الأحد 20 تشرين الثاني 2022

الأحد 20 تشرين الثاني 2022

16 تشرين الثاني 2022
الأحد 20 تشرين الثاني 2022
العدد 47
الأحد 23 بعد العنصرة
اللحن السادس، الإيوثينا الأولى


أعياد الأسبوع:

20: تقدمة عيد الدَّخول، غريغوريوس البانياسيّ، بروكلس بطريرك القسطنطينيَّة، 21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل، 22: الرّسول فيليمون ورفقته، الشَّهيدة كيكيليّا ومن معها،:23  أمفيلوخيوس أسقُف إيقونيَّة، غريغوريوس أسقُف أكراغندينون، 24: الشَّهيدان كليمنضوس بابا رومية، بطرس بطريرك الإسكندريَّة، 25: وداع عيد الدخول، كاترينا عروس المسيح، الشَّهيد مركوريوس، 26: أليبيوس العمودي ونيكن المستتيب، البارّ أكاكيوس.

العنف في الإيمان
    
نحن نعرف أنّ حياتنا الروحيّة لا تنمو إلّا عندما تمرّ بأتّون التجارب؛ لهذا التجارب بالنسبة إلى الإنسان المجاهد هي تعزيةٌ ينالُها من فوق، من لدن الله، لكيّ تُمحّصه وتمتحِنهُ. 

لا يقوى المُصارع إلّا إذا تمرّن جيّدًا؛ ولا ينتصر العدّاء ما لم يسعَ يوميًّا إلى تحقيقِ هدفِه المنشود؛ ولا يختبِر المُحارب الحرب ما لم يتمرّس جيّدًا في القتال وكيفيّة استعمال الأسلحة!

    هكذا، الإنسان المسيحيّ المُجاهد لا يقوى على فكر الشّر المُستحوِذ عليه ما لم يُجاهد الجهاد الحَسن، كما يعدّد الرسول بولس: "فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ" (2كور5:6)، وتمرّس على كشفِ أفكاره أمام شيخٍ مُختبِر يعاونهُ في جهادهِ!

    أمّا الإيمان فهو الدّرع الذي فيه نحتمي من لسعات بليعال، مُستمدّين منهُ (أي الإيمان) كلّ رجاء، كلّ تعزية وفرح، فنُضحي فرحين ونحن باكون، أقوياء ونحن ضعفاء، مضروبين لكن لا وجع فينا. 

هذا هو جهاد الشُّهداء، هذا هو سبب فرحِهم وسلامهم وقوّتهم! "فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ"(1تس 5:8).

    عُنفنا يجب أن نُمارسهُ على ضعفِنا أوّلاً، على الخطيئة المُعشِّشة فينا، على كلّ هوى ضارّ يؤذينا، على تقاعُسنا، وبُعدنا عن مصدرِ الحياة الذي هو الله!

    عُنفنا يجب ألّا أن يُمارَس على إنسانٍ أخٍ لنا، ولو ضَعُفَ، بل على مُسبِّب هذا الضعف، أي على الشّيطان مُسبّب كلّ الشّرور ورأسها!

    الحياة الرّوحية لا تُكتسب بالعلمِ والمَنطِق، بل تُكتسب بالجهاد وإصرارنا بتواضعٍ على تخطّي هذا الضّعف الحالّ فينا! بكاء المسيح على قبر لعازر لم يكن على صديقٍ فقدهُ فحسب، إنّما هو بكاء الله على طبيعة الإنسان التي خلقها لكي تُشاركه الخلود، إذ أضحت مُنتنةً لا نسمة فيها وتسكن القبور!

    الأهواء أضحت فينا طبيعةً ثانية، ونحن أضحينا ألعوبةً بيد الشّيطان. 

وهذه المُعضلة لا تنكسِر وتنهزم إلّا بجهادٍ شرِسٍ، لكن بتواضع، بكسرِ الأنا. 

حتّى ولو سقطنا ألف مرّة، علينا أن نتعلّم كيف نقوم بتواضعٍ وانسحاقٍ كبيرَين تحت عباءة الاعتراف الصريح والجادّ!

    من يُحبّ لا يَغضب، لا ينتقِد أخًا له، لا يَدينه إذا أخطأَ، يستُرهُ بمحبّة الخالق الذي يستُرنا. 

