الأحد 6 آذار 2022
02 آذار 2022
الأحد 6 آذار 2022
العدد 10
أحد مرفع الجبن
اللَّحن الرابع الإيوثينا الرابعة
* 6: الإثنان والأربعون شهيداً الذين في عمُّوريَّة، البارّ أركاديوس، * 7: بدء الصوم الكبير، الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، * 8: ثاوفيلكتس (Theofilaktos) أسقُف نيقوميذيّة، * 9: القدِّيسون الأربعون المستشهدون في سبسطية، * 10: الشهيد كدراتُس (Kodratos) ورفقته، * 11: صفرونيوس (Sofronios) بطريرك أورشليم، المديح الأوّل، * 12: العظيم في الشُهداء ثاوذورس التيرونيّ (عجيبة القمح المسلوق)، ثاوفانيس (Theofanis) المعترف، غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية، سمعان اللاهوتيّ الحديث. *
تاريخ الصوم الكبير
في القرون الأولى كان الصوم يقتصر على الخميس المقدّس، الجمعة العظيم والسبت المقدّس. ثمّ ومع الوقت شمل الأسبوع العظيم المقدّس كلّه.
في المجمع المسكونيّ الأوّل 325 مجمع نيقيّة يتّضح وجود الصوم الأربعينيّ المقدّس (القانون الخامس).
هذا التطوّر عائد إلى ضرورة تهيئة الموعوظين catéchuménes لسرّ المعموديّة. اعتبُرت هذه الفترة فترةَ تهيئة وأيضًا فترة توبة واستنارة. في مجمع ترولّلو 692 يُذكَر أنّه من الواجب أن يمتنع الناسُ عن أكل البيض والجبن.
أمّا الصوم الانقطاعيّ حتّى الساعة الثالثة بعد الظهر فقد كان سائدًا في التراث القديم.
في العهد القديم ارتبط الصوم بفكرة الحزن وإذلال النفس. أمّا في العهد الجديد. فقد جرّده من فكرة إذلال النفس وأعطاه أكثر طابعَ الفرح والاِنتصار على الخطيئة استعداداً لاِستقبال يوم القيامة. "متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين... أمّا أنتَ فمتى صمتَ فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء" (متى 6: 16 و18).
يحثّنا الرسول بولس على الصوم مشيراً إلى فوائده الخلاصيّة."نوصي بأنفسنا في كلّ شيء على أنّنا خدم الله بثباتنا العظيم في الشدائد... والتعب والسهر والصوم" (2 كور 6: 54).
وغاية الصوم هي النجاة من الموت للحياة بالله "لأنّكم إنْ حَيِيتُم حياةَ الجسد تموتون. أمّا إذا أَمَتُّمْ بالروح أعمالَ الجسد فستحيَون" (رو 8: 13).
الصوم في الكتاب المقدّس وعند الآباء عملُ محبّة. هو مناسبة لإعانة المحتاجين. يشير القدّيس باسيليوس إلى أن الصوم مع الإنفاق على الفقراء يساعد على دخول ملكوت السموات.
لندخل إذاً في رحلة هذا الصوم ليخرجنا الله من هذه الأزمة ونتمتّع بفرح القيامة.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة باللّحن الرابع
إن تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجّدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق أحد مرفع الجبن باللحن السادس
أيُّها الهادي إلى الحكمةِ، والرازقُ الفَهمَ والفِطنة، والمؤَدِّبُ الجهّالَ، والعاضِدُ المساكين، شدَّدْ قلبي وامنحني فَهمًا أيّها السيَّد، وأعطِني كلمةً يا كلمة الآب، فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمني أنا الواقِع.
