الأحد 19 نيسان 2020
19 نيسان 2020
الأحد 19 نيسان 2020
العدد 16
أحد الفصح العظيم المقدّس
* 20: إثنين الباعوث، البارّ ثاوذوروس الشعري، أنستاسيوس بطريرك أنطاكية المعترف، زكّا العشَّار، * 21: الشَّهيد في الكهنة ينواريوس ورفقته، أنستاسيوس السينائي، * 22: ثاوذوروس السِّيقي، الرَّسول نثنائيل، * 23: العظيم في الشُّهداء جاورجيوس اللابس الظفر، * 24: ينبوع الحياة، البارَّة أليصابات العجائبية، الشَّهيد سابا، * 25: الرَّسول مرقس الإنجيلي. *
رسالة الفصح
موتُ المسيح وقيامته يشكّل مضمونَ إيماننا وأساسَه حدثٌ تاريخي له شهود كثر، هو قاعدةٌ إيمانية لحياتنا.
يقول الرسول بولس: "إنني سلّمتُ إليكم في الأوّل ما قبلتُه أنا أيضًا أنّ المسيح مات من أجل خطايانا، وأنّه دُفن، وأنّه قام في اليوم الثالث، وأنّه ظهر لصفا ثمّ للإثني عشر" (1كورنثوس 15: 3-7).
إنّ جسد المسيح لم يُنتن بل تمجّد وهو على الصليب، هناك تمّ كلُّ شيء.
رغمَ كلّ ما كان يعانيه مِن إرهاقٍ وآلامٍ وحزن.. كلّ ذلك عَبَر، ولم يَعُدْ للحُزنِ مِن مُبَرِّر، بل جاءَ الفرحَ العظيم الذي صارَ فرحًا عامًّا للخليقةِ كلِّها. إنّ محبّة المسيحِ لنا حتّى الموت انتصرت على "كورونا" وعلى سائر الأمراضِ والأتعاب والأحزان، لأنّ موتَه تتوّجَ بالقيامةِ المجيدة.
يقول يوحنّا الإنجيليّ "والكلمة صارَ جسداً" (يوحنا 1: 14) بل صار لحماً، هذا يعني أنّ العبارة "المسيح قام" تعني أنّه حيٌّ إلهٌ وإنسانٌ، جسدٌ وروحٌ معًا. لقد شهد القدّيس الشماس استفانوس قائلاً: "ها إنّي أرى السموات منفتحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (أعمال الرسل 7: 56)، ونحن في القدّاس الإلهيّ نـأكل جسده ونشرب دمه القائمّين.
وأكّد الرسول بولس أنّ المسيحيّة بدون الإيمان بقيامة المسيح هي باطلة ولا أساسَ لها. "إن كان المسيح لم يقم فتبشيرنا باطلٌ وايماننا أيضًا باطلٌ " (1 كورنثوس 15: 14). جَوهرُ إيماننا إذاً هو أن نؤمِنَ بحقيقة قيامة يسوع بالجسد من بين الأموات. وعلى هذا الأساس صرنا قادرين أن نشاركه نحن أيضًا بالحياة الأبدية.
يكتب القدّيس سمعان اللاهوتي الحديث قائلاً: لنرَ ما هو سرُّ قيامة المسيح إلهنا السرّ الذي نودّ أن يتمَّ فينا... الآن بعد خروجنا من عالم الخطيئة ودخولِنا على شبهَ آلام المسيح في قبر التواضع والتوبة...
قيامةُ المسيح هي قيامتُنا نحن الواقعين في الخطيئة.
كثيرون هم الذين يؤمنون بقيامة المسيح لكنْ قليلون هم الذين يرونها بوضوح "لا يستطيع أحد أن يقول إنّ يسوع هو الربّ (القائم) إلاّ بالروح القدس" (1كورنثوس 12: 3).
أمّا نحن ففي كلّ خدمة قيامة نهار الأحد لا نقول "إذ قد آمنا بقيامة المسيح"، بل "إذ قد رأينا قيامةَ المسيح فلنسجدْ للربّ القدّوس البريء من الخطأ وحده..."
