الأحد 20 شباط 2022          

الأحد 20 شباط 2022          

16 شباط 2022

الأحد 20 شباط 2022          
العدد 8
أحد الاِبن الشاطر
اللَّحن الثاني الإيوثينا الثانية

 
* 20: لاون (Leon) أسقُف قطاني، الأب بيساريون (Vissarion)، * 21: البارّ تيموثاوس، إفستاثيوس (Evstathios) الأنطاكيّ، * 22: وجود رُفات الشُّهداء المجهولين في محلّة إفجانيوس القسطنطينيّة،
* 23: بوليكربوس أسقُف إزمير، القدّيسة غورغوني أخت القدّيس غريغوريوس اللاهوتي، * 24: العثور على هامة السابق أوّلًا وثانيًا، * 25: طاراسيوس (Tarasios) رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 26: سبت الأموات، بورفيويوس أسقُف غزة، فوتيني السامريّة، البارّ ثاوكليتُس (Theoklitos). *
 
           
الاِبن الشاطر
 
يُوصَفُ الاِبنُ الشاطر أيضًا بِالمُسرِف، المبذّر enfant Prodigue. يكشف لنا هذا الإنجيل معنى التوبة، ويُسلّطُ الضوءَ على عظمةِ الرحمة الإلهيّة، Miséricorde divine، محبّة الآب الرحوم مع كلّ تحنّنه.
 
لنا أن نقضي صومنا الأربعينيّ في جهاد التواضع مع المسيحِ الذي تالّم بداعي خطايانا، لكي يقودَنا إلى فرح القيامة:
 
"إنّ كنّا نتالّم معه لكي نتمجّدَ أيضًا معه. فإنّي أحسَب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رومية 8: 17-18).
 
قصّة الاِبن الضالّ تكشف عن هذا الحبّ الرحوم l'amour miséricordieux، الذي يغفر كلّ أذيّة، إعلانِ الله مفتاحاً لكلّ الخليقة، محبّةً تفوق على كلّ مادة هذا الكون العظيم الهائل. ليس باستطاعتنا أن نستوعب كم أن الآب يحبّنا، يُحبُّ أبناءه العُصاة، كم أن المسيح يعشق عروسه الخائنة (1).
 
هذه حقاً كانت مغامرة عمليّة الخلق كلّها. هذا هو سرّ اتّحاد الله بالإنسانية كلّها، خليقته.
 
مفتاح تاريخ الخلق لا يقتصر على محبّة الآب الخالق تجاه ابنه في الروح القدس ضمن حضن الثالوث،


بل أيضًا يتخطّى ذلك إلى حبّ خليقته الإنسان، عالماً مسبقاً أنّ هذا الأخير سوف يُنكره. عندها يستطيع أن يُظهر له، أي لهذا الاِبن الضالّ، مدى اتّساع رحمته وغفرانه.
 
هذا باختصار ما يلخّص مغامرة الخليقة بأسرها.
 
في مَثَلِ الاِبن الضالّ، نرى الآبَ يعطفُ على الخاطئ أكثر ممّا يعطف على الاِبن الأكبر الذي بقي وفيًّا لأبيه. نرى هذا الأخير يعترض ويتعجّب من تصرّف أبيه. هذا الاِبن الأكبر يمثّل الملائكة الثائرة على الله بداعي رحمته الإلهيّة الغزيرة.
 
في مَثَلِ الخروف الضالّ (لوقا 15: 4-7) يقول لنا المسيح "هكذا يكون فرحٌ في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون الى توبة".
 
هذا يعني أنّ الله الآب يفرح أكثر من أجل الإنسانيّة الخاطئة والعائدة إليه أكثر من الملائكة التي بقيت وفيّة له.
 
راجع قصة طوبيّا Tobieفي العهد القديم.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
طروباريّة القيامة باللّحن الثاني
 
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتك وعندما أقمتَ الأموات من تحتِ الثّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوّاتِ السّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.
 
قنداق أحد الابنِ الشاطِر باللحن الثالث
 
لمّا هجرتُ مجدَك الأبويّ عن جهلٍ وغباوة، بدَّدتُ في الشّرور الغنى الذي أعطيتَني أيُّها الأب الرَّؤوف. لذلك أصرخ إليك بصوت الابنِ الشاطر هاتفاً: خطئتُ أمامك فاقَبلني تائباً، واجعلني كأحد أُجرائك.
 
