الأحد 17 أيار 2020
17 أيار 2020
الأحد 17 أيار 2020
العدد 20
أحد السامريّة
اللَّحن الرابع الإيوثينا السادسة
* 17: الرَّسولان أندرونيكوس ويونياس، * 18: الشُّهداء بطرس ورفقته، القدِّيسة كلافذيَّة (كلوديا)، * 19: الشَّهيد باتريكيوس أسقف برصة، * 20: الشُّهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدّيس نيقولاوس، ليديا بائعة الأرجوان، * 21: قسطنطين وهيلانة المعادلا الرسل، * 22: الشَّهيد باسيليسكوس، * 23: ميخائيل المعترف، مريم زوجةكلاوبا حاملة الطيب، سوسنَّا، الشَّهيدة ماركياني. ***
أحد السامريّة
العداوةُ التاريخيّة بين اليهود والسامريّين كانت أمرًا معروفًا. هذه العداوة تفسّر قولَ السامريّة ليسوع "كيف تطلب أن تشربَ منيّ وأنت يهوديّ وأنا امراةٌ سامريّة" (يوحنا 4: 9). يسوع، من جهتِه، لا يهتمّ بهذا التمييز بين اليهود والسامريّين، كما أنّه لا يأبَهُ لأيّ نوعٍ من التمييز الاجتماعيّ بين الناس، كالتمييز بين الرجال والنساء وسواه.
ثمّ يَسردُ لنا يوحنّا الإنجيليّ كيف انتقل يسوعُ من الحديث عن شرب الماء الى الحديث عن الماء الحيّ، إذ قالَ للمرأة السامريّة "لو كنتِ تعلمين عطيّة الله ومن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاك ماءً حيّاً" (يو 4: 10). اعتقدتِ المرأةُ انه يقصد الماءَ الجاري أمّا هو فيقصد ماءَ الحياة الأبديّة.
يقول الإنجيليُّ لاحقاً "في اليوم الأخير العظيم من العيد... قال يسوع إن عطشَ أحدٌ فَلْيُقبِلْ إليّ ويشرب. من آمن بي ... تجري من بطنه أنهارُ ماءٍ حيّ. قال هذا عن الروح (القدس) الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يوحنا 7: 37-39).
هذا ما يذكّرنا بما قاله يوحنّا المعمدان "أنا أعمّدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي... هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار" (متى 3: 11). الإنسان يعطش دائماً إلى السعادة ولكن إلى السعادة الأرضيّة. نحن نهتمّ بأمور هذا العالم الماديّ وننسى أنّنا، نحن المسيحيّين، أناسٌ لا نموت، مدعوّون لكي نحيا حياة أبديّة.
كلّ مؤمن يُصبح مثل المسيح يُنبوعَ ماء حيّ تَفيض منه حياةُ النعمة الإلهيّة ومياه التعزية.
ولكي يقود المرأة إلى الخروج من سوء الفهم إلى المعرفة الحقيقيّة يدعوها يسوع أن تأتي برجلها. الرجال الخمسة المذكورون إلماحٌ إلى الشعوب الوثنيّة المذكورة في 2 ملوك 17: 24.
حيث يقول "أتى ملكُ أشور بِقَومٍ مِن بابل وكوتَ وعوّا وحماةَ وسفروائيم وأسكنهم في مدن السامرة مكان بني إسرائيل فامتلكوا السامرة واستوطنوا فيها". لذلك قال يسوع "الذي معكِ الآن ليس رجلك" (يو 4: 18) فيشير هنا إلى ديانة السامريين غير الصحيحة.
من هنا ينتقل يسوع الى الحديث عن العبادة الحقيقيّة: قال لها يسوع يا امرأة صدّقيني أنّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب...تأتي ساعة وهي الآن حاضرة حين الساجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالروح والحقّ".