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس
المسيحُ قام من بين الأموات، ووطئَ الموتَ بالموت ووهب الحياةَ للَّذين في القبور.
الإيباكويي (الطّاعة) باللَّحن الرّابع
سَبَقَتِ الصُبحَ اللّواتي كنَّ مع مريم، فوجدْنَ الحجَرَ مُدحرَجاً عَن القَبْرِ، وَسَمِعْنَ الملاكَ قائلاً لهنَّ: لِمَ تَطلُبْنَ مع الموتى كإنسانٍ الذي هُوَ في النّورِ الأزليّ؟ أُنظُرنَ لفائفَ الأكفانِ وأَسرِعْنَ واكرِزْنَ للعالَم بأنَّ الربَّ قَد قامَ وأماتَ الموتَ، لأنَّه ابنُ اللهِ المخلِّصُ جنسَ البشر.
القنداق باللَّحن الثامن
ولَئِن كنتَ نزَلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَّة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله؛ وللنّسوةِ حاملاتِ الطِّيب قلتَ افرحنَ، ولِرسُلِكَ وَهبتَ السّلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
الرِّسالَة
أع 1: 1-8
هذا هُوَ اليَوْمُ الذي صَنَعَهُ الرّبّ. فَلْنَفْرَحْ ونَتَهلَّلْ بِهِ
اعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالحٌ وإنَّ إلى الأبدِ رَحْمَتَهُ
إنّي قد أنشأتُ الكلامَ الأوّلَ يا ثاوفيلُس في جميع الأمورِ التي ابتدأ يسوعُ يعملها ويُعلِّمُ بها، إلى اليومِ الذي صَعِدَ فيهِ، من بعدِ أن أوصى بالرّوح القدُسِ الرّسلَ الذينَ اصطفاهم؛ الذين أراهُمْ أيضاً نفسَهُ حيًّا، بَعْدَ تألُّمهِ، ببراهينَ كثيرةٍ وهو يتراءَى لهم مدَّةَ أربعينَ يوماً ويُكلِّمُهُم بما يختصُّ بملكوتِ الله. وفيما هو مجتمعٌ معهم أوصاهم أن لا تَبرحوا من أورشليمَ بل اِنتظروا موعِدَ الآب الذي سمعتموهُ منّي؛ فإنَّ يوحنّا عمَّدَ بالماء وأمَّا أنتم فستعمَّدون بالرّوح القدس، لا بعدَ هذه الأيّام بكثيرٍ. فسألهُ المجتمعونَ قائلينَ: يا ربُّ أفي هذا الزّمان تردُّ الملكَ إلى إسرائيل؟ فقالَ لهم: ليس لكم أن تَعْرِفوا الأزمنةَ أو الأوقاتَ التي جعلَها الآبُ في سلطانِه، لكنَّكم ستنالونَ قوَّةً بحلولِ الرّوح القدس عليكُمْ، وتكونونَ لي شهوداً في أورشليمَ وفي جميع اليهوديَّةِ والسّامرة، وإلى أقاصي الأرض.
