الأحد 3 آذار 2019

الأحد 3 آذار 2019

03 آذار 2019
 
الأحد 3 آذار 2019          
العدد 9
أحد مرفع اللّحم (أحد الدَّينونة)
 
اللّحن السّابع   الإيوثينا السّابعة
 
* 3: الشّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس، * 4: البارّ جراسيموس النّاسك في الأردنّ، * 5: الشّهيد قونن، البارّ مرقس النَّاسك، * 6: الإثنان والأربعون شهيداً الّذين في عمُّوريَّة، البارّ أركاديوس، * 7: الشُّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط، * 8: ثاوفيلكتس أسقف نيقوميذيَّة، * 9: تذكار جامع للآباء الأبرار، القدِّيسون الأربعون المستشهَدون في سبسطية. **
 
 
"وجهُك يا أللّه إيّاه ألتمس" (مزمور 26 أو 27: 8)
 
ما الصّلاة سوى اللّقاء المستمرّ مع الله.
ما الصّوم سوى الاِستغناء عن كلّ ما لا يخصّ الله، وما التّوبة سوى الرّجوع إلى الله ومحبّته ووصاياه.
 
يقول الكاهن للطّفل بعد معموديّته واقتباله سرّ الميرون: "قد تبرّرتَ، قدِ تقدّستَ... قد اصطبغتَ، قد استنرتَ قد تميرنتَ، قد اغتسلتَ باسم الآب والإبن والرّوح القدس آمين".
 
مع كلّ ذلك يعود الإنسان ويُخطئ ويموت، عالِماً أنّ الله قد قضى على الخطيئة والموت بصلبه وموته وقيامته وأقامنا معه بالمعموديّة من الخطيئة ومن الموت (راجع رومية 6: 4 وكولوسي 3: 12).
 
القضيّة أنّ الرّبّ يسوع، بفضل رحمته الغزيرة ومحبّته الفائقة، قد زرع في أعماق أنفسنا، عن طريق سرّ المعموديّة المقدّسة، نعمته الخلاصيّة. 
 
يقول القدّيس ذياذوخس فوتيكي في كتابه "في المعرفة الرّوحيّة": 
 
"منذ لحظة تجديدنا بالمعموديّة تتستّر النعمة في أعماق القلب وينتقل الشيطان إلى الخارج..." (صفحة 46: 76 و77). 
 
هذه النّعمة الخلاصيّة مغروسة في أعماق الإنسان منذ معموديّته كقوّة كامنة (énergie divine potentielle)، ذلك استناداً إلى إيمان العرّاب والأهل. وتنتظر هذه الطاقة إرادةَ الإنسان الحرّة كخطوة أولى لكي تتحوّل إلى قوّة فاعلة.
 
هذا ما يقوله القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. هو عمل

التّوبة المستمرّة في حياة الإنسان بممارسة الصّلاة والصّوم والاِعتراف وعمل الإحسان.. عندها يتذوّق الإنسان مسبقاً فرحَ القيامة والملكوت الآتي.
 
 ويضيف القدّيس باسيليوس الكبير، في كلامه على عمل النّعمة الإلهيّة في الإنسان، بقوله عن فعل الأفخارستيّة السرّيّ بعد المناولة المقدّسة وبعد توبة الإنسان عن خطاياه وعشقه لله: 
 
"إنّ النّعمة الإلهيّة تتسرّب في كلّ الأعضاء والعروق الجسديّة حتّى أطرف الحواسّ فيصبح الفكرُ فكرَ المسيح والنظرُ نظرَ المسيح والسّمعُ سمعَ المسيح...".
 
هكذا يتجدّد الإنسان بكلّيّته على صورة الله ومثاله. هذا التحوّل مستمرّ عند الإنسان المؤمن والمجاهد والمصلّي صلاة مستمرّة والتائب توبةً حقيقيّةً مستمرّة حتّى الموت. عندها يتمّ القول الرّهبانيّ الفاعل في كلّ إنسان تائب: "مَن يموت قبل أن يموت لن يموت عندما يموت".
 
