّ إلهيّ.
العلاقةٌ الزوجيّة المسيحيّة تدعم الخدمةَ الكهنوتية، ممّا يحول دون إنشاء أزمة في البيت العائليّ.
يحرص الكاهنُ وزوجته على أن يثبّتا، في حياتهما البيتيّة البعدَ الروحيّ للزواج من أجل جعل بيتهما كنيسةً صغيرة،كما يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم.
دور الخوريّة هو المساعدة لتحقيق مثل هذا التوازن السليم بين العائلة والرعيّة. يسهر الكاهن على التوفيق بين رعاية عائلته من جهة ورعايته للآخرين من رعيّته من جهة أخرى.
يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ إنّ شركة الحبّ الزوجيّ من شأنها أن تجعلَ الزوجَ والزوجةً واحداً بالفكر والروح وحتّى في العمل (الرعائيّ).
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التعلّقَ بالمادّيّات يبرّد العلاقةَ مع الله، وفي الوقت نفسه يساهمُ في تخلّي الأولاد عن الكنيسة.
من جهة أخرى لا بدّ للكاهن أن يوفّقَ بين إنشغاله الرعائيّ وحتّى الحبّ له، وبين إهتمامه بحياته الروحيّة الشخصيّة: (الصلاة الشخصيّة، المطالعة الكنسيّة) وحياة عائلته (الصلاة المشتركة وتربية أولاده).
من الملاحظ أن بعضاً من الخوريّات ينزعجْنَ من انصراف الكاهن (أو الطبيب) إنصرافاً كبيراً ومتأخّراً، خاصّةً في الليل، لشؤون رعيتّه (أو مرضاه) لذلك على الكاهن (أو الطبيب) أن يُعطي أهمّيّةً لهذا التوازن بين الطرفين.
يقول الأب بسام ناصيف (1) في مقالته "الكاهن بين بيته الزوجيّ وبيت رعيّته"، إنّ الفرح والمحبّة والصلاة والاِحتضان تبدأ في البيت العائليّ ومن ثمّ تنتشر إلى خارج البيت وإلى الرعيّة.
ونختمُ بِقَول الذهبيّ الفم: "إنّ من يُجيد التعاملَ مع زوجته وأولاده هو كُفْءٌ لخدمة كهنوتيّة ورعائيّة صالحة". ويقول القدّيس سيرافيم ساروفسكي "إقتنِ السلامَ الداخليّ والآلاف حولَكَ يَخلُصون"
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
(1) أستاذ الرعائيّات في معهد القدّيس يوحنا الدمشقيّ اللاهوتيّ-جامعة البلمند.
طروباريّة القيامة باللحن الأوّل
إنّ الحجر لمّا خُتم من اليهود، وجسدك الطاهر حُفِظَ من الجند، قمت في اليوم الثالث أيها المخلِّص، مانحاً العالم الحياة. لذلك، قوّات السماوات هتفوا اليك يا واهب الحياة: المجد لقيامتك أيها المسيح، المجد لملكك، المجد لتدبيرك يا محبّ البشر وحدك.
طروباريّة دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأوّل
إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنّه منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، منيراً الذين في الظلام. سرَّ وابتهِجْ أنتَ أيُّها الشيخُ الصدِّيق، حاملاً على ذراعيكَ المُعتِقَ نُفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.
قنداق دخول السيّد إلى الهيكل باللحن الأوّل
يا مَن بمولِدِكَ أيّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتولِّيِّ قدَّسْتَ وليَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركتْ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتَك بسلامِ في الحروب، وأيْدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.
الرسالة: 2 تيمو 3: 10-15
صَلُوا وأوْفوا الربَّ إلهَنا
الله مَعْروفٌ في أرضِ يهوذا
يا ولدي تيموثاوس، إنّك قد إستقرأت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهادات وآلامي، وما أصابني في إنطاكية وإيقونية ولسترة، وأيّة اضطهاداتٍ احتملتُ، وقد أنقذني الرّبُّ مِن جميعها. وجميعُ الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوعَ يُضطهَدون. أمّا الأشرارُ والمُغوُونَ من الناس فيزدادون شرًّا مُضِلِّين وَمُضَلِّين.. فاستمِرَّ أنتَ على ما تعلَّمتَهُ وأيقنتَ به، عالِمًا مِمَّن تعلّمتَ، وأنّكَ منذ الطفوليّةِ تَعرِفُ الكُتبَ المقدّسةَ القادرةَ أن تُصَيِّرَكَ حكيمًا للخلاصِ بالإيمان بالمسيح يسوع.
