الأحد 9 حزيران 2019

الأحد 9 حزيران 2019

09 حزيران 2019
 
 
الأحد 9 حزيران 2019 
العدد 23
 
أحد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل 
 
اللَّحن السّادس الإيوثينا العاشرة
 
* 9: كيرلّلس رئيس أساقفة الإسكندريّة، * 10: الشّهيدان ألكسندروس وأنطونينا، * 11: الرّسولان برثلماوس أحد الـ 12 وبرنابا أحد الـ 70، أيقونة بواجب الإستئهال، * 12: البارّ أنوفريوس المصريّ، بطرس الآثوسيّ، * 13: الشّهيدة أكيلينا، * 14: وداع الصّعود، النبيّ أليشع، ميثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، * 15: سبت الأموات، النبيّ عاموص، البارّ إيرونيمس. ***

"أيّها الآب قد أتت السّاعة"
 
هي ساعة الصّليب، ساعة الموت، لكن، أيضًا، ساعة التّمجيد على هذا الصّليب. يصرخ الرّبّ يسوع كإنسان، إنّها ساعة غريبة، وحدة غريبة. قبلاً أتى بطرس، يعقوب ويوحنّا فقال لهم يسوع: "نفسي حزينة جدًّا حتّى الموت، أُمكثوا هنا واسهروا" (مرقس 14: 34).
 
لقد أتى الرّبّ يسوع لكي يجمع لا لكي يفرّق.
 
تُرى! ماذا عمل من أجل ذلك؟ يفيدنا الإنجيليّ يوحنّا أنّ رؤساء الكهنة والفرّيسيّين اجتمعوا وتحاوروا معًا. قال لهم قيافا رئيس الكهنة: "أنتم لا تعرفون شيئاً. خير لنا أن يموت إنسان واحدٌ عن الشّعب ولا تهلك الأمّة كلّها... تنبّأ هكذا أنّ يسوع مزمع أن يموت ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد". (يوحنّا 11: 49-52).
 
يضيف الرّبّ يسوع، كما ورد في إنجيل اليوم، "ليكونوا واحداً كما نحن (واحدٌ)" (يوحنّا 17: 11). كيف يكون هذا؟ كيف تكون هذه الوحدة، وحدتنا؟ فيما بيننا ومع الله؟ هنا يُشبّه الرّبّ يسوع ابنُ الله هذه الوحدة فيما بيننا بعلاقة الاِبن مع الآب: "كلّ ما هو لي هو لك وما هو لك هو لي" (يوحنّا 17: 10). إنْ حصل ذلك فيما بيننا تمّت الوحدة. 
 
الوحدة ليست في العدد، ليست "رقم 1"، إنّها في العلاقة، في نوعيّة 




العلاقة، كما يوضح القدّيس مكسيموس المعترف(1) بالنّسبة للثّالوث. 
 
ونحن مخلوقون على صورة الثّالوث. إنّها وحدة في الجوهرة والمشيئة فيما يختصّ بالثّالوث الآب والاِبن والرّوح القدس، كذلك بالنّسبة إلينا بالإيمان والأعمال. 
 
""كلّ ما هو لك هو لي وكلّ ما هو لي هو لك". هكذا هي القوى الإلهيّة المشتركة: واحدة لدى الآب والاِبن والرّوح القدس. يبقى الأقنوم (الشّخص) personne مميّزاً لكنّ القوىénergies divines والفضائل هي واحدة.
 
موت الواحد، كلّ واحد عن الآخر، يمكن له أن يعطي ثمراً كثيراً (2). إنّه موتٌ عن أهوائنا الضارّة: 
 
عن محبّة المال والسّلطة واللّذّة، عن أنانيّتنا؛ هذا ما يُعطي نتائج جيّدة، هذا ما يوحّدنا في النهاية. يذكر القدّيس يوحنّا الإنجيليّ ذلك بلسان يسوع: "الحقّ الحقّ أقول لكم: إنْ لم تقع حبّة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن، إنْ ماتت تأتي بثمر كثير". (يوحنّا 12: 24).
 