الرِّسَالة
رو 13: 11-14، 14: 1-4
رتّلوا لإلِهِنا رتّلوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقوا بالأيادي
يا إخوة، إنّ خَلاصَنا الآنَ أقربُ مِمّا كان حينَ آمَنّا. قد تَناهى الليلُ واقتربَ النهار، فَلْنَدَعْ عَنّا أعمالَ الظُّلمةِ ونَلْبَسْ أسلِحَةً النور. لِنَسْلُكَنَّ سُلوكاً لائقاً كما في النهار، لا بالقصُوفِ والسُّكْرٍ، ولا بالمضاجع والعَهَرِ، ولا بالخِصامِ والحَسَدِ. بَل البَسُوا الرَّب يسوعَ المسيحَ، ولا تهتمّوا لأجسادِكُم لِقَضاءِ شَهَواتِها. مَنْ كان ضعيفاً في الإيمان فاتَّخِذوه بغير مباحَثةٍ في الآراء. مِنَ الناس مَن يعتقْدُ أنَّ لهُ أن يأكلَ كلَّ شيءٍ، أمّا الضَّعيف فيأكُلُ بُقولاً. فلا يَزْدَرِ الذي يأكل من لا يأكل، ولا يَدِن الذي لا يأكل من يأكل، فإن الله قدِ اتخّذّهُ. مَنْ أنت يا من تَدينُ عبداً أجنبياً؟ إنّه لمَولاهُ يَثبتُ أو يَسقُط. لكنَّه سيُثبَّتُ، لأنّ الله قادِرٌ على أن يُثبِّتَهُ.
الإنجيل
متى 6: 14-21
قال الربُّ: إنْ غَفَرْتُم للناسِ زَلّاتِهمْ يَغْفر لكم أبوكُمُ السَّماويُّ أيضاً. وإنْ لم تَغْفِروا للناسِ زلّاتِهم فأبوكُمْ لا يغفرْ لكم زلّاتِكُمْ. ومتى صُمتُمْ فلا تكونوا معبِّسين كالمُرائين، فإنّهم يُنكِّرون وُجوهَهْم ليَظهَروا للناسِ صائمين. الحقَّ أقولُ لكم إنّهم قد أخذوا أَجْرَهم. أمّا أنتَ فإذا صُمتَ فادهَنْ رَأسَكَ واغْسِلْ وَجْهَكَ لئلا تَظْهرَ للناس صائماً، بل لأبيكَ الذي في الخِفيةَ، وأبوكَ الذي يرى في الخِفيةِ يُجازيكَ عَلانية. لا تَكنِزوا لكم كنوزاً على الأرض، حيث يُفسِدُ السُّوسُ والآكِلةُ ويَنقُبُ السّارقون ويَسرِقون، لكنِ اكنِزوا لَكمْ كُنوزاً في السّماء حيث لا يُفسِد سوسٌ ولا آكِلَةٌ ولا يَنْقُب السّارقون ولا يسرِقون. لأنّه حيث تكونُ كنوزُكم هناكَ تكونُ قلوبُكم.
في الإنجيل
مقطع إنجيل اليوم مأخوذ من "الموعظة على الجبل". هذه الموعظة تحتوي تعليم الرّب يسوع، أو بالأحرى، ما هو المطلوب من كلّ إنسانٍ اِتَّبَع المسيح، ويُريد الخلاص والملكوت. هذه التعاليم لا تعني سوى مَن أحبَّ الرّب يسوع وأراد الالتصاق به. أوَليس هدف الحبّ وغايته أن تكون مع الحبيب؟! تطبيق هذه التعاليم تبدو صعبة على طبيعتنا البشريّة ولكنّ الرّبّ يسوع، وهو الإله المتجسّد، طبّق هذه التعاليم كلَّها.
كإنسانٍ تام، قد صام أربعين يومًا وليلة، أمّا من جهة الغفران فكلّنا يعلم أنَّه قد غفر لصالبيه وهو على عود الصليب. وهو قد طلب من تلاميذه، ومنّا نحن أيضًا، أن نتشبّه به. فالطريق ليست سهلة بالطبع ولكنها ليست أيضًا مستحيلة، ومَن أرادَ شيئًا فهو يفعل المستحيل لتحقيقه، وفي كلِّ أمرٍ دنيويّ نريده بشدَّةٍ، علينا أن نتعب ونكدّ ونجاهد من أجل الحصول عليه، فكم بالحريّ "ملكوت السماوات" أسنحصل عليه بسهولة؟
بداية الطريق بتحقيق وصاياه هو أن نُحبّه " مَن يحبني يحفظ وصاياي"، لهذا لا نستطيع الصوم، ونحن نكسر وصيّة المحبّة، لا يمكنني الصوم إن كان لأحد عليّ شيء. كيف نصوم ونرى كثيرين منّا، في المحاكم، والمخافر من أجل أشياء تافهة، ويأتون إلى الكنيسة وكأنّ شيئًا لم يكن؟! إنهم يشكّلون عثرة للإخوة الضعفاء، والويل للذي تأتي العثرة على يديه.