هنا إشارة إلى مجيء ساعة موت المسيح على الصليب وقيامته من بين الأموات، إشارة إلى مجيء الأزمنة الجديدة حين تُصبح العبادة ليس في هياكلَ صُنعت بالأيدي بل بالروح والحق، عبادةً في المسيح نفسه الهيكل الحقيقيّ عبادةً داخليّة، لقاء حميميّاً وروحيّاً، لا مجرّدَ عبادةٍ عقائديّة، ولا كلاميّة، لا شكليّة وطقسيّة فقط، بل سجوداً من القلب. هنا تشديد على الطابع الداخلي على الروح وليس فقط على الجسد، هذا ما يذكّرنا بما قاله حزقيال النبي "أُعطيكم قلباً جديداً، وأجعل روحًا جديدةً" في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأُعطيكم قلبَ لحمٍ. أجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامي وتعملون بها" (حزقيال 36: 26-27).
عند ذلك تركت المرأة جرّتها. أصبحت إنسانةً جديدة سُميّت فوتيني أو فوتين أي منيرة ومستنيرة تبشّر العالم بهذه العبادة الجديدة الداخليّة التي من شأنها أن تُعطينا الحياةَ الأبديّة ذوقاً مسبقاً للملكوت الآتي.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريّة القيامة باللّحن الرابع
إنّ تلميذات الربّ تعلّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين باللّحن الثامن
في انتصاف العيد اسقِ نفسي العطشى من مياه العبادة الحسنة أيها المخلّص. لأنّكَ هتفتَ نحو الكلّ قائلاً: من كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح إلهنا المجد لك.
قنداق الفصح باللّحن الثامن
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّة الججيم، وقُمتَ غالباً أيّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قُلتَ: إفرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القيام.
الرِّسَالة
أع 11: 19-30
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربّ. كلَّها بحكمةٍ صنعت
باركي يا نفسي الربَّ
في تلكَ الأيام، لمَّا تبدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضيقِ الذي حصَلَ بسببِ استِفَانُسَ، اجتازُوا إلى فِينيقَيةَ وقُبُرسَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِمونَ أحداً بالكلمِةِ إلّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قوماً منهم كانوا قُبُرسِيين وقَيْروانيين. فهؤلاءِ لمَّا دخَلُوا أنطاكيَةَ أخذوا يُكلِّمونَ اليونانيّينَ مُبشِّرينَ بالربِّ يسوع، وكانت يدُ الربِّ مَعَهم. فآمنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعوا إلى الربّ، فبلغ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ التي بأورَشليمَ فأرسَلوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية، فلمَّا أقبَلَ ورأى نعمَةَ الله فَرِحَ ووعَظَهم كُلَّهم بأنْ يثبُتُوا في الربِّ بعزيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلاً صالحاً ممتَلِئاً مِن الروحِ القدُسِ والإيمان. وانضَمَّ إلى الربِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَّ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طلبِ شاوُل. ولمَّا وجَدَهُ أتى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدا معًا سنةً كامِلة في هذهِ الكنيسةِ وعلَّما جَمعًا كثيراً. ودُعَي التلاميذُ مَسيحيّين في أنطاكِية أوّلاً. وفي تلكَ الأيّام انحدرَ من أورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبأ بالروح أن ستكونَ مَجاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيامِ كُلودُيوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التلاميذُ بحسَبِ ما يتَيسَّرُ لكلِّ واحدٍ منهم أن يُرسِلوا خِدمةً إلى الإخوةِ الساكنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبعثوا إلى الشُيوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.
