الأحد 6 شباط 2022

الأحد 6 شباط 2022

02 شباط 2022
الأحد 6 شباط 2022
العدد 6
الأحد (17) من متّى
اللَّحن الثامن الإيوثينا الحادي عشر

 
* 6: أحد الكنعانيّة، الشّهيد إيليان الحمصي، ڤوكولوس (Voukolos) أسقُف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة، * 7: برثانيوس (Parthenios) أسقُف لمبساكا، البارّ لوقا، * 8: ثاوذورس قائد الجيش، النبي زخريّا، * 9: وداع عيد الدخول، الشّهيد نيكيفورس (Nikiforos)، * 10: الشّهيد في الكهنة خارالمبوس (Kharalambos)، البارّ زينون، * 11: الشّهيد في الكهنة ڤلاسيوس (Vlasios) ورفقته، الملكة ثاوذورة،
* 12: ملاتيوس أسقُف أنطاكيّة.
                   
المواجهة الروحيّة للأزمة الاِقتصاديّة
  
في هذه الأزمة الاقتصادية الحادّة والسياسيّة الكلّ يتعذّب ويحزن. تُرى كيف نستطيع أن نواجهَ مثل هذه الصعاب!؟
 
المصيبة لا تأتي من الله ولا حتى من الشيطان. تأتي أوّلاً من أنفسنا. يوصينا الرسول بقوله: "لا تحزنوا كباقي الناس الذين لا رجاء لهم" طبعاً سوف نحزن لكن على الأقلّ لا نفقدنّ الرجاء. والرجاء يكون في المسيح يسوع إلهنا ومخلّصنا.
 
الله وحده في النهاية سوف يقود السفينة، لا العالميّون. لقد قال يسوع للشيطان مجرّبه: "للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (متى 4: 10).
 
المرجع الأخير بعد المحاولات العديدة هو الله وحده.
 
كلّ هذه الأحداث المريرة الحاصلة ليست مجرّد صنع وتدبير بعض الأشخاص الأردياء، أصحاب المخطّطات الشيطانيّة. تأتي أيضًا من جرّاء خطايانا، بُعدنا عن الله وعدم توبتنا.
 
هكذا قال الأنبياء قديماً إذ كانوا يحثّون الشعبَ على الرجوع الى الله وعلى التوبة، ممّا يؤول بالأحداث إلى التحسنّ.
 
القضيّة ليست فقط في الخروج من هذه الأزمة القاسية، بل هي أيضًا وخصوصاً في التخلّي عن حياة الرفاهة وحبّ اللّذة والأنانية.
 
تذكّروا مثال الفتية الثلاثة في أتون النار كيف كانوا يقولون: خطئنا وأثمنا أمامك نحن المستحقّين مثل هذا العذاب، هذا التأديب، لأنّنا لم نتبع وصاياك، نتوسّل اليك يا إلهنا أن ترحم شعبك، فنسعى جميعاً في طريق الخلاص.
 
نعم في هذا كلّه نحن بحاجة اليوم إلى رجال صلاة حتى تعبر العاصفة.
 
علينا جميعاً أن نتخطّى الخوف، لأنّ ذلك يأتي من عدم الإيمان. لنضعْ أنفسنا في يدَيِ الله: فليأخذوا مالنا، فليأخذوا عملنا وغير ذلك، أمّا أنفسنا فلا يستطيعون المسّ بها.
 
"ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه"؟! (مر 8: 36) نفعل المستطاع ونحافظ على إيماننا بالله مهما قست علينا الظروف. نحفظ أنفسنا غيرَ مضطربة، رجاؤنا في الله لا في المال ولا عن طريق المصارف وعظماء هذا العالم. حتى ولو أخذوا كلّ شيء نحافظ على أنفسنا، الأمور المادّيّة الدنيويّة لا بدّ أن تعود إلى حالتها الطبيعيّة.
 
إن كُنّا نواجه الأمور الصعبة بمثل هذه الروح، بالصلاة بالإيمان بالله، عاملين بالمحبّة والرحمة نسندُ بعضنا بعضاً، عندها تعبر العاصفة بصلوات والدة الإله وجميع القدّيسين أمين.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريّة القيامة باللّحن الثامن
 
إنحدَرْتَ من العلوِّ يا متحنِّن، وقبلْتَ الدفنَ ذا الثلاثةِ الأيّام لكي تُعتقنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربّ المجد لك.
 