الإنجيل (لو 18: 10-14)
قال الربُّ هذا المَثل: إنسانانِ صعَدا إلى الهيكلِ ليصليّا، أحدُهما فرّيسيٌّ والآخَرُ عشّار. فكان الفرّيسيُّ واقفاً يصلّي في نفسه هكذا: أللهمّ إنّي أشكرُكَ لأنّي لستُ كسائر الناس الخَطَفَةِ الظالمين الفاسقين، ولا مثل هذا العشّار. فإني أصومُ في الأسبوع مرّتين وأعشّر كلّ ما هو لي. أمّا العشّار فوقف عن بُعدٍ ولم يُرِدْ أن يرفع عينيه إلى السماء، بل كان يَقرَعُ صدرَه قائلاً: "اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ". أقولُ لكم إنّ هذا نَزَلَ إلى بيتِه مُبَرَّراً دون ذاك، لأنّ كلَّ مَن رفعَ نفسَهُ اتَّضَعَ، وَمَن وَضَعَ نفسَهُ ارتفع.
في الإنجيل
ها قد بدأنا يا أحبّاءُ فترةً جديدةً مقدَّسةً في مسيرتِنا الليتورجيّة. إنّها فترةُ التريودي، التي تبدأ بأحد الفرّيسيّ والعشّار، وتنتهي بسبت النور. تُقسَمُ هذه الفترةُ إلى ثلاثة أقسام:
1- ثلاثة أسابيعَ قبلَ الصوم الكبير المقدَّس، وفيها أربعةُ آحاد الاِستعداد للصوم: تبدأ بأحد الفريسيّ والعشّار، ثُمَّ أحد الاِبن الشاطر، يَلِيه أحدُ مرفع اللحم (الدينونة)، ثُمَّ أحد مرفع الجبن (الغفران).
2- خمسة أسابيع الصوم الكبير: وفيها ستّةُ آحاد الصوم الكبير: أحد الأرثوذكسيّة، أحد القديس غريغوريوس بالاماس، أحد السجود للصليب المقدّس، أحد القدّيس يوحنّا السُّلَّمِيّ، أحد القدّيسة مريم المصريّة، أحد الشعانين.
3- الأسبوع العظيم المقدَّس ويبدأ من مساء أحد الشعانين ولغاية مساء سبت النور (عشية القيامة الالهيّة والفصح المجيد)
تبدأ مسيرتنا اليوم حيث يتلو علينا الربُّ يسوع هذا المثل: الفريسيّ والعشّار، الذي قاله "لقوم كانوا يثقون بأنفسهم بأنّهم صِدِّيقُون ويحتقرون غيرَهم." (لوقا 18 : 9)
شخصان صعدا إلى الهيكل لِيُصَلِّيا، أحدُهما فرّيسيٌّ (والفرّيسيُّون هم فئةٌ دينيّةٌ يهوديّةٌ رئيسيّةٌ معروفةٌ بِتَمسُّكِها بحكم الشريعة وبحرفيّة الناموس، والأقرب بنظرهم ونظر الناس إلى الله)؛ والآخَرُ عشّار (وكان العشّارون جباة ضرائب، ومكروهين عند اليهود ويعتبرون خطأة وبعيدين كلَّ البعد عن الله).