الإنجيل
يو 4: 5-42
في ذلك الزمانِ أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السامرَةِ يُقالُ لها سُوخار، بقُربِ الضيعةِ التي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ابنهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ المَسير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ الساعةِ السادسة. فجاءتِ امرأةٌ منَ السامِرةِ لتستَقي ماءً. فقال لها يسوعُ: أعطيني لأشرَبَ- فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مضَوا إلى المدينةِ ليَبْتاعوا طعاماً- فقالت لهُ المرأةُ السامرية: كيفَ تَطلُبُ أن تشربَ مِنيِّ وأنتَ يهوديٌّ وأنا أمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطونَ السامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرفتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَن الذي قال لكِ أعطيني لأشربَ، لَطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيّاً. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستقي بهِ والبئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضاً، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الذي أنا أُعطيهِ لهُ فلن يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبعُ إلى حياةٍ أبدّية. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أجيءَ إلى ههنا لأستقي. فقالَ لها يسوعُ: إذهبي وادْعِي رجُلكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الذي ينبغي أن يُسجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا إمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إذ الساجدونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالروح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ الساجدينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ والذين يسجُدون لهُ فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمتُ أنَّ مَسيَّا، الذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ إمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكتِ المرأة جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للناس: أنظروا إنساناً قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعاماً لآكِلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحداً جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسلَني وأُتِّممَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم إرفعُوا عيونكم وانظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ابيضَّتْ للحَصاد. والذي يحصُدُ يأخذُ أجرةً ويجمَعُ ثمراً لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزارعُ والحاصدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحداً يزرَعُ وآخرُ يحصُد. إني أرسلتُكُم لتحصُدوا ما لم تتعَبوا أنتم فيه. فإنَّ آخرينَ تَعِبوا وأنتُم دخلتُم على تَعبِهم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السامريّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ التي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولمَّا أتى إليهِ السامريُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندهُم، فمكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدّاً من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سمعْنا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
في الإنجيل
بدأ المسيح حديثه مع المرأة السامريّة طالبًا إليها أن تُعطيه ليشرب، فإذا بالحديث يتحوَّل بأن تطلب هي إليه أن يُعطيها لتشرب. مسكينٌ هو الإنسان الذي في جهله يعتقد أنّ الربّ هو المحتاج إليه! محتاج إليه في خدمتـه، محتاج إلى صلاته وعبادته.
ولكن حينما يفتح الربّ عيوننا لنعرف حقيقة أنفسنا ونتبيَّن عجزنـــا، نعرف أنّنا نحن المحتاجون إليه وإلى مراحمــه. ولكن، ما هو الماء الذي كانت تطلبه المرأة؟
كما نعرف إنّ كلمات المسيح تحمل دائمًا معنيين: معنىً ظاهريًّا، وآخر روحيًّا عميقًا خفيًّا. وقد فهمت المرأة السامريّة "الماء الحيّ" على أنّه الماء الجاري الذي ينبع من ينبوعٍ حيٍّ وهو غير ماء الآبار.
ولكن هناك معنىً آخر للماء الحيّ، وهو الذي كان يقصده المسيح ولم تفهمه المرأة، ولم يكن هذا المعنى غريبًا على مَن يقرأ الكتب فقد تردَّد ذِكر الماء والعطش المرتبط بالعطش الروحيّ والارتواء الروحيّ؛ ولكنّ المرأة السامريّة لم تدرك هذا المعنى الروحيّ، لأنّ قلبها لم يكن قد انفتح بعد لمعرفة المسيح بل كانت منحصرة في اهتمامات الجسد. ولذلك كان لا بدّ للمسيح من أن يواجه المرأة بحقيقة حياتها أو بمعنىً آخر يكشف لها عن نفسها، فقال لها:
"اذهبي وادْعِي رجلك"؛ أي قبل أن أُعطيكِ الماء الحيّ، اذهبي أوّلاً وواجهي نفسك، وافضحي خطيئتك ثمّ تعالي واطلبي الماء الحيّ. ومواجهة الخاطئ لنفسه هي الخطوة الأولى لبدء حياته مع المسيح، وهي قيامته من بين الأموات التي بها يتهيَّأ للموت مع المسيح والقيامة معه. فالمسيح رأى المرأة السامريّة أمامه ميتة ولا تختلف عن لعازر الذي مات وأنتن في القبر، ولكي تأخذ المرأة عطيّة الله لا بدّ أن يُقيمها المسيح أوّلاً.
وكما طلب المسيح من اليهود أن يرفعوا الحجر عن قبر لعازر ليكشفوا عن الميت الذي أنتن، هكذا أيضًا طلب إلى المرأة أن ترفع الحجر عن قلبها الذي يُخفي نتانة موتها، وكانت هذه هي بداية حياتها مع المسيح. "حسنًا قلتِ... هذا قلتِ بالصّدق" عجبًا ياربّ لمحبّتك! أنت لم تَدِنّي على السُّوءِ الذي يملأ حياتي، بل مدحتَ شيئًا واحدًا حسنًا! لم تفضح كذبي الكثير، بل باركتَ قولاً واحدًا قُلتُهُ بالصِّدق!