طروباريّة دخول السيّد إلى الهيكل باللّحن الأول
 
إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأن منك أشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا، منيراً الذين في الظلام. سُرّ وابتهج أنت أيها الشيخ الصدِّيق، حاملاً على ذراعيكَ المعتق نفوسنا، والمانح لنا القيامة.
 
طروباريّة القدّيس إيليان الحمصي باللّحن الثالث
 
حُبُّكَ للربّ أيا إيليان، جاوزَ الحدود وفاقَ البيان، أيا طبيباً يشفي الأدواءَ بالمجّان. حتّى كابدتَ التعذيبَ والمسامير، وكنتَ تَشدو تَسبيحاً بالمزامير. فاشفنا أيضًا، وأعطنا حبّكَ فَيضًا، يبدِّدُ الأمراضَ والأحزان.
 
قنداق دخول السيّد إلى الهيكل باللّحن الأول
 
أيُّها المسيحُ الإلهُ يا مَنْ بمولِدِه قدّس المستودَعَ البتولي وباركَ يدي سمعانَ كما لاقَ، وأدركَنا الآن وخلّصَنا، إحفظ رعيّتَكَ بسلامِ في الحروب، وأيّدِ المؤمنين الذين أحبَبْتَهم، بما أنّكَ وحدَكَ محبٌّ للبشر.
 
 
الرِّسَالة
2 كورنثوس 6: 15-18، 7: 1 
صَلُّوا وأَوفُوا الربَّ إلهَنا
اللهُ معروفٌ في أرضِ يَهُوذا
 
يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ اللهِ الحيّ، كما قالَ الله: إنّي سأسكُنُ فيهم، وأسيرُ فيما بينَهم، وأكونُ لهم إلهاً وهم يكونونَ لي شعباً. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الربُّ، ولا تَمَسُّوا نجسًا، فأقبلَكم وأكونَ لَكُم أباً، وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الربُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبّاء، فَلْنُطَهِّرْ أنفُسَنا مِن كُلِّ أدناسِ الجسَدِ والروحِ، وَنُكَمِّلِ القداسةَ بمخافَةِ الله.
 
الإنجيل
متى 15: 21-28

 
في ذلك الزمان، خرج يسوع إلى نواحي صورَ وصيدا، وإذا بامرأةٍ كنعانيّةٍ قد خرجت من تلك التخومِ وصرخَتْ إليهِ قائلةً: إرحمني يا ربُّ يا ابنَ داود. فانّ ابنتي بها شيطانٌ يعذِّبها جِدًّا، فلم يُجِبْها بكلمةٍ. فدنا تلاميذهُ وسألوهُ قائلين: اصرِفْها، فإنّها تصيحُ في إثرِنا. فأجاب وقال لهم: لم أُرسَلْ إلّا إلى الخرافِ الضالّةِ من بيتِ إسرائيل. فأتتْ وسجدتْ لهُ قائلةً: أغِثْني يا ربُّ. فأجابَ قائلاً: ليس حسناً أن يُؤخَذَ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلاب. فقالتْ: نعم يا ربُّ، فإنّ الكلابَ أيضاً تأكلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يسقط من موائد أربابها. حينئذٍ أجابَ يسوعُ وقال لها يا امرأة، عظيمٌ إيمانُكِ، فَلْيَكُنْ لكِ كما أردتِ. فشُفيتِ ابنتُها من تلك الساعة.
 
في الرسالة
 
"أنتم هيكل الله.."

في هذا المقطع من رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس الذي نقرأه اليوم، يتوجّهُ الرسولُ بكلامِه إلى المسيحيّين الموجودين في كورنثوس، والذين يعيشون ويخالطون الوثنيّين، لأنّه عَلِمَ بأنّهم يتصرّفون في بعض الأمور مثلهم، فيحذّرُهم من اكتساب أشياء مفسدة لهم تجعلهم يتصرّفون بأمورٍ ملتوية تؤذيهم وتؤذي الآخَرِين وتُبعِدُهم عن الله، وتجعلُهم عُرْضةً للفساد، ولا تليق بِمَنْ هُوَ هيكلٌ للهِ الحَيّ.
 