عن الله الثالوث كائن في علاقة Être de relation
وأهمّها المحبّة.
 
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما 
 
 
طروباريَّة القيامة باللَّحن السادس
 
إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبرِ طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر؛ فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة. فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.
 
طروباريَّة الآباء باللَّحن الثامن
 
أنتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.
 
طروباريَّة الصّعود باللَّحن الرّابع
 
صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوحِ القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.
 
القنداق باللَّحن السّادس
 
لـمَّا أَتْمَمْت َالتَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاقٍ وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.
 
الرِّسالَة
أع 20: 16-18، 28-36 
 
مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهَ آبائِنَا
فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا 
 
 
في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ، لأنَّه كان يَعْجَلُ حتَّى يكون في أورشليمَ يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوا كنيسةَ اللهِ الَّتي ﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا: أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم، بعد ذهابي، ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي، مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ، لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ أَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ على أَنْ تبنيَكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أَحَدٍ أو لِبَاسَه، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي لنا أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ؛ فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ معَ جميعِهِم وصَلَّى.
 
الإنجيل
يو 17: 1-13
 
في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، بما أَعْطَيْتَهُ من سُلطَانٍ على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ: أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالمِ بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالمِ وهؤلاءِ هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاكِ لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.
 
في الإنجيل
 
نرى الرّبّ يسوع، من بعد تناوله العشاء الأخير مع تلاميذه، يرفع عينيه نحو السّماء ويقول: 
 
"…أيّها الآب قد أتت السّاعة… أنا قد مجّدتك على الأرض، والآن مجِّدني أنتَ يا أبتِ عندك بالمجد الذي كان لي عندك من قبل كون العالَم…"
 
فما هو هذا المجد؟ وعلى أيّ مجد يتكلّم الرّبّ يسوع؟
 
علينا أن نعلم أنّ الرّبّ يسوع لم يطلب لنفسه مجداً لم يكن عنده. أي لم يطلب شيئاً جديداً لنفسه، فلقد كان ممجَّداً عند الآب كما سمعنا "من قبل إنشاء العالَم"، أي منذ الأزل، وهذا المجد هو مُلكٌ له. وهذا ما نقوله في دستور إيماننا أنّه "نور من نور، إله حقّ من إله حقّ…" 
 
أمّا المجد الذي مجَّدَ به يسوع أباه على الأرض فهو أنّه قد أتمَّ عمله الذي من أجله أتى، أي نزل من السّماء وتجسّد من أجل خلاصنا. فهذا العمل هو أنّه أعلن لنا البشارة "أعلنتُ اسمك للنّاس وهي أن يعرفوك أنّك أنت الإله الحقيقيّ…"؛ 
 
والآن أكملُ عملي وأنهيه على الصّليب، وسأقوم في اليوم الثّالث، وذلك فداء من أجل الذين حفظوا كلامك، أي آمنوا بك، وبأنّك أنت أرسلتني.
 
فهدف مجيء يسوع هو أنّ المؤمنين به سيخلَّصون، أي سينالون الحياة الأبديّة. "من آمن بي وإن مات فسيحيا". 
 
إذ لا يمكن أن نؤمن بالله وندركه إلّا بيسوع المسيح، وهو الذي يثبّت فينا الإيمان ويقودنا إلى الله أبيه. وهذا الإيمان هو أن نؤمن أنّ الرّبّ يسوع هو المخلّص، وأنّه مساوٍ للآب في الجوهر، والقادر على كلّ شيء وبه كان كلّ شيء ومن دونه لم يكن أيّ شيء. 
 
وعندما نؤمن بذلك، نستطيع أن نسمع صوته مصلّياً من أجلنا لأبيه السماويّ، ليحفظنا باسمه، لنكون جميعاً واحداً كما أنّه هو والآب واحد. 
 
ولكي نكون واحداً، علينا أن نحبّ بعضنا بعضاً باستمرار، أن نغفر بعضُنا آثامَ بعض. 
 
