الأحد 23 تشرين الأول 2022

الأحد 23 تشرين الأول 2022

20 تشرين الأول 2022
الأحد 23 تشرين الأول 2022
العدد 43
الأحد 19 بعد العنصرة
اللحن الثاني، الإيوثينا الثامنة


أعياد الأسبوع:

23: يعقوب الرَّسول أخو الربّ وأوّل أساقفة أورشليم، 24: الشَّهيد أريثا (الحارث) ورفقته، 25: الشَّهيدان مركيانوس ومرتيريوس، تابيتا الرَّحيمة التي أقامها بطرس، 26: العظيم في الشُّهداء ديمتريوس المفيض الطيب، الزلزلة العظيمة، 27: الشّهيد نسطر، بروكلا امرأة بيلاطس، 28: الشّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السابوي، 29: الشَّهيدة أنستاسيَّا الروميَّة، البارّ ابراميوس ومريم ابنة أخيه.

الأحد السادس من الإنجيليّ لوقا

يبدأ المقطع الإنجيلي أن يسوع أتى إلى منطقة تُسمى "كورة الجرجسيين"، وهي تقع جنوبي شرقي بحيرة طبرية في الجليل، كان سكانها يربّون الخنازير والتي تُعتبر حسب الشريعة الناموسية بأنها "حيوانات نجسة".

يقول المقطع الإنجيلي أنه عند وصول يسوع استقبله "رجل من المدينة به شياطين منذ زمن طويل" ثم يوضح أنه " لم يكن أحد يقدِر أن يجتاز من تلك الطريق". 

لا بد من التوقف عند عدد من الأمور، 

أولاً: النص اليونانيّ الأصليّ يوضح أن الرجل كان ممسوساً Demon- Possessed وليس مجنوناً، أي أنه كان مسكوناً بالأرواح الشريرة. 

لقد كان الشيطان متسلطاً عليه وعلى حياته، لذلك كان من الصعب عليه أن يسكن بين البشر، وأن يكون لديه حياة اجتماعية طبيعية، فتوجه وسكن في القبور التي كانت تُعتبر أماكن نجسة وتسكن بقربها الأرواح الشريرة. 

هذا الممسوس عندما قابل يسوع توجه نحوه بالإعلان "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله العلّي، أطلب إليك ألّا تعذّبني". لقد اعترف الشيطان أن المسيح هو "ابن الله". 

يقول القديس الذهبي الفم:

"كونه كان هناك بعض الناس الذين اعتقدوا أن المسيح هو مجرد إنسان، أتت الشياطين لتُعلن ألوهيته، أنه هو يسوع ابن الله". 

كما أدرك الشيطان أن نهايته هي في العذاب الأبدي كما يذكر سفر الرؤيا: 

"سيُطرح الشيطان وملائكته في بحيرة النار" (متى 25: 41)، و"إبليس طُرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيُعذَّبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين" (رؤ20:10 ، 14: 10). 

لم يتوقع الشيطان أن محبة الله ورحمته أن يُرسِل ابنه الوحيد، أن يتجسّد ويأتي إلى الأرض لخلاصنا لذلك قال له:

"جئتَ ههنا قبل الزمان (أي قبل المجيء الثاني والدينونة) لتُعذّبنا". 

الزمان الذي يتكلم عنه الممسوس هو "آخر الأزمنة"، المجيء الثاني والدينونة، نهاية سلطان العدوّ على البشرية. 

إن تجسّد المسيح ابن الله ودعوته قائلاً: "توبوا قد اقترب ملكوت السموات" كانت بمثابة إعلان بداية نهاية ملكوت الشيطان وبداية العدّ التنازلي لزوال سلطانه.

لقد طلبت الشياطين من المسيح قائلة "إئذن لنا بالدخول إلى قطيع الخنازير".

إن هذا الطلب من الشيطان نحو الربّ يسوع يثبت حقيقتين، 
أوّلاً: حقيقة وجود الشيطان.

إن الشيطان كائن حقيقي موجود وليس مجرَّد اختراعٍ تقويّ أو تشخيصيّ رمزيّ للشر بل هو كائن حقيقي.