بعد الانتهاء من صلاتهما يقول الربُّ أمرًا غيرَ متوقَّع، بأن العشّار نزل مبرَّرًا، أمّا الفريسيّ فقد أُدِين. ويعطي السبب "لأنّ كل من رفع نفسه اتّضع ومن وضع نفسه ارتفع" (لوقا 18 : 14)
من هذا القول ننطلق يا أحبّاء. فأين الاتّضاع؟ وأين الاستعلاء؟ في صلاة كل منهما:
الفريسيّ: نراه واقفًا أمام الله، بادئًا صلاتَهُ بالشُّكر، ولكنَّهُ فِعليًّا لا يُصلّي إلى الله بل إلى نفسه. إنّه يمدح نفسه، ويمجِّدُ ذاتَه لا الله. وحتّى شُكرُه لله كان انطلاقًا مِن عبادتِه لنفسه، ومِن ثَمَّ يَنطلقُ إلى مستوى أعلى من التعالي وهو دينونتُه للآخر وإحتقارُه له.
لقد سقط في خطيئة الكبرياء والإدانة.
العشّار: نراه قد وقف بعيدًا، ولم يجرؤ أنْ يرفع عينيه إلى السماء، لأنّه اعتبر أنَ الله حاضرٌ أمامه، وأعماله كلّها مكشوفة لديه، وبالتالي ليس أهلا أن يقف في هذا الموضع المقدّس وهو الخاطئ والظالم، إذ لم يجد ما هو صالح في داخله، لذلك صرخ بانسحاق قلب قارعًا صدره: "اللهمّ ارحمني..."
الجدير بالذكر أنّ الكبرياء عند الفريسيّ كانت مرتبطةً بواجباتٍ دينيّةٍ كالصلوات والأصوام والصدقات، وكان يمارسها ظاهريًّا لا انطلاقًا مِن قلبٍ مُتَّضع، وعلينا في مسيرة الاِستعداد للصوم أن نهرب منها:
"إن ماثَلْتَ الفرّيسيَّ فاهرُبْ بعيداً من الهيكل، لأنّ داخلَهُ المسيحُ الذي لديه المتواضعُ فقط يُقبَل" (من سحرية الأحد).
فلنماثل العشار الذي قال جملة واحدة إنطلاقاً من قلبٍ منسحق. "أيّها المؤمنون لِنُصَلِّ في الهيكل المقدّس نغمة العشّار قائلين اللهمَّ اغفِرْ لنا نحن الخطأة، لكي معه ننال الغفران وننجو من تعظّم الفرّيسيّ المُهلِك". (من سحرية الأحد).
لقد اختارت الكنيسة هذا المثل في بداية المسيرة لنتسلَّحَ بالتواضع والتوبة قبل الدخول في ميدان الصوم واكتساب الفضائل، لأنّ التواضع هو الذي يَحفظُ الفضائلَ ويَزِيدُ المواهبَ الإلهيّة.
الفريسيّة وعبادة الله
في هذه الآحاد الأربعة التي تسبق الصوم الكبير، والتي تُسمّى فترة التهيئة لزمن التريوديّ، تضع لنا فيها الكنيسةُ المبادئ الأساسيّة التي ينبغي أن نبني عليها صومَنا الأربعينيّ المزمع أن نتمّمه.
في الأحد الأوّل المسمّى "الفريسيّ والعشار"، يكشف لنا المثل الإنجيليّ الروح التي ينبغي أن نصوم ونصلّي فيها هذا الصوم المقبل.
كلُّ معنى هذا المقطع الإنجيليّ يتمحور حول أمرَين أساسيَّين الكبرياء والعُجب من جهة، والتواضع والتوبة من جهة أخرى.
الأوّلان ليسا سوى عبادة فاسدة مزيّفة للمسيح؛ والآخران هما الأساس الّذي يُبنى عليه كلُّ خلاص بالمسيح. خلاصنا يتوقّف على طريقة عبادتنا لله. عبادتنا ذاتها لله يمكن أن تبرّرنا ولكن يمكن أيضًا أن تدينَنا.
في الكنيسة نعبد الإله الحقّ، وفيها أيضًا تتحوّل عبادتنا إلى الذات.
لقد أصبحت الفرّيسيّة شعارًا في الكنيسة، ورمزًا للكبرياء والتعالي على الآخرين. يستخدمه البعض من منظار أخلاقيّ ليشير إلى آفة في الحياة الاجتماعيّة؛ ويستخدمه آخرون لينعتوا بهذه الصفة كُلَّ مَن لا يوافقُ على مواقفهم وأفكارهم.