هنا تكمن المشكلة، أنَّ الخطيئة تجُرّ الخطيئة وتؤذي جسد المسيح الواحد، كما أنَّ الفضيلة تجرُّ الفضيلة وتنعش جسد الرّب الواحد.
إغفر، سامح، لا تدِنْ غيرك...حينئذٍ سيكون صيامك مقبولاً وتكون على الطريق الصحيح، طريق الملكوت. آمين.
لماذا نصوم
في الكنيسة الأرثوذكسيّة؟
الجواب بسيط جدًّا. نصوم لأنّ المسيح صام! ربّنا صام 40 يومًا في الصحراء. وسنصوم 40 يومًا. "ساراكوستي" Σαρακοστή، الكلمة اليونانية التي تستعمَل للصوم الكبير، معناها الحرفيّ الأربعينيّ. هل احتاج المسيح إلى الصوم؟ ليس حقًا، ولكن بفعله هذا أعطانا مثالاً.
لا يجعلنا الصيام أفضل من الإنسان المجاور لنا. من المفترض فقط أن يجعلنا أفضل ممّا كنّا عليه من قبل. يمكن سرد العديد من فوائد الصيام - الفوائد الروحيّة وحتّى الجسديّة. لا نحتاج إلى إدراجها هنا، حيث أكّد جميع القدّيسين، وجميع آباء وأمّهات الكنيسة، باستمرار على أهمّيّة هذه الممارسة طوال 20 قرنًا. الصوم لا يتعلّق فقط بالطعام؛ إنّه يتعلّق بالتخلّي عن بعض العادات السيّئة، مثل إطلاق الأحكام والنميمة والحسد.
لذلك، لا يمكننا أن نصوم فقط وفقًا لما نُدْخِلُ في أفواهنا، ولكن أيضًا بما يخرج منها. يمكننا أيضًا أن نصوم بأعيننا وآذاننا وأفكارنا. هذا ما يعنيه أن نكون يقظين، وأن ننتبه إلى ما نفعله حقًّا في حياتنا، وبأيّ دوافع.
كما قال أحدُ الآباء ببعض الدعابة: "أنت لا تأكل اللحم، لكنّك تأكل الجزّار!" بمعنى آخر، ما فائدة الامتناع عن اللحوم إذا كنّا سنأكل شخصًا آخَر من خلال كلامنا وسلوكنا؟ لذلك نرى أن للصوم جانبًا روحيًا أيضًا. يقول القدّيس باسيليوس العظيم إنّ الصوم يساعدنا على التوبة والتوجّه نحو الله. ويضيف القدّيس باييسيوس أنه لا أحد يصل إلى الجنّة وهو جالسٌ وساقاه متقاطعة! وهذا يعني أنّنا يجب أن نكون أناسًا يضعون الإيمان موضع التنفيذ.
قد نأكل أقلّ لفترة من الوقت، حتّى نتمكّن من إطعام المزيد من كلمة الله. قد نتحدّث قليلاً، حتى نسمع همسة صوت الله. وبينما نقدم طعامًا عاديًا على موائدنا، سنوفّر الوقت لأشياء أكثر أهمية. سوف نتذكّر أيضًا أنه كلما جاهدنا في الصوم، ازدادَ فرحُنا في الفصح، العيد العظيم لقيامة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
دعونا لا ننظر إلى هذا الوقت من العام على أنّه عبء. نحن لا نرى الصوم الكبير كمجموعة من القواعد الجديدة التي يجب اتّباعها، ولكن كفرصة للنموّ في حبّنا لله. دعونا نستفيد من هذا الوقت الخاصّ. توجد أدوات تمنحنا بها الكنيسة لتقويتنا، مثل الخدمات التي تتمّ فقط في هذه الفترة:
كلّ مساء جمعة تقام خدمة مديح السيدة العذراء (Χαιρετισμοί της Παναγίας)، عندما نشكر والدة الله على دورها الفريد في خلاصنا؛ وهناك أيضاً صلاة النوم الكبرى (Μέγα Απόδειπνο) التي تقام كلّ يوم؛ وهناك أيضًا القدّاس الإلهيّ السابق تقديسه الذي يتمّ في منتصف الأسبوع، وغالبًا في المساء.