الشيطان هو ملاك ساقط كان يُسمى بكوكب الصبح (أشعيا 14: 12) الذي سقط من رتبته بسبب كبريائه وعصيانه لطاعة الله وتحوّل من ملاك النور إلى ملاك الشرّ والظلمة.

إن أكبر خدعة يخدعنا بها الشيطان هي أن يوهمنا بعدم وجوده حتى نُبرّر خطايانا وأهوائنا على أنها ميل طبيعي للنفس ورغبة ممدوحة. 

أمّا الحقيقة الثانية فهي سلطان الربّ يسوع على الشياطين والأرواح الشريرة، لقد كانت بحاجة إلى "إذن" أي موافقة من الله أن تخرج منه وتدخل في قطيع الخنازير فكان جواب الربّ يسوع في كلمة واحدة "اذهبوا".

الحقيقة الأخرى التي نراها في هذا المقطع الإنجيلي أنه "لا يوجد أي خير يأتي من الشيطان. عندما دخل الشيطان في قطيع الخنازير، فإذا بالقطيع كله قد وثب عن الجرف إلى البحر ومات في المياه". 

لقد سمح الله للشياطين أن تدخل في الخنازير وأن تموت لكي يُظهر للناس شرّ الشيطان حتى على الكائنات غير العاقلة، حتى يُريهم كم أن سلطة الشياطين شريرة وقوية وأنه لولا رحمة الله ومحبته للبشر الذي يُقيّد شرّ الشياطين ويمنعه من إلحاق الضرر بالإنسان، لكان قد أهلك الإنسان. 

يقول الذهبي الفم: "إن الربّ سمح للشياطين أن تدخل في الخنازير ليُظهر للناس كم تُسبّب لهم شروراً أرهب مما حدث للخنازير إن لم يصونوا نفوسهم بعناية الله. 

فإذا كانت الشياطين قد فعلت ذلك بالحيوانات غير الناطقة، فكم بالحري يفعلون بالناس الذين دخلوا تحت سلطتهم".

يقول القديس بطرس الدمشقي "إنّ الشيطان لا يستطيع محاربة الله مباشرة فيُحارب الإنسان الذي هو على "صورة الله"، وهي تفعل ذلك معتقدة أنها بهذه الطريقة تنتقم من الربّ. 

إن الشياطين لم ترحم الخنازير، الحيوانات غير العاقلة، فكم بالأحرى سيفعلون بالإنسان الذي هو "على صورة الله ومثاله" من المؤكد أنها تسعى لهلاك الإنسان وخسارته للحياة الأبدية.

لقد اعترفت الشياطين بالمسيح أنه "ابن الله"، أما سكان كورة الجرجسيين فطلبوا منه أن يتحول عن تخومهم. 

ربما رأوا في حضوره بينهم خسارة لرزقهم وعملهم بعد خسارة قطيع الخنازير الذي وثب إلى مياه البحيرة وغرق ومات. 

لقد كانوا خائفين من تكرار هذه الخسارة ومن بين الاختيار ما بين ابن الله والعيش مع الخنازير النجسة، اختاروا الخنازير وطَلبوا من المسيح المخلّص أن يَخرج من تخومهم أي أن يخرج من حياتهم.

لقد أظهر الربّ يسوع عظيم رحمته على هذا الممسوس عندما سمح للشياطين التي كانت تُعذّبه أن تخرج منه وتدخل في الخنازير، الحيوانات غير العاقلة، إن للإنسان قيمة ومكانة أهم بكثير من قيمة الحيوانات "كون الإنسان هو على صورة الله وتاج كل المخلوقات".

إن المقطع الإنجيلي اليوم يُرينا قوّة الشياطين الكبيرة والمدمّرة. الشيطان عدوّ الخير، لا شيء صالح يأتي منه البتة، وبنفس الوقت نُدرك سلطانه المحدود على الخليقة إذ أن الربّ له المجد، بعظمة محبته وصلاحه وعنايته بخليقته يحفظ شعبه وبالأخص الذين يلتجئون إليه ويتسلحون بالفضائل الإلهية أي الصوم والصلاة وعيش الأسرار الكنسية ويُسلحون ذواتهم بإشارة الصليب المقدس ويُباركون بيوتهم بالأيقونات المقدسة.