لذا يُذكّرُهم بأنّهم هيكلٌ لله، ينبغي أن يكونوا ويسلكوا بحيثُ يبقى اللهُ ساكناً في قلوبهم وحياتهم.
 
"يا بُنَيَّ أعطِني قلبك" هكذا قال الكتاب. والله مسكنُه القلب، ومن يؤمن به يتقبّلُه في نفسِه ويصيرُ له هيكلاً، عندها ينيرُ حياتَنا ونصيرُ شعبَه.
 
كيف يكون الإنسانُ هيكلاً لله؟ هذا هو السؤال.
 
 الجواب هو أن يكونَ فِكرُهُ مع الله وأعمالُه أعمالَ الله، وأن يكونَ كلُّ شيءٍ في حياتِه مُشبَعاً بحضورِ الله، أي أن يفرز نفسه لله ويكرّسَ حياتَه له. عندما نكرّسُ الهيكلَ الحجريَّ بعدَ بنائِه نقولُ إنّه أصبحَ جاهزاً لاستعمالٍ واحد، وهو عبادة الله، أي مفروزاً لهذا الأمر، ولا نعود نستعملُه لأيّ شيءٍ آخَر. وهذا معنى التكريس، أي الفرز، أن نكون مكرَّسِين لله، أن نُفرِزَ حياتَنا وذَواتِنا كلَّها له، ولا نقومَ بأعمالٍ لا تليقُ به وبمحبَّتِه.
 
لذا، نسعى في حياتنا أن نُبقِيَ هذا الهيكلَ نظيفاً مِن أوساخِ الخطيئة. وواجبنا أن نحفظ هذا الهيكل نظيفاً منها بالتوبة والرجوع وطلب المغفرة، وأن نكتسبَ بعضًا مِن صفات الله التي أهمُّها المحبّةُ التي تغلبُ كلَّ شَرّ. فيبقى الله ساكناً فينا ويسير معنا وتَصدُرُ مِنّا الأعمال التي تليق بمن يجب أن يكون هيكلاً لله. آمين.
 
كشفُ بشاعةِ أصنام الله
 
تعدّدت تفسيرات المقطع الإنجيليّ الخاصّ بالمرأة الكنعانيّة (متّى 15، 21 – 28).
 
شغل هذا النصّ مفسّرين كثيرين وتباينت آراؤهم حوله. إذ اعتُبِر توجّهُ يسوع إلى أرضٍ وثنيّة، أرض صور وصيدا، مثيرًا لإشكاليّة تفسيريّة، خاصّة وأنّ متّى، كاتب هذا النصّ، يورد في موضع آخر من إنجيله أنّ يسوع طلب من تلاميذه: لا تسلكوا طريقًا للوثنيّين ولا تدخلوا مدينة للسامريّين بل اذهبوا إلى الخراف الضالّة من آل إسرائيل" (متّى 10، 5-6).
 
ثمّ نراه يسرد في الإصحاح 15 مسألة توجّه يسوع إلى نواحي صور وصيدا، أي إلى الكنعانيّين الوثنيّين أعداء إسرائيل وديانته. في الواقع هذه الإشكاليّة المصطنعة التي طرحها أتباع التفسير النقديّ، تحجب عنّا عمق معنى هذه الحادثة عمقًا نستخلصه إذا فسّرناها انطلاقًا من البيئة الدينيّة والقوميّة التي عاش المسيح فيها وبشّر ضمنها.
 
تكمن صعوبة بلوغ المعاني الحقيقيّة لهذا النصّ في سلوك يسوع تجاه الكنعانيّة: صمتٌ، عدمُ تجاوب، صدٌّ لها، نَعْتُها بالكلاب التي لا تستحقّ أن تأكل من خبز البنين. كلّها تثير استغراب القارئ الذي اعتاد أن يرى يسوع متحنّنًا ومستجيبّا لكلّ من يطلبه بإيمان وإلحاح.
 
فسّر آباؤنا المفسّرون القدماء هذا السلوك على أنّه محاولة استفزازيّة قام بها يسوع لكشف إيمان هذه المرأة الوثنيّة: "ما أعظم إيمانك أيّتها المرأة" (الآية 28). هذا هو التفسير السليم ولكنّه يحتمل الإضافة َوإكمالَه بعناصر مهمّة.
 
لم يبغِ يسوع إظهار إيمان هذه المرأة وحسب، بل كان يريد البلوغ إلى هدف تعليميّ أسمى.
 