فهو القائل لنا: "أحبّوا بعضكم بعضًا"، كما أحببتكم أنا، تحبّون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً، وبهذا يعرف الجميع أنّكم تلاميذي…"، وهذه المحبّة لا تأتي إلينا تلقائيًّا، بل لكلّ من يثبت في محبّة الله. "لأنّ الله محبّة، ومن يثبت في المحبّة، يثبت في الله والله فيه" رسالة يوحنّا. 
 
ومن يثبت في المحبّة يستطِعْ أن يرى المحبّة والغبطة في حياته ويعيش مع يسوع "أريد أنّ هؤلاء الذين أعطيتني أن يكونوا معي حيث أكون أنا".
 
فلنعطِ المجد لله ولنكُن أنقياء من أجل الكلام الذي كلّمنا به الرّبّ يسوع، فنتمجّد معه ونرث الحياة الأبديّة. آمين.
 
الألَم في المفهوم المسيحيّ 
 
نسمع الكثير عن الألَم في حياتنا، وعن ضرورة تقبّلنا إيّاه. ولكن ما هو المفهوم المسيحيّ الصحيح للألَم؟ وكيف يجب علينا، كمسيحيّين، أن نتقبّل الألَم في حياتنا؟
 
تكثر التساؤلات في زمن الفصح المجيد حول هذا الموضوع، وأهمّها: لماذا اختار الله هذه الطريقة، أعني "الألَم"، من أجل إتمام عمليّة الخلاص؟ أَوَ لَم يكن هناك طريقة أخرى غير الألَم، يمكن أن يخلّصنا بها؟
 
إذا تأمّلنا في مسيرة آلام ربّنا يسوع المسيح الصّامتة، وفي خضمّ ألمه الصّامت، تظهر لنا الحقيقة الكبرى، ألا وهي محبّة الله العظمى لنا نحن البشر، ومحبّة الإبن أيضًا الذي ارتضى أن يضحّي بنفسه من أجلنا، منفِّذاً، بكلّ محبّة وتواضع، مشيئة أبيه السّماويّ.
 
هذا الألَم الذي قاد في النهاية إلى تمجيد ابن الإنسان، وإلى خلاص البشريّة، ومهّد للبشر طريق الخلاص، وفتح لنا أبواب الملكوت، ليعطينا درساً في حياتنا، من أجل تحمّل الآلام لمجد الرّبّ، لنتمجّد نحن أيضًا بدورنا، عَبرَ آلامنا وبصمت، كما تحمّلها هو بصمت تامّ. 
 
(مثل شاةٍ سيق إلى الذّبح، وكحمل لا عيب فيه أمام الذي يجزّه، هكذا لم بفتح فاه).
 
من مسيرة آلام ربّنا يسوع المسيح يتّضح لنا أنّ الألَم مسيرة يعيشها الإنسان في هذا العالَم، بين إخوته البشر، وهذه المسيرة يجب أن تكون بصمت تامّ، على غرار مسيرة آلام ربّنا يسوع المسيح. 
 
يجب أن تكون بصمت لنستطيع أن نسمع صوت الله العظيم وهو يقول لنا "قد مَجَّدت، وسأُمجِّد".
 
يقول لنا آباؤُنا القدّيسون إنّ الألَم هو شيء مقدّس في حياة الإنسان، وأنّ الألَم هو النّار التي تنقّي النّفس وتجعلها مستعدّة للحبّ.
 
من هنا نرى أنّ الألَم ليس مجرّد إحساس وشعور مادّيّ يشعر به الإنسان، يؤلمه ويعذّبه، بل الألم الحقيقيّ هو ذاك الألَم النّابع من المحبّة. والمحبّة لا تعرف الأنا، بل هي تساوي الآخر ـ أي تجعل منه مساوياً لها، وترى أنْ من دونه لا وجود لذاتها.
 
والمحبّة تسخّر ذاتها لخدمة الجماعة. وهي تضحّي دوماً بصمت لكي يكون الآخر، وتكون له الحياة بوفرة. وهذا ما أراده السّيّد المسيح بمجيئه إلى هذا العالَم.
 