يُشفق عليهِ بشفقة الرّب وحنوِّه، هو الّذي كان صديقًا للعشّارينَ والزواني، راحمًا ايّاهم برحمته اللامتناهية، وناقلاً ايّاهم بسبب محبّتهِ لهم من حبّ الخطيئة إلى حياة الفضيلة!
 
    لنتعلّم يا إخوة أن نحبّ، ساعين كلّ يومٍ وساعةٍ لفعل الخير. 

أمّا كلّ عنفٍ فينا فلنحوّلنّه نحوَ التحرّر من زلّاتنا، لكي نتخطّاه بروح الوداعة، مُتعلّمين كيف نستسلم لمشيئة الله فينا، ونبحث عن مصدر كلّ تجربةٍ حاصلة، التي قد تكون بسبب عدم محبّة ما، بسبب فكرٍ متكبّرٍ ما، أو بسبب إدانةٍ لقريب! 

مَن يحبّ الله لا يخطأ أمامهُ، وكم نحن أعداءٌ لله بسبب خطايانا!
 
طروبارية القيامة باللحن السادس

إنَّ القوّاتِ الملائكيّة ظهروا على قبرك الموّقر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتول مانحاً الحياة، فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروبارية تقدمة دخول السيّدة إلى الهيكل باللحن الرابع

الآن حنّة تسبق فتخطب للكل فرحاً عوض الحزن، بإفراعها الثمرة أعني بها الدائمةَ البتوليّة وحدَها، التي تقدّمها إلى هيكل الربّ بفرحٍ متمّمةً النذور، بما أنّها بالحقيقة هيكل كلمة الله وأمٌّ نقيّة.

قنداق تقدمة دخول السيّدة إلى الهيكل باللحن الرابع

اليوم المسكونةُ بأسرها امتلأت سروراً، في عيد والدة الإله الحسن البهاءِ، هاتفةَ وقائلةً: هذه هي المظَّلة السماوية.

وبما أنّها على وزن: إبيفانيس سيميرون، يمكن أن تُنشَدَ هكذا:

تمتلي المسكونةُ. اليومَ سرورًا. إذ تُقيمُ مَحفِلًا. عظيمًا حسَنَ البَهاء. في عيدِ والدةِ الإله. وتهتفُ أنتِ المظلَّةُ السماوِيّة.

الرسالة: أف 2: 4-10

يا إخوة، إنَّ الله لكونِهِ غنيًّا بالرَحمةِ ومن أجل كثرةِ محبّتِه التي أحبَّنا بها حينَ كُنَّا أمواتًا بالزَّلاتِ أحيانا مع المسيح. (فإنَّكم بالنِعمةِ مخلَّصون)، وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السماويَّاتِ في المسيح يسوع، ليُظهِرَ في الدهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللطفِ بنا في المسيح يسوع، فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله. وليسَ من الأعمال لئلاَّ يفتخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوع للأعمال الصالِحةِ التي سَبقَ الله فأعَدَّها لنسلُكَ فيها.

الإنجيل: لو 12: 16-21 (لوقا 9)

قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفّسِه قائلاً: ماذا أصنع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أخزنُ فيه أثماري. ثمَّ قال هذا، أصنع هذا، أهدِمُ أهرائي وأبْني أكبَرَ منها، وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غلاّتي وخيراتي، وأقولُ لِنفسي: يا نفسُ إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً، موضوعةً لسنينَ كثيرة، فاستريحي وكُلي واشْربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ، في هذه الليلةِ تُطلبُ نَفسُكَ منْكَ، فهذه التي أعدَدتها لِمن تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لنفسِهِ ولا يستغني بالله. ولمَّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ أُذنانِ للسمْع فَلْيسْمَع.


في الإنجيل

"الغنيُ الجاهل" مثلٌ من أمثال الربّ يسوع، من بشارة الرسول لوقا الإنجيليّ، يحمل في طيّاته الكثير من القِيم المسيحيّة السامية، ويُظهر فيه ربُّنا، له المجد، الخطرَ الناجمَ عن الاتّكال على المال عوض الاتكال على الله، الذي هو مصدر كلّ الخيرات. 