لقد نقض المسيح الكبرياء الفرّيسيّة وحكم عليها بالدينونة.
لأنّ الكبرياء لا تقتل فقط كلّ فضيلة في المؤمن، إنّما بالأحرى تقتل فيه كُلَّ حِسٍّ بالحقيقة. أوّل الكبرياء يظهر في
إدانة الآخرين وتبرير الذات والمجاهرة بالبرّ الذاتيّ. خطيئة البرّ الذاتيّ هي نقيض التوبة، ولا تعني فقط أن يصير الإنسان بارًّا في عينيّ نفسه، إنّما أيضًا تُغذّي فيه أنانيّته وتمسّكه بأفكاره الخاصّة ومشيئته الذاتيّة.
هذه الأهواء المستعصية هي بُرقعٌ على عَينَيْ ذِهنِ الإنسان. لهذا بالتحديد، لم يرَ الفريسيّ أيّة حاجة لطلب رحمة الله وغفران خطاياه. ومن لا يرى سوى برّه الذاتي، يدين الآخرين بسهولة ويزدري بهم.
لهذا، كُلُّ سَقطَةٍ حصلت في التاريخ، وَكُلُّ هرطقةٍ نَمَتْ في العالَمِ كان سببَها الأوّلَ الكبرياءُ الفريّسيّةُ والاِقتناعُ بهذا البِرّ الذاتيّ. لن يتواضع الإنسان أبدًا ويشعر بخطاياه طالما يُعدّد مآثرَهُ ويفتخر بأعمالِه العظيمة.
تعداد المآثر والافتخار بها هو غذاءُ التكبّر الأوّل. وأغلب المسيحيّين يعيشون هذه الحالة من المسيحيّة الاجتماعيّة التي تغذّي روح الأنا، فيسقطون بسهولة في أهواء العُجب والمجد الباطل والتكبّر... والهرطقة.
لقد أراد المسيح أن يحذّرنا من السقوط في هذه الأهواء المميتة حين قال: "ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنًا" (لو26:6).
فمن ناحية الإيمان، الفرّيسيّة الحقيقيّة تكمن في هذه الظلمة التي تسقط فيها النفس المتكبّرة، التي لا تعود ترى الفرق بين ما هو من روح الله وما هو من روح إبليس.
إنّها النفس غير القادرة أن تميّز بين الحقّ والضلال. فقط المتواضعون هم روحانيّون حقيقيّون لأنّهم يُطيعون الكنيسة وإيمانها وقوانينها.
هؤلاء يمنحهم الله عطيّة التمييز وموهبة الحقّ، ليفرزوا الحقيقة من التعاليم المنحرفة التي تشوّه هذه الحقيقة. هؤلاء هم معلّمون وآباء للكنيسة ومدافعين عن إيمانها.
إنّه الصراع الدائم والّذي سيتعاظم كلّما تقدّمنا نحو النهاية، بين الكبرياء المقيتة والتواضع المبارك، بين الفريّسيّة والطاعة، بين الاعتداد بالذات والتوبة.
خطيئة الفريسيّة ليست في النفس التي ضلّت عن الحقّ، وإنّما في التي تُعلن لها الحقيقة ولكنّها تصرّ على ضلالها؛ وهي تضلّ الآخرين وتوحي لهم بأنّهم على حقّ وهم ضالّون.
الفريسيّة هي العمى الحقيقيّ عن رؤية الحقيقة، حين تكون الحقيقة ظاهرة أمامنا في ملئها.
الفرّيسيّة ليست في التمسّك العنيد بإيماننا الأرثوذكسيّ وتسمية المنحرفين هراطقة، إنّما في التمسّك المَرَضيّ بقناعاتنا الشخصيّة، المناقضة لتعليم الكنيسة، المستوحاة من روح العالم وتقلّبات العصر الجديد.
المسيح لم يَدن الخاطئ، لكنّه نفسه أدان الهرطوقيّ، حين قال إنّ كُلَّ التجاديف تُغفر للبشر، "ولكن مَن جدّف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبديّة" (مر29:3).
لقد فسّر آباؤنا القدّيسين قول المسيح عن المجدّفين الّذين لا مغفرة لهم، أنّهم الهراطقة وأصحاب البدع والتعاليم الملتوية.
