الأحد 15 تشرين الثاني 2020

الأحد 15 تشرين الثاني 2020

15 تشرين الثاني 2020
العدد 46
 
الأحد 23 بعد العنصرة  
اللَّحن السادس  الإيوثينا الأولى
 
 
* 15: الشُّهداء غورياس وصاموناس وأفيفس، بدء صوم الميلاد، * 16: الرسول متّى الإنجيليّ، * 17: غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيسارية الجديدة، * 18 الشّهيدان بلاطن ورومانس، * 19: النبيّ عوبديا، الشَّهيد برلعام، * 20: تقدمة عيد الدَّخول، غريغوريوس البانياسيّ، بروكلس بطريرك القسطنطينيّة، * 21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل. * 
 
 
الصلاة
 
بدون النعمة الإلهيّة لا يستطيع الإنسان أن يتمّم أيَّ شيء. الصلاة استراحة للنفس. تُدخل الدفءَ والسلامَ إليها وتنقلها إلى أجواء روحيّة. يقولُ الكتاب: "كلّ ما تطلبونه في الصلاة ثقوا أنّكم قد نلتموه" (مرقس 11: 24).
 
وأيضًا "أطلبْ أوّلَ كلّ شيء أن تُقامَ صلوات لأجل جميع الناس" (1 تيمو 2: 1).
 
Je vous conjure avant tout de prier   وعن الرسل الأوّلين يقول: "كانوا يواظبون كلّهم بنفس واحدة على الصلاة" (أعمال 1: 14). وأيضًا "افرحوا كلّ حين صلّوا بلا انقطاع اشكروا اللهَ على كلّ شيء".
 
الصلاة المستمرّة تجعلنا نبلغ الصلاةَ النقيّةpure  prière التي هي أمّ الحياة الروحيّة. يقول القدّيس إسحق السريانيّ: "إحصلْ على الأمّ تقتنِ كلّ نسلٍ بعدها" هذا يعني أنّ علينا أن  نكتسب الصلاة النقيّة لكي نحصل على الفضائل كلّها. سأل مرّة التلاميذ يسوع "يا ربّ علّمنا أن نصلّي... فقال لهم متى صلّيتم قولوا أبانا الذي في السموات ليتقدّس اسمك..." (لوقا 11: 1). 
 
الصلاة يمكن أن تكون أمام وجه أيقونة Proswpo ، وعندئذٍ ندخل بصلة مع المسيح، مع العذراء مريم أو مع أيّ قدّيس آخر. الصلاةُ هي الدواء الشافي، وهي لا تنفصل عن السلوك والحياة: "أنا نائم وقلبي مستيقظ". يقول القدّيس يوسف الهدوئيّ: "إنْ حَدَثَ أنْ أَودَعَ الربُّ نَفْساً بين يديك، علّمها شيئاً واحداً وهو الصلاة، والصلاة بِدَورِها تُعَلِّمُ تلكَ النَّفْسَ كلَّ شيء آخَر، وتقدّسها". كان القدّيسُ يقصد بذلك صلاة يسوع التي شغلت حياته كلّها.
 
الصلاة عملٌ مجّانيّ، عطاءٌ لا يبغي أيَّ مقابل مادّيّ. يسكب الإنسان نفسه أمام الله بألم ولكن أيضًا بفرح طالباً الرحمة بشكر جزيل. هذا كلّه يطرد الخوف، يُعطي الأمان في النفس، يشفيها من أوجاعها. 
 
العالم اليوم بحاجة إلى صلاة حقيقيّة، مجانيّة موجّهة إلى الله، وأيضًا موجّهة إلى كلّ إنسان مهما كان جنسه أو طائفته أو عرقه. النفس أفضل بيت للربّ، عندها تكون الصلاة عبادةً بالروح والحقّ. الحقّ هو المسيح بعينه.
 
الصلاة المستمرّة، صلاة يسوع، تدخلنا إلى الحياة الإلهيّة الأبديّة eternity زواج سرّي مع المسيح. هذه الأزلية مرتبطة بقيامة النفس قبل القيامة العامّة.
 
فيها تحرّرٌ من هذا العالم المحدود، رؤيةٌ للنور الإلهيّ، شعورٌ غريبٌ بالحبّ لكلّ انسان ولكلّ خليقة.
 
+ افرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
طروباريّة القيامة باللّحن السادس
 
إنَّ القوّاتِ الملائكيّة ظهروا على قبرك الموّقر، والحرّاس صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عندَ القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّب منها، وصادفتَ البتول مانحاً الحياة، فيا من قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ، المجدُ لك.
 
قنداق دخول السيدة إلى الهيكل باللّحن الرابع
 
إنّ الهيكل الكلّي النَّقاوة، هيكل المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبِ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتسَبِّحْها ملائكة الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماوية.
 
