الأحد 15 ايار 2022


الأحد 15 ايار 2022


12 أيار 2022
الأحد 15 ايار 2022

العدد 20
أحد المخلع
اللحن الثالث الإيوثينا الخامسة

أعياد الأسبوع:


15: بَخوميوس الكبير، أَخلِّيوس رئيس أساقفة لاريسا العجائبيّ، 16: البارّ ثاوذورُس المتقدّس، 17: الرّسولان أندرونيكيوس ويونياس، 18: انتصاف الخمسين، الشُّهداء بطرس ورفقته، القدّيسة كلوديا، 19: الشّهيد باتريكيوس أسقُف بْروسا (بُرسا الحاليّة في تركيا)، 20: الشُّهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدِّيس نيقولاوس، ليديا بائعة الأرجوان، 21: قسطنطين وهيلانة المعادلا الرُّسل.
 
شفاء المخلّع

إشفِ يا ربُّ نفسي المخلّعة بالخطايا الكثيرة كما شفيتَ المخلّعَ قديماً.
بقي المخلّع في مرضه 38 سنة. هذا هو الزمن الذي قضاه الشعبُ الإسرائيليّ في بريّة سيناء قبل أن يصلوا إلى أرض الميعاد. الإنسان اليوم يتيه في الحيرة، في الأزمات والتجارب قبل أن يأتيه السيّدُ لينشله من ضياعه. كان يمكن للمخلّع المريض مرضاً مزمناً أن تشفيه البركة الغنميّة التي ترمز الى ترتيبات عالميّة ومراكز بشريّة عتيقة لم يعد لها قوّة من أجل الشفاء الجذريّ الكامل.

كان لا بُدّ من أن يأتي الربّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات ليشفيه كلّيّاً من مرضه المزمن. لم يعد بحاجة إلى الترتيبات التي وضعها اليهود في القديم، إلى الطقم الرئاسيّ القديم الذي عتق وشاخ، ولا بدّ أن يتجدّد بقيامة من اهتراء الخطايا والموت.

لكن يبدو أنّ هناك شرطاً أساسيّاً لذلك: أتريد أن تشفى؟ هذا ما قاله المسيح للمخلّع.
هذه هي قاعدة الطبّ الحديث أتريد أن تبرأ؟! أتريد أن تتخلّى عن الأشياء الفاسدة التي اعتدْتَ عليها في القديم وترميها جانباً؟!

*           *           *           *

لا بدّ للإنسان أن يعترفَ بمرضه، بضعفه، بخطيئته. لا بدّ له مع ذلك أن يأتي إلى الطبيب الشافي، إلى المسيح، إلى الكنيسة التي هي جسدُ المسيح، امتداده في الدنيا وفي التاريخ، في المكان والزمان.

هي امتداد للمسيح القائم من بين الأموات والظافر على الخطيئة والموت. يعلّمنا الربّ يسوع القائم أن نظفر بدورنا على الخطيئة والموت لقد قال لمرتا "من آمن بي وإن مات ولو مات فسيحيا ومن كان حيّاً وآمن بي فلن يموت الى الأبد" (يو 11: 35-36).

هذا كلّه عمل الكنيسة التي هي قادرة أن تشفي الإنسان من أمراضه البشرية.
الكنيسة أمّنا وهي تحبّنا حبّاً خالصاً فَلْنَرتَمِ في أحضانها كما ارتمى المخلّع في أحضان المسيح فبرئ وحمل سريرَه ومشى.
 
  + أفرام
  مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

 
طروباريّة القيامة باللّحن الثّالِث
لتفرح السّماويّات، ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الرّبّ صنع عِزًّا بساعده، ووطئ الموت بالموت، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوف الجحيم، ومنح العالمَ الرّحمةَ العُظمى.
 