الإنجيل
يو 1: 1-17
في البدءِ كانَ الكَلِمةُ والكَلِمةُ كانَ عندَ الله وإلهاً كانَ الكَلِمَة. هذا كانَ في البدءِ عندَ الله. كُلٌّ بهِ كانَ وبغيرِهِ لم يكُنْ شَيءٌ ممَّا كُوّن. بهِ كانتِ الحياةُ والحياةُ كانَتْ نُورَ الناس والنورُ في الظلمَةِ يُضيءُ والظلمَةُ لم تُدْرِكْهُ. كانَ إنسانٌ مُرسَلٌ مِنَ اللهِ اسمُهُ يُوحَنَّا. هذا جاءَ لِلشَّهادَةِ ليشهد للنُّور، لكي يؤمنَ الكلُّ بِواسطتِهِ. لم يكنْ هوَ النورَ بل كان ليشهَدَ للنورِ. الكلمةُ هو النورُ الحقُّ، الآتي إلى العالم والمُنيرُ كُلَّ إنسانٍ. في العالمِ كان والعالَمُ بهِ كُوِّنَ والعالـمُ لَمْ يعرفهُ. إلى خاصَّتِهِ أتى وخاصَّتُهُ لم تقبَلهُ. فأمَّا كلُّ الذينَ قَبِلوهُ فقد أعطاهُم سُلطاناً أن يكونوا أولادًا للهِ، وهُمُ الذينَ يؤمنون باسمِهِ، الذينَ لا مِن دَمٍ ولا مِنْ مشيئةِ لحمٍ ولا مِن مشيئةِ رَجُلٍ لكنْ مِنَ الله وُلِدوا. والكلمَةُ صارَ جسداً وحلَّ بيننا، وقد أبصرْنا مجدَهُ مجدَ وحيدٍ من الآب مملوءًا نِعمةً وحقّاً، ويُوحَنَّا شَهِدَ لهُ وصرَخَ قائلاً: هذا هُوَ الذي قلتُ عَنهُ إنَّ الذي يَأتي بَعدي صارَ قبلي لأنَّهُ مُتَقدِّمي. ومن مِلئِهِ نحنُ كلُّنا أخَذْنا ونعمةً عوضَ نعمةٍ. لأنَّ الناموسَ بموسى أُعطِيَ، وأمَّا النِّعمَةُ والحقُّ فبِيسُوعَ المسيحِ حَصَلا.
في الإنجيل
تتلو علينا الكنيسة المقدّسة اليوم هذا المقطع الإنجيليّ من بشارة الرسول يوحنّا اللاهوتيّ، لتُعلن لنا أنّ يسوع المسيح الذي صُلب وتألّم من أجل البشرية جمعاء وقام في اليوم الثالث هو نفسه ابن الله الوحيد الذي هو في حضن الآب.
من يؤمن ويوقن بهذا الأمر فعلاً فهو يعيش منذ الآن في هذا السرّ الخلاصيّ، أي يحيا في هذه الحياة بقوّة قيامة ربّنا.
قد نسأل كيف نحيا بقوّة قيامة ربّنا، وما زالت اهتمامات هذا العالم واضطراباته تُضعفنا وتُنسينا أحياناً أننا أناس قياميّون لا حياة لنا بدون ربّنا القائم من بين الأموات! هذا صحيح لأننا بشر ضعفاء من جراء خطايانا، ولكن ليس هذا المهم، بل الأحرى بنا أن نتذكر ذلك دائماً لكي نتواضع. لأن القلب المتواضع يجذب الله اليه، فيحبه الله وينعم عليه بفرح القيامة رغم كلّ أحزانه، ويعطيه نعمة فوق نعمة.
وفي قراءتنا لهذا الإنجيل ندرك أيضًا أنّ من نِعم القيامة التي مَنّ بها الله علينا، أنه جعلنا بنين له ليس بالكلام إنما بمشيئته المُحبة للبشر. لا نصير أبناءَ له بقوانا الذاتية بل بإيماننا أنّ القائم من بين الأموات هو كلمة الله وبالتالي هو الله وقد افتدانا بدمه على الصليب لينقض حائط العداوة بين الله والإنسان.
يقول النبي في سفر المزامير: "لا تتّكلوا على الرؤساء ولا على بَني البشر الّذِينَ ليس عندهم خلاص". لا يستطيع الإنسان الرازح تحت نير الخطيئة أن يخّلص غيره من البشر إذ هو محتاج الى الخلاص، ولا حتى الأنبياء قادرون على خلاص العالم إذ كانوا هم ينتظرون من يخلصهم من موت الخطيئة.
لم يوجد إلا ابن الإنسان يسوع المسيح قادر على خلاص الإنسان لأنه كلمة الله الأزليّ الذي به كُوّن كلّ شيء.
فلنفرح معًا يا بني البشر لأنّ الرب يسوع بقيامته فتح الباب لكلّ ذي جسد بشريّ أن يرجع إلى كيانه الأوّل ما قبل الخطيئة، ويتألّه بنعمة الثالوث الأقدس فيهتف: "المسيح قام، فلنسجد لقيامته ذات الدفن الثلاثيّ الأيام". آمين.