 
الرِّسَالة 
أفسس 2: 4-10 
 
خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثك 
إليك يا ربُّ أصرُخُ: إلهي
 
يا إخوةُ، إنَّ الله، لكونِهِ غنيًّا بالرحَمةِ، ومن أجل كثرَةِ محبّتِه التي أحبَّنا بها حينَ كُنّا أمواتًا بالزّلّات، أحيانا مع المسيح (فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصون)، وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السماويّاتِ في المسيحِ يسوع، ليُظهِرَ في الدهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللطفِ بنا في المسيح يسوع، فإنَّكم بالنِعمَةِ مخلَّصونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله، وليسَ من الأعمال لئلاَّ يفتخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوع للأعمال الصالِحةِ التي سبقَ الله فأعَدَّها لنسلُكَ فيها.
 
الإنجيل
لو 10: 25-37 (لوقا 8)
 
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ وقال مجرّبًا لهُ: يا معلّمُ، ماذا أعملُ لأرِثَ الحياةَ الأبديَّة، فقال لهُ: ماذا كُتِبَ في الناموس؟ كيف تقرأُ؟ فأجابَ وقال: أحبِبِ الربَّ إلهكَ من كلِّ قلبِك ومن كلّ نفسِك ومن كلّ قدرتِك ومن كلّ ذهنِك، وقريبَك كنفسِك، فقال لهُ بالصواب أجبتَ. إعمَلْ ذلك فتحيا. فأراد أن يَزكّي نفسَهُ فقال ليسوعَ ومَن قريبي؟ فعاد يسوع وقال: كان إنسانٌ منحدِراً من أورشليمَ إلى أريحا، فوقع بين لصوصٍ، فعَرَّوهُ وجرَّحوهُ وتركوهُ بين حيٍّ وميتٍ. فاتَّفق أنَّ كاهناً كان منحدراً في ذلك الطريقِ، فأبصرَهُ وجاز من أمامهِ، وكذلك لاوِيٌّ، وأتى إلى المكانِ فأبصرَهُ وجازَ مِن أمامِه. ثمَّ إنَّ سامِريًّا مسافِرًا مرَّ بِه فلمَّا رآهُ تحنَّن، فدنا إليهِ وضَمَدَ جراحاتهِ وصَبَّ عليها زيتاً وخمرًا وحملهُ على دابَّتهِ وأتى بهِ إلى فندقٍ واعتنى بأمرِه. وفي الغدِ فيما هو خارجٌ أخرَجَ دينارين وأعْطاهما لصاحِب الفندقِ وقالَ لهُ اعتَنِ بأمرهِ. ومهما تُنفق فوقَ هذا فأنا أدفَعَهُ لك عند عودتي، فأيَّ هؤُّلاءِ الثلاثةِ تَحسَبُ صار قريباً للذي وقع بين اللصوص؟ قال: الذي صنع َ إليهِ الرحمة. فقال لهُ يسوع: امضِ فاصنعَ أنتَ أيضاً كذلك.
 
في الإنجيل
 
إنسان كان منحدراً من أورشليم الى أريحا فوقع بين يدي اللصوص فجرّحوه وجعلوه بين حيّ وميت. 
 
مرّ كاهن من هناك فأهمل الجريح ولكنّ السيّد لامه. فالجريح أفضل من الهيكل والإنسان أفضل من الذبيحة، فالذبيحة غايتها المحبّة، والإنسان غير المحبّ لا تُقبل ذبيحته.
 
ثمّ مرّ لاويٌّ، واللاوي في لُغتِنا الشمّاس. وهذا أيضاً أهمل المريض.
لامهما يسوع لأنّهما كانا يعلمان وصيّة الله في الكتاب المقدّس "أحبب قريبك كنفسك".
 
وبعد هذا مرّ رجل غريب، غريب الدين، غريب الجنس، سامريّ. والسامريّون قوم اختلطت دماؤهم بدماء أجنبيّة، واختلطت عبادتهم بعبادة أجنبيّة، فرفضوا الأنبياء، كما أنّهم رفضوا جزءاً كبيراً من التوراة. هذا الرجل الغريب اعتنى بالجريح، وبلغت عنايتُه به حدّ حملِه على دابّته، والذهاب به إلى فندق، والإنفاق عليه بسخاءٍ لكي يعتني به صاحب الفندق.
 
الأمر الذي يستدعي انتباهنا في هذا المثل هو إهمال الكاهن واللاويّ، وكأنّ يسوع أراد أن يقول لنا إنّ الخطيئة لا تكمُنُ في ارتكابَ فعلٍ سيِّئ وحسب، بل هنالك خطايا أخرى تنتجُ عن الإهمال أو الغفلة. أنا أكون غافلاً عن الله إن لم أنفق من وقتي وحياتي ومالي وصحّتي من أجل كُلِّ مَن أَلْقاه مَرْمِيّاً في درب حياتي،كُلِّ مَن أَلْقاه بحاجة الى عنايتي.
 