قنداق الفصح باللّحن الثّامِن
وَلَئِنْ كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلا أنّكَ درستَ قوّة الجحيم، وقمتَ غالبًا أيّها المسيحُ الإله. وللنِّسْوَةِ الحاملاتِ الطِّيبِ قُلتَ: افْرَحْنَ، ولِرسِلكَ وَهبتَ السّلام، يا مانِحَ الواقِعينَ القِيام.
 
الرِّسالة:
أع 9: 32-42
رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي


في تلكَ الأيّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السّاكِنينَ في لُدّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمهُ إينياسُ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا إينياسُ يشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السّاكِنين في لُدّة وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِتَا الّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالاً صَالحةً وصَدقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في العِلِّيّة. وإذ كانت لُدّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التّلاميذُ أنّ بطرُس فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ عن القُدُوم إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمّا وَصَلَ صَعدوا بهِ إلى العِلِّيّة. ووقَفَ لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِطَةً وثِيابًا كانت تَصنَعُها ظَبيَةُ معَهَنّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلّى. ثمّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيتا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهمِ حيّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرّبّ.
 
الإنجيل:
يو 5: 1-15


في ذلك الزّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنّ في أورشليم عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمّى بالعبرانية بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَوّلاً في البِرْكَة ويحرِّكُ الماء، والّذي كان ينـزِلُ أوّلاً من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعلم أنّ له زمانًا كثيرًا قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّكَ الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزل قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمْ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريرَه ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للّذي شُفِيَ: إنّه سبتٌ، فلا يحلُّ لكَ أن تحمل السّرير. فأجابهم: إنّ الّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الّذي شُفِيَ فلم يكن يعلم مَن هو، لأنّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جمعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنّ يسوع هو الّذي أَبْرَأَهُ.
 
في الإنجيل
 
لقد رتّبت الكنيسة المقدّسة أن يُقرأ في هذه الفترة القيامية، فترة البنديكوستاريون، أي الخمسينيّة، مقطعان من الإنجيل بحسب الإنجيليّ يوحنا اللاهوتيّ، لهما الكثير من أوجه الشبه.

إنّه إنجيل شفاء المخلع (يو 5: 1-15) وإنجيل شفاء الأعمى (يو 9: 1-38) الذي سوف يُقرأُ بعد أحدين. ففي القراءتين يصنع الرب يسوع معجزة شفاءٍ قربَ بِركةٍ يوم سبتٍ، ويشفي إنسانين لهما من المرض سنون كثيرة.

وفي الروايتين أيضاً نقرأ أن اليهود يستجوبون اللذين شُفِيا عن هوية الشّافي وبالأخص أنّهما شُفيا يوم سبتٍ. وفي نهاية هذا كلّه، يظهر يسوع من جديدٍ للإنسانين اللذين حصلا على الشفاء في نهاية كُلٍّ من الروايتين ليوصل رسالةً ما؛ كواجب عدم العودة إلى الخطيئة، أو يطلب اعتراف إيمانٍ.

رغمَ أنّ الروايتين تقُصّانِ علينا حدثَين يبدوان وكأنّهما متشابهان من حيثُ الحبكة والموضوعات التي تتمّ معالجتها من خلال السرد؛ كموضوع الشفاء يوم السبت، وموضوع الخطيئة وعلاقتها بالمرض، وموضوع "حالة يسوع الخاطئة" الذي يطرحه اليهود، غير أنّ هناك اختلافاً جذريًّا فيما يخصُّ الشّخصين اللذَين تلقَّيا معجزةَ الشفاء. فالأوّل، أي المخلّع، كانَ خائناً ووشى بيسوع عند اليهود؛ أمّا الثاني فقد استنار بفتح عينيه وآمن وقدّم عبادةً ليسوع كإلهٍ.

الإنسان المخلّع والإنسانُ الأعمى يُمَثِّلانٍ المؤمنين أو سامعِي القصّتَين أو قُرّاء الإنجيل. فهما يمثّلانِ كلّ إنسانٍ تخلّعت نفسه من الخطيئةِ فحجبت تلك نور الله عن أعين النفسِ فأُصيبوا بعمىً روحيٍّ.

