الأحد 10 أيار 2020

الأحد 10 أيار 2020

10 أيار 2020
 
الأحد 10 أيار 2020            
العدد 19
 
أحد المخلع
 
اللَّحن الثالث الإيوثينا الخامسة
 
 
* 10: الرسول سمعان الغيور، البار لَفرنديوس، البارة أولمبيَّا، * 11: تذكار إنشاء القسطنطينيَّة، الشَّهيد موكيوس، كيرلّلس ومثوديوس المعادلا الرُّسل، * 12: ابيفانيوس أسقف قبرص، جرمانوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة،* 13: انتصاف الخمسين، الشّهيدة غليكارية ولاوذيسيوس، * 14: إيسيذورس المستشهد في خيو، ثارابوندُس أسقف قبرص، * 15: بخوميوس الكبير، أخلِّيوس العجائبي (لارسا). * 16: البار ثاوذورس المتقدِّس. **
 
المُحتاج
 
لأنَّه ليسَ من إنسانٍ يَحيا ولا يُخطِئ، نَسعى إلى كمالٍ إلهيّ، ولكنّنا نعجز عن لملَمة أعضائنا المَسْبِيّة بالأهواء، والمُخلَّعة بسبب الخطيئة.
 
قامَ المسيحُ وبقيامَتِه أرادنا معهُ قائمينَ من ضُعفاتنا، أعطانا الخلاصَ الذي نريد، أرانا المخرجَ الذي نبحث عنه. أزمتُنا انتهت أسبابُها وبَطُلت بفعلِ عملِه الخلاصيّ. مُفتاح الفَرَج صار بين أيدينا، فماذا يَنقصنا لِنَنهَض؟
 
"ليسَ لي إنسانٌ متى حُرِّك الماءُ يُلقيني في البرِكَة"؛ كلامُ المُخلَّع للربّ يُلخِّص أزمَتنا، ويوضِح سبب إعاقتنا الروحيّة. غالبًا ما نرى الوسيلة كهدفٍ بحدّ ذاتِه، نربط خلاصَنا بطريقةٍ مُعيَّنة، وشخصٍ مُعيَّن، وزمنٍ مُعيَّن، غافلين عن طُرقِ الخالِق وحكمته. فالرّوحُ يَهُبّ حيث يَشاء، ومتى شاء اللَّه يُغلَبُ نِظامُ الطّبيعَة.
 
ما العِبرةُ إذًا من هذا الإنجيل القِياميّ، ولماذا يُقرأ في زمن إنتظار حلول الرّوح القُدُس؟ كيف ننتقِل بإيمانِنا لتَصديق حدث القيامة، غالبين شكَّ توما، وخوفَ النِسوة حاملات الطّيب، ومَرض المُخلَّع

المُزمِن؟ كيف نترقّب انسكابَ المُعزّي وولادتَنا من فَوق؟
 
حين نتواضع ونُقِرّ انّنا مُحتاجون للآخر، وأنّه يَفتقِر لنا، حينها نتبنّى دورَ مَلاك الربّ ونَدخُل حياة المُحتاج، مُحرّكين رتابَة عيشِه، مُنهضينَ إيّاه من فراش اليأس، وناهضينَ مَعه إلى ما هو أسمى. نَعي مَبدأ الصَليب الذي قرّب البشريّة بعضها بعضًا، ورفعَها بفعلِ المحبّة، مُعيدًا إيّاها إلى حضن الآب.
 
المُحتاج هو وسيلتنا لنَصيرَ أبناءً للعَلِيّ، من خلاله نُدرِك اننا خُلِقنا على صورةِ اللّه، وجودُه يقدّسُ حواسَنا: نَراهُ فتنفتِح فينا عينُ الرَّحمة، نَسمعه فتصيرُ الكلمةُ عطاءً، نمسكه فترتفع أيدينا تمجيدًا للذي جبَلَنا من التراب وأحيانا بروحِه القدّوس.
 
فالحاجة لَم تَعُد محصورة بالمادّة، هي مسألة وجوديّة existentielle، نَحيا لأنّنا نشعُر بعَوَز الآخر يُحرّكنا، نتحرّك نَحو الذي يُعطي هدفًا لوجودنا، نوجَد لأنّه وقتٌ يُعمَلُ فيه للّه.
 
 
طروباريّة القيامة باللّحن الثالث
 
لتفرح السَّماويَّات، ولتبتهج الأرضيَّات، لأنَّ الرَّبَّ صنع عِزًّا بساعده، ووطئ الموت بالموت، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوف الجحيم، ومنح العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
 
قنداق الفصح باللّحن الثامن
 
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلاّ أنّكَ درستَ قوّة الججيم، وقُمتَ غالباً أيّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قُلتَ: إفرحنَ، ووهبتَ رُسُلكَ السلام، يا مانحَ الواقِعين القيام.
 