القنداق نفسُه موزونًا:
 
قد عَصَيتُ مجدَكَ. بِجَهلٍ أَيُّها الآبُ. وَبَدَّدتُ في الشرّور. ما قد أعطَيتَ مِن ثروة. إلى المخَلّصِ ضارعين. أيّها الحَسَنُ المُصالحةِ ارحمنا.
 
الرِّسَالة
1 كو 6: 12-20
 
لتكُن يا ربُّ رَحْمتكَ علينا 
إبتهجوا أيُّها الصدّيقون بالرّبّ

 
يا إخوة، كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ شيءٍ مُباحٌ لي ولكن لا يتسلَّطْ عليَّ شيءٌ. إنَّ الأطعمة للجوفِ والجوفَ للأطعمة، وسيُبيدُ الله هذه وتلك. أمّا الجسدُ فليسَ للزِّنى بل للرَّبِّ والربُّ للجسد. واللهُ قد أقام الربَّ وسيُقيمُنا نحن أيضًا بقوَّته. أما تعلمون أنَّ أجسادَكم هي أعضاءُ المسيح؟ أفَآخُذُ أعضاءَ المسيح وأجعلُها أعضاءَ زانيةٍ؟ حاشا! أما تعلمون أنَّ من اقترنَ بزانيةٍ يصيرُ معها جسداً واحداً، لأنَّه قد قيلَ يصيران كلاهما جسداً واحداً. أمّا الذي يقترنُ بالرَّبِّ فيكون معه روحًا واحداً. أُهربوا من الزِّنى، فإنَّ كلَّ خطيئةٍ يفعلُها الإنسانُ هي في خارج الجسد، أمّا الزّاني فإنَّه يخطئ إلى جسدِه. ألستم تعلمون أنَّ أجسادَكم هي هيكلُ الرُّوح القدس الذي فيكم، الذي نلتموه من الله، وأنَّكم لستم لأنفُسِكم لأنَّكم قد اشتريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادِكم وفي أرواحكم التي هي لِلَّه.
 
الإنجيل
لو 15: 11-22

 
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ كان له ابنان. فقال أصغرهُما لأبيه: يا أبتِ أعطني النَّصيبَ الذي يخصُّني من المال. فقسم بينهما معيشتَه. وبعد أيّام غيرِ كثيرةٍ جمعَ الاِبنُ الأصغرُ كلَّ شيءٍ لهُ وسافر إلى بلدٍ بعيدٍ وبذَّر مالَه هناك عائشاً في الخلاعة. فلمّا أنفقَ كلَّ شيءٍ، حدثت في تلك البلدٍ مجاعةٌ شديدة، فأخذَ في العَوَز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازيرُ تأكله فلم يعطهِ أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أُجَراءَ يَفضُلُ عنهم الخبزُ، وأنا أهلك جوعًا. أقومُ، وأَمضي إلى أبي، وأقولُ له: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وإليك، ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أُجَرائِك. فقام وجاء إلى أبيه. وفيما هو بعدُ غيرُ بعيد، رآه أبوه فتحنَّن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عُنقه وقبَّله. فقال له الاِبنُ: يا أبتِ، قد أخطأتُ إلى السَّماء وأمامَك، ولستُ مُستحقّاً بعدُ أن أُدعى لكَ ابناً. فقال الأبُ لعبيده: هاتوا الحُلَّة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتماً في يده وحذاءً في رجليه. وائتوا بالعجل المُسمَّن واذبحوه فنأكلَ ونفرحَ، لأنَّ ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالّاً فوُجد، فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبرُ في الحقل. فلمّا أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغِلمان وسأله ما هذا؟ فقال له: قد قَدِمَ أخوك، فذبح أبوك العجل المسمّنَ لأنّه لَقِيَهُ سالماً. فغضب ولم يُرِدْ أن يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسّل إليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنينَ أخدمُكَ، ولم أتعدَّ لك وصيَّةً، فلم تُعطِني قطُّ جَدْياً لأفرح مع أصدقائي. ولمّا جاء ابنُكَ هذا الذي أكل معيشتَك مع الزواني، ذبحتَ له العجلَ المسمَّن. فقال له: يا ابني، أنتَ معي في كلّ حين، وكلُّ ما هو لي فهو لك. ولكنْ، كان ينبغي أن نفرح ونُسَرَّ، لأنَّ أخاك هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالًّا فوُجِد.