كان من الضروريّ للمسيحِ أن يشفي الإنسان من الخلعِ الروحي ومن الخلاعةِ (أنظر إنجيل الأحد القادم، إنجيل الامرأة السّامريّة، يو 4) والزنا على الله بسبب بُعدِ الإنسانِ عنه وسعيه وراء "معبودٍ آخر".

يرمز عدد السنين الثماني والثلاثين من المرض، وفي حالة الأعمى "منذ الولادة"، إلى ولادة الانسان في حالةِ الخطيئة. تُعلِّمُنا الكنيسة أن بعد سقوط آدم من الفردوس يولدُ الإنسان وهو ميّالٌ ليصنع الشرور.

عدد هذه السنين الطوال تدلّنا على انغماس الإنسان لمدّةٍ طويلةٍ من الزمن في الخطيئةِ، وهذا ما يشكل "الحالة الطبيعيّة" للإنسانِ بعد السقطة. ولكن في إنجيل يوحنا نرى المسيح ينكبُّ حالاً على شفاء المرض من دون أن نجدَه يقول "مغفورةٌ لك خطاياك"، كما هو من المعتاد أن يفعل في الأناجيل الإزائيّة (متى، مرقس، ولوقا)، وفي هذا يقصد الشفاء الروحيّ، أي من الخطيئة كمؤثّر على المرض الجسديّ، والشفاء الجسديّ في آن.

همُّ المخلع كان أنانيّاً، كان يريدُ شخصاً أن يساعده في أن يلقيه في الماء فور تحرُّكها، ليُشفى أوّلاً، وأساء فهم سؤال يسوع له، "أتريدُ أن تُشفى؟". هذه هي طريقةُ يسوع، يسأل المريض إن كان يرغب بملء إرادته أن ينال الشفاء.

والأكثر من ذلك، أراد يسوع أن يقول بهذا أنّه لو كان يريد تحسين وضعه الراهن، لكان بإمكانه أن يجد حلّا. وهو هنا يعطيه فرصة جديدة. لم يفهم المخلع ما قام به يسوع. نرى ذلك بوضوحٍ عندما سأله اليهود عن هويّة الذي شفاه.

فهو لم يعرفه. عدم المعرفةِ هذا يعكس جهل المخلع للإله – بعكس ما حصل مع الأعمى. وهذا الجهل ليس إلّا تعبيراً عن انقطاع العلاقة مع الرب على المستوى الروحيّ والتركيز أكثر على الاهتمام الدنيويّ.

عندما اتُّهم بحمل الفراش يوم السبت ألقى التهمة على يسوع. وأمّا هذا الأخير فقد عاد وقابله "وجهاً لوجه" ليعلِّمَه أن خَلَعَهُ هذا ليس إلّا نتيجة للخطيئة. وأمّا المخلع فلما عرف أن من شفاه هو يسوع، ذهب إلى اليهود ليشي به.

يذكِّرنا هذا بيهوذا، الذي سلّم يسوع رغم معرفته أنه المخلص. صلابةُ الرقبة وتحجر القلب هذا يُذكِّرانِنا أيضاً بإنساننا اليوم الذي يحتاج إلى توبةٍ وأن يسمح للربّ يسوع أن يشفيه من الخلع والعمى، لنرى الإله القائم الشافي الممجّد وحده، آمين.

كيف تستعدّ للمناولة؟

يقدّم لنا السيّد بواسطة سر الشكر الإلهيّ، جسده ودمه الكريمين لنتناولهما، إذ هما مأكلٌ ومشربٌ لعدم الموت.