"هذه التي أعددتَها لمن تكون"؟ 

هذا السؤال الذي طرحه الله على الغنيّ كان وما زال يقلق الكثيرين من الأغنياء، حتّى الحكيم الغنيّ سليمان شغله هذا السؤال، لكنّ حكمته تفوّقت على غناه المادّيّ، فأيقن أنّ الإنسان "لا يأخذ معه شيئاً" ولا يبقى شيء في هذه الدنيا إلا وجه الربّ والذي هو مصدر كلّ الخيرات.

لقد غاب عن بال هذا الغنيّ أنّ الحياة ليست بالمأكل والمشرب والرفاهية وأنّه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمةٍ تخرج من فم الله" (لوقا 4: 4).

إذاً، مشكلته تكمن في إرجاعه كلّ شيء الى ذاته، ناسيًا أو متجاهلاً أنّ كلّ ما يملك هو من الله وله، وهو مُعطًى له للاِستعمال الوقتيّ "للربّ الأرض بكمالها، المسكونة وكلّ الساكنين فيها".
 
لقد أراد الغنيّ أن يستأثر بالخيرات التي حصل عليها، لأنّ أرضه أخصبت بفضلٍ من الله، واعتبرها خاصّةً به، وأغلق الباب أمام من هم بحاجة ماسّةٍ إليها. 

وكانت النتيجة أنّه سمع صوت الربّ يقول له: "يا جاهل في هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟

يقول القدّيس ثيوفان الحبيس، في تعليقٍ على هذا المثل: "بما أنّ الثروة من الله، قدِّمْها إلى الله عندما تصل اليك، فتحوِّلُها إذ ذاك إلى ثروةٍ مقدّسة. 

تقاسَمْ كُلَّ ما يفيض عنك مع المحتاجين، فهذا يكون مساويًا لأن تُرجع لله ما أعطاه. إنّ مَن يعطي الفقير يعطي الله".

فليعطِنا الربّ الإله أن نكون متّكلين عليه وليس على سواه، لأنّ مَنِ اتّكلَ عليه لا يعدم شيئًا. 

مردِّدِين مع الرسول بولس: كأنّنا فُقَراءُ ونحن نُغني كثيرين. كأنّا لا شيءَ لنا ونحن نملكُ كلَّ شيء". 

ومع المزمور الإلهيّ: "الأغنياءُ افتقروا وجاعوا، أمّا الذين يبتغون الربّ فلا يُعوِزُهم أيُّ خير". آمين.


عيد دخول السيّدة إلى الهيكل (21 ت2) 
للقدّيس غريغوريوس بالاماس

باسم الآب والاِبن والرّوح القدس الإله الواحد آمين

تدبير الله الكلمة في الجسد

الشجرة الحسنة إنما تعرف من ثمرها، فكيف لا تكون والدة الصلاح ومولدة الحسن الأزلي إذاً أرفع شأناً بصلاحها من كل ما في العالم ومما فوق العالم؟ 

ذلك لأن القوة التي صنعت كل شيء، أيقونة الصلاح الأزلية والكلمة الكائن قبل الأزل الفائق الجوهر والفائق الصلاح. 

قد شاء في محبته للبشر التي لا توصف ورأفة بنا أن يلبس صورتنا، ليعيد طبيعتنا التي نزلت إلى أعماق الجحيم ويجدِّدَها بعد أن عتقت، ويُصعِدَها إلى عُلُوِّ ملكوتِه وأُلوهيَّتِه الذي يفوقُ السماوات. 

شاء أن يتّحد إذًا بطبيعتنا بحسب الأقنوم، وكان محتاجاً من ثَمَّ إلى جبلةٍ جسديّةٍ وإلى بَشَرَةٍ جديدةٍ تكون في الوقت عينِه بَشَرَتَنا نحن لكي يجدِّدَنا، ولذلك كان محتاجًا إلى حَبَلٍ شبيهٍ بِحَبَلِنا، وإلى ولادةٍ شبيهةٍ بولادتِنا، وإلى تغذيةٍ بعد الولادة وتصرُّفٍ يتناسب وإيّانا.

صائرًا بالتالي على شِبهِنا لأجلنا.

وهكذا وجد له أَمَةً ملائمةً هي العذراء الدائمة البتوليّة مريم لتمنحه من نفسها طبيعة لم يلحق بها دنس. 