الرِّسَالة 
أع 9: 32-42
 
رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي 
 
في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمهُ أَيْنِيَاسَ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أينِياسَ يشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السَّاكِنين في لُدَّة وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِتَا الَّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالاً صَالحةً وصَدقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في العِلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُس فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ عن القُدُوم إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعدوا بهِ إلى العِلِّيَّة. ووقَفَ لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِطَةًوثِيابًا كانت تَصنَعُها ظَبيَةُ معَهَنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيتا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهمِ حيَّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرَّبّ.
 
الإنجيل
يو 5: 1-15 
 
في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليم عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعبرانية بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَوَّلاً في البِرْكَة ويحرِّكُ الماء، والَّذي كان ينـزِلُ أوَّلاً من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعلم أنَّ له زمانًا كثيرًا قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّك الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزل قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمْ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريرَه ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يحلُّ لكَ أن تحمل السَّرير. فأجابهم: إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الَّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الَّذي شُفِيَ فلم يكن يعلم مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جمعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنَّ يسوع هو الَّذي أَبْرَأَهُ.
 
في الإنجيل 
 
يروي لنا الإنجيلي يوحنا، في هذا المقطع من إنجيله، حادثة شفاء قام بها في أورشلم عند بركة "بيت حسدا" أي بيت الرحمة، ويصور لنا ذلك المشهد الكئيب عند البركة الذي يجتمع فيه جمهور المرضى والعُجَّز، ينتظرون الفرج ولكن الشفاء صعب وليس الجميع يشفون، واحد فقط، وبين هؤلاء إنسان مقعد منذ ثمان وثلاثين سنة أتى إليه يسوع وربما إخطاره بين سائر المرضى بسبب طول انتظاره وهو لم ييئس رغم استمراره في الانتظار طيلة هذه السنين. وليس هذا الرجل سوى صورة للضيق، ضيق تضاف إليه خيبات أمل متكررة عدة مرات وعزله تامة ولم يفكر فيه أحد. لذلك جاء جوابه ليسوع عندما سأله "أتريد أن تبرأ" جواب الشاكي المستسلم. فشفاه يسوع وقال له "قم احمل سريرك وامش". ففي هذه الحادثة يرسم لنا الإنجيلي يوحنا المميزات الخاصة لعمل يسوع بخطوط واضحة: حريته، تدخله غير المتوقع، قدرته وفي ذات الوقت طلب موقف واضح وحرّ من الإنسان والتزامه الداخلي. وخير دليل على مشاركة الإنسان في العمل الإلهي سؤال الملاك لمريم في البشارة وارتباط التجسد بقبولها الحر وهذا ما سماه الآباء في الكنيسة "التآزر" أي أن يعمل الله والإنسان معًا، على هذا الأساس تعتبر الليتورجيا في الكنيسة الإنسان شريك الله في الخلق. لذلك سأل يسوع المقعد: "أتريد ان تبرأ" فنعمة الرب تأتي وتحل على الإنسان في حينها خاصة عندما يضعف لدرجة يكاد الياس معها يسيطر عليه، لولا رجاء له أن يفقده بربه.
 
في هذه اللحظات تنسكب النعمة في داخل الإنسان وتؤجج "الرجاء الذي فينا" ولكن هذه النعمة لا تخلص الإنسان إطلاقاً من الخارج، بدون مشاركته، أو رغماً عنه. انها تطلب موافقته وتوقظ فيه إرادة العيش وتجعله يرغب في خلاص نفسه ويسعى إلى إنهاض ذاته. وهذه هي الولادة بالروح أي أن يتجدد الإنسان بعطايا الروح القدس التي ينالها في المعمودية. وقد عبّر عنها يوحنا في هذا النص بقول المخلع ليسوع: "ليس لي الإنسان الذي يلقيني في البركة". لذلك يجب علينا أن يكون عندنا صبر المخلع والرغبة في الشفاء التي استمرت عنده ثماني وثلاثين سنة ولا نجعل اليأس يسيطر على نفوسنا لأنه عدو العافية الروحية والجسدية.
 
فصورة المخلع هي صورة كل مريض في كل زمان ومكان، صورة المريض الذي يجب علينا أن نتحسَّس مرضه ووجعه عملاً بوصية الرب الذي يبقى هو أقرب الذين يعالجون جميع أمراض الناس.
 