مناولة جسد الرب ودمه هي ضمانةٌ خلاصنا. فهل أنتَ متأكدٌ عند تقدُّمك إلى سرّ الحياة أنّه أقدس عمل تقوم به هنا في هذه الأرض، هل سبق أن فكّرتَ جِدّيّاً، من هو الذي ستأخذه داخلك؟ من تستلم في قلبك بواسطة المناولة المقدّسة؟ أيّة عطية عظيمة تؤهّل لها
أنت تأخذ داخلك الدم الكلّي النقاوة وجسد الربّ مخلّصك الكليّ الطهر. تأخذ السيد نفسه في داخلك. يا لعظيم هذه العطية! وأي سرّ هو هذا الذي لا يُغلب؟ سرُّ تناول جسد المسيح ودمه.

لقد أسّس الربُّ يسوع نفسه سرّ المحبة هذا، إذ أخذ في مساء العشاء السرّي خبزاً فباركه وأعطى تلاميذه قائلاً لهم: "خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يكسر من أجلكم"(متى 26: 26) وأخذ خمراً وباركه قائلاً "اشربوا منه كلّكم هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يهراق عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا" (لوقا 22: 20).

وتناول التلاميذ من يد السيّد للمرّة الأولى وبعد ذلك قال لهم أن يتمّموا هذا العمل باستمرار كي يتذكّروا موته وتضحياته "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19) وبهذا الشكل سلّم السيّد للتلاميذ وبواسطتهم للكنيسة جمعاء سرّ الشكر الإلهيّ العظيم مذّاك تستمر الكنيسة بخدمة سر الشكر الى اليوم.

إذًا، عندما نتناول نأخذ داخلنا المسيح نفسه ويسري في عروقنا دم مخلّصنا، فنصير لابسي المسيح، فكم علينا أن نتهيّأ روحيًّا لنتوجّه الى كأس الحياة؟

يقول لنا الرسول بولس بشكل واضح: "فليختبر كلُّ انسان نفسه، وعندئذ فليتناول من الجسد. وليشرب من الكأس" (1كو 11: 28). وهذا يعني أن يختبر كلّ إنسان نفسه بانتباهٍ ودقّة، ومتى هيّأ نفسه بهذه الطريقة، فليأكل حينئذ من الخبز المقدّس أي جسد المسيح وليشرب دمه. ويتابع الرسول بولس الإلهيّ فيقول: "كلّ من يأكل ويشرب بدون استحقاق ودون أن يميّز جسد المسيح ودمه، فهو يأكل ويشرب دينونة" (1كو 11: 29).

بمعنى أنّ ذاك الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق من الخبز والدّم المقدّسَين، يأكل ويشرب دينونة لأنّه لا يميّز جسد السيّد ودمه. إنّه من الضروريّ أن ننظّف النفس وإلّا فنحن نُهِينُ السيّد، حينئذ نشبه يهوذا الذي تناول بنفس مدنّسة، ومن تلك الساعة دخل الشيطان فيه أكثر فأكثر.
إذاً، تهيئة النفس ضروريّةٌ قبل المناولة الإلهيّة المقدّسة.
 
مِن عِظَةٍ لِنيكِيفورُس ثيوطوكُس

            بِما أَنَّ يَسُوعَ الكُلِّيَّ الصَّلاحِ وَالكُلِّيَّ المَحَبَّةِ لِلبَشَر، طَهَّرَنا بِدَمِهِ الخاصّ، وجَدَّدَ فِينا صُورَةَ اللهِ المَلِكِ خالِقِنا، فقد عادَ هكذا وَجَعَلَنا مِن جَدِيدٍ مُلُوكًا كَما كُنّا قَبْلاً عِندَ الجَبْلَة. لذلكَ ارتَضى بِرَحْمَتِهِ أن نُدعى مَسيحِيِّينَ على اسمِه "المَسيح" أَيِ المَلِك.

            وَبِما أَنَّنا، نحنُ المؤمنين، قد عُدْنا مُلُوكًا في مَلَكُوتِهِ السَّماوِيّ، لذلكَ أُعطِينا اسمًا مَلَكِيًّا فَخرًا وَمَجدًا لَنا يَفُوقُ كُلَّ الأَمجادِ والكَراماتِ الأَرضيّة. "مَسيحِيّ" هُوَ اسمٌ يَفُوقُ مَجدًا الأسماءَ كُلَّها.