وهي التي نسبّحها اليوم مقيمين تذكار دخولها العجيب إلى قدس الأقداس، إذ سبق الله فعيّنها من قبل الدهور لأجل خلاص جنسنا وإعادته، مختاراً اِيّاها من بين جميع المختارين المشهود لهم بالتقوى والحكمة والأخلاق الحسنة قولاً وفعلاً.

كان دخول السيّدة والدة الإله إلى الهيكل عن طريق الصلاة إذ حصل الوالدان على طلبهما وعاينا تحقيق الوعد، فأسرعا من ثمّ لِيُوفيا النذر كونهما صَفِيَّين لله. 

فبعد الفطام حالاً أتيا بالطفلة العذراء والدة الإله إلى هيكل الله حيث رئيس الكهنة، وكانت الطفلة ممتلئة نعمة منذ ذلك السنّ، حتى إنّها كانت تعي ما كان يجري أمام عينيها وتعبّر قدر استطاعتها عن حرّيّة انقيادها وعن تقدُّمِها الطوعيّ إلى الله، كما لو كانت مأخوذةً بالعِشقِ الإلهيّ، مشتهيةً هذا الدخولَ والسكنى في قدس الأقداس.

لقد فهم رئيسُ الكهنة أنّ الطفلة حاصلة على النعمة أكثر من الجميع، فأقامها مِن ثَمَّ في المكان الذي هو أفضل من أيّ مكان آخر، مدخلاً اِيّاها إلى قدس الأقداس ومعلّمًا الكلَّ توقير العذراء التي كانت تتغذّى بِقُوتٍ إلهيٍّ يُحضِرُهُ إليها ملاك، والذي به كانت تنمو في جسدها على نحو أجزل طهرًا ونقاءً وسُمُوًّا من القوّات العادمي الأجساد. 

إذا كان الملائكة يخدمونها، هي التي لم تدخل الهيكل من تلقاء نفسها بل التي أجتذبها إليه الله نوعاً ما لتسكن معه سنواتٍ عدّة، إلى أن انفتحَتِ الأخدارُ السماويّةُ وقدّمَتْ للمؤمنين هيكلاً إلهيًّا بمولودها العجيب.

لذلك أودعت اليوم في الأقداس كذخيرة إلهية هذه الطفلة المختارة بين المختارين منذ الدهر، التي كان جسدها أكثر طهارة من الأرواح المطهَّرة بالفضيلة، حتى إنّها أضحَتْ لا رمزًا للأقوال الإلهيّة وحسب، بل ومسكنًا أيضاً لأقنوم الكلمة الابن الوحيد نفسه الذي للآب غير المولود.

هذه الوديعة في حينها كزينة غنيّة تفوق العالم، ولذلك يمجّد أمّه قبل الولادة وبعد الولادة أيضًا.

وأمّا نحن فإذ نفهم معنى الخلاص الذي يتهيّأ عن طريقها فنقدّم لها الشكر والتسبيح كلّه.

هكذا حين سمعت المرأة المذكورة في الإنجيل الأقوال الخلاصيّة، طوَّبَت والدة الإله مؤدّيةً لها الشكر جهاراً وقائلة للربّ:

 "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما" (لوقا 27:11).

ونحن الحائزين على أقوال الحياة مكتوبة أمامنا، ومعها العجائب والآلام، وإقامة جنسنا من الأموات، وإصعادها إلى السماء، والحياة الأبديّة الموعود بها، والخلاص المنتظر، كيف لا نواصل التسبيح والتطويب الآن لمن ولدت معطي الخلاص ومانح الحياة، عند الحبل بها وعند ولادتها وعند دخولها إلى الأقداس؟

إذاً فلننقل أيّها الإخوة أنفسنا نحن: 

أيضًا من الأرض إلى السماء، ومن الجسديّات إلى الروحيّات. لننقل شوقنا من العابرات إلى الباقيات، ولنزدر بالملذّات الجسديّة التي تطعن بالنفس وتعبر بسرعة.

فَلْنَشْتَهِ الإلهيّات الروحيّة التي تبقى بلا فساد، ولنرفع ذهننا من الصخب مرتقين به إلى السماوات، إلى قدس الأقداس حيث تسكن والدة الإله.