كلّ ما نفعله نفعله بفرح، ليس بالقوّة، ولكن فقط من أجل محبّة الله. بما أن الرحلة نحو عيد القيامة، فهذه هي الوجهة التي يجب أن نضعها بثبات نصب أعيننا. كلّما ازداد اهتمامُنا بالحياة الروحيّة الآن، ازدادَ شعورُنا بالبهجة حينها.
معنا هو الله...
في غمرة بركات الصوم الأربعيني المقدّس وخيراته التي لا تحصى، سواء أكانت الصلوات والدموع، أم بالإمساك واكتساب الفضائل والسير في رِكاب القدّيسين، سعياً نحو الملكوت الحاضر أبداً للساعين إلى قيامة أفضل تحمل علامات الغلبة والظفر.
لا بدّ لنا نحن الضعفاء بتقوقعنا، الأقوياء بايماننا ووحدتنا بالربّ وكنيسته الظافرة. وسط كلّ الأجواء المقلقة التي تشوب حياتنا، إن كانت البدع الشيطانيّة التي تزمجر لابتلاعنا، أم بأخبار الحروب التي ترعبنا، وحتّى وسط أجواء الهموم المعيشيّة التي تتفاقم في بلدنا. إنّ كلّ هذه الضعفات، متى رأيناها بعين الإيمان، ومتى ضمّمنا أن نكون إلى جانب المسيح، تصبح وهمًا لا أساس لها.
فالمؤمن يعي، وخاصة في هذه الأيّام المباركة، وعند كلّ هتاف يطلقه من "القلب المتخشّع التائب" معنا هو الله فاعلموا أيها الأمم وانهزموا، لأنّ الله معنا". إنّ كلّ هذه الهجمات والحروب التي تستهدف المؤمنين، لا بد أن ترتدّ. لأنّ كلّ ما قاله الربُّ وتعلِّمُه الكنيسة ثابتٌ لا مجال للشكّ فيه. ألم يقل لنا "ملكوت الله في داخلكم" (لوقا 17: 21). "ومن تبعني فلا يمشي في الظلمة ويعثر" (يو 8: 12). "وأنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6).
إنّ الخوف والقلق والضعف، ما هي إلا نتيجة تراخي وكسل شعب الله وتطلّعه إلى كافة الأمور بعين أبناء هذا العالم الذين لا يطلبون سوى "أن يأكلوا ويشربوا" (لوقا 14: 29).
لذا في بدء الصوم، في صلوات التريودي، تدعو الكنيسة إلى شحذ الهمم والجُهُوزيّة الكاملة عن طريق التوبة واليقظة والعمل بِجِدّ "افتح لي أبواب التوبة..." وتمدّنا بكافة الأسلحة الروحيّة للدفاع عن أنفسنا ضدّ شيطان هذا العالم. فلا يضعف النفس سوى اليأس، ونحن أهل الرجاء. منذ مجيء المسيح وغلبته للشيطان بصورة قاطعة. أصبحت لكلّ واحد منّا، نحن أبناء الله بالفعل، هذه القوّة لأنّنا لبسنا المسيح ونحيا فيه ويحيا فينا.
الشيطان لا يخيف، بل المؤمنون يخيفونه. ومتى طالعنا الكتاب المقدّس وكتب الآباء القديسين وسير حياتهم مع توبة حقيقيّة نعلم يقيناً أنّ الشيطان إنّما نصنعه نحن متى ابتعدنا عن طريق المسيح وأحبّائه، طريق الحقّ والحياة الأبديّة. فمع المسيح اقتلعت شوكة الموت إلى الأبد، وغُلب الشيطان، وأصبح الصليب المقدّس الطريق الوحيد للقيامة والخلاص.