هو يدرك أنّ تلاميذه، الحاضرين معه في هذه الحادثة، مُشبَعُونَ بأفكار اليهود، وتحديدًا بتعاليم الفرّيسيّين المتعلّقة بسموّ اليهود كشعب لله على باقي الأمم، وبأنّ الله لا يهتمّ إلّا بأبناء إبراهيم والآخرون دنسون غير مستحقّين لعناية الله وخلاصه، كونهم لا يؤمنون بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب.
 
لذا أخذ يسوع على عاتقه أن يمثّل، أمام تلاميذه وأمام المرأة الكنعانيّة، دور الفرّيسيّين المتعصّبين بكلّ قساوته ولا إنسانيّته ليثير في ضمائرهم ردّة فعل تتوافق وإرادته وتعليمه في أنّ الجميع مدعوّ للخلاص.
 
فتراه يسلك بقساوة ليصوّر بشاعة الموقف اليهوديّ وقساوته ويوجّه ضمائر تلاميذه وسلوكَهم نحو موقف يكسر جليد تفوّقهم العِرقيّ-الدينيّ، وهم المشبَعون به كونهم أبناء هذه البيئة الدينيّة المتعصّبة ولم يبلغوا بعد جِدّةَ الحياة في المسيح.
 
نجح يسوع في مسعاه. فتلاميذه يتدخّلون متعاطفين مع المرأة: "أجبْ طلبها واصرفها".
 
المسيح هنا يوقظ في تلاميذه، عبر تمثيله بشاعة دور الفرّيسيّين، أصالةَ إنسانيّتهم التي حجبها غبارُ تقليدٍ دينيٍّ من صنع البشر ينقض عهد اللّه وكتابه.
 
يقودهم بحنكةٍ تربويّة - نفسيّة ومسرحيّة إلى تلمّس بشاعة تصوّراتهم الدينيّة وإلى اكتشاف كنز إيمان هذه المرأة الأجنبيّة، إيمان لم يره عند كبار متديّني عصره.
 
في نهاية هذه المسرحيّة، إن صحّ هذا التعبير، ينزع يسوع عن وجهه قناع الفرّيسيّ الذي مثّل دوره لفترة على مسرح أرضٍ وثنيّةٍ (صور وصيدا) وأمام جمهور تلاميذه، ليُظهِر الوجه الحقيقي لإله إبراهيم وإسحق ويعقوب، وليعلن أنّ الإيمان ليس حكرًا على عرق أو لغة أو طبقة اجتماعيّة، بل هو معطى لكلّ مَن ينسحق أمام حنان اللّه ولكلّ مَن يرفض أصنامًا للّه نحتَها مَن ادّعوا احتكارَهم له.
 
على الكنيسة اليوم، إن أرادت أن تعلّم أبناءها أصالة إيمانهم وتجذب البشر إلى بشارة يسوع، أن تكشف، بجرأةٍ، بشاعةَ مواقف متعصّبة يتلطّى أصحابها وراء الدين والإيمان، مواقف تحجب وجه اللّه الحقيقيّ المتمثّل بيسوع المسيح المرفوضِ ممّن سَمَّوا أنفسهم شعب الله والمقبولِ ممّن سُمّوا "كلابًا" ونجسين. جرأةُ كشف هذه البشاعة هي البشارة الأنجع لقيادة البشر إلى جمال وجه يسوع.
 
نفوس الراقدين
بحسب القدّيس مرقس الأفسسيّ

 
إنَّ نفوسَ القدّيسِينَ الراقدينَ بالإيمان تسكنُ في الروحِ القدسِ كمكانٍ مُنير. إنّهم يحيَونَ في تألُّقِ النورِ الإلهيّ كوجهٍ يُومِضُ داخلَ خلفيّةٍ ذهبيّةٍ لأيقونة. إنّهم في راحةٍ تامّة، أحرارٌ في السّماءِ مع الملائكة.
 
إنّهم حقًّا في الفردوسِ مِن حيث سقطَ آدم.
 
عن هذا النُّورِ، كسَكَنٍ في الروحِ القدس، تكلَّمَ الكتابُ المقدَّسُ وآباءُ الكنيسة.
 
نفوسُ الأبرارِ هي مِثلُ أصدقاءِ المَلِك، الذين تلقَّوا دعوةً إلى عشاءٍ مُلُوكِيّ.
 