هكذا سنقدّم لها نشائدنا بدالّة كبيرة، وهكذا سنصبح بشفاعاتها ورثةً للخيرات الباقية بنعمة الرب يسوع المسيح ومحبّته للبشر، الذي ولد منها لأجلنا والذي به يليق المجد والإكرام والسجود مع أبيه الذي لا بدء له وروحه الكلّيّ قدسه الصانع الحياة، الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين. آمين

صلاة التوبة للقدّيس أفرام السريانيّ

    تحتلّ هذه الصلاة مركزًا مهمّا في الخدم الصياميّة، لأنّها تعدّد جميع مقوّمات التوبة وتساعدنا على فحص توجُّهنا وهدفنا من الصوم. 

فهذا الهدف يجب أن يكون التحرّر من بعض الأمراض الروحيّة الأساسيّة، وبالمقابل طلب الفضائل.

أوّل هذه الأمراض هو البطالة وهي ذلك الكسل الغريب الذي يقنعنا دائمًا بأنّ التغيير غير ممكن، وبالتالي يخلق لدينا حسًّا بأنّ الجهد الذي نقوم به ضائع، وبهذا يسمّم طاقتنا الروحيّة. 

ينتج عن البطالة الفضول وهو حالة اليأس عندما يستحيل على الإنسان أن يرى جيّدًا بإيجابيّة، وهذا ما يرى فيه الآباء أعظم خطر على الروح. 

أمّا حُبُّ الرئاسة فهو ناتج عن البطالة واليأس اللذَين إذ يُفسِدان موقفَنا من الحياة يدفعاننا إلى طلب تعويض عن الفراغ في حياتنا، وذلك من خلال موقف خاطئ من الآخرين. 

هذا الموقف قد يكون سعيًا إلى السيطرة عليهم أو لامبالاة نحوهم. ثمّ يأتي الكلام البطّال. 

فالنطق يميّز الإنسان عن كلّ المخلوقات الأخرى، ولهذا يرى الآباء في النطق ختمًا للصورة الإلهيّة. 

ولهذا قد تتحوّل هذه الموهبة العظيمة إلى خطر عظيم إذا استسلم الإنسان للبطالة واليأس وحُبِّ الرئاسة. 

هذه الأمور الأربعة هي أمراض علينا التخلّص منها.

أمّا ما علينا طلبه فهي أربع أيضًا: العفّة والتواضع والصبر والمحبّة.

العفّة ليست حصراً في الموضوع الجنسيّ، إنّما هي نقيض البطالة. 

إنّها تجميع كلّ طاقتنا التي تُهدر بالبطالة. أمّا التواضع فهو انتصار الحقيقة في داخلنا حتى نرى كلّ شيء كما هو، جلال الله وحسنات الآخرين وسيّئاتنا نحن. 

وينتج الصبر عن العفّة والتواضع. 

الإنسان الساقط متسرّع في الحكم والإدانة لأنّ معرفته ناقصة. 

الصبر مرتبط بالتسامح ولهذا هو فضيلة إلهيّة. 

وبعد هذا تأتي قمّة الفضائل أي المحبّة وهي غاية كلّ ممارسة روحيّة.

أما الطلبة الختاميّة في صلاة التوبة فتجمع وتلخّص ما طلبنا الانعتاق منه وما يرجو الحصول عليه. 

"هب لي أن أعرف ذنوبي وعيوبي وألاّ أدين أخوتي". 

بمعنى آخر أنقذني من الكبرياء التي هي منبع الشرور. 

لا يكفي أن نرى عيوبنا فقد يستغل المجرّب هذا الأمر ليدفعنا إلى تقوى مشوّهة لا تتعدّى ظاهر الفضيلة. 

أمّا عندما لا ندين أخوتنا فعندها نكون قد اكتسبنا فعلاً العفّة والتواضع والصبر والمحبّة.

نقوم بهذه الصلاة مع سجدات. هذا دليل على الارتباط الوثيق بين النفس والجسد. 

فالجسد يشارك النفس في تعبدها هنا على الأرض وهو سوف يشاركها في تمجيدها للربّ في الحياة الآتية. 

لهذا نحن نُكثر السجدات في الصوم ولنؤكد أيضاً أن الصوم ليس احتقاراً للجسد. 
كما أنّ الصلاة النقيّة هي علامة توبة النفس وتواضعها، كذلك السجود هو علامة توبة الجسد وتواضعه.