حول الرسالة
 
يعالج الرسول بولس في هذا المقطع من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، قضيّة الزنى، نتيجةَ خطيئةٍ كبيرة حصلت في المدينة. وللأسف ما زالت خطيئة الزنى تنتشر بقوّةٍ في العالم كلّه، تحت مسمّياتٍ مختلفة، لكنّ الإنسانَ المسيحيّ عليه أن يهربَ مِنْ هذه الخطيئة، سيّما في الحياة الزوجيّة. لا نكابرنّ أيّها الأحبّاء، فحربُ الجسدِ ليست سهلة، ولا يمكننا أن نتغلّبَ عليها بدون نعمة الرب، وهذا يستدعي منّا السجودَ والتضرُّع والاتضاع والالتصاق بالرّب وكلمته المقدّسة. أمّا الذي يزني، أكانَ رجلاً أم امرأة، فعليه أن يتذكّر أنّ مصير جسده هو القبرُ والتُّراب، حيث سيأكله الدودُ ولن يبقى منه إلّا العظام!
يقول بولس الرسول: كلُّ الأشياء تحلُّ لي، لكن ليس كلُّ الأشياء توافق. كلُّ الأشياء تحلُّ لي، لكن لا يتسلّط عليّ شيء. لقد أدرك القدّيس بولس أنّ الإنسانَ مخلوقٌ حرٌّ، خلقه الله على صورته ومثاله، لذلك هو يشبهُ الأصلَ في كلِّ شيء، يشبهه بأنه سيّدٌ حرٌّ، والسيِّدُ تصعبُ العبودية عليه ولا يستطيع التأقلمَ معها، إن حصلت، بل تبقى نفسُه تشتاق لاستعادةِ حريّتها. لذلكَ نحن المسيحيّين لا يوافقنا أن نعملَ الخطيئة، وحرّيتنا لا ينبغي أن تقودنا إلى عبوديّةٍ من نوعٍ مبطّنٍ ومُذِلٍّ في آن، وهذا معنى قول "لا يتسلّط عليّ شيء"، فالإنسان عبدٌ ذليلٌ لما يتسلّط عليه، ونحن لا نكون أحراراً إن قاوَمْنا فقط تسلُّطَ البشرِ علينا، بل نكونُ أحراراً حقّاً عندما نقاومُ تسلُّطَ رغباتنا وأهوائنا، شهواتنا وخطايانا، وكلّ شرٍّ فينا، عند ذاك نكون أحراراً بالحقيقة.
 
ويتابع، أم لستم تعلمون أنّ أجسادَكم هي هيكلٌ للرُّوح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله! وأنّكم لستُم لأنفسكم! لأنّكم قد اشتُريتُم بثمن! فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله. يا للكرامة التي لنا ونحن نجهلها أو نتجاهلها ونهملها! الله يقيمُ فينا! أكثر الناس يرفضون أن يكونوا عبيداً لله، بحجّة الحرّية، لكن هل ندركُ أنّ مَن دفعَ ثمنَنا لنكونَ عبيداً له، يريدُنا أحراراً من كلِّ شرٍّ وخطيئة؟! هل ندرك أنّ العبودية، في هذه الحالة، تلتقي مع الحرِّية؟! هذا أمرٌ غريبٌ حقاً! لكن هل انتبهنا إلى الأمر الأكثر غرابة؟ إلى ذاكَ السيِّد الذي دفع ثمنَ عبيدِه، ليخدُمَهم، بدلَ أن يخدُموه؟! ونحن نعلم أنّ العبيدَ هم الذين يخدمون سيِّدَهم الذي اشتراهم! لقد دفعَ السيِّدُ ثمنَ عبيده، دمَه الكريم الذي سفكه على الصليب -أبشع أداةٍ للإعدام والموت- لا من أجل أن يستعبدَهم! بل من أجل أن يحرِّرهم! ومن أجل أن يجعلَهم أبناءَهُ إن أرادوا! ومن أجل أن يمنحَهم سلامَه (يو14)، وفرحَه (يو15و17)، وكلّ خيرٍ والحياة الأبدية!
 
غريبٌ أمرُ هذا السيِّد الإلهيّ، الذي نناديه "أبانا الذي في السماوات"! لكن هذا هو الحبُّ الإلهيّ، هذه هي العبوديةُ المحرِّرة، إِنْ شِئْنا أَنْ نقبلَها!
 