الإنسان المسيحيّ المؤمن والمجاهد يعيش طيلة حياته في حضرة الله الدائمة. 
 
يلتصق بالرّبّ يسوع المسيح ويردّد، طيلة حياته، هذه الصّلاة المستمرّة: "أيّها الرّبّ يسوع يا ابن الله الحيّ اِرحمني أنا الخاطئ"؛ 
حتّى، إذا فارق هذه الحياة الأرضيّة، يعاين وجهَ الله نوراً مشعًّا خلاصيًّا. آمين.
 
+ أفرام 
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
 
 
طروباريّة القيامة باللّحن السّابع
 
حطمتَ بصليبك الموتَ وفتحتَ للّصّ الفردوس، وحوَّلتَ نوحَ حاملاتِ الطِّيب، وأمرتَ رسلكَ أن يكرزوا بأنّكَ قد قمتَ أيّها المسيحُ الإله، مانحاً العالَمَ الرّحمةَ العظمى. 
 
قنداق أحد مرفع اللّحم باللّحن الأوّل 
 
إذا أتيتَ يا اللهُ على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النّارِ يجري أمامَ المِنبر، والكتبُ تُفتَحُ والأفكار تُشَهَّر. فنجِّني من النّار التي لا تُطفأ، وأهِّلني للوقوف عن يمينِك، أيُّها الدَّيّانُ العادِل. 
 
 
الرِّسالة
1 كور 8: 8-13، 9: 1-2
 
قُوَّتي وتَسْبِحَتي الرّبُّ
أدباً أَدَّبَني الرّبُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسلّمني 
 
يا إخوة، إنّ الطّعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نَزيدُ، وإن لم نأكل لا نَنقُص. ولكنِ انظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضّعفاء. لأنّه، إن رآك أحدٌ، يا من له العِلمُ، مُتَّكِئاً في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائح الأوثان، فيهلِكَ بسببِ عِلْمك الأخُ الضّعيفُ الذي مات المسيحُ لأجلِه؟ وهكذا، إذ تُخطِئون إلى الإخوةِ وتجرحون ضمائرَهم وهي ضعيفة، إنّما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلاّ أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولاً؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا؟ ألستم أنتم عملي في الرّبّ؟ وإن لم أكن رسولاً إلى الآخَرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الرّبّ.
 
 
الإنجيل
متّى 25: 31-46
 
قال الرّبُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجدِه، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الرّاعي الخرافَ من الجِداء، ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقول الملكُ للّذين عن يمينه: تعالَوا يا مبارَكي أبي، رِثُوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريباً فآوَيتموني، وعريانا فكسَوتموني، ومريضاً فعُدتموني، ومحبوساً فأتيتم إليَّ. حينئذٍ يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعاً فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك؟ ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك، أو عُريانا فكسَوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم: بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاءِ الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للّذين عن يسارِه: إذهبوا عنّي يا ملاعينُ إلى النّار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه: لأنّي جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تَسقُوني، وكنتُ غريباً فلم تُؤووني وعُرياناً فلم تَكسُوني، ومريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعاً أو غريباً أو عُرياناً أو مَريضاً أو مَحبوساً ولم نخدُمْك؟ حينئذٍ يُجيبُهم قائلاً: الحقَّ أقولُ لكم: بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاءِ الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءِ إلى العَذابِ الأبديّ، والصِّدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.
 
في الإنجيل 
 
"مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ". 
 
في هذا اليوم الرّهيب، يجتمع كلّ البشر وجهًا لوجه، ويقفون أمام ابن البشر (وتعني هذه العبارة المسّيّا المخلّص، الرّب يسوع)، وتُكشف أعمال الجميع أمام أعين الجميع. 
 
"وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ."الخرافُ هم الذين يطيعون ببساطة، ويطلبون الحماية من الله، ويلتجئون إليه دومًا. 
 