ليتك يا ربّي تعطيني هذه العين التي لا تبحث عن الشرّ في الآخرين، بقدر ما تبحث عن الصالح فيهم! وإذا ما جلستُ لأُعدِّد خطايا الآخرين علِّمني أن أذكر فضائلهم أوّلاً، لأنّك أنت الذي علَّمتني أنّه لا يوجد إنسانٌ واحدٌ بلا فضيلة مهما كانت حياته شرّيرة، ولكنّ العين الشرّيرة لا تنظر إلّا إلى الشرّ. أعطني ياربّ أن أكون شفوقًا رقيقًا في معاملة أخي، وفي محبّةٍ وصبرٍ أحتمل ضعفه حتّى أكتشف بابًا منه أدخل إلى أعماق قلبه وأربحه لك.
"قالت له المرأة: يا سيّد، أرى أنّك نبيّ، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه. قال لها يسوع: يا امرأة، صدِّقيني أنّها تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب".
لقد انفتحت عينا السامريّة لتُبصر المسيح كنبيٍّ، حتّى وإن كانت هذه المعرفة معرفة غير كاملة، لكنّ المسيح احتملها حتى تصل إلى كمال معرفته كمسيَّا والإيمان به أنّه المسيح المنتظر. أين نسجد؟ حينما تلامست المرأة مع نعمة المسيح حالاً تساءلت:
أين تجد الله؟ كيف تعبد الله؟ هل في أورشليم حيث يوجد الهيكل العظيم؟ أم على جبل جرزيم؟ لأنّ السامريين كانوا يعتقدون أنّ جبل جرزيم هو الجبل الذي عليه قدَّم إبراهيم ابنه إسحق ليذبحه ذبيحةً للربّ، وفي هذا الجبل تقابل إبراهيم مع ملكيصادق. ومن أجل هذا كانوا يُقدِّمون ذبائحهم على جبل جرزيم، أمّا بقيّة اليهود فكانوا يعتقدون أنّ هيكل أورشليم هو مكان تقديم الذبيحة. ولهذا تساءلت السامريّة في حيرة: أين ينبغي أن تسجد وتعبد؟
وهكذا تُحرِّكها نعمة الربّ إلى طلب الماء الحيّ. ولم يكن ممكنًا أن تُدرك هذا الماء الحيّ أوّلاً قبل أن تتوب، ولكن بعد التوبة تأتي العبادة، والذبيحة. أية ذبيحة تُقدِّم؟ وأين تُقدَّم هذه الذبيحة؟ أين هو الهيكل الحقيقيّ؟ وهنا يُفاجئها المسيح بإعلانٍ آخر يقترب بها أكثر إلى معرفة الحقّ الذي تجهله: "يا امرأة، صدِّقيني أنّها تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب". "يا امرأة"! هكذا يُخاطب المسيح هذه المرأة، وهو بهذا يُعيد إليها كرامتها كابنةٍ لله. هذه الكرامة التي فقدتها بسبب خطيئتها، لأنّها الآن خليقة جديدة في المسيح؛ أمّا الإنسان العتيق فقد مضى وزال.
"إنّها تأتي ساعة": أيّة ساعة هذه؟ الساعة التي يرتفع فيها المسيح على الصليب فاديًا العالم بذبيحة نفسه. الساعة التي فيها ينشقّ حجاب الهيكل. الساعة التي يتمجَّد فيها الله الآب حينما يكمل ابنه الوحيد كمال طاعة الإنسان لله في جسده القائم من بين الأموات. في هذه الساعة لا يحتاج الإنسان الخاطئ إلى دم الحيوان ذبيحة، لأنه "ليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرّةً واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبديًّا." (عب 9: 12) "لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب"، هنا تحوُّلٌ روحيٌّ عميق في معنى العبادة يُقدِّمه المسيح للمرأة السامرية، إذ يقول لها إنّ عبادة الله لم تَعُد قاصرة على مكان معيّن يتقابل فيه الخاطئ مع الله؛ بل الآن يستطيع الإنسان الخاطئ أن يتقابل مع الله في المسيح وبالمسيح.