المسيح هو مسيح المتواضعين، الّذين يُباركون ما تُباركه الكنيسة ويُحرِّمون ما تُحرّمه. فقط هؤلاء لا يُخطئون تجاه الله ولا تُجاه البشر، لا تُجاه الإيمان ولا تُجاه المحبّة.
المحبّة لا توحّد البشر، الإيمان المستقيم بالله هو الّذي يوحّدهم، في وحدةٍ داخليّةٍ صميميّة.
حين يؤمنون الإيمانَ نفسَهُ يصيرون واحدًا، وتأتي المحبّة لتختم على هذه الوحدة، في الاشتراك في جسد ودم المسيح الواحد.
مَن يقرأ مسيرة الكنيسة في العهد الجديد كلّه، بذهن متّضع، يجد بوضوح أنّها مسيرة إيمان واحد يوحّدنا بيسوع المسيح، إيمان واحد حقيقيّ يُقاوم كُلَّ تعليم منحرف وملتوٍ.
المحبّة، كما ذكرها رسل العهد الجديد، ليست سوى تثبيت لهذه الوحدة، مع بعضهم البعض ومع الله، لأولئك الّذين وحّدهم الإيمان الواحد، والّذي يتفعّل في المناولة المقدّسة لجسد ودم المسيح الإلهيّين.
أمّا المحبّة غير المستندة على الإيمان الواحد فليست سوى محبّة فرّيسيّة ظاهريّة، محبّة مرائية، ستكون حتمًا كالتي أظهرها الفرّيسيّ لله ولإخوته البشر في صلاته وصومه وإحسانه.
لقد ظنّ الفرّيسيّ أنّه يتبرّر بأعماله، فعدّدها واستند عليها. أمّا العشّار فقد استند على إيمانه بالله، وظهرت قوّة إيمانه في طلبه بهذه الروح المنسحقة رحمة الله.
إنّ صدق الإيمان ينكشف باعتراف الإنسان الصريح بخطاياه أمام أبٍ روحيّ في الكنيسة، ويتثبّت الإيمان بهذا الاصرار الّذي لا يملّ في طلب رحمة الله. "وأمّا العشّار فوقف من بعيدٍ، لا يشاءُ أن يرفع عينيه نحو السّماء، بل قرَع على صدره قائلاً: اللّهمّ ارحمني، أنا الخاطئ" (لو13:18).
هذه هي علامات التوبة الحقيقيّة ومعرفة الإنسان لذاته، وعبّر عنها داود النبيّ بهذا القول: "الذبيحة لله روح منسحق، القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله".
لقد صلّى الفرّيسيّ كباقي الناس، لكن صلاة كهذه، بروح مستعلية لا تعي خطاياها، تكون صلاة مقدّمة للشياطين لا لله. مَن يُصلّي حقًّا ينبغي أن يمتلئ رأفة بالآخرين ومحبّة بالخطأة، لا إدانة لهم.
افتخر الفريّسيّ بصومه وهدف الصوم هو أن تنسحق النفس وتتواضع، لكي تنمو في ضبط أهواء الجسد وتنقية الأفكار والزهد بالدنيويّات.
افتخر بتقديم العشور لِكُلِّ ما يملكه، وهدف التقدمات هو أن تتحوّل أنانيّتنا إلى إحساس بالآخرين والتحرّر من البخل ومحبّة المال. هذه هي الروح الفرّيسيّة، وتقاومها الروح المتواضعة التي أحبّت المسيح أكثر من ذاتها.
إنّها بداية مسيرتنا نحو الفصح. تعلّمنا الكنيسة في هذا المثل أنَّ رفيقَ الصوم هو التواضع، لِنَنمُوَ في الإيمان المقدّس ومعرفة الذات والإحساس بخطايانا.
هدف الصوم شفاء النفس من شهواتها الفاسدة وأمراضها الروحيّة وميولها المنحرفة. لكنَّ الصومَ عقيمٌ من دون صلاة مركّزة، ولا توجد صلاة يشترك فيها القلب من دون تواضع وتنهّد وتوبة.