يعرف الشيطان تمام المعرفة أن مُلكه إلى زوال وأنها مجرد مسألة وقت فهو كما يقول بطرس الرسول "إن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه" (1 بطرس 5: 8).
                                                                                          
 + باسيليوس 
متروبوليت أوستراليا، نيوزيلندا والفيلبّين

طروبارية القيامة باللحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.

طروبارية الرسول يعقوب أخي الرب باللحن الرابع

بما أنكَ تلميذٌ للرب تقبَّلتَ الإنجيل أيها الصدّيق وبما انكَ شهيدٌ فأنت غير مردود، وبما أنك أخٌ للإله فلك الدالَّة، وبما أنك رئيس كهنة فلك الشّفاعة، فابتهل إلى المسيح الإله أنْ يخلص نفوسنا.

القنداق باللحن الرابع

يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية الوَسيطة لدى الخالِق غيْرَ المرْدودِة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخطاة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطلْبَةِ يا والدةَ الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائماً بمكرِّميك.

الرسالة:
غلا 1: 11-19
إلى كلّ الأرض خرج صوتُه            
السماوات تذيع مجد الله


يا إخوةُ أُعلِمُكم أن الإنجيلَ الذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْهُ أو أتعلَّمْهُ من إنسانٍ بل بإعلان يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بسِرتي قديماً في ملَّةِ اليهودِ أنّي كنتُ اضطهِدُ كنيسة اللهِ بإفراطٍ وأدمِّرُها، وأزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرين من أترابي في جِنسي، بكوني أوفرَ منهم غَيرةً على تَقليداتِ آبائي. فلَّما ارتضى الله الذي أفرزني من جوفِ أمي ودعاني بنعمتهِ أن يُعلِن ابنَهُ فيَّ لأُبشّر بهِ بينَ الأُمم، لساعتي لم أُصغِ إلى لحم ودمٍ، ولا صَعِدتُ إلى أورشليمَ إلى الرسلِ الذين قبلي، بل انطلقتُ إلى ديار العرب. وبعدَ ذلكَ رجعتُ إلى دمشق. ثمَّ إني بعدَ ثلاثِ سنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لأزورَ بطرسَ فأقمتُ عندَهُ خمسةَ عَشَرَ يوماً، ولم أرَ غيرَهُ من الرسلِ سوى يعقوبَ أخي الربّ.

الإنجيل: 
لو 8: 27-39 (لوقا 6)


في ذلك الزمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلِ، ولم يكن يلبَسُ ثوباً ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العليّ. أطلُبُ إليكَ ألاّ تُعَذّبَني. فَإنَّهُ أمَرَ الروحَ النَجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبُطَ وتسوقه الشياطين إلى البراري. فسألَهُ يسوعُ قائلاً: ما اسمُك؟ فقالَ: لجيَون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذهابِ إلى الهاوية.
 وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدخولِ فيها فأذِن لهم، فخَرَج الشياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرجوا ليَروا ما حَدَث، وأتوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الذي خَرَجَتِ مِنهُ الشياطينُ جَالِساً عندَ قدَمَي يسوعَ لابِساً صحيحَ العقل فَخافوا. وأخبَرَهُم الناظِرونَ أيضاً كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السفينةَ ورَجَعَ، فسَألَهُ الرجُلُ الذي خرَجَت مِنه الشياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلاً إرجع إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ الله إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.

في الإنجيل

يظهر لنا وبوضوح في إنجيل اليوم كيف أن الشرير والشرّ لهما نهاية.

بالرغم من القوة التي يملكانها والتي تبدو بالنسبة لنا نحن المؤمنين وكأنها الأقوى. لا قوّة إلا للخير أي ليسوع. 