أمّا الجداء فهم الذين لا يطيعون، ويعاندون، ويسعون وراء التفرّد والاِستقلاليّة. 
 
"ثمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ". النّداء "تعالوا إليّ" أي اقتربوا أكثر منّي، انضمّوا إليّ، أو اِتّحدوا بي. أمّا الإرث فهو للأبناء. 
 
عبارة "المُلْكَ المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم" تُرجِعُنا إلى زمن خلق الإنسان، حين أعطى الله الإنسانَ السلطة لأن يخضع الأرض ويتسلّط على الكون، أي أن يتصرّف في الأرض كملكٍ عليها. الرّبّ يسوع الذي هو حمل الله يعطي إرثه لصغار الأغنام، أي للحملان، الذين ذُبحوا، أو أنكروا أنفسهم، محبّةً بالله وأخيهم. 
 
المشكلة الأساسيّة، أو الخطيئة الكبرى، وقعت عندما أساءت حوّاء استعمال السلطة، فتمادت في التخاطب مع الحيّة، ومن ثَمّ فتحت الباب واسعًا لآدمَ لكسر وصيّة الله. 
 
هذه الإساءة باستعمال السّلطة أنتجت خللًا في العلاقة مع الله والقريب. فاختلّ وجود الإنسان الذي هو مخلوق على صورة الله، و"الله محبّة" (1 يوحنّا 4: 8). 
 
"لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. 
 
عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ". 
 
الجوع والعطش والغربة والعُري والمرض والأسر، هي شدائد لَحِقَت بالإنسان بسبب حالة السقوط في الخطيئة، إذ، قبل السقوط، لم يكن هناك شيءٌ يؤثّر على الإنسان. "كان الإنسان الأوّل يعيش في حالةٍ ملائكيّة" (القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم). 
 
" فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ..."؟ إنّ جواب الأبرار يشير إلى أنّ الاِهتمام بالأخ والقيام بأعمال الرّحمة أصبحا جزءًا من كيانهم، فلا يسعَون لهذا الأمر، بل هي أمورٌ بديهيّة بالنّسبة لتوجّهات حياتهم اليوميّة. 
 
ردّة فعلهم تُظهر أنّهم في حالةٍ من التّواضع، ولا يحسبون أنفسهم يستحقّون ذلك الإرث. 
 
إنّهم أعضاءٌ فاعلون في جسد المسيح، وإنْ تألّم عضوٌ يتألّم سائر الجسد معه. لأنّ "الإنسانَ كائنٌ في شركةٍ مع الآخر" (القدّيس باسيليوس الكبير). إنّها شركة المحبّة. 
 
"الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الصغار فَبِي فَعَلْتُمْ". 
 
"هؤلاءِ الصّغار" هم الضّعاف الذّين ليس عندهم حمايةٌ بشريّة، وضحايا حالة تسلّط أركان هذا العالَم السّاقط. "فبي فعلتم" تعني وجود تماهٍ بين الرّبّ يسوع المصلوب والمتألّمين. 
 
"اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ". إنّ الذّهاب بعيدًا عن الله، أي الاِبتعاد عن دفءِ محبّته، هو العذاب الأبدّي. 
 
"حينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضاً: يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ..."؟ هنا يظهر شكليًّا أنّ جوابَ الأشرارِ يشبه جوابَ الأبرار. إلّا أنّ الذّين عن اليسار لم "يرَوا" الرّبّ يسوع، لأنّهم كانوا أصلًا يعيشون في غربةٍ عنه. 
 
لهذا يقول القدّيس يوحنّا السلّميّ: "لن نُدان لأنّنا لم نجترح العجائب أو لم نَرَ رؤًى، بل سنُدان لأنّنا لم نبكِ على انفصالنا عن الله".
 