همساتٌ إنجيليةٌ في الزَّمنِ الصعب 
 
أيها الأحباء، نعيش كلُّنا في هذه المرحلة من حياتنا أياماً صعبةً جداً، من مختلف النواحي، نعيش في ضجيج الحياة وضجيج المصائب (غلاء المعيشة والفقر، الأمراض والأوبئة وغيرها)، إضافةً إلى ضجيج الأهواء في داخلنا، لكن هذا لا يُبرِّر ما يصدرُ من آراءٍ ومواقف متناقضة، تحمل في طيَّاتها نوعاً من التصادم والإدانة. لذلك دعونا نهدأ لنسمعَ صوتَ الرب في الإنجيل ماذا يقول لنا، فقد تعامل الرب يسوع مع أناسٍ من فئاتٍ إيمانية مختلفة، وثنيين وسامريين أتوا إليه وآمنوا به، فامتدح إيمانهم بهِ، أكثر من إيمان بني إسرائيل: 
 
1-المرأة السَّامرية (يو4: 1-42): السَّامرية لم تكن على إيمان اليهود القويم، ورغم ذلك وفي حواره الشهير معها، فإنَّ الرب يسوع لم يجرحها، ولم يصِفها بالهرطوقية نتيجة انحراف إيمانها، ولا بالزانية نتيجة التواء سلوكها وأخلاقها، بل مدحَ صدقها بعد اعترافها، رغم كذبها وفسقها الفاحش! لقد جذبها بلطفه ومحبته وأخلاقه الإلهية. وهكذا تمَّمَ خلاصها، وحصلت الأعجوبة، إذِ الهرطوقية بنظرِ اليهود ونظرنا، تغيَّرت وصارت مبشِّرة. فهل نتعلَّم؟!
 
2-مثَل السَّامري الصالح (لو10: 25-37): عندما سَألَ الناموسيُّ الربَّ يسوع عنِ الوصية الأولى في الناموس، ثمَّ مَن يكون قريبُ الإنسان! أعطاهُ الربُ بحكمته الإلهية مثَلَ "السامري الصالح" ولم يُعطهِ مثَلَ "اليهودي الصالح"، وليس هذا فقط، بل إنَّه لم يجعل الكاهن ولا الشماس، مثالاً صالحاً لنا. بل جعلَ من هذا السامري، الهرطوقي بنظرِ اليهود ونظرنا، جعله مثالاً لنا، وطلب منا أن نتشبَّه به، عندما قال للناموسي: اذهب واصنع "الرحمة" أنت َكذلك.
 
3-المرأة الكنعانية (متى15: 21-28): كانت امرأةً وثنية، ولما امتحنها الرب ورأى تواضعها، قال لها: "يا امرأة عظيم إيمانك! ليكن لك كما تريدين، فشفيت ابنتها من تلك الساعة". 
 
كما نرى، فإننا نجد في الإنجيل مواقف كثيرة امتدح فيها الربُ يسوع إيمانَ كثيرين من البسطاء وقال لهم: "إيمانكَ خلَّصكَ، أو إيمانكِ خلَّصكِ". والسؤال الذي يطرح نفسه هو، أي عقيدة كانت تعرفها السامرية والكنعانية والمرأة الزانية والأبرص وكثيرين غيرهم؟! أي عقيدة كان يعرفها "العشارون والزواني"؟! وقد أكَّدَ الربُ خلاصَهم عندما قال لرؤساء الكهنة: "إنَّ العشَّارين والزَّواني يسبقونكم إلى ملكوت السماوات" (متى21: 31). أيضاً لص اليمين ماذا كان يعرف من العقائد؟! وربما لم يكن قد اعتمد أصلاً، ورغم ذلك قال له الرب: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23: 43). هذا ليس للتقليل من أهمية العقائد، ولكن للتأكيد أنَّ أحكام الرب غير أحكامنا "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو11: 33)، وللتفكير برويَّة، واستخدام العقل من أجل إيجاد اللغة المناسبة لمخاطبة أبناء هذا العصر، كما استخدمته الكنيسة في تاريخها، في مخاطبة أبناء عصرها، من دون أن نحيد عن الحقائق الإيمانية. 
 
إذاً أيها الأحباء، فلتقترن مواقفنا بالهدوء والحكمة والمحبة، لأن َّمسؤوليتَنا هي أن نجذب النفوس إلى الرب، لا أن نكون سبباً لنفورها وهلاكها، متذكرين أنَّ "غاية الوصية هي المحبة" (1تيمو1: 5).