الشيطان يعلم انه ليس بشيء أمام الله؛ "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله .... هل أتيت قبل الزمان لتعذّبنا " فلننظر ونتمعن؛ 

كيف أنَّ هذا الرجل كان يشكل تهديدًا وخوفًا على المارّة. 

كيف كان يبدو قويًا عند تقطيعه السلاسل وها هو قد أصبح عند قدمي الرب يسوع، بعدما انتهر يسوع الشياطين؛ فخرجت ودخلت في الخنازير حسب طلبها لأنها لا تستطيع إلا الأذيّة. فاندفعت الى الهاوية (والهاوية بحسب العهد القديم هي الجحيم).

هذه صورة لما سيحدث عند الدينونة؛ نهاية الشرّ والشرير الوخيمة.

ولكن مع كلِّ هذا الوضوح نرى أنَّ بعضًا منّا يعتقد أن الشرَّ هو الاقوى!! متسائلاً: أين هو الله ليمنع الشرّ طالما هو الأقوى.؟ وقسمٌ آخر ينظر إلى الخسارة الماديّة وليس للإنسان كما فعل الناس الذين أتوا ورأوا الرجل لابسا ثيابًا وجالسًا عند قدمي الرّب يسوع، فطلبوا منه ان يرحل عنهم.

خسارة الخنازير أهم من الإنسان وأيّ إنسان!!! إنسان كان زارعًا الرّعب فيهم، لا يستطيع أحدٌ منهم المرور خوفًا من أن يؤذيهم.

يا للعجب! هذا الرجل الذي شفي أصبح عند قدمَي يسوع لأنه أدرك أنَّ الحياة الحقّة هي معه فقط.

ولكنّ الربّ أراد منه شيئًا آخر وهو أن يبشّر ويذيع ما فعله الله معه.

ما يجب علينا نحن المؤمنين أن نفهمه جيدًا هو أن الرّب يسوع لا يفرض نفسه علينا أبدًا. 

إنّما الشرّير هو من يفعل، لأن من صفاته التي لا تحصى " الوقاحة".

الرجوع عن الخطأ فضيلة، ونعلم أنَّ الرّب يحبّ رجوع الخاطئ ويضمّه الى صدره. 

قديسنا اليوم يُدعى بـ "يعقوب أخو الرّب" نسبةً إلى القرابة التي تجمعه بالرّب يسوع. 

قديسنا أخطأ عندما لم يؤمن بالرّب يسوع وهو على الارض. وهذا واضح في الأناجيل؛ عندما أتى ومريم أمه وبعض من أخوته (إما قرابة من جهة مريم او يوسف لهذا كانو يسمون أخوة) للاعتراض على تعليم يسوع وخوفا عليه.... 

أما بعد القيامة فيظهر بوضوح تعبه في البشارة لهذا اصبح أوّل أسقف على أورشليم. وترأس أول مجمع رسولي؛ أي بوجود الرّسل الإثني عشر مع بولس للنظر بموضوع وجوب ختانة الوثنيين قبل أن يعتمدوا ويصبحوا مسيحيين أو عدمه. 

وكذلك كان للقديس يعقوب الفضل في وضع وتأليف القدّاس الإلهي الذي لخصه باسيليوس الكبير وأصبح بصيغته الحالية مع يوحنا الذهبي الفم. وكما نعرف فقد انتهت حياة القدّيس يعقوب باستشهاده على يد يهود متطرّفين.

ألا جعلنا الله شهداء لاسمه بكلِّ تفاصيل حياتنا.

لأن الشهادة الحقيقة للرّب يسوع ليست فقط بإيماننا به إنما بأعمالنا على حدّ قول قدّيسنا اليوم في رسالته الجامعة: "الإيمان بدون أعمال ميت."

أما من سوط!؟  
  
يخبرنا الكتاب المقدس بعهدَيه عن علاقة الإنسان المخلوق بالإله الخالق، هذه العلاقة التي هي عبارة عن حلقات متصلة من الابتعاد والإنكار والجحود من جهة الإنسان، وطول الأناة والمحبة والعمل من أجل خلاص جبلة اليدين من قبل الله. 