_x000C_تكفيكَ نعمتي
دخلت كنيستنا الصوم الأربعيني المقدّس، في ظروف إستثنائيّة تضغط على المؤمنين بشكل كبير، يبدو أنها فريدة من نوعها منذ ما يقارب المئة سنة، على حدّ ما يقوله بعض المؤرّخين.
قسم من هذه المِحَن خاص بنا، والقسم الآخر عالميّ المنحى. لكن في كلّ الأحوال، يعيش إنسان هذه البلاد والألم يحيط به من كلّ صوب في فكره، وجسده، وروحه. في أيّام كهذه ليس لنا إلا أن نتذكّر قول الرب للرسول بولس وهو يشكو من "شوكة" في الجسد: "تكفيك نعمتي، قوّتي في الضعف تُكمَل!"
أن يؤمن كلّ منا بنعمة الرب أمر ضروريّ رغم صعوبته. فمحدوديّتنا لا تسمح لنا بأن نرى كل الأمور في الوقت نفسه، فنتحسّس لها ونتفاعل معها كما يلزم. لذلك، إنطلاقًا من رجائنا بالله، نحن نلقي عليه حملنا ونعمل بمقتضى ما أُعْطِينا من مواهب فنواجه الصعاب بثقة كاملة بأنّنا لسنا لوحدنا، تمامًا كما قال الرب لبولس. تكمن أهميّة الإيمان في هذه الثقة المُطْلقة التي ترافق جهادنا. وهذا أمر آخر لا بدّ من لفت النظر إليه وهو أنّ نعمة الله، المعطاة لنا مجّانًا، تأتي لتقوّي عملنا وليس تقاعسنا.
لذلك، ولأن عقل الإنسان هو الموجِّه لعمله، لا بدّ لهذا العقل أن يأخذ أهميته في توجيه قرارات الإنسان، وأفعاله، وعلاقاته. يعي المؤمن تمامًا أنّه ليس من تضادّ بين عقله وإيمانه. فالأوّل يستنير بالثاني والثاني يحترم حرّيّة الأوّل، هذه الحرّيّة التي هي هبة محبة الله للإنسان. هذا التكامل أساسيّ كي ينمو الإنسان في المسيح من جهة، وحتى يحقّق إنسانيته ويفعّل مواهب الله المسكوبة عليه من جهة أخرى. من هذا المنطلق، يحترم المؤمن العلم ونتائجه، ويعمل ليساهم فيه ويطوّره، ساعيًا كي تكون مبادئه الإيمانيّة حاضرة في صلب المسار العلميّ، ومواكبة لتطوّره. يُضْعِف تجاهلنا للفكر العلميّ الدور المُمَيّز الذي يمكن لنا أن نلعبه كمؤمنين في سياق التطوّر الإنسانيّ والحضاريّ. لَعْنُنا للعلم ومنتجاته هو إعلان ضعف من قبلنا.
قوّتنا هي في حضورنا الفعّال إذا أدركنا كيف نفعّل هذه العلاقة بين الإيمان والعقل.
مسعى البعض للجوء إلى المنطق التقويّ في تجاهله لأهميّة العلم، لا يخدم الله ولا الإنسان. فالله ليس بحاجة لمن يدافع عنه لأنّ سبله ليست سبلنا.
والإنسان لا ينتفع من تعطيل عقله وقدراته العلميّة، فيختبئ وراء قدرة الله على صنع العجائب في هذه الحال أو تلك.
ألم يقل الرب يسوع للمُجَرّب: لا تجرّب الله إلهك! ألم يرفض الرب يسوع أيضًا صنع العجائب للبرهان على لاهوته؟ نحن نثق بالله بسبب إيماننا، ونثق بأن الله ينير عقولنا كي نعرف كيف نتصرّف بمسؤوليّة. لنا كأفراد وكجماعة أن نستلهم الله وأن ننظر إلى كلّ الأمور، مهما كان نوعها، بالموضوعيّة العلميّة مُدْركين أن سبل الإيمان لا تحلّ محلّها بل تنير عقولنا لنسير حسب قلب الله.
ألا أعطانا الله أن نعي كم هي غالية الثقة التي وضعها فينا.