تأمّل في المزمور الخمسين
للمطران بولس يازجي
مِن كتابه "مصاعدُ القلب"
 
هل تستطيعُ الحكمةُ البشريّةُ أن تختارَ المواقفَ الصحيحةَ للحياةِ دائمًا؟ نعم، ولكنْ في الأحرار!

كم من الناسِ امتلكوا الحكمة! سليمانُ "الحكيم" ذاتُه، وأبوه داوود الملك والمرنّم، امتلكا من الحكمةِ الكثير، لكنّهما أخطأ. مهما كان الإنسانُ حكيمًا، إذا سقطَ تحتَ عبوديّةِ الأهواءِ عفوًا أم عمدًا، عن معرفةٍ أو عن غيرِ معرفة، يَصيرُ عبدًا لها، ويسقطُ من مرتبةِ السيّد إلى مصافّ العبيد، ومن علوِّ الحُكماء إلى بُقعةِ الجُهَلاء.
 
"الجَهلُ" هو السببُ الأوّلُ لارتكابِ الخطيئة، لأنّه عندما نجهلُ سببَ سعادتِنا ننقلُ مركزَ غبطتِنا من الله إلى الشهوات. وهذا هو عدمُ الحكمةِ بعينِه. لكنّ الحكمةَ غالبًا ما تستيقظ. ولا يتركُ اللهُ عبيدَه الذي أحبّوه، مهما ابتعدوا عنه بِجَهل، إذْ تَقُودُهم الأهواءُ والمُيول، وإنّما يشاءُ عودةَ الخاطئِ فيحيا.

هذا ما يحصلُ مع كلّ إنسان، وهذا ما حصل مع النبيّ داوود، ذاك الرجلِ الهائمِ بمحبّةِ الله، فقد تملّكَتْهُ الشهوةُ يومًا، مِن مشهدٍ مفاجئ، فعطّلَتْ فيه حكمتَه. وانقلبَ الملكُ الحكيمُ المحبُّ لله إلى عبدٍ خاضعٍ لِشَهوتِه. ونَسِيَ، في سَكرةِ هَواه، ناموسَ الربّ الذي كان لذّتَهُ، وبه كان يَلهَجُ ليلَ نهار.

إذا تملّكَ الهوى قلبَ الإنسان، أعمى بصيرتَهُ ودفعَهُ إلى تحقيقِ رغبتِه دونَ وازِعٍ مِن ضميرٍ ولا مِن ناموسٍ أو مِن محبّةٍ أخويّة. هكذا أَسقَطَتِ الشهوةُ داوودَ في خطيئةِ القتلِ أيضًا. فبينما كان هذا القلبُ عفيفَ الحُبِّ لله، انقلبَ إلى مَرتَعٍ للرّغَبات، عندما لم يسيطرْ على حواسّهِ الخارجيّة، ولم يتيقّظْ في طريقِه ذاتَ مرّة. وطمسَ الهوى في قلبِ داوودَ كلّ حِسٍّ بالعدالةِ والرأفة، وغطّى على كُلِّ ما جرى. وتناسى الملكُ العادلُ جُرمَهُ وفِعلَه، إلى أن أرسلَ اللهُ نبيّهُ ناثان، الذي طرحَ على الملكِ قصّةَ ظُلمٍ، مِن خلالِ مَثَلٍ، فحكمَ داوودُ فيها بِغَضَبٍ إلهيٍّ وَبِعَدْل. فما كان مِن ناثان إلّا أن قالَ له: أنتَ هو الظالِمُ أيّها الملك.
عند ذلك، أيقظَ الغضبُ حكمةَ داوودَ النائمة، ونزعَ عنه سيطرةَ الهوى وعَماه، وانتقضَ النبيُّ الجريح، فأسرعَ إلى إرضاءِ الله، فجاءت عباراتُه من أقوى كلماتِ التوبةِ التي عرفَتْها البشريّة.

إنّ المزمورَ الخمسين هو "صلاةُ التوبة". كثيرةٌ هي الصلواتُ والمزاميرُ التي تحملُ في طيّاتِها "توبةً"، إلا أنّ المزمور الخمسين هو قِمّتُها. مِن هُنا نَفهمُ سببَ استخدامِه المتواتر في الكنيسة بشكلٍ مميّزٍ عن سائرِ المزامير. فَبِهِ تبدأُ صلاةُ نصفِ الليل، ويُعادُ في صلاةِ السّحَر، وفي صلواتِ الساعاتِ نكرّرُه. أضفْ إلى ذلك صلاةَ النومِ الصّغرى والكبرى.