وقد تتّخذ المواقف شكلًا من الحِدَّة والقسوة في بعض الظروف، حسب حالة الإنسان وتمرده، وما يقتضيه التأديب من حزم وشدّة. إذ نجد الخالق يُمطر سدوم وعمورة بنار وكبريت، تأديبًا على فسادهما. (تك19: 24) "فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء".

- وحكم على موسى بألا يدخل أرض الميعاد. (تث 4: 22)، "فأموت أنا في هذه الأرض، لا أعبر الأردن".

- وشتَّت بُناة بُرجِ بابل المستكبرين، على وجه الأرض. (تك 11: 8) "فبدَّدهم الرب من هناك على وجه كل الأرض".

- وواجه التلاميذ بعدم إيمانهم. (مت 17: 20)، "ثم تقدَّم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه، فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم.

- ولم يُحابِ بطرس، بل قال له مواجهةً "إذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس".

أحداث كثيرة ترد في الكتاب المقدس، يظهر فيها الرب الخالق والمحب البشر والذي بذل نفسه على الصليب من أجل خلاص البشر، مؤنِّبًا ومعنِّفًا العُصاة والمتمرّدين على وصاياه، والجاحدين محبته، وربما يصل به الغضب إلى ما يتجاوز الوعيد بخسارة الفردوس والحياة الأبدية، إلى استعمال وسائل موجعة لتأديب المارقين والرافضين للدعوة الإلهية، إلى الانخراط في مسيرة التطهير والاستنارة المتوَّجة بالتقديس.

نعم لم يتوانَ السيد عن استعمال السوط الموجع لتأديب المسيئين إلى بيت الله، ونحن في هذه الأيام، لسنا ببعيدين عن تصرف أولئك الذين كانوا جالسين إلى موائد الصيارفة وباعة الحمام.

نحن نأتي إلى بيت الله في مناسبات مختلفة، وربما لا نعي إلى أين نحن ذاهبون. أسأل هنا، هل تتغير هوية المكان وقيمته بحسب المناسبة، فيصير في وقت خدمة القداس الإلهي أو الصلوات المختلفة، مكانًا لمراقبة الحاضرين، ماذا يلبسون وكيف يتحركون، يتغامزون فيما بينهم، ويديرون ظهورهم ويعبسون في وجه أخصامهم، ثم يقتربون من الكأس المقدسة.

 وأما في المناسبات الاجتماعية الأخرى، كالأعراس مثلًا، - وهي مناسبة لطلب النعمة الإلهية لمباركة ارتباط شخصين باسم الرب -  إلى مسرح لاستعراض كل أنواع التغرُّب عن فكر الله، والتنكَّر لتعاليمه والظهور بأبغض الصور الوثنية والدنيوية.

تتمدَّد القائمة وتطول كثيرًا إذا ما أتينا إلى ذكر كل مظاهر تغافل الانسان عن هوية، لا الكنيسة كبناء، فحسب، بل وهيكل الجسد الذي خُلِقَ ليكون آنية للروح القدس، إذ جعله وعاءً لكل الآثام والانحرافات والتلوث الأخلاقي، وشوَّه الخليقة التي رآها الله حسنة.

عندما أخطأ الانسان الأول خاف واختبأ، (تك 3: 19)، فنادى الرب الاله آدم وقال له أين أنت؟ فقال سمعتُ صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت.

فارق كبير بين الأيام الماضية وهذه الأيام، إذ نجد الانسان الذي خاف من غضب الله، قد غدا الآن وقحًا جسورًا في ارتكاب المعاصي ورفع رايات الآثام والفجور في كل مكان وزمان، بالإضافة إلى استعمال إجازاته التقنية والعلمية في ممارسة كل خطيئة وإساءة لنفسه ولجسده وإدخال التحلّل والفساد إلى المجتمعات والشعوب بشعارات مزيفة ومضلِّلة مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير، والحرية الشخصية.

إلى متى يا رب ستطيل صبرك وأناتك علينا، إلى متى ستتركنا إلى أهواء الخطيئة والفساد. (رو1: 26) "لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان".

أما من سوط يعيدنا إلى رشدنا؟