 
كيف، إذًا، تكون "أواخر حياتنا مسيحيّة سلاميّة بلا حزنٍ ولا خزيٍ"، ونقدّم "جواباً حسناً لدى منبر المسيح المرهوب"؟ الجواب بسيط: محبّةُ الله ومحبّةُ القريب، وهي تبدأ اليوم بأعمال الرّحمة. كما يوضح الإنجيليّ يوحنّا: 
 
"بهذا تكمّلت المحبّة فينا: أن يكون لنا ثقةٌ في يوم الدّين، لأنّه، كما هو في هذا العالَم، هكذا نحنُ أيضًا. لا خوف في المحبّة، بل المحبّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأنّ الخوف له عذاب. 
 
وأمّا مَن خاف فلم يتكمّل في المحبّة. نحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلًا. 
 
إن قال أحدٌ: "إنّي أحبّ الله" وأبغض أخاه، فهو كاذبٌ. لأنّ من لا يُحبّ أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحبّ الله الذي لم يبصره؟  ولنا هذه الوصيّة منه: أنّ من يحبّ الله يحبّ أخاه أيضًا" (1 يوحنّا 4: 17-21).
 
أحد الدّينونة يذكّرنا بدفء الاِقتراب من محبّة الله وعذاب الاِبتعاد عنه. فنبدأ الصّوم بهدف الاِقتراب أكثر من الله، لننال القيامة والحياة الأبديّة. 
 
فنتمرّس على محبّة الله بمحبّة القريب، هذا القريبِ الذي هو وحيد في دار العجزة أو في مركز للمعوّقين وبيت اليتامى، أو مهمل في سجن، أو شارد على الطريق، أو مطروح في مستشفًى للأمراض المزمنة... هناك نفتقد الله، ويفتقدنا.
 
 
الاِرتداد والتّّوبة!...
 
موضوع الاِرتداد، يا أحبّة، بدأ منذ زمن ليس بقريب!!. الاِرتداد عن تعاليم الإنجيل بدءًا، وعن حفظ الوصايا الإنجيليّة، لا في الذّاكرة فقط، بل في القلب والتّطبيق!.
 
كلّ ما في الحضارة اليوم يجرُّ الإنسان إلى الاِبتعاد عن الإله الرّبّ يسوع المسيح لعيش كلمته،  والوقوف أمامه في كلّ لحظة من حياتنا!.
 
كلّ ما في اليوميّات يُبعد الإنسان عن اِلتزام الأمانة في تعاطي الحياة اليوميّة بين النّاس تعاطيًا خُلُقيًّا، محبّيًّا وإيمانيًّا!!. 
 
الإيمان صار بدعة مزعومة أو فريضة يتعاطاها النّاس في المناسبات الكنسيّة أو في الأعياد الكبيرة، التي يجتمع فيها أولياء الشّأن ليتباهوا، في حدود اللّياقات الاِجتماعيّة، بتطبيق الوصايا على معيشتهم!!.
 
التّواصل بين البشر صار سهلاً!!. وكلّ ما يعمله فريق من النّاس، في مجتمعهم، ينقله زوّار ذاك المجتمع إلى حياتهم، ليدخلوه قسرًا في يوميّاتهم، سواءٌ أكان ذاك الجديد غثًّا أو ثمينًا!!. 
 
هكذا يؤتى بالبدع والجديد لقتل التّراث الكنسيّ الحيّ أو إلغائه!. 
 
مَن يتداول ٱسم المسيح؟!. مَن يصلّي؟!. 
 
وإن صلّى النّاس فإنّهم يتداولون الصّلاة الرّبّيّة، أو التّراتيل أو المزامير المسجّلة على الكاسيتات، لسماعها في السّيّارة أو في عمل المنزل أو في غرف القراءة أو الدّرس أو حتّى في الأعراس!!. 
 
صارت الصّلاة والممارسات تخرج من اللّسان، لا من القلب!!. لنجعلها علنًا أداة عبادة للمسيح!!. 
 
لذلك، قولة الصّلاة: "ربّي ٱرحمني أنا عبدك الخاطئ" تُلْزِمُنا بٱتّخاذ قرارات عدّة في حياتنا!!. 
 