"من هو قريبي؟". أجاب يسوع: قريبك هو من تجعله أنت قريباً لك، إذ إنّك تستطيع أن تجعل الناس مقرَّبين إليك في المحبّة.
 
وكيف أتقرّب من الناس؟ أتقرّب منهم بأن أذهب اليهم. القريب هو الإنسان الذي وضعه الله في طريق حياتنا. قريبي هو من أراه كُلَّ يوم. على سبيل المثال قريبُ المعلِّمِ التلميذ، قريبُ الزوجِ الزوجة، وقريبُ رَبِّ العملِ العامِل. 
 
الصدمات تأتينا من الناس الذين نعايشُهم كُلَّ يوم، ويسوعُ ينبِّهُنا إلى أنّ العناية هي بالضبط لذلك الذي نعيش معه تحت سقف واحد، ذلك الذي نتعامل معه كلّ يوم. ولهذا علينا أن نحيا المحبّة بصورة حاسمة دقيقة إزاء البشر الذين نعيش معهم ملتصقين بهم. المحبّة تفترض إنتباهاً متواصلاً. فهذا الذي جعلته قريبي أكون قد جعلته قريباً لله.
 
استعدّي يا بيت لحم 
 
ها قد اقترب عيد الميلاد. وابتدأ المؤمنون يستعدّون لاستقبال السيّد له المجد. همّهم أن يحوّلوا قلوبهم مطارح ينزل فيها "الكلمة" الذي صار بشراً فسكن بيننا" (يوحنا 1: 14).
 
ابتدأنا بالصوم في اليوم الخامس عشر من تشرين الثاني، لكي نتهيّأ لاستقبال العيد العظيم. والصوم أساساً هو فترة توبة وابتهال ومحبّة، لا مجرّد انقطاع عن بعض المأكل.
 
جوهرُ الصّومِ هو تحرُّكُ القلبِ نحو الله والقريب بالتنقية والغسل، لكي يُولَدَ الربُّ في قلوبِنا. 
 
لأنّ الربَّ لا يتّخذُ له مسكناً إلّا القلوب الطاهرة المتبتِّلة له وحده، إنّه إلهٌ غيور، يرفض أن يشاركه هوى.
 
فخير استعدادٍ للميلاد هو في العمل على أن تذبل الأهواء في قلوبنا، وفي هذا تكمن الغاية من الصيام. 
 
لقد وضعته الكنيسةُ المقدَّسة كي يساعدنا على بلوغ هذه الغاية فنلقى العيد الآتي بقلوب ناصعة بيضاء مشرعة ومصابيحها متّقدة منيرة، فيدخل إلينا ربّ المجد ويتعشّى معنا ونتعشّى معه (رؤيا 3: 20) فيصير الميلاد واقعًا يوميًّا لا عيداً حَوليّاً، ولا يعود ذكرى بل عيد نذوقه كلّ لحظة.
 
كيف نستعدّ لاستقبال العيد؟
 
بالتوبة، والحبّ والصلاة. والتوبة دموع ولهب وتعرٍّ. التائب تغسله دموعه وتزيل عنه الأدران والأوساخ وتجعله برّاقاً مضيئاً بعدما كدّرته أهواؤه. وبدون الدموع الراجية لن نعرف خليقة جديدة ناصعة. دموع التائب سبيله إلى الوهج الأوّل الذي خَسِرَهُ بسببٍ مِن هوى. التوبة معموديّة الدموع. والتائب أيضاً يعرف النار التي تحرق الهشيم المعشّش في دواخل نفسه، فما عاد شيء يعرقل الحياة الإلهيّة فيه، تلك الحياة التي تزرع الفضيلة فتنمو ولا يخنقها زؤان.
والتائب أيضاً يمنّ الله عليه بنعمة التعرّي. يخلع إنسانه القديم ويرميه ويرفعه رغبة في أن يتسربل بالمسيح يسوع لباساً جديداً لا يلحق به قِدم ولا وسخ.
 
هذه التوبة التغيير هي سبيلنا إلى الميلاد الحقّ، في العيد الآتي وفي كلّ لحظة.
 
إنّها تجعلنا في وصال دائم مع الله، متّجهين نحوه، ضارعين إليه، مستلهمين ضياءه، رافعين إليه الشكران والاِبتهال في كلّ آن. 
 
وهي أيضاً تحملنا على طلب وجهه اليوم في وجوه أحبّائه المهمَّشين والمعذَّبين والمضطهَدين والمنكوبين والمحزونين، فنحبّهم ونرحمهم، ونحن على ذلك قادرون طالما نرى في وجوههم وجه الطفل يسوع الذي نطلب إليه أن يتّخذ في قلوبنا مغاور يلجأ إليها ويقيم فيها ويستدفئ.
 
 
 
 
 
إنّها بعض ملامح الطريق إلى الميلاد الحقيقيّ، فهلّا أذاقنا الله حلاواته.