محبّته دفعته إلى خدمة الآخرين وتأمين الخلاص لهم "لم آتِ لأُخدم بل لأَخدم". 
 
لقد جاء كما قال: "وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم الحياة، وليكون لهم أفضل". "جئت لتكون لهم الحياة، بل ملء الحياة". هذا ما أراده السّيّد المسيح من مجيئه إلى هذا العالَم؛ أتى لتكون لنا الحياة بوفرة.
 
وإذا أردنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك نجد أنّ المحبّة الحقيقيّة هي الموت من أجل سعادة الآخر. 
 
وهذا ما فعله السّيّد المسيح. فقد مات عن خطايانا، وحمل آلامنا وأوجاعنا، لكي يؤمّن لنا الحياة ولكي تكون لنا الحياة أفضل وبوفرة.
 
الموت المطلوب منّا نحن، كمسيحيّين، لا كما مات يسوع على الصّليب من أجلنا، بل الموت المطلوب منّا هو التخلّي عن الذّات والتعرّي الكلّيّ من الأنا حتّى نستطيع أن نرتدي الآخر في حياتنا. الموت المطلوب منّا في هذه الحياة هو الصمت، لكي نستطيع أن نسمع صوت الإنسان المتألِّم والحزين والمحتاج.
 
الألَم هو المعموديّة الثانية التي قبلها السّيّد المسيح بصمت، وقد رافقه حتّى الجّلجلة والصّليب. وعَبرَ هذا الألَم حمل أوجاعنا بصمت وفتح لنا أبواب الملَكوت وأعاد لنا الملك المعدّ لنا منذ إنشاء العالَم، والذي فقدناه من جراء وقوعنا في الخطيئة.
 
يصوّر لنا أحد الآباء القدّيسين حال الإنسان بابن ملك خسر بإرادته إرث أبيه، وطرد خارج القصر، وصار في حالة يُرثى لها من الذّلّ والعار. 
 
وفيما هو ضائع هنا وهناك، إذا بإنسان يعيد له جميع حقوقه من ميراث أبيه ويعيده إلى ما كان عليه من عزّ وجاه. وهذا الإنسان هو الألَم! ... هو النّار التي تنقّي النفس وتجعلها مستعدّة للحبّ، ومستعدّة لأَن تضحّي من أجل الآخر.
 
من هنا نفهم كلام السّيّد المسيح عندما قال: "لم آتِ لألقي على الأرض سلامًا، بل ناراً". هذه النّار هي نار المحبّة المتألّمة، نار الألَم الجماعيّ الذي يغسل النّفوس ويطهّرها ويلبسها حلّة جديدة هي حلّة المسيح.
 
دعوتنا نحن اليوم، كمسيحيّين موجودين في قلب هذا العالَم الصعب، أن نكون كتلة واحدة مترابطة تشعّ بالمحبّة والألَم، لتصل إلى الفرح الحقيقيّ، ولنكون جميعنا واحدًا، وقلبًا واحدًا وقولاً واحدًا، حتّى نستطيع أن نؤلّف وحدة متناغمة نشكّل بها جسداً واحداً هو جسد السّيّد المسيح.
 
دعوتنا أن نلتفت نحو من يتألّمون بصمت، لنمدّ نحوهم يداً صامتة مفعمة بالحبّ، فيكونوا هم بدورهم مدرسة لنا في تحمّل الألَم بصمت، والوصول إلى دويّ الحبّ الذي طالما عمل بصمت ويعمل.
 
هذا ما أراد أن يعلّمنا إياه الرّبّ يسوع المسيح من مسيرة آلامه الخلاصيّة، لكي نستطيع، إذا ما عشنا مسيرة آلامنا بصمت، كما عاشها هو، ونحبّ إخوتنا البشر كما أحبّنا هو، أن نعاين نور القيامة المقدّسة ومجدها، ونعبر معه إلى الملكوت، لنعاين وجه الله ونرث الملك المعدّ لنا منذ إنشاء العالَم.