الإقرار الواعي، المَعيش، بأنّ عندنا ربًّا، وهذا الرّبّ ليس غريبًا لا نعرفه، بل هو "ربّي" أنا، كما هو ربّ كلّ مَن يناديه ليقاربه في الحياة اليوميّة... في حياة القلب ونبضه، في حياة العقل، في حياة الرّوح!!. في أدقّ تفاصيل يوميّاتنا!...
 
إذا تمحور كيان الإنسان كلّه حول هذه المعرفة: 
 
"أنّ لي ربًّا وهو ربّ السّماء والأرض، كلّ ما يُرى وما لا يُرى"، فإنّي، توًّا وتاليًا، أَدخلُ، بل هو يُدخلني في علاقة إزائيّة معه!!، لأَصِلَ إلى الصّراخ من أعماق قلبي: ربّي، "ٱرحمني"!!. "ربّي ٱرحمني أَنا عبدك الخاطئ"!!. وخلّصني!!.
 
ما معنى "الرّحمة" هنا؟!. الرّحمة هي أن يُدخلني الرّبّ رحمه!!، والرّحم هي مخزن الحياة!! 
 
من الرّحم يخرج الجنين وفيها يختبئ عنصر الحياة، وأَنا، تاليًا، أختبئ لأهرب من جنون الّذين يحيطون بي وشرورهم، أُولئك الّذين يرصدون تحرّكاتي وأَفعالي، ذهابي ومجيئي، ولا يقاربونني، لأنّي صرتُ غريبًا عنهم منذ زاملت "الصّلاة والصّوم"، والحياة الهادئة، الّتي لا تخرج على حيّز الفرح والحبّ البسيط العميق في سكونه!!. 
 
مساعدة كلّ طالب عون، أَو محبّة، أَو لسماع كلمة الحقّ!!.
 
"من الأعماق صرخت إليك يا ربّ، صبرت نفسي في أقوالك، توكّلتْ نفسي على الرّبّ"... (مزمور 130: 1، 6).
 
"أنتم لستم عبيدًا بعد، بل أبناءَ الله تُدعَون"!!. إذا دخلنا في الحبّ المتوارَث بين الآباء والأبناء مع الله، نكون قد قطعنا شوطًا في المسير الطّويل إلى الإِلهيّات، في المسير الطّويل للسّكنى في بيت الله!!. 
 
مع الإله في تخطّي "أَناي" النّفسانيّة للغَور في سكون حبّه!!.
 
والخطيئة، يا أحبّة!!. مَن منّا يقرّ ويعترف، من كلّ النّفس والقوّة والفعل، بأنّه إنسان خاطئ؟!. 
 
"الخطيئة هي الشّيطان"، وحكمه لنا من خلالها!!. في هذا الواقع نلمس، من عمق أعماقنا، أنّنا نحن بتنا أَرقّاء للعبادة النّاطقة لتُسيّر حياتنا، لا لنخرج منها، بل لنلتزمها، فتلتزمنا ناقلة إيّانا من الموت إلى الحياة، ومن الأرض المتحرّكة برمالها البالعة كلّ مَن يخوض فيها، إلى شعاع نور السّماء!!. 
 
الخطيئة لا تجدي نفعًا!!. فلنصرخ كلّنا: "ربّي توِّبني قبل أن أعود إليك مهشّمًا، مدنّسًا... لكنّي الآن أعود إليك كالاِبن الشّاطر، مناديًا إيّاك: "ربّي ٱرحمني أنا عبدك الخاطئ"!!. 
 
بهذا ألهج ولهذا أحيا، لأتمتم كلّ ساعات نهاري وليلي أُسائلك: أينك يا ربّي؟!... لا تتركني ولا تجازني بحسب سقطاتي!!. 
 
لأنّك أنت هو إلهي، ربّي وسيّدي!!. فٱرحمني وٱرحمنا جميعًا... آمين.