يتحرّكونَ تجاهَ اللهِ بِفَرح، ناظرِينَ ضياءَ القصرِ في الأُفُق، ومتأمّلينَ ساعةَ الاحتفالِ الآتية. ويقولُ القدّيسُ غريغوريوسُ اللاهوتيّ، واصفًا النّفسَ في هذه الحالة، أنّها تتقدّمُ بِشُكرٍ إلى الأمامِ نحوَ الله، وأنّها في راحةٍ وفي حركةٍ في آنٍ واحد، تغتبطُ بمعاينةٍ مثبّتةٍ على الله، ومع هذا تتقدّمُ أبديًّا نحوَهُ. هذه الحركةُ الثابتةُ والمستقرّةُ في آن، نجدُ صداها في تعليمِ الآباء عن "السُّكرِ الصاحي" (sober inebriationو"النومِ اليَقِظ" (watchful sleep).
 
إنّ الكلماتِ والصُّورَ تبقى عاجزةً عن وصفِ معاينةِ الله التي لا تُدرَكُ كَنُورٍ غيرِ مخلوق.
 
يُشرِفُ القدّيسونَ على مكانِ بقاياهُم المقدَّسةِ التي صارت أمكنةً مقدّسةً للعبورِ واللقاء. القدّيسونَ يُكرَّمُونَ في هياكلِهم ويَخدِمونَ كَشُفَعاء، يُصغُونَ بانتباهٍ، ويتوسّطونَ بالنيابةِ عن الكنيسة.
 
حضورُ المقدَّسِينَ يُقدِّسُ المَدى أو المكانَ الليتورجيّ، لكنّ حضورَهم في هذا المدى المادّيّ البَحت، يعني أنّ النّفسَ الحاضرةَ هُناك لا تستطيعُ أن تكونَ حاضرةً مع اللهِ بشكلٍ كامل.
 
ليسَ بإمكانِهم أن يكونوا فَعّالِينَ وحاضرينَ مع المؤمنين، وفي الوقتِ ذاتِه يمجّدونَ اللهَ ويتمتّعونَ بمعاينةٍ نقيّةٍ له.
 
لهذا السبب معاينةُ القدّيسِينَ وغبطتُهم هي غيرُ كاملة. لكنّ نفوسَهُم البارّةَ تحوي في داخلِها العُربون للكمالِ التامّ والنهائيّ. لهذا، فهي تعيشُ الآنَ حالةً التوَقُّع، حيثُ "تترجّى قيامةَ الموتى"، في تعاضُدٍ معَ جسدِ الكنيسةِ كُلِّه.
 
لكن، بعدَ قيامةِ أجسادِهم الخاصّة، سيتمتّعونَ بمعاينةٍ أشدَّ صَفاءً وأكثرَ كمالًا مِمّا تعاينُ نفوسُهم بدونِ أجسادِها. حينئذٍ سيشعّونَ كالشمس، وسيكونونَ حقًّا كالنورِ ذاتِه الذي شَعَّ من الربّ يسوعَ المسيحِ على جبلِ ثابور.
 
أمّا الخاطئون الذي انتقلوا مِن هذه الحياة، فيكونونَ محرومين من النور مُغلَقًا عليهم في سجنٍ إلى أن يأتيَ الديّان. نُفوسُهم تتطلّعُ إلى المستقبل، إلى الدينونةِ الآتية، كما تتطلّعُ نفوسُ الأبرار، لكنْ بخوفٍ ورِعدة.
 
وبما أنّهم في السجن، فهم غيرُ قادرينَ على القيامِ بأيّةِ حركةٍ نحوَ الله، لأنّ حركةَ الإرادةِ والأفعالِ هي بالضرورةِ محصورةٌ في هذه الحياة. لكنّ الكنيسةَ تصلّي لأجل هؤلاء، لعلّهم يجدونَ بعضَ الراحة.
 
بينَ هذَين المكانَين، النور والظلمة، لا يوجَدُ مكانٌ وسط. لا يمكنُ أن يكونَ هناك مكانٌ ثالثٌ مُطَهِّر. النَّفسُ تقفُ على أحدِ الجانبَين، حيثُ "هُوّةٌ عظيمةٌ قد أثبِتَت"، لا يمكنُ عبورُها.