عندما نصلّي، يتوجّبُ علينا أوّلًا أن نفتحَ شِفاهَنا، وأن نخصّصَ الوقتَ، وأن نجدَ لها المكان قدرَ المستطاع. ثمّ بعد ذلك علينا أن نفهمَ بالذهنِ ما نقرأ وما نقول، أن نصلّيَ بذهنِنا، أن يَحضُرَ الذهنُ في الصلاة، وعند ذلك لا بدّ مِن أن تنزلَ الصلاةُ إلى القلبِ وترويه.
 
إلا بالصلاة والصوم
 
لا يوجد صوم بدون الإمتناع عن الطعام. ويبدو أن كثيرين اليوم إمّا لا يأخذون هذا الإمتناع جديّاً أو أنّهم يسيئون فهم حقيقة غايته الروحيّة. وعند البعض يقوم الصوم على الإمتناع "عن بعض الأمور" وعند الآخرين هو محافظة دقيقة على القواعد الطعاميّة. ولكن في الحالين، نادراً ما نجد هذا الإمتناع مرتبطاً بالجهد الصيامي.

إذاً علينا أولاً أن نحاول فهم تعليم الكنيسة حول الصوم وبعدها نسأل أنفسنا: كيف نستطيع تطبيق هذا التعليم في حياتنا؟

فالصوم أو الإمتناع عن الطعام ليس وقفاً على المسيحية وحدها. بل هو موجود في أديان أخرى وحتى خارج الدين مثلاً "كعلاج" لبعض الأمراض. والناس اليوم يصومون (أو يمتنعون) لعدة أسباب منها أحياناً سياسيّة.

إذاً من المهم جداً أن نميّز المحتوى المسيحيّ الفريد للصوم.
يظهر الصوم لنا أوّلاً في ذلك الارتباط بين حَدَثين نجدهما في الكتاب المقدس:
أحدهما في بداية العهد القديم والثاني في بداية العهد الجديد. الحَدَث الأول هو كَسر آدم للصوم في الفردوس، عندما أكل من الثمار المحرّمة. وهكذا انكشفت لنا خطيئة الإنسان الأول. أمّا المسيح، آدم الجديد - وهذا هو الحدث الثاني- فيبدأ بالصوم.
جرّب آدم فوقع في التجربة، أمّا المسيح فقد تغلب عليها. نتيجة فشل آدم كان الطرد من الفردوس والموت، أمّا ثمار غلبة المسيح فكانت حطم الموت وعودتنا للفردوس.
ويمنعنا ضيق المجال الآن من الاستفاضة بشرح معنى هذا التوازي بين آدم والمسيح. ولكنّه واضح في هذا المنظار أنّ الصوم هو أمر حاسم ومهم جداً. ليس هو مجرد "فرض" أو إعادة. إنّه مرتبط بسرّ الحياة والموت نفسه وبالدينونة والخلاص.
إذاً، الصوم بالنسبة لنا نحن المسيحيين، هو دخولنا ومشاركتنا في خبرة المسيح التي بها حرّرنا من الاعتماد الكليّ على الطعام والمادة والعالم. ولكن تحريرنا ليس كاملاً.
فما دمنا في هذا العالم الساقط، عالم آدم القديم - ونحن جزء منه- نبقى معتمدين على الطعام. ولكن كما أنّ موتنا، الذي فُرض علينا أن نمرّ به، قد أصبح بموت المسيح ممراً إلى الحياة، كذلك الطعام الذي نأكله والحياة التي يشدّدها، يمكنها أن تكون حياة في الله ومن أجل الله. إن جزءًا من طعامنا قد أصبح طعام الأبدية أي جسد المسيح نفسه ودمه.
حتى الخبز اليومي والذي نأخذه من الله، يمكن أن يكون في هذه الحياة وفي هذا العالم شركة لنا مع الله بدل أن يفصلنا عنه.
وليس هناك إلا الصوم الذي يمكنه أن يقوم بهذا التحوّل، معطياً إيانا البرهان الوجودي على أن اعتمادنا على الطعام والمادة ليس كليّاً وليس مطلقاً. وإذ يقترن الصوم بالصلاة والنعمة والعبادة يمكنه نفسه أن يصير روحياً.