وحيثما يوجد الله توجد الفرصة أمام كلّ خاطئ أن يتقدَّم إليه بدم المسيح. فلم يَعُد مكان العبادة هو هيكل أورشليم، بل الهيكل الجديد الذي هو جسد المسيح؛ إذ قال عن جسده: "انقضوا هذا الهيكل". هذا هو الذبيح والهيكل معاً، وحيثما يوجد جسد المسيح، توجد العبادة الحقيقيّة لله الآب.
وفي هذا المعنى تتّضح أهميّة اشتراك المؤمنين معاً في ذبيحة الإفخارستيا التي هي جسد المسيح الحيّ، والتي فيها وبها فقط نستطيع أن نقترب إلى الله الآب في عبادةٍ حقيقيّةٍ.
" دُعي التلاميذ مسيحيّين
في إنطاكية أوّلاً" (أعمال 11: 26)
بعد موت استفانوس صار اضطهادٌ عظيم على الكنيسة في أورشليم. اجتاز التلاميذ الى فينيقية وإنطاكية وأخذوا يبشّرون بالربّ يسوع، فرجع كثيرون إلى الربّ من اليهود والوثنيّين.
"هناك دُعي التلاميذ مسيحيّين في انطاكية اوّلاً". كان الملوك يُمسحون بالميرون المادي. لقد قال داود عن الملك شاول "من الذي يمدّ يدَه على المسيح الربّ ويكون بريئاً؟!" (1ملوك 26: 11) .
لقد سُمّي ربّنا "المسيح" لأنّه يملك طبيعة إنسانيّة ممسوحة بالاتّحاد الأقنوميّ الإلهيّ: هو ملك السماء والأرض.
سُمّي أيضًا "يسوع" لأنه يَشفي ويُخلّص شعبه من أمراضهم وخطاياهم (متى 1: 21). يقول أشعيا النبي: "روحُ الربّ عليّ مسحني لأبشّر المساكين وأَشفي منكسري القلوب وأنادي المأسورين بالإطلاق وأُعيد النظرَ للعميان وأُرسل المنسحقين للحريُّة..." (لوقا 4: 18)
إنّ الرسل القدّيسين أخذوا اسم "مسيحيّين" وأطلقوا بدورهم هذا الإسمَ على المؤمنين لأنّ آلام المسيح موته وقيامته مع إرساله الروح القدس في يوم العنصرة جعلتهم ملوكاً في ملكوته السماويّ.
لذلك عليهم، أي على المسيحيّين المؤمنين، أن يحملوا البشارة السارّة (أي الإنجيل) لإنسان اليوم كما فعلوا منذ البدء. عليهم أيضًا أن يمارسوا رسالةَ الكنيسة في إعانة المساكين وشفائهم من الأمراض الجسديّة والنفسيّة والروحيّة.
تُرى من هو "المسيحيّ الحقيقيّ" اليوم؟!
هو الذي يقتدي بالمسيح في هذا العالم أمام الإنسان المعاصر. يسود أوّلاً على أنانيته وعلى أهوائه الرئيسية البشعة. لا يشترك بكلّ أنواع الفساد المستشري في عالم اليوم. لقد قال المسيح لتلاميذه المؤمنين به "أنتم نورُ العالم... أنتم ملحُ الأرض فإن فسد الملح فبماذا يُملَّح" (متى 5: 13 و14).
لقد برز كثيرون من المؤمنين شهداءَ للمسيح بخاصة أيّام الإضطهادات يصرخون أمام الطغاة "أنا مسيحيّ" ذلك بكلّ شجاعة وافتخار يعانون العقوبات الشديدة بفرح وصبر وامتنان. يشدّدهم إيمانهم بالمسيح وتؤازرهم نعمةُ الروح القدس وتقوّيهم.