فَمَثَلاً يَفُوقُ الرَّئيسَ والقائدَ والسَّيِّدَ والمَلِكَ وكُلَّ اسمٍ شَهِيرٍ آخَر. أَرَأَيتَ رَحمةَ الإلهِ الإنسانِ وَمَحَبَّتَهُ لِلبَشَر؟ كَما أَنَّ اللهَ الآبَ "أعطاهُ اسمًا يَفُوقُ على كُلِّ اسمٍ" (في 9:2)، كذلك أَعطانا هُوَ، بِواسِطَةِ الرُّسُل، اسمًا يَفُوقُ كُلَّ الأسماءِ والمراتِبِ الأرضيّة، أعني اسمَ "مَسِيحِيّ".

            لذلك، عندما سَمِعَ الشَّيطانُ أَنَّ تَلامِيذَ المسيحِ دُعُوا مَسيحِيِّين، أَشعَلَ نِيرانَ غَضَبِهِ في قُلُوبِ الطُّغاةِ وَالمُضْطَهِدِين. وَأَثارَ مِنَ الضَّغِينَةِ وَالكَراهِيَةِ ما جَعَلَ مُجَرَّدَ تَسميةِ "مَسيحِيّ" سَبَبًا كافِيًا لِلعَذابِ وَالمَوت.

            ولكنْ، هل يَكفي هذا الاسمُ للخَلاص؟ إِنْ كُنتَ تتمتَّعُ بالحكمةِ في الفِكر والجُرأَةِ في النَّفس، وَبالعِفّةِ في الخُلُق، وَبِمَحَبَّةِ القَريبِ، وَبِالعَدلِ في سائرِ الأعمال، إِنْ كانت لكَ أعمالٌ مَلَكِيَّةٌ جَدِيرَةٌ بالاسم، عندَ ذلك يَكفي الاسمُ للمَجدِ وَلِخَلاصِك.

أَمّا إذا كُنتَ تُدعى "مَسيحِيًّا"، أَي مَلِكًا، وأنتَ جاهلٌ تتصَرَّفُ كَمَريضٍ وَجَبانٍ، تُسَمّى مَلِكًا وتَجلسُ في الملاهي وتُفسِدُ نفسَكَ في الزِّنا والضَّلال؛ تُدعى مَلِكًا وتَسحَقُ قَرِيبَكَ، تَسرقُ وتَظلمُ وتَفعَلُ كُلَّ عملٍ عِدائِيٍّ سَيِّئٍ، عند ذلك الوَيلُ لَك!

لأَنَّ هذا الاسمَ سوفَ يَدينُكَ. جَعَلَكَ اللهُ بِهِ مَلِكًا وأنتَ أَنكَرتَ حَقَّهُ عَلَيكَ وازدَرَيتَ بِه. أنتَ صُورةُ اللهِ الضّابطِ الكُلّ، على شَبَهِهِ وَمِثالِه، فلماذا لم تَعقِلْ ماهِيَّةَ سُلطانِك؟ آهِ! الوَيلُ لَكُم أيُّها الأشقياءُ!

لماذا لا تَرفَعُونَ أَعيُنَكم إلى السَّماءِ وتَنظُرُونَ إلى عَطايا اللهِ العَظيمةِ الباهرة، بل مِثلَ الخَنازِيرِ لا تَنظُرُونَ إلاّ إلى أَسفَل وتتمرَّغُونَ في الوَحل؟ هكذا نتمرَّغُ دائمًا في وَسَخِ خَطايانا. الوَيلُ لَنا! لأَنَّ الاسمَ لا يُمَجَّدُ هكذا، بل "يُجَدَّفُ عليهِ بِسَبَبِكُم بَينَ الأُمَم" (رو 24:2).